Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
الرابع أنه لو وجد الخلاء لزم انتفاء أمور نشاهدها ونحكم بوجودها قطعا كارتفاع اللحم في المحجمة عند المص فإنه لما انجذب الهواء بالمص تبعه اللحم لئلا يلزم الخلاء وكارتفاع الماء في الأنبوبة إذا غمس أحد طرفيها في الماء ومص الطرف الآخر وكبقاء الماء في الكوز الذي في اسفله ثقبة ضيقة من غير أن ينزل من الثقبة عند شد رأس الكوز لئلا يبقى حيز الماء خاليا ونزوله على ما هو مقتضى طبعه عند فتح الرأس لدخول الهواء وكانكسار القارورة التي جعلت في رأسها خشبة وشدت بحيث لا يدخل فيها ولا يخرج عنها هواء ثم أخرجت الخشبة فإن القارورة تنكسر إلى الداخل لئلا يبقى حيز الخشبة خاليا وإن أدخلت تنكسر القارورة إلى الخارج لما أن فيها ملاء لا يجامع الخشبة وأجيب بأنه يجوز أن يكون ذلك لأسباب أخر فإن غاية هذه الأمور لزومها لانتفاء الخلاء واللازم قد يكون أعم فلا يصح الاستدلال بوجوده على وجود الملزوم نعم ربما يفيد يقينا حدسيا للناظر لكن لا يقوم حجة على المناظر ( قال الفصل الثالث في الكيف ) لا طريق إلى تعريف الأجناس العالية سوى الرسوم الناقصة إذ لا يتصور لها جنس وهو ظاهر ولا فصل لأن التركب من الأمرين المتساويين ليكون كل منهما فصلا مجرد احتمال عقلي لا يعرف تحققه بل ربما تقام الدلالة على انتفائه ولم يظفر للكيف بخاصة لازمة شاملة سوى التركب من العرضية والمغايرة للكم وللأعراض النسبية إلا أن التعريف بها كان تعريفا للشيء بما يساويه في المعرفة والجهالة لأن الأجناس العالية ليس بعضها أجلى من البعض فعدلوا عن ذكر كل من الكم والأعراض النسبية إلى ذكر خاصته التي هي أجلى فقالوا هو عرض لا يقتضي لذاته قسمة ولا يتوقف تصوره على تصور غيره فخرج الجوهر والكم والأعراض النسبية ومن جعل النقطة والوحدة من الأعراض زاد قيد عدم اقتضاء اللاقسمة احترازا عنهما وقيدوا عدم اقتضاء القسمة واللاقسمة بالذات والأولية لئلا يخرج عن التعريف العلم بالمركب وبالبسيط حيث يقتضي القسمة واللاقسمة نظرا إلى المتعلق فإن قيل من الكيفيات ما يتوقف تعلقه على تعقل شيء آخر كالعلم والقدرة والاستقامة والانحناء ونحو ذلك قلنا ليس هذا بتوقف وإنما هو استلزام واستعقاب بمعنى أن تصوره يستلزم تصور متعلق له بخلاف النسبيات فإنها لا تتصور إلا بعد تصور المنسوب والمنسوب إليه وبالجملة فالمعنى بالكيفية ما ذكر فلو كان شيء مما بعد في الكيفيات على خلاف ذلك لم يكن كيفية والمشهور في تعريف الكيفية أنها هيئة قارة لا يوجب تصورها تصور شيء خارج عنها وعن حاملها ولا تقتضي قسمة ولا نسبة في أجزاء حاملها واحترز بالقيد الأخير عن الوضع وبالأول أعني القارة عند الزمان وأن يفعل وأن ينفعل واعترض بأن الاحتراز عن أن يفعل وأن ينفعل حاصل بالقيد الثاني وعن الزمان بالقيد الثالث أعني عدم اقتضاء القسمة على أن من الكيفيات ما ليست بقارة كالصوت ومنها ما يوجب تصورها تصور أمر خارج كالعلم والقدرة على ما مر قال وتنحصر بالاستقراء في أربعة اقسام أقسام الكيف في أربعة الكيفيات المحسوسة الكيفيات النفسانية الكيفيات المختصة بالكميات الاستعدادات والتعويل في الحصر على الاستقراء وقد يبين بصورة الترديد بين النفي والإثبات ويحصل بحسب اختلاف التعبير عن كل قسم بما له من الخواص طرق متعددة حاصلها أن الكيف إن كان هو القسم الأول فالأول أو الثاني فالثاني أو الثالث فالثالث وإلا فالرابع والمنع عليه ظاهر فلا يصلح إلا وجه ضبط لما علم بالاستقراء على أن بعض الخواص مما فيه نوع خفاء كتعبير الإمام عن الكيفيات النفسانية بالكمال وتعبير ابن سينا عنها بما لا يتعلق بالأجسام وعن الاستعدادات بما يخص الجسم من حيث الطبيعة وعن المحسوسات بما يكون ثبوتها أنها فعل وبعضها ليس شاملا للأفراد كتعبيره عن المحسوسات بما يكون فعله بطريق التشبيه أي جعل الغير شبيها به كالحرارة تجعل المجاور حارا أو السواد يلقي شبحه أي مثاله على العين لا كالثقل فإن فعله في الجسم التحريك لا الثقل قال الإمام وهذا تصريح منه فإخراج الثقل والخفة عن المحسوسات مع تصريحه في موضع آخر من الشفاء بأنهما منها وذكر في موضع آخر منه أنه لم يثبت بالبرهان أن الرطب يجعل غيره رطبا واليابس يجعل غيره يابسا وكتعبيره عن الكيفيات المختصة بالكميات بما يتعلق بالجسم من حيث الكمية قال الإمام وهذا تضييع للكيفية المختصة بالعدد يعني من جهة أنها قد تتعلق بالمجردات وبهذا اعترض على قولهم أن البحث عن أحوال ما يستغني عن المادة في الذهن دون الخارج هي الرياضيات بأن من جملتها البحث عن أحوال العدد وهو يستغني عن المادة في الخارج أيضا وأجيب بأن البحث فيه قد يقع لا من حيث الافتقار إلى المادة وهو بحث الوحدة والكثرة من الإلهي وقد يقع من حيث الافتقار كالجمع والتفريق والضرب ونحو ذلك مما في الحساب وهو من الرياضي وفيه نظر لا يقال المراد ما يتعلق بالجسم في الجملة وإن لم يختص به وكيفيات العدد كذلك لأنا نقول فحينئذ يكون معنى الكيفيات النفسانية مالا يتعلق بالجسم أنها لا تتعلق به أصلا وفساده بين بل المعنى أنها لا تتعلق به خاصة بحيث تستغني عن النفس قال القسم الأول الكيفيات المحسوسة وهي إن كانت راسخة كصفرة الذهب وحلاوة العسل سميت انفعاليات لانفعال الحواس عنها أو لا ولكونها بخصوصها أو عمومها تابعة للمزاج الحاصل من انفعال العناصر بموادها فالخصوص كما في المركبات مثل حلاوة العسل والعموم كما في البسايط مثل حرارة النار فإن الحرارة من حيث هي قد تكون تابعة للمزاج ولانفعال المواد وهذا معنى قولهم تشخصها أو نوعها وإلا فالحرارة ليست نوعا لحرارة النار وغيرها لا حقيقيا ولا إضافيا وكذا البياض لبياض الثلج والعاج على ما سيجيء وإن كانت غير راسخة سميت انفعالات لأنها لسرعة زوالها شديدة الشبه بأن تنفعل فخصت بهذا الاسم تمييزا بين القسمين قال المبحث الأول أصول الكيفيات الملموسة أي التي لا يخلو عنها شيء من الأجسام العنصرية ويقع الإحساس بها أو لا وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ولا خفاء في وجودها فما يقال أن البرودة عدم الحرارة ليس بشيء ولا في ماهيتها فما يذكر في معرض التعريف لها تنبيه على بعض ما لها من الخواص لا إفادة لتصوراتها والمشهور من خواص الحرارة أنها التي تفرق المختلفات وتجمع المتشاكلات إلا أنها تابعة لخاصة أخرى هي التحريك إلى فوق على ما قال في الحدود الحرارة كيفية فعلية محركة لما تكون فيه إلى فوق لإحداثها الخفة فيعرض أن تجمع المتجانسات وتفرق المختلفات وتحدث بتحليلها الكثيف تخلخلا من باب الكيف أي رقة قوام ويقابله التكاثف بمعنى غلظ القوام وبتصعيدها اللطيف تكاثفا من باب الوضع أي اجتماعا للأجزاء الوجدانية الطبع بخروج الجسم الغريب عما بينها ويقابله التخلخل بمعنى انتفاش الأجزاء بحيث يخالطها جرم غريب ومعنى الفعلية ما سبق من جعل الغير شبيها لا مجرد إفادة أثر ما أعم من الحركة وغيرها ليكون قولنا فعلية محركة بمنزلة قولنا جسم حيوان على ما زعم الإمام وبالجملة فالخاصة الأولية للحرارة هي إحداث الخفة والميل المصعد ثم يترتب على ذلك بحسب اختلاف القوابل آثار مختلفة من الجمع والتفريق والتنجيز وغير ذلك وتحقيقه أن ما يتأثر عن الحرارة إن كان بسيطا استحال أولا في الكيف ثم أفضى به ذلك إلى انقلاب الجوهر فيصير الماء هواء والهواء نارا وربما يلزمه تفريق المتشاكلات بأن تتميز الأجزاء الهوائية من الماء ويتبعها ما يخالطها من الأجزاء الصغار المائية وإن كان مركبا فإن لم يشتد التحام بسائطه ولا خفاء في أن الألطف أقبل للصعود لزم تفريق الأجزاء المختلفة وتبعه انضمام كل إلى ما يشاكله بمقتضى الطبيعة وهو معنى جمع المتشاكلات وإن اشتد التحام البسائط فإن كان اللطيف والكثيف قريبين من الاعتدال حدثت من الحرارة القوية حركة دورية لأنه كلما مال اللطيف إلى التصعد جذبه الكثيف إلى الانحدار وإلا فإن كان الغالب هو اللطيف يصعد بالكلية كالنوشادر وإن كان هو الكثيف فإن لم يكن غالبا جدا حدث تسييل كما في الرصاص أو تليين كما في الحديد وإن كان غالبا جدا كما في الطلق حدث مجرد سخونة واحتيج في تليينه إلى الاستعانة بأعمال أخر وعدم حصول التصعد أو التفرق بناء على المانع لا ينافي كون خاصتها التصعيد وتفريق المختلفات وجمع المتشاكلات قال وقد يقال الحار إطلاق الحرارة على حرارة النار وعلى الحرارة الفايضة عن الأجرام السماوية النيرة وعلى الحرارة الغريزية وعلى الحرارة الحادثة بالحركة ليست بحسب اشتراك اللفظ على ما يتوهم لأنه لمفهوم واحد هو الكيفية المحسوسة المخصوصة وإن كانت الحرارات متخالفة بالحقيقة واختلاف المفهوم إنما هو في إطلاق الحار على مثل النار وعلى الأجرام السماوية التي تفيض منها الحرارة وعلى الدواء والغذاء اللذين يظهر منهما حرارة في بدن الحيوان وهل في كل من الكواكب والدواء والغذاء صفة مسماة بالحرارة كالكيفية المحسوسة في النار أم ذلك توسع وإطلاق للحار على ما منه الحرارة وإن لم يقم به معنى مسمى بالحرارة فيه تردد واختلفوا في الحرارة الغريزية التي بها قوام حياة الحيوان فاختار الإمام الرازي أنها هي النارية فإن النار إذا خالطت سائر العناصر أفادت حرارتها المركب طبخا واعتدالا وقواما لتوسطها بانكسار سورتها عند تفاعل العناصر بين الكثرة المقتضية إلى إبطال القوام والعلة القاصرة عن الطبخ الموجب للاعتدال فتلك الحرارة هي المسماة بالحرارة الغريزية وحكي عن أرسطو أنها من جنس الحرارة التي تفيض من الأجرام السماوية فإن المزاج المعتدل بوجه ما مناسب لجوهر السماء لأنه ينبعث عنه يعني أنه إذا امتزجت العناصر وانكسرت سورة كيفياتها حصل للمركب نوع وحدة وبساطة بها يناسب البساطة السماوية ففاض عليه مزاج معتدل به حفظ التركيب وحرارة غريزية بها قوام الحياة وقبول علاقة النفس وبعضهم على أنها مخالفة بالماهية للحرارة النارية والحرارة السماوية لاختصاصها بمقاومة الحرارة الغريزية ودفعها عن الاستيلاء على الرطوبات الغريزية وإبطال الاعتدال حتى أن السموم الحارة لا تدفعها إلا الحرارة الغريزية فإنها آلة للطبيعة تدفع ضرر الحار الوارد بتحريك الروح إلى دفعه وضرر البارد الوارد بالمضادة وأجاب الإمام بأن تلك المقاومة إنما هي من جهة أن الحرارة الغريزية تحاول التفريق والغريزية أفادت من النضج والطبخ ما يعسر عنده على الحرارة الغريزية تفريق تلك الأجزاء وبالجملة يجوز أن تكون هي الحرارة السماوية أو النارية ويستند آثاره المختصة بها إلى خصوصية حصولها في البدن المعتدل وصيرورتها جزأ من المزاج الخاص ( قال وأورد ) المذكور في كلام بعض المتقدمين أن الجسم إنما كان رطبا إذا كان بحيث يلتصق بما يلامسه وفهم منه أن الرطوبة كيفية تقتضي التصاق الجسم ورده ابن سينا بأن الالتصاق لو كان للرطوبة لكان الأشد رطوبة أشد التصاقا فيكون العسل أرطب من الماء بل المعتبر في الرطوبة سهولة قبول الشكل وتركه فهي كيفية بها يكون الجسم سهل التشكل وسهل الترك للشكل وأجاب الإمام بأن المعتبر فيها سهولة الالتصاق ويلزمها سهولة الانفصال فهي كيفية بها يستعد الجسم لسهولة الالتصاق بالغير وسهولة الانفصال عنه ولا نسلم أن العسل أسهل التصاقا من الماء بل أدوم وأكثر ملازمة ولا عبرة بذلك في الرطوبة كيف وظاهر أنه ليس أسهل انفصالا فيلزم أن لا يكون أسهل التصاقا وكان مراد الإمام تأويل كلامهم بما ذكر وإلا فاعتراض ابن سينا إنما هو على ما نقله من كلامهم لا على تفسير الرطوبة بسهولة الالتصاق والانفصال على ما يشعر به كلام للواقف ومبناه على أنه لا تعرض في كلامهم للانفصال أصلا ولا للسهولة في جانب الالتصاق على ما ذكر من استلزام سهولة الالتصاق وسهولة الانفصال ممنوع وقد يعترض على اعتبار سهولة الالتصاق بأنه يوجب أن يكون اليابس المدقوق جدا كالطعام المحرقة رطبا لكونه كذلك ويجاب بأنه يجوز أن يكون ذلك لمخالطة الأجزاء الهوائية وهذا ما يتم على رأي من يقول برطوبة الهواء وسهولة التصاقه لولا مانع فرط اللطافة لا على رأي الإمام واعترض على اعتبار سهولة قبول الأشكال بوجوه منها أن النار أرق العناصر وألطفها وأسهلها قبولا للأشكال فيلزم أن يكون أرطبها وبطلانه ظاهر وأجيب بأنا لا نسلم سهولة قبول الأشكال الغريبة في النار الصرفة وإنما ذلك فيما يشاهد من النار المخالطة للهواء فإن قيل إذا أوقد التنور شهرا أو شهرين انقلب ما فيه من الهوا نارا صرفه أو غالبه مع أن سهولة قبول الأشكال بحالها بل أزيد قلنا لو أوقد ألف سنة فداخلة الهوا ومخالطة الأجزاء بحالها ومنها أنه يوجب كون الهوا رطبا ويبطله اتفاقهم على أن خلط الرطب باليابس يفيده استمساكا عن التفتت وخلط الهوا بالتراب ليس كذلك والجواب أن ذلك إنما هو في الرطب بمعنى ذي البلة فإن إطلاق الرطوبة على البلة شايع بل كلام الإمام صريح في أن الرطوبة التي هي من المحسوسات إنما هي البلة لا ما اعتبر فيه سهولة قبول الأشكال لأن الهوا رطب بهذا المعنى ولا تحس منه برطوبة ومنها أنه يوجب أن يكون المعتبر في اليبوسة صعوبة قبول الأشكال فلم يبق فرق بينها وبين الصلابة ويلزم كون النار صلبة لكونها يابسة والجواب أن اللين كيفية تقتضي قبول الغمز إلى الباطن ويكون للشيء بها قوام غير سيال فينتقل عن وصفه ولا يمتد كثيرا بسهولة والصلابة كيفية تقتضي ممانعة من قبول الغمز ويكون للشيء بها بقاء شكل وسدة مقاومة نحو اللاانفعال فيتغايران الرطوبة واليبوسة بهذا الاعتبار إلا أنه يشبه أن يكون مرجع قبول الغمز ولا قبوله إلى الرطوبة واليبوسة فعلى ما ذكرنا اللين والصلابة كيفيتان متضادتان وهل هما من الملموسات أو الاستعدادات فيه تردد وبعضهم على أن اللين عبارة عن عدم الصلابة عما من شأنه فبينهما تقابل الملكة والعدم قال وأما مثل البلة قد يعد من الملموسات البلة وهي الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم فإن كانت نافذة إلى باطنها فهي الانقطاع والأظهر أن الجفاف عدم ملكة البلة واللزوجة وهي كيفية تقتضي سهولة التشكل مع عسر التفرق واتصال الامتداد وتحدث من شدة امتزاج الرطب الكثير باليابس القليل ويقابلها الهشاشة وهي ما يقتضي صعوبة التشكل وسهولة التفرق واللطافة وقد تقال لرقة القوام كما في الماء والهواء ولسهولة قبول الانقسام إلى أجزاء صغيرة جدا كما في القند ولسرعة التأثر من الملاقي كما في الورد وللشفافية كما في الفلك والكثافة تقابلها بمعانيها والتخدير وهو تبريد للعضو بحيث يصير جوهر الروح الحامل قوة الحس والحركة إليه باردا في مزاجه غليظا في جوهره فلا يستعملها القوى النفسانية ويجعل مزاج العضو كذلك فلا يفيد تأثير القوى النفسانية واللدع وهي كيفية نفاذة جدا لطيفة تحدث في الاتصاف تفرقا كثير العدد متقارب الوضع صغير المقدار فلا يحس كل واحد بانفراده ويحس بالجملة كالوجع الواحد وإما الملاسة والخشونة فالجمهور على أنهما من الكيفيات الملموسة وقال الإمام بل من الوضع لأن الملاسة عبارة عن استواء أجزاء الجسم في الوضع بحيث لا يكون بعضها أرفع وبعضها أخفض والخشونة عن اختلافها ورد بأنه يجوز أن يكون ذلك مبدأهما لأنفسهما ( قال المبحث الثاني ) قد يراد بالاعتماد المدافعة المحسوسة للجسم لما يمنعه من الحركة إلى جهة فيكون من الكيفيات الملموسة ولا يقع اشتباه في تحققه ومغايرته للحركة وللطبيعة لكونه محسوسا يوجد حيث لا حركة كما في الحجر المسكن في الجو والزق المنفوخ المسكن تحت الماء وينعدم مع بقاء الطبيعة كما في الجسم الساكن في حيزه الطبيعي وقد يراد به مبدأ المدافعة فيفسر بكيفية يكون بها الجسم مدافعا لما يمنعه عن الحركة إلى جهة ما وسيجيء بيان تحققه ومغايرته للطبيعة ويبقى الاشتباه في أنه من أي قسم من أقسام الكيف ( قال وقد يجعل أنواعه ) أي أنواع الاعتماد ستة بحسب الحركات في الجهات الست وقد يدعى تضادها مطلقا إن لم يشترط بين المتضادين غاية الخلاف وإن اشترط انحصر التضاد فيما بين المتقابلين كالاعتماد الصاعد والهابط مثلا وفي جعل أنواع الاعتماد ستا ضعيف من وجهين
أحدهما أن الاعتماد الطبيعي الذي يتصور فيه الاختلاف بالحقيقة إنما هو الصاعد والهابط أعني الميل إلى العلو والسفل اللذين هما الجهتان الحقيقيتان اللتان لا تتبدلان أصلا حتى لو انتكس الإنسان لم يصر فوقه تحت وتحته فوق بل صار رجله إلى فوق ورأسه إلى تحت بخلاف سائر الجهات فإنها إضافية تتبدل كالمواجه للمشرق إذا واجه المغرب صار قدامه خلفا ويمينه شمالا وبالعكس فيتبدل الاعتمادات أي يصير اعتماده إلى قدام اعتمادا إلى خلف وبالعكس وكذا إلى اليمين والشمال فلا يكون أنواعا مختلفة
Page 205