Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
وثالثها أن الذاتي اعتبار عقلي لا تحقق له في الأعيان بخلاف الاستعدادي فإنه كيفية حاصلة للشيء مهيئة إياه لإفاضة الفاعل وجود الحادث فيه كالصورة والعرض أو معه كالنفس مختلفة بالقرب والبعد والشدة والضعف بحسب حدوث شرط شرط وارتفاع مانع مانع مسماة بالقوة عند عدم الحادث زائلة عند وجوده ككون الجسم في أوساط الحيز عند الوصول إلى نهايته وهل ذلك الزوال بواجب فيه تردد قال فإن قيل اعلم أن للفلاسفة في التقصي عن هذاالإشكال وجهين أحدهما أن المراد الإمكان الذاتي ومعنى كون إمكان الحادث قبل وجوده وجوديا تعلقه بموضوع موجود في الخارج وتقريره أن الإمكان لا محالة يكون بالقياس إلى وجود والوجود إما بالذات كوجود البياض في نفسه وإما بالعرض كوجود الجسم أبيض أما الإمكان بالقياس إلى وجود بالعرض وهو إمكان أن يوجد شيء شيئا آخر أو يوجد له شيء آخر كالبياض للجسم والصورة للمادة والنفس للبدن ولا خفاء في احتياجه إلى وجود شيء حتى يوجد له شيء آخر وأما الإمكان بالقياس إلى وجود بالذات وهو إمكان وجود الشيء في نفسه فذلك الشيء إن كان مما يتعلق وجوده بالغير أي يكون بحيث إذا وجد كان موجودا في غيره كالعرض والصورة أو مع غيره كالنفس فهو كالأول في الاحتياج إلى موضوع يقوم به إمكان ذلك الشيء قبل وجوده بمعنى كون ذلك الشيء في ذلك الموضوع أو معه بالقوة فهو صفة للموضوع من حيث هو فيه كعرض في موضوع وصفة للشيء من حيث هو بالقياس إليه كإضافة المضاف إليه وإن لم يكن ذلك الشيء مما يتعلق وجوده بالغير بل يكون قائما بنفسه من غير تعلق بموضوع أو مادة فمثله لا يجوز أن يكون حادثا وإلا لكان إمكانه قبل حدوثه قائما بنفسه إذ لا علاقة له بشيء من الموضوعات ليقوم به وهو محال لأنه عرض لا جوهر وضعف هذا الوجه ظاهر لأن الإشكال عائد ولأنه لو ثبت أن إمكان الحادث عرض يستدعي محلا أو استدل على ذلك استدلالا فاسدا بأنه لو لم يكن إمكان الحادث أمرا موجودا لم يكن للحادث إمكان وجود فلم يكن ممكن الوجود على ما في الشفاء لم يحتج إلى ما ذكر من التفاصيل وثانيهما أن المراد الإمكان الاستعدادي والدليل قائم على ثبوته لكل حادث وتقريره أن العلة التامة للحادث لا يجوز أن تكون ذات القديم وحده أو مع شرط قديم وإلا لزم قدم الحادث لأن المعلول دائم بدوام علته التامة بالضرورة لما في التخلف من الترجح بلا مرجح بل لا بد من شرط حادث وحدوثه يتوقف على شرط آخر حادث وهكذا إلى غير النهاية ويمتنع توقف الحادث على تلك الحوادث جملة لامتناع التسلسل ولأن مجموعها بحدوثه يفتقر إلى شرط آخر حادث فيكون داخلا خارجا وهو محال بل لا بد من حوادث متعاقبة يكون كل سابق منها معدا للاحق من غير اجتماع في الوجود كالحركات والأوضاع الفلكية ويحصل بحسبها للحادث حالات مقربة إلى الفيضان عن العلة هي استعداداته المتفاوتة في القرب والبعد المفتقرة إلى محل ليس هو نفس الحادث ولا أمرا منفصلا عنه لما تقدم بل متعلقا به هو المعنى بالمادة وهذا أيضا ضعيف لابتنائه على كون الصانع القديم موجبا بالذات إذ الفاعل بالاختيار يوجد الحادث متى تعلق به إرادته القديمة التي من شأنها الترجيح والتخصيص من غير توقف على شرط حادث قال وأما المدة احتجوا على كون الحادث مسبوقا بالزمان بوجهين أحدهما أنه لا بد له من سبق حوادث متعاقبة بمعنى حصول هذا بعد حصول ذاك بحيث لا يجتمع المتقدم والمتأخر وما ذاك إلا بالزمان وثانيهما أنه لا معنى للحادث إلا ما يكون وجوده مسبوقا بالعدم وظاهر أن سبق عدم الشيء على وجوده لا يعقل إلا بالزمان وهذا التقرير لا يبتني على أن التقدم أمر وجودي وأنه هو الزمان حتى يرد الاعتراض بأنا لا نسلم أنه وجودي بل اعتباري يعرض للعدم أيضا والحاكم بثبوته الوهم وحكمه مردود كما في تحيز الباري حيث يحكم به الوهم بناء على أن ما يشاهد من الموجودات متحيزة وإنما يبتني على صحة الحكم بأن هذا متقدم على ذاك كقدم الحادث على وجوده ولا خفاء في أنه حكم عقلي ضروري والزمان معروض التقدم لا نفسه والجواب أن مبنى الأول على افتقار كل حادث إلى سبق حوادث متعاقبة وقد مر ما فيه ومبنى الثاني على ما ذهب إليه الفلاسفة من أن أقسام التقدم والتأخر والمعية منحصرة بحكم الاستقراء في خمسة بمعنى أن كلا منها يكون إما بالعلية كتقدم حركة اليد على حركة المفتاح وإما بالطبع كتقدم الجزء على الكل وإما بالزمان كتقدم الأب على الابن وإما بالشرف كتقدم المعلم على المتعلم وإما بالرتبة وهي قد تكون حسية بأن يكون الحكم بالترتيب وتقدم البعض على البعض مأخوذا من الحس لكونه في الأمور المحسوسة وقد تكون عقلية بأن يكون ذلك بحكم العقل لكونه في الأمور المعقولة وكل منهما قد يكون بحسب الطبع وقد يكون بحسب الوضع وذلك كتقدم الرأس على الرقبة وتقدم الإمام على المأموم وتقدم الجنس على النوع وتقدم بعض مسائل العلم على البعض ومعلوم أن تقدم عدم الحادث على وجوده ليس إلا بالزمان والمتكلمون منعوا الحصر وتمام الاستقراء ونقضوه بتقدم بعض أجزاء الزمان على البعض كتقدم الأمس على اليوم فإنه كما ليس بالعلية والطبع والرتبة والشرف ليس بالزمان لأن كلا من الأمس واليوم زمان لا أمر يقع في الزمان وما يقال في بيان الحصر من أن المتقدم والمتأخر إن لم يجتمعا في الوجود فهو بالزمان وإن اجتمعا فإن كان بينهما ترتيب بحسب الاعتبار فهو بالرتبة وإلا فإن لم يحتج المتأخر إلى المتقدم فبالشرف وإن احتاج فإن كان المتقدم مؤثرا في المتأخر فبالعلية وإلا فبالطبع أو أن المتقدم إن توقف وجود المتأخر عليه فبالعلية أو بالطبع كما ذكرنا وإن لم يتوقف فالتقدم إن كان بالنظر إلى كمال للمتقدم فبالشرف وإلا فإن كان بالنظر إلى مبدأ محدود فبالرتبة وإلا فبالزمان أو أن التقدم إما حقيقي يكون بحسب الأمر نفسه فلا يتبدل باعتبار المعتبر وإما اعتباري يقابله والأول إن كان بالنظر إلى الذات فبالطبع وإن كان بالنظر إلى الوجود فإن كان وجود المتأخر مشروطا بانقضاء وجود المتقدم فبالزمان وإلا فبالعلية والثاني يفتقر لا محالة إلى مبدأية الاعتبار فإن كان كمالا في المتقدم فبالشرف وإلا فبالرتبة فلا خفاء في أنه ليس إلا وجه ضبط مع أن التقدم بالطبع قد يكون بالنظر إلى الوجود كما في الشرط وأن التقدم بالزمان قد يكون للعدم دون الوجود وبعد تمام الوجود فالزماني بالمعنى الذي ذكر فيها شامل للتقدم الذي بين أجزاء الزمان والذي بين الأب والابن بواسطة الزمان فيكون من التقدم بغيرالعلية والطبع والرتبة والشرف تقدم لا يفتقر إلى زمان يقع فيه المتقدم والمتأخر فيجوز أن يكون تقدم عدم الحادث على وجوده من هذا القبيل فلا يثبت كون كل حادث مسبوقا بالزمان ولا يضرنا في استغنائه عن الزمان تسمية مثل هذا التقدم زمانيا على ما قال بعضهم أن التقدم الزماني على وجهين أحدهما أن يكون المتقدم حاصلا في زمان قبل زمان المتأخر كما بين الأب والابن وثانيهما أن يكون تحقق المتقدم قبل تحقق المتأخر من غير أن يكونا في زمان كما بين الأمس واليوم وقال بعضهم أن التقدم الزماني بالحقيقة هو الذي بين أجزاء الزمامان وإنما يعرض الغير بواسطته إذ لا معنى لتقدم الأب على الابن إلا تقدم زمانه على زمانه حتى لو أريد بالتقدم الحقيقي ما يستغنى عن الواسطة لم يتناول هذا القسم وحصر بعضهم التقدم في الذي بالعلية والذي بالطبع ذاهبا إلى أن التقدم بالرتبة والتقدم بالشرف راجعان إلى الزمان لأن معنى تقدم مكان على آخر أن زمان الوصول إليه قبل زمان الوصول إلى الآخر ومعنى تقدم الجنس على النوع أن زمان الأخذ والشروع في ملاحظته قبل زمان الأخذ في النوع ومعنى تقدم المعلم على المتعلم أن فيه صفة توجب تقدمه في المجلس أو في الشروع في الأمور فيعود إلى الزماني بوسط أو لا بوسط وأن التقدم الزماني راجع إلى التقدم بالطبع لأن السابق من الأجزاء المفروضة للزمان معد لوجود اللاحق وشرطا له كالحركة فالتقدم الحقيقي هو الذي بالعلية أو بالطبع والمعنى المشترك بينهما كون المتأخر محتاجا في تحققه إلى المتقدم من غير احتياج للمتقدم إليه إلا ان المتقدم في الذي بالعلية هو المفيد لوجود المتأخر ولا كذلك في الذي بالطبع والمعتبر هو العلة التامة أم الفاعلية فيه تردد فعلى الأول يكون المتقدم والمتأخر بالعلية متلازمين وجودا وعدما وعلى الثاني قد توجد ذات المتقدم بدون ذات المتأخر بأن ينتفي بعض شروط التأثر والمتقدم بالطبع لا يستلزم المتأخر وجودا بل عدما والمتأخر يستلزمه وجودا لا عدما وأما بالنظر إلى وصفي التقدم والتأخر فبين كل متقدم ومتأخر تلازم وجودا وعدما لكونها متضايفين لكن إذا اعتبرا من قسم واحد فإن تضايف المتقدم بالطبع مثلا إنما هو مع المتأخر بالطبع لا بالعلية أو الزمان أو الرتبة أو الشرف وعلى هذا قياس سائر الأقسام والمعنى المشترك بين التقدم بالعلية والتقدم بالطبع قد يقال له التقدم بالذات وقد يقال له التقدم بالطبع ويخص ما بالعلية باسم الذاتي وقد يسمى القدم بالطبع تقدما بالذات بمعنى أن المتقدم مقوم محتاج إليه باعتبار الذات والحقيقة دون مجرد الوجود كما في العلية فإن ذات الاثنين لا يتم ولا يعقل بدون الواحد ولا خفاء في أن هذا إنما هو في الجزء دون الشرط فالحكم ليس بكلي على ما يشعر به ظاهر عبارة المواقف قال ومن ههنا ترددوا قد اختلفت العبارات في أن مقولية التقدم والتأخر والمعية على الأقسام الخمسة أو الستة بحسب الاشتراك اللفظي بأن يكون موضوعا لكل على حدة أو بحسب التشكيك بأن يكون موضوعا بمعنى مشترك بين الكل لا على السواء لكونه في التقدم بالعلية أقدم وفي التقدم بالطبع أولى حيث يكون بالنظر إلى الذات وفي التقدم بالرتبة الحسية أشد منه في العقلية وكائن هذا مبني على أن الكل عائد إلى التقدم بالعلية وبالطبع وبالزمان أو إلى الأولين فقط واللفظ موضوع بإزاء معنى مشترك هو كون الشيء محتاجا إليه وإلا فليس للفظ مفهوم مشترك بين الكل لا يقال الكل مشترك في معنى واحد وهو أن للمتقدم أمرا زائدا لا يوجد للمتأخر كالتأثير في الذي بالعلية وكونه مقوما أو شرطا في الذي بالطبع وكونه مضى له زمان أكثر في الذي بالزمان وزيادة الكمال في الذي بالشرف وقرب الوصول إليه من مبدأ معين في الذي بالرتبة لأنا نقول ليس هذا مفهوم لفظ التقدم ولا لصدق على كل شيء ينسب إلى آخر ضرورة أنه يشتمل على أمر لا يوجد في الآخر وإن أريد اشتماله على أمر زائد هو أحد الأمور المذكورة فمثله يتأتى في كل مشترك لفظي بأن يقال لفظ العين مثلا موضوع بإزاء معنى مشترك بين الكل هو مفهوم أحد المعاني قال المنهج الرابع في الوحدة والكثرة والحق أنهما من الاعتبارات العقلية التي لا وجود لها في الأعيان بمثل ما سبق في الوجوب والإمكان وأن تصورهما بديهي لحصوله لمن لم يمارس طرق الاكتساب فلا يعرفان إلا لفظا كما يقال الوحدة عدم الانقسام والكثرة هي الانقسام وقد يقال الوحدة عدم الانقسام إلى أمور متشابهة والكثرة هو الانقسام إليها ولا خفاء في انتفاضهما طردا وعكسا بالمجتمع من الأمور المتخالفة وأما ما يقال أن الوحدة عدم الكثرة والكثرة هي المجتمع من الوحدات فمبناه على أن الوحدة أعرف عند العقل والكثرة عند الخيال لما أن الوحدة مبدأ الكثرة والعقل إنما يعرف المبدأ قبل ذي المبدأ والكثرة ترتسم صورها في الخيال فينتزع العقل منها أمرا واحدا فيكون تفسير الوحدة بالكثرة عند الخيال وتفسير الكثرة بالوحدة عند العقل تفسيرا بالأعرف لا بالمساوي في المعرفة والجهالة ( قال والقطع ) لما كانت الوحدة مساوقة للوجود بمعنى أن كل ما له وحدة فله وجود ما وكل ما له وجود فله وحدة بوجه ما توهم بعضهم أن الوحدة هي الوجود وهو باطل لأن الكثير من حيث هو كثير موجود وليس بواحد فحاول التنبيه على أن كلا من الوحدة والكثرة مغاير لكل من الوجود والماهية وذلك بوجهين أحدهما لنا أن نتعقل ماهية الشيء ووجوده من غير أن نتعقل وحدته أو كثرته بل مع التردد فيه كما نقطع بوجود الصانع ثم نثبت بالبرهان وحدته ونقطع بوجود الفلك وماهيته ثم نثبت كثرته وثانيهما أنا إذا جمعنا مياه أوان كثيرة في إناء واحد حتى صار ماء واحدا أو فرقنا ماء إناء واحد في أوان كثيرة حتى صارت مياها كثيرة فقد زالت الوحدة والكثرة مع أن الوجود والماهية بحالهما من غير زوال وتبدل قطعا فلو كانت الوحدة أو الكثرة نفس الوجود أو الماهية لما كان كذلك ( قال وقد يستدل ) نقل خلاف بين الفلاسفة والمتكلمين في أن الوحدة والكثرة وجوديتان أو عدميتان وتمسكات من الطرفين يشعر بعضها بأن المراد بالوجودي الموجود وبالعدمي المعدوم وبعضها بأن المراد بالعدمي ما يدخل في مفهومه العدم وبالوجودي مالا يدخل فمن تمسكات الفلاسفة أن الوحدة جزء هذا الواحد الموجود وأنها نقيض اللاوحدة العدمية لصدقها على الممتنع وأنها لو لم تكن موجودة لما كان شيء ما واحدا لعدم الفرق بين قولنا وحدته لا وقولنا لا وحدة له والكل ظاهر الفساد ومنها ما أورده الإمام من أن الوحدة لو كانت عدمية لكانت عدم الكثرة لأنها المقابل لها والكثرة إما أن يكون أمرا عدميا ويلزم منه كون الوحدة وجودية لكونها عبارة عن عدم العدم هذا خلف وإما أن يكون أمرا وجوديا وهي عبارة عن مجموع الوحدات فيلزم كون مجموع العدمات أمرا وجوديا وهو محال أو نقول والوحدة جزء منها فتكون وجودية هذا خلف ولما بطل كون الوحدة عدمية ثبت كونها وجودية ولزم منه كون الكثرة وجودية لكونها عبارة عن مجموع الوحدات ورد بأن سلب العدمي قد يكون عدميا كالامتناع واللاامتناع ومن تمسكات المتكلمين أن الوحدة لو كانت موجودة لكانت واحدة لكون الوجود مساوقا للوحدة ولكانت الوحدات مشاركة في الوحدة ومتمايزة بالخصوصيات لتكون للوحدة وحدة ويتسلسل والجواب بأنه ينقطع بانقطاع الاعتبار أو بأن وحدة الوحدة عينها اعتراف بأنها من الاعتبارات العقلية التي لا تحقق لها في الأعيان لما مر في الوجوب وإلا لكان ومنها أنه لا يعقل من الوحدة إلا عدم الانقسام ومن الكثرة إلا التألف من الوحدات ورد بأن هذا عين الدعوى قال معروض الوحدة قد سبق أن الوحدة قد تعرض لنفس الوحدة كما يقال وحدة واحدة ووحدات كثيرة ولغيرها فهذا بيان لأقسامها باعتبار المعروض تنبيها على بعض الاصطلاحات وعلى اختلاف معناها بحسب الأفراد فموضوع الوحدة إما أن يكون معروضا للكثرة بأن يصدق على كثيرين أو لا فإن لم يكن فإما أن يكون له مفهوم سوى عدم الانقسام أو لا فإن لم يمكن له مفهوم سوى عدم الانقسام كما في قولنا وحدة واحدة فهو الوحدة على الإطلاق وإن كان له مفهوم سوى ذلك فإما أن يكون ذلك المفهوم قابلا للانقسام أو لا فإن لم يكن فإما أن يكون بحيث يمكن أن يشار إليه إشارة حسية أو لا فالأول النقطة والثاني المفارق وإن كان قابلا للقسمة فقبوله القسمة إما بالذات وهو الكم أو بالعرض وهو الجسم فإن كان بسيطا متشابه الأقسام فهو الواحد بالاتصال وإن كان مركبا مختلف الأقسام فهو الواحد بالاجتماع والكم أيضا من قبيل الواحد بالاتصال وقد يقال الواحد بالاتصال بمقدارين يلتقيان عند حد مشترك كضلعي الزاوية وكجسمين يتلازم طرفاهما بحيث يتحرك أحدهما بحركة الآخر سواء كان الالتئام طبيعيا كاللحم مع العظم أو لا كأجزاء السلسلة قال الإمام الأجسام المتشابهة إن اعتبر حالها قبل حصول الانقسام فهو الواحد بالاتصال لأن صورته وهيولاه واحدة وإن أمكن أن يعرض فيه أجزاء تتلاقى عند حد مشترك وإن اعتبر حالها عند حصول القسمة فإنه لا بد أن تكون تلك الأجزاء من شأنها أن تتحد موضوعاتها بالفعل لا كأشخاص الناس فإنه ليس من شأنها الاتحاد فهذا القسم مع أنه واحد بالنوع واحد بالموضوع يعني أن المياه المتكثرة بالشخص واحدة بالنوع لكونها متماثلة متفقة الحقيقة وبالموضوع أيضا أعني المادة التي هي محل للصور والأعراض لأنها وإن تعددت موادها بالشخص لكن تعود عند الاجتماع في إناء واحدة مادة واحدة وذلك عند من يقول بالمادة وإلا فالجواهر الفردة لا تصير واحدة قط ثم الواحد بالاجتماع قد تكون وحدته بحسب الطبيعة كالشجر الواحد وقد تكون بحسب الصناعة كالبيت الواحد وقد تكون بحسب الوضع والاصطلاح كالدرهم الواحد فإنه عبارة عن مقدار مخصوص من الموزونات مجتمع من ستة أسداس يسمونها درهما واحدا سواء كانت متصلة أو منفصلة والخمسة منها لا تسمى واحدا وإن كانت متصلة ولا فرق في ذلك بين أن يكون من الأجسام المتشابهة الأجزاء أو غيرها إلا أن ما ذكرنا من الأقسام الثلثة إنما يجري في المركبات فلذا خص بالواحد بالاجتماع وفي عبارة الإمام هي أقسام للواحد التام وهو الذي يشتمل على جميع ما يمكن له كخط الدائرة بخلاف الخط المستقيم فإن الزيادة عليه ممكن أبدا والمراد جميع ما يمكن له من الكثرة والأجزاء لا من الأوصاف والكمالات على ما قد يتوهم وما لا يكون تاما في عبارة بعض المتأخرين من الفلاسفة مسمى بالناقص وفي الطوالع بغير التام وفي كتب الإمام بالكثير هذا إذا لم يكن معروض الوحدة معروضا للكثرة وإن كان فلا بد فيه من جهة وحدة وجهه كثرة لامتناع أن يكون الشيء الواحد باعتبار واحد واحدا وكثيرا فجهة الوحدة إما أن تكون مقوما للكثيرين بمعنى كونه ذاتيا غير عرضي وإما أن يكون عارضا وإما أن لا يكون هذا ولا ذاك بأن يكون خارجا غير محمول فالأول إما أن يكون نفس ماهيتها وهو الواحد بالنوع كوحدة زيد وعمرو في الإنسانية أو جزأ مقولا في جواب ما هو على الكثرة المختلفة الحقيقة وهو الواحد بالجنس كوحدة الإنسان والفرس في الحيوانية أو في جواب أي شيء هو في جوهره وهو الواحد بالفصل وإنما تغاير الواحد بالنوع بحسب الاعتبار دون الذات والثاني إما أن تكون الكثرة موضوعات لمحمول واحد كالقطن والثلج للبياض أو محمولات لموضوع كالكاتب والضاحك للإنسان والثالث كوحدة نسبة النفس إلى البدن ونسبة الملك إلى المدينة في التدبير الذي ليس عارضا للنسبتين بل للنفس والملك ولا خفاء في أن التدبير محمول على النسبتين وإن قلنا النفس كالملك في التدبير فالتدبير محمول عارض لهما فهو كالبياض للقطن والثلج وبالجملة جهة الوحدة هو ما به اشتراك وهو لا يكون إلا بحيث يحمل بالمواطأة أو الاشتقاق قال وبعض هذه الأقسام أولى بالوحدة يعني أن الواحد مقول بالتشكيك دون الاشتراك أو التواطئ لكونه مفهوما واحدا متفاوتا بالأولوية فإن الواحد بالشخص أولى بالوحدة من الواحد بالنوع وهو من الواحد بالجنس وهو من الواحد بالعرض وفي الواحد بالشخص مالا ينقسم أصلا أولى بالوحدة مما ينقسم إلى أجزاء متشابهة وهو مما ينقسم إلى أجزاء متخالفة ولم يقل أحد بالتفاوت في الأشدية والأقدمية لكونه غير معقول قال وكذا الكثرة يشير إلى أحكام منها أن الكثرة مقول بالتشكيك لكونها في كل عدد أشد منها فيما دونه ومنها أن أول مراتب العدد الإثنينية بمعنى أن الاثنين عدد والواحد ليس بعدد لصدق الحد وهو الكم المنفصل عليهما دونه وما قيل أن الفرد الأول أعني الواحد ليس بعدد فكذا الزوج الأول ليس بشيء ومنها أن الأعداد أنواع مختلفة لاختلاف لوازمها من الزوجية والفردية والأصمية والمنطقية ومنها أنها متألفة من الآحاد فأجزاء العشرة واحد عشر مرات لا خمسة وخمسة أو ستة وأربعة أو سبعة وثلاثة إذ لا رجحان لشيء من ذلك بخلاف الواحد فإنه يترجح بأنه لا أقل منه وأن الاثنين إنما يتألف منه ولأن مجرد زيادة الواحد يوجب حصول نوع آخر من العدد ومنها أنها غير متناهية لأن كل عدد فرض فإنه يمكن زيادة الواحد عليه ومنها أنها أمور اعتبارية متحصلة في العقل دون الخارج لأنا إذا اعتبرنا انضمام واحد في المشرق إلى واحد في المغرب حكم العقل بحصول الإثنينية لهما من غير أن يحصل لهما أمر بحسب الخارج ولأن أجزاءها أمور اعتبارية هي الوحدات ولأنها لو تحققت في الخارج فإذا قلنا لزيد وعمرو مثلا هما اثنان فقيام الإثنينية إما بأحدهما أو بكل منهما وهو ظاهر الاستحالة أو بمجموعهما فيلزم في كل منهما شيء منها وليس سوى الوحدة الاعتبارية ( قال المبحث الثالث يمتنع اتحاد الإثنين ) بأن يكون هناك شيئان فيصير شيئا واحدا لا بطريق الوحدة الاتصالية كما إذا جمع الماآن في إناء واحد أو الاجتماعية كما إذا امتزج الماء والتراب فصار طينا أو الكون والفساد كالماء والهواء صارا بالغليان هواء واحدا أو الاستحالة كلون الجسم كان سواد وبياضا فصار سوادا بل بأن يصير أحدهما الآخر الصائر بعينه إياه وذلك لوجهين
الأول أن الاثنين سواء كانا ماهيتين أو فردين منهما أو من ماهية واحدة فالاختلاف بينهما ذاتي لا يعقل زواله إذ لكل شيء خصوصية ما هو بها هو فمتى زالت الخصوصية لم يبق ذلك لشيء واعترض بأنه إن كان استدلالا فنفس المتنازع وإن كان تنبيها فليس أوضح من الدعوى إذ ربما يقع الاشتباه في كون الاختلاف ذاتيا ممتنع الزوال دون اتحاد الاثنين
Page 139