324

Sharḥ al-maqāṣid fī ʿilm al-kalām

شرح المقاصد في علم الكلام

Publisher

دار المعارف النعمانية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1401هـ - 1981م

Publisher Location

باكستان

الخامس أن ما ذكر من اعتبار الاختيار في نفس التصديق اللغوي وكون الحاصل بلا كسب واختيار ليس بإيمان يدل على أن تصديق الملائكة بما ألقي عليهم والأنبياء بما أوحي إليهم والمصدقين بما سمعوا من النبي عليه السلام كله مكتسب بالاختيار وأن من حصل له هذا المعنى بلا كسب كمن شاهد المعجزة فوقع في قلبه صدق النبي عليه السلام فهو مكلف بتحصيل ذلك اختيارا بل صرح هذا القائل بأن العلم بالنبوة الحاصل من المعجزات حدسي ربما يقع في القلب من غير اختيار ولا ينضم إليه التصديق الاختياري المأمور به وكل هذا موضع تأمل فإن قيل لا شك أن المقصود بالتصديق والتسليم واحد والتصريح بذلك من أكابر الصحابة وعلماء الأمة وارد وفي قوله تعالى

﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما

عليه شاهد وإن أمكنت مناقشته وبقوله تعالى

﴿وما زادهم إلا إيمانا وتسليما

مجادلة ففي اتحاد المفهوم لا غير فما بال أقوام شددوا النكير أو أكثروا المدافعة على من قال بذلك من المتأخرين ونسبوه إلى اختراع مذهب في الإسلام وزيادة ركن في الإيمان قلنا لأنه كان يزعم أولا أن التسليم أمر زائد على التصديق الذي اعتبره العلماء لم ينكشف على من قبله من الأذكياء واعترف بأنه إنما اطلع عليه بعد حين من الدهر وصدر من العمر مع أن السلف قد صرحوا بأن المراد به ما يعبر عنه في الفارسية بكرويدن وباور داشتن وبذيرفتن وراست كوى داشتن وأنه لا يكفي مجرد المعرفة لحصولها لبعض الكفار على ما تلونا من الآيات فكاد يفضي ذلك إلى نسبة نفسه مدة من الزمان وكثير من السلف إلى الجهل بحقيقة الإيمان وإلى الإصرار على أنه لا بد من أمر وراء التصديق والإقرار ولأنه اتخذ لفظ التصديق مهجورا مع كونه في ما بين الأنام مشهورا وعلى وجه الأيام مذكورا وبنى الأمر كله على لفظ التسليم بحيث اعتقد كثير من العوام بل الخواص أنهما معنيان مختلفان قد يجتمعان وقد يفترقان لا حظ لأهل التصديق دون التسليم من الإيمان وربما يرى الواحد من غلاة الفريقين وجهلة القبيلين يشمئز من أحد اللفظين ولا يكتفي بأن يكون التصديق والتسليم مذهبين ولأنه اعتبر في التسليم تحقيقات وتدقيقات لم تخطر ببال الكثير من المسلمين بل لا يفهمهما إلا الأذكياء من أئمة الدين فاتخذها جهلة العوام ذريعة إلى تكفير الناس وتجهيل الخواص حتى استفتوه في شأن بعض رؤساء الدين وعلماء المسلمين والمهرة من المحققين فأفتى بكفره بناء على أنه أنكر بعض ما أورده هو في تحقيق الإيمان مع أنك إذا تحققت فبعض منازعاتهما لفظي وبعضها اجتهادي إلى غير ذلك من أمور قصد بها صلاح الدين وقمع الجاحدين لكنها أدت إلى ما أدت وأفضت إلى ما أفضت لما أنه ترك الأرفق إلى الأوفق والأليق إلى الأوثق ولا عليه فإنه قد بذل الجهد في إحياء مراسم الدين وإعلاء لواء المسلمين جزاه الله خير الجزاء عن أهل اليقين وأعلى درجته يوم اللقاء في عليين قال المقام الثالث الأعمال غير داخلة في حقيقة الإيمان لوجوه

الأول ما مر أنه اسم للتصديق ولا دليل على النقل

الثاني النص والإجماع على أنه لا ينفع عند معاينة العذاب ويسمى إيمان اليأس ولا خفاء في أن ذلك إنما هو التصديق والإقرار إذ لا مجال للأعمال

الثالث النصوص الدالة على الأوامر والنواهي بعد إثبات الإيمان كقوله تعالى

﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام

الرابع النصوص الدالة على أن الإيمان والأعمال أمران متفارقان كقوله تعالى

﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات

ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ) وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال إيمان لا شك فيه وجهاد لا غلول فيه وحج مبرور

والخامس الآيات الدالة على أن الإيمان والمعاصي قد يجتمعان كقوله تعالى

﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم

و

﴿والذين آمنوا ولم يهاجروا

﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا

الآية

﴿كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون

السادس الإجماع على أن الإيمان شرط العبادات

السابع أنه لو كان اسما للطاعات فأما للجميع فيلزم انتفاؤه بانتفاء بعض الأعمال فلم يكن من صدق وأقر مؤمنا قبل الإتيان بالعبادات والإجماع على خلافه وعلى أن من صدق وأقر فأدركه الموت مات مؤمنا قال في التبصرة قد أجمع المسلمون على تحقيق اسم الإيمان وإثبات حكمه بمجرد الإعتقاد وأما لكل عمل على حدة فيكون كل طاعة إيمانا على حدة والمنتقل من طاعة إلى طاعة منتقلا من دين إلى دين

الثامن أن جبرائيل عليه السلام لما سأل النبي عليه السلام عن الإيمان لم يجبه إلا بالتصديق دون الأعمال وقالت المعتزلة نحن لا ننكر استعمال الإيمان في الشرع في معناه اللغوي أعني التصديق لكنا ندعي نقله عن ذلك إلى معنى شرعي هو فعل الطاعات وترك المعاصي لأن المفهوم من إطلاق المؤمن في الشرع ليس هو المصدق فقط ولأن الأحكام المجراة على المؤمنين دون الكفرة ليست منوطة بمجرد المعنى اللغوي ورد بأنا لا ندعي كونه اسما لكل تصديق بل للتصديق بأمور مخصوصة كما في الحديث المشهور فإن أريد بالنقل عن المعنى اللغوي مجرد هذا فلا نزاع ولا دلالة على ما يزعمون من كونه اسما للطاعات فاحتجوا بوجوه بوجوه

Page 255