Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
الخامس الآيات الدالة على أن فعل العبد بمشيئته كقوله تعالى
﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾
﴿اعملوا ما شئتم﴾
﴿لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر﴾
﴿فمن شاء ذكره﴾
﴿فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا﴾
والجواب أن التعليق بمشيئة العبد مذهبنا لكن مشيئته بمشيئة الله تعالى
﴿وما تشاؤون إلا أن يشاء الله﴾
وفي تعداد هذه الأنواع وإفرادها إطالة وقد فصلها الإمام في كتبه سيما المطالب العالية وأورد أيضا أحاديث كثيرة توافق أنواع الآيات واقتصر في الجواب على أن الأدلة السمعية متعارضة فالتعويل على العقليات وعمدته في ذلك دليل الداعي الموجب ودليل العلم الأزلي ولذا نقل عن بعض أذكياء المعتزلة أنه كان يقول هما العدوان للاعتزال وإلا فقد ثم الدست لنا وأما دليل الإرادة وقد أورده صاحب المواقف في أعدادهما فلا معول عليه عندهم لتجويزهم وقوع خلاف مراد الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ولهذا ألزم المجوسي عمرو بن عبيد حين قال له لم لا تسلم فقال لأن الله تعالى لم يرد إسلامي فقال أن الله يريد إسلامك لكن الشياطين لا يتركونك فقال المجوسي فأنا أكون مع الشريك الغالب قال خاتمة يشير إلى ما ذكره الإمام الرازي من أن حال هذه المسألة عجيبة فإن الناس كانوا مختلفين فيها أبدا بسبب أن ما يمكن الرجوع إليها فيها متعارضة متدافعة فمفعول الجبرية على أنه لا بد لترجيح الفعل على الترك من مرجح ليس من العبد ومعول القدرية على أن العبد لو لم يكن قادرا على فعله لما حسن المدح والذم الأمر والنهي وهما مقدمتان بديهيتان ثم من الدلائل العقلية اعتماد الجبرية على أن تفاصيل احوال الأفعال غير معلومة للعبد واعتماد القدرية على أن أفعال العباد واقعة على وفق مقصودهم ودواعيهم وهما متعارضان ومن الإلزامات الخطابية أن القدرة على الإيجاد صفة كمال لا تليق بالعبد الذي هو منبع النقصان وأن أفعال العباد تكون سفها وعبثا فلا تليق بالمتعالي عن النقصان وأما الدلائل السمعية فالقرآن مملوء بما يوهم بالأمرين وكذا الآثار فإن أمة من الأمم لم تكن خالية من الفرقتين وكذا الأوضاع والحكايات متدافعة من الجانبين حتى قيل أن وضع النرد على الجبر ووضع الشطرنج على القدر إلا أن مذهبنا أقوى بسبب أن القدح في قولنا لا يترجح الممكن إلا بمرجح يوجب انسداد باب إثبات الصانع ونحن نقول الحق ما قال بعض أئمة الدين أنه لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين وذلك لأن مبنى المبادي القريبة لأفعال العباد على قدرته واختياره والمبادي البعيدة على عجزه واضطراره فإن الإنسان مضطر في صورة مختار كالقلم في يد الكاتب والوتد في شق الحائط وفي كلام العقلاء قال الحائط للوتد لم تشقني فقال سل من يدقني ( قال وأفعاله بقضاء الله تعالى ) قد اشتهر بين أكثر الملل أن الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره وهذا يتناول أفعال العباد وأمره ظاهر عند أهل الحق لما تبين أنه الخالق لها نفسها أو الخالق للقدرة والداعية الموجبتين لها فمعنى القضاء والقدر الخلق والتقدير كما في قوله تعالى
﴿فقضاهن سبع سماوات﴾
وقوله تعالى
﴿وقدر فيها أقواتها﴾
ولا يستقيم هذا عند القدرية وقد يكون القضاء والقدر بمعنى الإيجاب والإلزام كما في قوله تعالى
﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾
وقوله تعالى
﴿نحن قدرنا بينكم الموت﴾
فيكون الواجبات بالقضاء والقدر دون البواقي وقد يراد بهما الإعلام والتبيين لقوله تعالى
﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض﴾
الآية وقوله تعالى
﴿إلا امرأته قدرناها من الغابرين﴾
أي أعلمنا بذلك وكتبناه في اللوح فعلى هذا جميع الأفعال بالقضاء والقدر وقالت الفلاسفة لما كانت جميع صور الموجودات الكلية والجزئية حاصلة من حيث هي معقولة في العالم العقلي بإبداع الأول الواجب إياها وكان أيجاد ما يتعلق منها بالمادة في المادة مختلفا على سبيل الإبداع ممتنعا إذ هي غير متأتية لقبول صورتين معا فضلا عن أكثر وكان الجود الإلهي مقتضيا لتكميل المادة بإبداع تلك الصور فيها وإخراج ما فيها بالقوة من قبول تلك الصور إلى الفعل قدر بلطيف حكمته زمانا يخرج فيه تلك الأمور من القوة إلى الفعل فالقضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم العقلي مجتمعة ومجملة على سبيل الإبداع والقدر عبارة عن وجودها في موادها الخارجية مفصلة واحدا بعد واحد كما قال عز من قائل
﴿وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم﴾
قالوا دخول الشر في القضاء الإلهي على سبيل التبع فإن الموجود إما خير محض كالعقول والأفلاك أو الخير غالب عليه كما في هذا العالم فإن المرض وإن كثر فالصحة أكثر منه ولما امتنع عقلا إيجاد ما في هذا العالم مبرأ عن الشرور بالكلية فإن المطر المخصب للبلاد يخرب بعض الدور بالضرورة وجب في الحكمة إيجاده لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فدخل الشر في القضاء وإن كان مكروها غير مرضي قال ثم لا خلاف في ذم القدرية قد ورد في صحاح الأحاديث لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا والمراد بهم القائلون بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله تعالى ومشيئته سموا بذلك لمبالغتهم في نفيه وكثرة مدافعتهم إياه وقيل لإثباتهم للعبد قدرة الإيجاد وليس بشيء لأن المناسب حينئذ القدري بضم القاف وقالت المعتزلة القدرية هم القائلون بأن الخير والشر كله من الله وبتقديره ومشيئته لأن الشائع نسبة الشخص إلى ما يثبته ويقول به كالجبرية والحنفية والشافعية لا إلى ما ينفيه ورد بأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله القدرية مجوس هذه الأمة وقوله إذا قامت القيامة نادى مناد في أهل الجمع ابن خصماء الله فيقوم القدرية ولا خفاء في أن المجوس هم الذين ينسبون الخير إلى الله والشر إلى الشيطان ويسمونهما يزدان واهر من وان من لا يفوض الأمور كلها إلى الله ويعترض لبعضها فينسبه إلى نفسه يكون هو المخاصم لله تعالى وأيضا من يضيف القدر إلى نفسه ويدعي كونه الفاعل والمقدر أولى باسم القدري ممن يضيفه إلى ربه فإن قيل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل قدم عليه من فارس أخبرني بأعجب شيء رأيت فقال رأيت أقواما ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم فإذا قيل لهم لم تفعلون ذلك قالوا قضاء الله علينا وقدره فقال عليه السلام سيكون في آخر أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم أولئك مجوس أمتي وروى الأصنع بن نباته أن شيخا قام إلى علي ابن أبي طالب بعد انصرافه من صفين فقال أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره فقال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء الله وقدره قال الشيخ عند الله احتسب عنائي ما أرى لي من الأجر شيئا فقال له مه أيها الشيخ عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين فقال الشيخ كيف والقضاء والقدر ساقانا فقال ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لوكان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذم من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشياطين وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها إن الله أمر تخييرا ونهى تحذيرا وكلف يسيرا لم يعص مغلوبا ولم يطع مستكرها ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقال الشيخ وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما قال هو الأمر من الله والحكم ثم تلا قوله تعالى
﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾
) وعن الحسن بعث الله تعالى محمدا إلى العرب وهم قدرية يحملون ذنوبهم على الله وتصديقه قوله تعالى
﴿وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها﴾
قلنا ما ذكر لا يدل إلا على أن القول بأن فعل العبد إذا كان بقضاء الله تعالى وقدره وخلقه وإرادته يجوز للعبد الإقدام عليه ويبطل اختياره فيه واستحقاقه للثواب والعقاب والمدح والذم عليه قول المجوس فلينظر أن هذا قول المعتزلة أم المجبرة ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور ومن وقاحتهم أنهم يروجون باطلهم بنسبته إلى مثل أمير المؤمنين علي وأولاده رضي الله عنهم وقد صح عنه أنه خطب الناس على منبر الكوفة فقال ليس منا من لم يؤمن بالقدر خيره وشره وأنه حين أراد حرب الشام قال
( شمرت ثوبي ودعوت قنبرا
قدم لوائي لا تؤخر حذرا )
Page 144