Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
الثالث أن المقصود بالإرشاد إلى هذه الاستدلالات تنبيه من لم يعترف بوجود صانع يكون منه المبدأ وإليه المنتهى وله الأمر والنهي وكونه ملجأ الكل عند انقطاع الرجاء عن المخلوقات مذكور في بعض المواضع من التنزيل كقوله تعالى
﴿فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين﴾
وكقوله تعالى
﴿أم من يجيب المضطر إذا دعاه﴾
وكقوله تعالى
﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله﴾
إلى غير ذلك تنبيها على أنه مع ثبوته بالأدلة القطعية والوجوه الإقناعية مشهور يعترف به الجمهور من المعترفين بالنبوة وغيرهم إما بحسب الفطرة أو بحسب التهدي إليه وأجيب بالاستدلالات الخفية على ما نقل الأعرابي أنه قال البعرة تدل على البعير وآثار الأقدام على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدل على اللطيف الخبير وخالفت الملاحدة في وجود الصانع لا بمعنى أنه لا صانع للعالم ولا بمعنى أنه ليس بموجود ولا بمعدوم بل واسطة بل بمعنى أنه مبدع لجميع المتقابلات من الوجود والعدم والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان فهو متعال عن أن يتصف بشيء منها فلا يقال له موجود ولا واحد ولا واجب مبالغة في التنزيه ولا خفاء في أنه هذيان بين البطلان قال المبحث الثالث الحق أن الواجب تعالى يخالف الممكنات في الذات والحقيقة إذ لو تماثلا وامتاز كل عن الآخر بخصوصية فمثل الوجوب والإمكان إما أن يكون من لوازم الذات فيلزم اشتراك الكل فيه أو الذات مع الخصوصية فيلزم التركيب المنافي للوجوب الذاتي نعم يشارك ذاته ذات الممكنات بمعنى أن مفهوم الذات أعني ما يقوم بنفسه ويقوم به غيره صادق على الكل صدق العارض على المعروض كما أن وجود الواجب ووجود الممكن مع اختلافهما بالحقيقة يشتركان في مطلق الوجود الواقع عليهما وقوع لازم خارجي غير مقوم فالأدلة المذكورة في اشتراك الوجود من صحة القسمة إلى الواجب والممكن ومن الجزم بالمطلق مع التردد في الخصوصية ومن اتحاد المقابل لا تفيد إلا الاشتراك في مفهوم الذات وصدقه على جميع الذوات من غير دلالة على تماثل الذوات وتشاركها في الحقيقة فما ذهب إليه بعض المتكلمين من أن ذات الواجب تماثل سائر الذوات وإنما تمتاز بأحوال أربعة هي الوجود الواجبي الذي قد يعبر عنه بالوجوب والحياة والعلم التام والقدرة الكاملة أو بحالة خامسة تسمى بالإلهية هي الموجبة لهذه الأربع تنسكا بالوجوه المذكورة غلط من باب اشتباه العارض بالمعروض فإن قيل فكيف لم يلزم المتكلمين القائلين بتماثل وجود الواجب والممكن تركب الواجب قلنا لأن المتصف بالوجوب والمقتضي للوجود هو الماهية المخالفة لسائر الماهيات والوجود زائد عليها قال المبحث الرابع قد يجعل من مطالب هذا الباب أن الصانع أزلي أبدي ولا حاجة إليه بعد إثبات صانع واجب الوجود لذاته لأن من ضرورة وجوب الوجود امتناع العدم أزلا وأبدا وبعض المتكلمين لما اقتصروا في البيان على أن لهذا العالم صانعا من غير بيان كونه واجبا أو ممكنا افتقروا إلى إثبات كونه أزليا أبديا فبينوا الأول بأنه لو كان حادثا لكان له محدث ويتسلسل وبأنا سنقيم الدلالة على أن المؤثر في وجود العالم هو الله تعالى من غير واسطة والثاني بأن القديم يمتنع عليه العدم لكونه واجبا أو منتهيا إليه بطريق الإيجاب لأن الصادر بطريق الاختيار يكون مسبوقا بالعدم وقد سبق بيان ذلك قال الفصل الثاني في التنزيهات أي سلب مالا يليق بالواجب عنه وفيه مباحث الأول في نفي الكثرة عنه بحسب الأجزاء بأن يتركب من جزئين أو أكثر وبحسب الجزئيات بأن يكون الموجود واجبين أو أكثر واستدل على نفي التركيب بأن كل مركب يحتاج إلى الجزء الذي هو غيره وكل محتاج إلى غير ممكن لأن ذاته من دون ملاحظة الغير لا يكون كافيا في وجوده وإن لم يكن ذلك الغير فاعلا له خارجا عنه وبأن كل جزء منه إما أن يكون واجبا فيتعدد الواجب وسنبطله أولا فيحتاج الواجب إلى الممكن فيكون أولى بالإمكان وبأنه إما أن يحتاج أحد الجزئين إلى الآخر فيكون ممكنا ويلزم إمكان الواجب أولا فلا يلتئم منهما حقيقة واحدة كالحجر الموضوع بجنب الإنسان واستدل على امتناع تعدد الواجب بوجوه
الأول لو كان الواجب مشتركا بين اثنين لكان بينهما تمايز لامتناع الإثنينية بدون التمايز وما به التمايز غير ما به الاشتراك ضرورة فيلزم تركب كل من الواجبين مما به الاشتراك وما به الامتياز وهو محال لا يقال هذا إنما يلزم لو كان الوجوب المشترك مقوما وهو ممنوع لجواز أن يكون عارضا والاشتراك في العارض مع الامتياز بخصوصية لا يوجب التركيب لأنا نقول وجوب الواجب نفس ماهيته إذ لو كان عارضا لها كان ممكنا معللا بها إذ لو علل بغيرها لم يكن ذاتيا وإذا علل بها يلزم تقدمه على نفسه لأن العلة متقدمة على المعلول بالوجود والوجوب وإذا كان الوجوب نفس الماهية كان الاشتراك فيه اشتراكا في الماهية والماهية مع الخصوصية مركبة قطعا فإن قيل لم لا يجوز أن تكون الخصوصية من العوارض قلنا لأنها تكون معللة بالماهية أو بما يقوم بها من الصفات وهو ينافي التعدد المفروض إذ الواجب حينئذ لا يكون بدون تلك الخصوصية أو بأمر منفصل فيلزم الاحتياج المنافي لوجوب الوجود وهذا يصلح أن يجعل دليلا مستقلا بأن يقال لو تعدد الواجب فالتعين الذي به الامتياز إن كان نفس الماهية الواجبة أو معللا بها أو يلازمها فلا تعدد وإن كان معللا بأمر منفصل فلا وجوب بالذات لامتناع احتياج الواجب في تعينه إلى أمر منفصل فلهذا جعل في المتن دليلا ثانيا
Page 61