قال ارسطو الابتداء يقال بعضه الشىء الذى منه يتحرك الشىء اولا مثل ابتداء الطول والابتداء ايضا يقال الشىء الذى منه يجود كون الشىء مثل التعليم فانه ربما لم يبتدا به من الاول ومن ابتداء الشىء بل يبتدا من الذى يكون التعلم اسهل ويقال ابتداء الشىء الذى منه يكون الشىء اولا وهو فى الشىء مثل الاساس للسفينة والبيت وكما يقول بعض الناس القلب للحيوان ويقول بعضهم الدماغ وبعضهم يقول شىء اخر على قدر ظنونهم ويقال ابتداء الذى منه يكون الشىء اولا وليس هو فيه والذى منه يكون ابتداء الحركة والتغيير ايضا مثل الولد من الاب والام والخصومة من الوقيعة ويقال ابتداء للشىء الذى لاختياره يتحرك ما يتحرك ويتغير ما يتغير مثل الولايات التى تكون فى المدن والملك والغزو والتغلب فانه تقال ابتداات وكذلك فى الصناعات ولا سيما فى اوائل الصناعات ويقال ابتداء ايضا للذى منه يعلم الشىء اولا مثل المقدمات فى البرهان وكذلك تقال العلل ايضا فان جميع العلل ابتداات ولجميع الابتداات شىء مشترك هو الاول ويعلم كيف هو وكيف يكون وبعض الابتداات فى الاشياء وبعضها هى خارجة عن الاشياء وكذلك الطبيعة ابتداء والعنصر ايضا والفكرة والاختيار والجوهر والذى من اجله والخير والجود هو ابتداء لاشياء كثيرة والمعرفة والحركة ايضا التفسير غرضه فى هذه المقالة ان يفصل دلالات الاسماء على المعانى التى ينظر فيها فى هذا العلم وهى التى تتنزل منه منزلة موضوع الصناعة من الصناعة وهذه الاسماء هى التى تقال بالنسبة الى شىء واحد بجهات مختلفة ولذلك جعل النظر فى شرح هذه الأسماء جزءا من هذا العلم ولم يجعل النظر فى تفصيل الاسم المشترك عند النظر فى المعنى المطلوب الذى يدل عليه ذلك الاسم حتى لا يكون جزءا من الصناعة مفردا كما فعل ذلك فى العلم الطبيعى فى مطلوب مطلوب فان تفصيل الاسم انما كان هناك ليتميز المعنى المطلوب من غيره وهنا انما قصد لتعديد الامور التى ينظر فيها هاهنا فالنظر هاهنا فى الاسماء هو من جنس النظر فى اصناف الموضوع الذى ينظر فيه صاحب العلم وما هذا شانه فينبغى ان يفرد بالقول وان يتقدم النظر فيه على جميع المطالب التى فى ذلك العلم وذلك بخلاف الامر فى تفصيل الاسم الذى يدل على المطلوب من غيره فان ذلك انما ينبغى ان يتعرض له عند النظر فى المطلوب تحفظا من الغلط الذى يعرض من اشتراك الاسم فالغرضان متباينان ولما خفى هذا على نيقلاوش راى ان الافضل فى الترتيب فى هذا العلم ان يفصل الاسم عند النظر فى ذلك المعنى الذى يقصد التكلم فيه لا ان يجعل جزءا من هذا العلم فخفى ذلك عليه كما خفى عليه الامر فى الاقاويل الجدلية اعنى فى مرتبتها من هذا العلم على ما قلناه فى مقالة حرف ب ولما كان هذا العلم انما ينظر على القصد الاول فى مبادى الموجود بما هو موجود شرع اولا يفصل على كم من معنى يقال هذا الاسم ليبين الاول الذى اشتق منه لسائر الباقية هذا الاسم فى ما ياتى بعد ولما كان الابتداء انما يكون من المبتدا قسم الابتداء مكان اسم المبتدا فقال الابتداء يقال بعضه الشىء الذى منه يتحرك الشىء اولا مثل ابتداء الطول يريد والشىء الذى منه ابتداء التغيير وهو المسمى مبدا يقال على وجوه كثيرة فبعضها تقال على الشىء الذى منه ابتدات الحركة فى المكان فى الطول ومثل ما يقال ان ابتداء حركة النمو يكون اولا من العظم فى الطول ثم فى العرض ثم فى العمق ثم قال والابتداء ايضا يقال الشىء الذى منه يجود كون الشىء مثل التعليم فانه ربما لم يبتدا به من الاول ومن ابتداء الشىء بل من الذى يكون التعلم اسهل يريد وابتداء التغيير الذى يكون منه التعليم اولا لا يكون من الشىء الذى هو مبدا ذلك الشىء بل من الشىء الذى منه يكون تعليم ذلك الشىء اسهل مثل مبدا التعليم فانه كثيرا ما يكون فى العلوم غير الشىء الذى هو فى الحقيقة مبدا الشىء المتعلم بل من الذى هو اسهل وهذا قد فعله ارسطو فى كثير من كتبه ثم قال ويقال ابتداء الشىء الذى منه يكون الشىء اولا وهو فى الشىء مثل الاساس للسفينة والبيت وكما يقول بعض الناس القلب للحيوان ويقول بعضهم الدماغ ويقول بعضهم شيئا اخر على قدر ظنونهم يريد ويقال المبدا على اول جزء يتكون من الشىء فى الاشياء التى تتكون من اجزاء مختلفة مثل ما يقال ان مبدا الحائط هو الاساس ومبدا السفينة هو الذى هو لها بمنزلة الاساس وهى الخشبة التى تبنى عليها اضلاع السفينة ومثل ما يقال ان مبدا الحيوان هو اول عضو يتكون فيه مثل ما اعتقد بعضهم فى هذا المبدا انه القلب واعتقد بعضهم الدماغ وبعضهم شيئا اخر مما وقع عليه ظنه انه اول عضو يتكون وهذا المبدا يعم الشىء الذى هو مبدا على طريق الاسطقس اعنى الذى منه مبدا الشىء والاول الذى منه مبدا التغير الذى هو الحركة فى المكان والنشوء والاستحالة ولما ذكر اصناف المبادى التى منها الشىء فى الجوهر والعرض اخذ يذكر اصناف مبادى الاشياء الفاعلة فقال ويقال ابتداء الذى منه يكون الشىء اولا وليس هو فيه وهو الذى منه يكون ابتداء الحركة والتغيير ايضا مثل الولد من الاب والام والخصومة من الوقيعة يريد ويقال مبدا على الشىء الفاعل للشىء والمكون له وهو الذى عنه يكون ابتداء كون الشىء حتى يتم كونه وهذا مثل تكون الولد عن الاب والام ومثل تكون العداوة عن الحرب وتكون الحرب عن اختلاف الاعتقاد وبالجملة فهذا السبب هو الفاعل والمحرك ووقع فى النسخة ˺وهو فى الشىء˹ والاظهر انه غلط وانه يجب ان يقرا ˺وليس هو فى الشىء ˹ وان كان ما وقع فى النسخة ليس بغلط فيشبه ان يكون انما قال فيه ˺وهو فى الشىء˹ لان هذا السبب هذه هى حاله فى الاشياء الطبيعية اعنى انه ليس هو خارجا عنها مثل بزر الذكر والانثى فى الانواع المتناسلة واما فى الامور الصناعية والارادية فهو خارج عن الشىء وبالجملة فالاب والام هى اسباب خارج الشىء بعيدة الاب على انه فاعل والام على انها هيولى ثم قال ويقال ابتداء للشىء الذى لاختياره يتحرك ما يتحرك ويتغير ما يتغير مثل الولايات التى تكون فى المدن والملك والغزو والتغلب فانها تقال ابتداات يريد ويقال مبدا على السبب الغائى وهذا السبب ايضا هو فى الطبيعة وهو الشىء الذى من اجله الكون وانما رسمه بوجوده فى الامور الاختيارية لانه فى الامور الارادية اظهر منه فى الامور الطبيعية وقوله وكذلك فى الصناعات ولا سيما فى اوائل الصناعات يريد وهذا المبدا هو المطلوب فى الصناعات اولا ولا سيما فى اول الشروع فى الصناعة لان الذى يروم ان يصنع شيئا فان الذى يفرض اولا هوغاية ذلك المصنوع ومنه يستنبط سائر ما قبل الغاية وهو جميع ما يكمل به وجود تلك الغاية ومجموع هذا هو الشىء المصنوع وانما قال ولا سيما فى اوائل الصناعات˹ لان اول ما يشرع الانسان فى استنباط الصناعة فان الذى يستنبط منها انما يستنبطه اولا من اجل الغاية ثم ما يستنبطه بعد من تلك الصناعة فانما يستنبطه من اجل الذى استنبطه من اجل الغاية وهكذا يمر الامر فى الاستنباط الى ان يتم المصنوع فهذا المبدا اذا هو مبدا الاستنباط والكون فى الامور الصناعية والطباعية ثم قال ويقال ابتداء ايضا للذى منه يعلم الشىء اولا مثل المقدمات فى البرهان يريد ويقال اسم المبدا ايضا على مبدا التعليم وهو مثل المقدمات فى البرهان والحدود وهذا هو غير المبدا الذى هو مبدا التعليم لان هذا هو مبدا حصول العلوم المطلوبة فى الصناعة والاخر هو مبدا تعلم الصناعة اى من حيث يبدا فى تعلمها ومبدا تعلم الصناعة غير مبادى العلم المطلوب فيها وبالجملة فكل مبدا فهو اما مبدا وجود واما مبدا تعليم وقد يعرض كما قيل فى بعض الصنائع ان تكون مبادى الوجود هى بعينها مبادى التعليم وقد تكون فى بعضها غيرها على ما فصل فى غير ما موضع ثم قال وكذلك تقال العلل ايضا فان جميع العلل ابتداات يريد وكذلك اسم العلة يقال على جميع الاشياء التى قلنا ان اسم المبدا يقال عليها ثم قال ولجميع الابتداات شىء مشترك هو الاول ويعلم كيف هو وكيف يكون يريد وجميع ما يقال عليها اسم المبدا فانه انما يقال بالنسبة الى اول فيها هو احق بذلك المعنى ولا كن نسبتها الى ذلك الاول نسب مختلفة فى القرب والبعد كالحال فى اسم الموجود وقوله ويعلم كيف هو وكيف يكون يريد وهذا الاول هو الذى يقصد ان يعرف فى هذا العلم كيف هو فى ذاته وكيف يكون اولا وهذا الاول هو السبب الغائى وذلك ان كل الاسباب انما كانت اوائل من اجل هذا الاول ثم قال وبعض الابتداات فى الاشياء وبعضها خارجة من الاشياء وكذلك الطبيعة ابتداء والعنصر ايضا يريد ومبادى الاشياء بعضها توجد فى الشىء بمنزلة الصورة والمادة وبعضها خارج الشىء بمنزلة الفاعل والغاية وقوله والفكرة والاختيار والجوهر والذى من اجله والخير والجود هو ابتداء لاشياء كثيرة والمعرفة والحركة ايضا يريد ان هذه كلها مبادى الاشياء التى هى لها مبادئ على انها خارجة عنها ويعنى بالجوهر الصورة المكونة لمثلها بالنوع ويعنى بالجود والخير وبالذى من اجله شيئا واحدا بعينه وهو المبدا الغائى ولا كن ليست باسماء مترادفة باطلاق
˺القول
[١] فى العلة˹
[2] Textus/Commentum
Page 481