137

Sharh Ma Bacd Tabica

شرح ما بعد الطبيعة

قال ارسطو وبعض من يقنع بهذه الاشياء ويقول بهذه الاقاويل فقط يتحيرون ويطلبون من الذى يقضى بالحقيقة على الصحة وبالجملة من يعلم الاشياء كلها بصحتها وهذه المسائل المتحيرة تشبه من تحير فى وقتنا هذا فى اليقظة او فى النوم وقوة جميع هذه المسائل المحيرة واحدة فان اصحاب هذه يرون ان لجميع الاشياء عللا يطلبون اولا ما ثم ان يدركوا ذلك ببرهان فاما الا يكونوا قانعين فان ذلك بين من افعالهم ولكن افتهم هذا الذى قلنا فانهم يطلبون حدا لما لا حد له لانه لا برهان لابتداء البرهان واقناع هولاء سهل وليس درك ذلك بعسر واما الذين يبحثون بالكلام فقط ويطلبون به القهر فانهم يطلبون ما لا يمكن وذلك انهم يريدون ان يقولوا اقاويل متضادة وهم من ساعتهم يقولون اقوالا متضادة واما ان لم تكن جميع الاشياء تقال بالمضاف بل بعض الاشياء هى بذاتها ايضا فليس جميع ما يظهر حقا فان الذى يظهر شىء ما يظهر فاذا من قال ان جميع الاشياء التى تظهر هى حق يصير جميع الهويات من المضاف ولذلك ينبغى ان يتحرز من الذين يطلبون القهر بالكلام وهم مع هذا يقولون ان الذى يظهر لا يظهر ما هو بل يظهر ما هو عند الذى يظهر له وفى الوقت الذى يظهر له ويظنون انهم يقولون شيئا وليس هو كذلك فانهم يعرض لهم ان يقولوا ضد ذلك عن قريب فانه يمكن ان يظهر الشىء الواحد بالبصر انه عسل وبالذوق انه ليس بعسل وكذلك العينان اللتان هما اثنتان اذا كانتا مختلفتين لا تريان جميعا شيئا واحدا فاذا الذين قالوا فيما يظهر العلل التى قيلت آنفا نقص من الرومية هذه تظهر ولا تظهر ابدا بشىء واحد اشياء باعيانها بل تظهر الاضداد مرارا كثيرة فى زمن واحد فان اللمس يظن شيئين عند تبديل الاصابع والبصر واحد وليس ما يحد وما هو بحس واحد ونوع واحد على حال واحدة وفى زمن واحد وهذا هو الحق التفسير قوله وبعض من يقنع بهذه الاقاويل فقط يتحيرون ويطلبون من الذى يقضى بالحق على الصحة وبالجملة من يعلم الاشياء بصحتها يريد ان الذين يستعملون هذه الاقاويل هم صنفان من الناس احدهما الذين يطلبون بها الغلبة والصنف الاخر الذين يتحيرون من قبل الاقناع الذى فى هذه الاشياء ويشكون فى هذه الادراكات ويطلبون ان يفرقوا بين الذى يقضى بالحقيقة عند الادراكات المتضادة وهولاء كما يقول بعد فشفاؤهم من هذا المرض سهل ثم قال وهذه المسائل المتحيرة تشبه من تحير فى وقتنا هذا فى اليقظة او فى النوم يريد ومن تحير فى امثال هذه المسائل الماخوذة من الحس وشك هل الذى يدركه الاصحاء هو الحق او الذى يدركه المرضى والذى يظهر للحس من قريب او الذى يظهر من بعيد فهو بمنزلة من شك هل نحن فى وقت قولنا هذا القول فى النوم او فى اليقظة ثم قال وقوة جميع هذه المسائل المحيرة واحدة فان اصحاب هذه يرون ان لجميع الاشياء عللا لانهم يطلبون اولا ما وان يدركوا ذلك ببرهان يريد وقوة هذه المسائل المحيرة فيما تفيد من الشك والحيرة قوة واحدة وذلك انهم سبب حيرتهم هو شىء واحد وهو انهم يعتقدون ان لجميع الاشياء عللا منها تعرف ويطلبون اوائل منها يكون البرهان عليها فلو ميزوا بين ما هو معروف بنفسه مما ليس هو لارتفع عنهم هذا الغلط وزالت عنهم هذه الحيرة ثم قال فاما الا يكونوا قانعين فان ذلك بين من افعالهم ولكن افتهم هذا الذى قلنا فانهم يطلبون حدا لما لا حد له وبرهانا لابتداء البرهان يريد ان هذا الصنف من الناس ليس يجحدون هذه الاشياء مكابرة ومعاندة كما يفعله الجدليون بل انما يفعلون ذلك لانهم قد عرض لهم الا يكون عندهم فيها يقين وذلك ان هذا بين من احوال هولاء القوم واقوالهم اعنى شكهم فى هذه الاشياء ولكن افتهم انهم يطلبون حدا لما لا حد له برهانا لمبدإ البرهان ثم قال واقناع هولاء سهل وليس ذلك بعسر يريد من قبل انهم لم يتشككوا فى هذه الاشياء قصدا منهم للغلبة بخلاف الذين قصدهم الغلبة فان اقناعهم وحل هذه الشبهة لهم هو سهل ثم قال واما الذين يبحثون بالكلام ويطلبون به القهر فانهم يطلبون ما لا يمكن يريد واما الذين يتشككون بهذه الاشياء وانما يرومون بها قهر خصومهم فان ما يرومونه من ذلك هو شىء غير ممكن ولا يقدرون عليه ثم قال وذلك انهم يريدون ان يقولوا اقاويل متضادة وهم من ساعتهم يقولون اقوالا متضادة يريد والسبب فى انه لا يمكنهم قهر خصومهم انهم يطلبون ان يلزموهم اقاويل متضادة فعندما يرومون ذلك يأتون من ساعتهم باقاويل متضادة فيلزمهم التوبيخ الذى راموا ان يلزموه خصومهم لان طبيعة الحق تقتضى ذلك ثم قال واما ان لم تكن جميع الاشياء تقال بالمضاف بل بعض الاشياء هى بذاتها ايضا فليس جميع ما يظهر حقا يريد ولا كن من الظاهر انه ان لم تكن جميع الاشياء المدركة بالحواس من المضاف بل كان فيها شىء هو موجود بذاته لا بالاضافة الى ما احس منه فانه ليس يكون جميع ما يظهر لنا حقا كما اعتقد هولاء القوم ثم قال فان من قال ان جميع الاشياء التى تظهر حق يصير جميع الهويات من المضاف يريد وذلك انه يلزم من قال ان جميع ما يظهر لكل انسان هو حق ان تكون جميع الموجودات عنده من المضاف ثم قال ولذلك ينبغى ان يتحرز من الذين يطلبون القهر بالكلام وهم مع ذلك يقولون ان الذى يظهر لا يظهر ما هو بل يظهر ما هو عند الذى يظهر له وفى الوقت الذى يظهر له يريد ولمكان فساد هذا الاعتقاد واضراره بالحكمة ينبغى ان يحذر القوم الذين يطلبون فى هذا المعنى الغلبة بالكلام فانهم يناقضون انفسهم وذلك انهم يقولون ان الذى يظهر لنا من الشىء ليس هو ما هو الشىء بل انما يظهر من الشىء ما هو عند الذى يظهر له وفى الوقت الذى يظهر له فيرفعون ان يكون للاشياء خارج النفس وجود اصلا ثم قال ويظنون انهم يقولون شيئا وليس كذلك فانهم يعرض لهم ان يقولوا ضد ذلك عن قريب يريد انهم يعرض لهم اذا راموا ان يقولوا فى شىء ما هو ان يقولوا فيه من ساعته انه ليس هو ثم اخذ يعرف كيف يلزمهم هذا فقال فانه يمكن ان يظهر الشىء الواحد بالبصر انه عسل وبالذوق انه ليس بعسل يريد فانه يعرض لمن يعتقد هذا ان يقضى على الشىء الواحد بالبصر انه عسل ويقضى مع ذلك بالذوق انه ليس بعسل فيناقض نفسه ثم قال وكذلك العينان اللتان هما اثنتان اذا كانتا مختلفتين لا تريان جميعا شيئا واحدا يريد انه متى خالفت احدى العينين صاحبتها فى الوضع عرض له ان يرى من الشىء الواحد شيئين وذلك بين عندما ينظر الانسان الى شىء واحد بعينيه جميعا ويغمز تحت احدى العينين باصبعه من اسفل حتى يخالف وضعها وضع العين الاخرى ثم قال فاذا الذين قالوا فيما يظهر العلل التى قلنا انفا˹ وانخرم القول فيحتمل ان يريد فقد تبين ان الذين قالوا فى هذه الاشياء بالعلل التى ذكرنا عنهم آنفا واحتجوا بالحجج التى ذكرنا انهم يحتجون بها يعرض لهم ان يكون المتناقضان صادقين معا ليس عند الناس المختلفين فقط بل عند الانسان الواحد بعينه وذلك انه فيما احسب ليس يسلمون ان الاضداد تظهر للانسان الواحد فى الشىء الواحد فى حالة واحدة ولذلك قال هذه تظهر ولا تظهر ابدا لشىء واحد يريد وذلك انهم يزعمون ان الاضداد تظهر معا ولا كن لا لانسان واحد فى ان واحد بل لانسانين وفى زمانين ثم قال بل تظهر الاضداد مرارا كثيرة فى زمن واحد يريد لا كن يلزمهم ان تظهر الاضداد معا مرارا كثيرة لانسان واحد فى زمن واحد ثم قال فان الحس يظن شيئين عند تبديل الاصابع والبصر واحد يريد والسبب فى هذا الغلط وان كان لحس واحد ومحسوس واحد ان البصر ليس هو فى حال ما يرى الشىء واحدا وفى حال ما يراه اثنين بحالة واحدة واما اذا احس بالشىء بحالة واحدة وبحس واحد وبمحسوس واحد فهو الحق وهذا هو الذى دل عليه بقوله وليس ما يحد وما هو بحس واحد ونوع واحد على حالة واحدة وفى زمن واحد وهذا هو الحق يريد واما الادراك الذى يكون بحس واحد وبنوع واحد من الحس وفى حال واحدة فهو صادق ابدا ضرورة وليس بحده مختلفا

[27] Textus/Commentum

Page 447