قال ارسطو وبعض من يقنع بهذه الاشياء ويقول بهذه الاقاويل فقط يتحيرون ويطلبون من الذى يقضى بالحقيقة على الصحة وبالجملة من يعلم الاشياء كلها بصحتها وهذه المسائل المتحيرة تشبه من تحير فى وقتنا هذا فى اليقظة او فى النوم وقوة جميع هذه المسائل المحيرة واحدة فان اصحاب هذه يرون ان لجميع الاشياء عللا يطلبون اولا ما ثم ان يدركوا ذلك ببرهان فاما الا يكونوا قانعين فان ذلك بين من افعالهم ولكن افتهم هذا الذى قلنا فانهم يطلبون حدا لما لا حد له لانه لا برهان لابتداء البرهان واقناع هولاء سهل وليس درك ذلك بعسر واما الذين يبحثون بالكلام فقط ويطلبون به القهر فانهم يطلبون ما لا يمكن وذلك انهم يريدون ان يقولوا اقاويل متضادة وهم من ساعتهم يقولون اقوالا متضادة واما ان لم تكن جميع الاشياء تقال بالمضاف بل بعض الاشياء هى بذاتها ايضا فليس جميع ما يظهر حقا فان الذى يظهر شىء ما يظهر فاذا من قال ان جميع الاشياء التى تظهر هى حق يصير جميع الهويات من المضاف ولذلك ينبغى ان يتحرز من الذين يطلبون القهر بالكلام وهم مع هذا يقولون ان الذى يظهر لا يظهر ما هو بل يظهر ما هو عند الذى يظهر له وفى الوقت الذى يظهر له ويظنون انهم يقولون شيئا وليس هو كذلك فانهم يعرض لهم ان يقولوا ضد ذلك عن قريب فانه يمكن ان يظهر الشىء الواحد بالبصر انه عسل وبالذوق انه ليس بعسل وكذلك العينان اللتان هما اثنتان اذا كانتا مختلفتين لا تريان جميعا شيئا واحدا فاذا الذين قالوا فيما يظهر العلل التى قيلت آنفا نقص من الرومية هذه تظهر ولا تظهر ابدا بشىء واحد اشياء باعيانها بل تظهر الاضداد مرارا كثيرة فى زمن واحد فان اللمس يظن شيئين عند تبديل الاصابع والبصر واحد وليس ما يحد وما هو بحس واحد ونوع واحد على حال واحدة وفى زمن واحد وهذا هو الحق التفسير قوله وبعض من يقنع بهذه الاقاويل فقط يتحيرون ويطلبون من الذى يقضى بالحق على الصحة وبالجملة من يعلم الاشياء بصحتها يريد ان الذين يستعملون هذه الاقاويل هم صنفان من الناس احدهما الذين يطلبون بها الغلبة والصنف الاخر الذين يتحيرون من قبل الاقناع الذى فى هذه الاشياء ويشكون فى هذه الادراكات ويطلبون ان يفرقوا بين الذى يقضى بالحقيقة عند الادراكات المتضادة وهولاء كما يقول بعد فشفاؤهم من هذا المرض سهل ثم قال وهذه المسائل المتحيرة تشبه من تحير فى وقتنا هذا فى اليقظة او فى النوم يريد ومن تحير فى امثال هذه المسائل الماخوذة من الحس وشك هل الذى يدركه الاصحاء هو الحق او الذى يدركه المرضى والذى يظهر للحس من قريب او الذى يظهر من بعيد فهو بمنزلة من شك هل نحن فى وقت قولنا هذا القول فى النوم او فى اليقظة ثم قال وقوة جميع هذه المسائل المحيرة واحدة فان اصحاب هذه يرون ان لجميع الاشياء عللا لانهم يطلبون اولا ما وان يدركوا ذلك ببرهان يريد وقوة هذه المسائل المحيرة فيما تفيد من الشك والحيرة قوة واحدة وذلك انهم سبب حيرتهم هو شىء واحد وهو انهم يعتقدون ان لجميع الاشياء عللا منها تعرف ويطلبون اوائل منها يكون البرهان عليها فلو ميزوا بين ما هو معروف بنفسه مما ليس هو لارتفع عنهم هذا الغلط وزالت عنهم هذه الحيرة ثم قال فاما الا يكونوا قانعين فان ذلك بين من افعالهم ولكن افتهم هذا الذى قلنا فانهم يطلبون حدا لما لا حد له وبرهانا لابتداء البرهان يريد ان هذا الصنف من الناس ليس يجحدون هذه الاشياء مكابرة ومعاندة كما يفعله الجدليون بل انما يفعلون ذلك لانهم قد عرض لهم الا يكون عندهم فيها يقين وذلك ان هذا بين من احوال هولاء القوم واقوالهم اعنى شكهم فى هذه الاشياء ولكن افتهم انهم يطلبون حدا لما لا حد له برهانا لمبدإ البرهان ثم قال واقناع هولاء سهل وليس ذلك بعسر يريد من قبل انهم لم يتشككوا فى هذه الاشياء قصدا منهم للغلبة بخلاف الذين قصدهم الغلبة فان اقناعهم وحل هذه الشبهة لهم هو سهل ثم قال واما الذين يبحثون بالكلام ويطلبون به القهر فانهم يطلبون ما لا يمكن يريد واما الذين يتشككون بهذه الاشياء وانما يرومون بها قهر خصومهم فان ما يرومونه من ذلك هو شىء غير ممكن ولا يقدرون عليه ثم قال وذلك انهم يريدون ان يقولوا اقاويل متضادة وهم من ساعتهم يقولون اقوالا متضادة يريد والسبب فى انه لا يمكنهم قهر خصومهم انهم يطلبون ان يلزموهم اقاويل متضادة فعندما يرومون ذلك يأتون من ساعتهم باقاويل متضادة فيلزمهم التوبيخ الذى راموا ان يلزموه خصومهم لان طبيعة الحق تقتضى ذلك ثم قال واما ان لم تكن جميع الاشياء تقال بالمضاف بل بعض الاشياء هى بذاتها ايضا فليس جميع ما يظهر حقا يريد ولا كن من الظاهر انه ان لم تكن جميع الاشياء المدركة بالحواس من المضاف بل كان فيها شىء هو موجود بذاته لا بالاضافة الى ما احس منه فانه ليس يكون جميع ما يظهر لنا حقا كما اعتقد هولاء القوم ثم قال فان من قال ان جميع الاشياء التى تظهر حق يصير جميع الهويات من المضاف يريد وذلك انه يلزم من قال ان جميع ما يظهر لكل انسان هو حق ان تكون جميع الموجودات عنده من المضاف ثم قال ولذلك ينبغى ان يتحرز من الذين يطلبون القهر بالكلام وهم مع ذلك يقولون ان الذى يظهر لا يظهر ما هو بل يظهر ما هو عند الذى يظهر له وفى الوقت الذى يظهر له يريد ولمكان فساد هذا الاعتقاد واضراره بالحكمة ينبغى ان يحذر القوم الذين يطلبون فى هذا المعنى الغلبة بالكلام فانهم يناقضون انفسهم وذلك انهم يقولون ان الذى يظهر لنا من الشىء ليس هو ما هو الشىء بل انما يظهر من الشىء ما هو عند الذى يظهر له وفى الوقت الذى يظهر له فيرفعون ان يكون للاشياء خارج النفس وجود اصلا ثم قال ويظنون انهم يقولون شيئا وليس كذلك فانهم يعرض لهم ان يقولوا ضد ذلك عن قريب يريد انهم يعرض لهم اذا راموا ان يقولوا فى شىء ما هو ان يقولوا فيه من ساعته انه ليس هو ثم اخذ يعرف كيف يلزمهم هذا فقال فانه يمكن ان يظهر الشىء الواحد بالبصر انه عسل وبالذوق انه ليس بعسل يريد فانه يعرض لمن يعتقد هذا ان يقضى على الشىء الواحد بالبصر انه عسل ويقضى مع ذلك بالذوق انه ليس بعسل فيناقض نفسه ثم قال وكذلك العينان اللتان هما اثنتان اذا كانتا مختلفتين لا تريان جميعا شيئا واحدا يريد انه متى خالفت احدى العينين صاحبتها فى الوضع عرض له ان يرى من الشىء الواحد شيئين وذلك بين عندما ينظر الانسان الى شىء واحد بعينيه جميعا ويغمز تحت احدى العينين باصبعه من اسفل حتى يخالف وضعها وضع العين الاخرى ثم قال فاذا الذين قالوا فيما يظهر العلل التى قلنا انفا˹ وانخرم القول فيحتمل ان يريد فقد تبين ان الذين قالوا فى هذه الاشياء بالعلل التى ذكرنا عنهم آنفا واحتجوا بالحجج التى ذكرنا انهم يحتجون بها يعرض لهم ان يكون المتناقضان صادقين معا ليس عند الناس المختلفين فقط بل عند الانسان الواحد بعينه وذلك انه فيما احسب ليس يسلمون ان الاضداد تظهر للانسان الواحد فى الشىء الواحد فى حالة واحدة ولذلك قال هذه تظهر ولا تظهر ابدا لشىء واحد يريد وذلك انهم يزعمون ان الاضداد تظهر معا ولا كن لا لانسان واحد فى ان واحد بل لانسانين وفى زمانين ثم قال بل تظهر الاضداد مرارا كثيرة فى زمن واحد يريد لا كن يلزمهم ان تظهر الاضداد معا مرارا كثيرة لانسان واحد فى زمن واحد ثم قال فان الحس يظن شيئين عند تبديل الاصابع والبصر واحد يريد والسبب فى هذا الغلط وان كان لحس واحد ومحسوس واحد ان البصر ليس هو فى حال ما يرى الشىء واحدا وفى حال ما يراه اثنين بحالة واحدة واما اذا احس بالشىء بحالة واحدة وبحس واحد وبمحسوس واحد فهو الحق وهذا هو الذى دل عليه بقوله وليس ما يحد وما هو بحس واحد ونوع واحد على حالة واحدة وفى زمن واحد وهذا هو الحق يريد واما الادراك الذى يكون بحس واحد وبنوع واحد من الحس وفى حال واحدة فهو صادق ابدا ضرورة وليس بحده مختلفا
[27] Textus/Commentum
Page 447