Sharh Luma'at al-I'tiqad - Yusuf al-Ghafis
شرح لمعة الاعتقاد - يوسف الغفيص
Genres
الحوض والآثار الواردة فيه
قال الموفق رحمه الله تعالى: [ولنبينا محمد ﷺ حوض في القيامة، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا].
كذلك مما يجب الإيمان به حوضه ﷺ ﷺ، وهذه الجمل التي ذكرها المصنف في صفة هذا الحوض جاءت صريحة في السنة، فإن النبي ﷺ ذكر حوضه في أحاديث متواترة تواترًا معتبرًا في الشرع والعقل واللغة واعتبار الأئمة، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من غير وجه، وإذا قيل: هل ورد ذكر الحوض في القرآن؟
الجواب: نعم.
ورد ذكره في القرآن على قدر من الإجمال كذكر مقام الشفاعة، فإن الله تعالى قال: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ [الكوثر:١].
وفي الصحيح عن أنس: (أن النبي ﷺ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسمًا وهو يضحك، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟! قال: أنزلت عليَّ آنفًا سورة، ثم قرأ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ [الكوثر:١] حتى ختم السورة، فقال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي ﷿ عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا) فذكر الكوثر في كتاب الله يتضمن ذكرًا للحوض بتفسير النبي ﷺ لهذه الآية.
وعليه فإنه يقال: إن حوضه ﷺ مما أجمع السلف على الإيمان به، وصفته كما ذُكر في حديث أبي ذر وجابر بن سمرة وأبي هريرة وجماعة من الصحابة: أن طوله شهر، وعرضه شهر، وآنيته عدد نجوم السماء، وهكذا وصفه ﷺ تارة بالمقدار الزماني، كقوله: (طوله شهر وعرضه شهر) وتارة بالمقدار المكاني، كقوله ﷺ: (حوضي ما بين مقامي هذا إلى صنعاء اليمن)، وكقوله: (ما بين جرباء إلى أذرع) وهما بلدان في الشام إلى غير ذلك، فهذه أوصاف عرض حوضه ﷺ كما ذكر.
وإن كان بعض شراح الأحاديث وقع عندهم شيء من التكلف في مقدار الحوض كما يقع أحيانًا في لزوم الجواب عن مثل هذه التساؤلات:
فمنهم من قال: إنه ابتدأ بمقدار ثم زيد، فكان النبي ﷺ كلما جاءه الوحي بزيادة في قدر هذا الحوض حدَّث به، فهذا هو وجه تعدد الروايات على قدر من الزيادة في بعضها دون بعض ..
إلى آخره، هذا فيما يظهر قدره من التكلف.
والعرب إذا تكلمت بمثل هذا الكلام لم ترد بالضرورة الأقيسة الرياضية والهندسية الدقيقة المطردة من كل وجه، إنما هو إشارة إلى معنىً عام.
فهذا الاستدراك في أصله ليس له موجب، وإنما يُعمل بهذه الأحاديث على إطلاقها.
ثم بين النبي ﷺ أن قومًا يذادون عن حوضه كما في حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح، قال: (كنا عند رسول الله ﷺ، فقال: وددت أنا قد رأينا إخواننا، قلنا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد) ولهذا من أدركه وآمن به يسمى صاحبًا له، ومن لم يدركه يسمى من إخوانه، كما قال النبي ﷺ ذلك.
(قلنا: يا رسول الله! كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك؟ قال: أرأيتم لو أن رجلًا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ثم قال: ألا ليذادُّن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم! ألا هلم! فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا) وفي رواية في البخاري قال: (فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك).
14 / 6