وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: "وَإِنَّمَا كَانَ نَوْعُ الإِنْسَانِ أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ، لأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ عَنْ جِنْسِهِ. أَمَّا الإِنْسَانُ: فَمَطْبُوعٌ عَلَى الافْتِقَارِ إلَى جِنْسِهِ فِي الاسْتِعَانَةِ، فَهُوَ صِفَةٌ لازِمَةٌ لِطَبْعِهِ وَخَلْقِهِ، قَائِمَةٌ فِي جَوْهَرِهِ".
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: "سَبَبُ وُجُودِهَا. حَاجَةُ النَّاسِ لِيَعْرِفَ بَعْضُهُمْ مُرَادَ بَعْضٍ لِلتَّسَاعُدِ١ وَالتَّعَاضُدِ٢ بِمَا لا مُؤْنَةَ فِيهِ لِخِفَّتِهَا، وَكَثْرَةِ فَائِدَتِهَا، وَلا مَحْذُورَ. وَهَذَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ. فَمِنْ تَمَامِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا: أَنْ جَعَلَ ذَلِكَ بِالنُّطْقِ دُونَ غَيْرِهِ"٣.
"وَهِيَ" أَيْ وَحَقِيقَةُ اللُّغَةِ "أَلْفَاظٌ وُضِعَتْ لِمَعَانٍ" يُعَبِّرُ بِهَا كُلُّ قَوْمٍ عَنْ أَغْرَاضِهِمْ، فَلا يَدْخُلُ الْمُهْمَلُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنًى٤.
"فَمَا الْحَاجَةُ إلَيْهِ" أَيْ فَالْمَعْنَى الَّذِي يَحْتَاجُ الإِنْسَانُ إلَى الاطِّلاعِ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ دَائِمًا، كَطَلَبِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَلَمِ جُوعٍ، أَوْ عَطَشٍ، أَوْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ "وَالظَّاهِرُ: أَوْ كَثُرَتْ" حَاجَتُهُ إلَيْهِ. كَالْمُعَامَلاتِ "لَمْ تَخْلُ مِنْ" وَضْعِ "لَفْظٍ لَهُ".
"وَيَجُوزُ خُلُوُّهَا مِنْ لَفْظٍ لِعَكْسِهِمَا٥" وَهُمَا٦: مَا لا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، أَوْ تَقِلُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ.