Your recent searches will show up here
ومن الناس من أجاز إقامة كل واحد من المفعولات الثلاث. والذي ورد به السماع ويقتضيه القياس إنما هو ما ذكرناه من إقامة الأول. وكانت إقامة الأول في البابين أولى لأن مرتبة الأول أن يلي الفاعل، فكان أولى أن يقام مقام الفاعل ما مرتبته أن يكون بعده.
فإن اجتمع للفعل المصدر وظرف الزمان والمكان والمجرور ولم يكن له مفعول به مسرح كنت بالخيار في إقامة أيها شئت، إلا أن إقامة المصدر إذا كان مختصا في اللفظ أولى من إقامة الظرف والمجرور، قال الله تعالى: {فإذا نفخ فى الصور نفخة وحدة } (الحاقة: 13). فأقام المصدر وهو نفخة. ولو جاء على إقامة المجرور لجاز فكنت تنصب النفخة.
والسبب في ذلك أن المصدر يصل إليه الفعل بنفسه والمجرور يصل إليه الفعل بواسطة حرف الجر، وكذلك الظرف يصل إليه الفعل بتقدير في، فلما كان تعدي الفعل إلى المصدر أقوى كانت إقامته أولى، وإنما ضعفت إقامته إذا لم يكن مختصا في اللفظ لأنه لا بد من تقدير حذف الصفة وحذف الصفة يقل.
وأما فعل المفعول هل هو مغير من فعل الفاعل أو بناء برأسه ففيه خلاف بين النحويين، فمنهم من ذهب إلى أنه مغير. ومنهم من ذهب إلى أنه بناء برأسه غير مغير من شيء، واستدل على ذلك بأنه قد يوجد فعل مفعول لم يبن في موضع الفاعل نحو: جن وغم، ولا يقال: جن الله زيدا، ولا غم الله الهلال، فثبت بذلك عنده أنه غير مغير من شيء، إذ لم يسمع من كلامهم ما يمكن أن يكون غم وجن مغيرا منه.
وهذا الذي استدل به لا حجة فيه لأنه إذا قام الدليل على أنه مغير من فعل الفاعل على ما يبين بعد، وجب أن يقدر غم وجن وأشباههما من فعل فاعل لم ينطق به، والعرب كثيرا ما تستعمل الفرع وتهمل الأصول نحو كاد زيد يقوم، ألا ترى أن يقوم في موضع قائم، إلا أن العرب لم تأت بالاسم إلا في الضرورة نحو قوله:
Page 16