330

Sharḥ Jālīnūs li-kitāb Abiqrāṭ al-musammā Ifīdhīmiyā

شرح جالينوس ل كتاب أبقراط المسمى افيذيميا

Genres

ولذلك قد قوم من القولين جميعا إلى أن قالوا قولا هو أقرب من الإقناع وهو أنهم قالوا إنه قيل في الأول «إنه خبيث» رديء الأخلاق وقيل في الثاني «إنه سلس» جيد الأخلاق ولم يقل في خلق الثالث شيء لا إنه جيد ولا إنه رديء لكنه إنما قيل فيه «إنه مستسق» فقط ففهموا اللفظة الملحقة بين ذكر الأول وذكر الثالث في صفة الثالث. ولما لم يكن معي في هذا الموضع الآلة التي يميز ويحكم بها في جميع أشباه هذه الأقاويل ويحكم بها أي التفاسير أفضل اضطررنا إلى الهذيان وأعني بتلك «الآلة» أن نروم أن نؤلف بين الكلام الذي نجده قد كتب وبين حقيقة الأمر كما فعلنا في ما ذكر من أمر التشريح إذ كان معنى العلم اليقين في ذلك بحقيقة الأمر. وأما في هذا الكلام فلما كنا لا نعلم حقيقة الأمر في هذا المعنى الذي قصد إليه به فلسنا نقدر أن نحمد ولا نذم ولا واحدا من التفسيرين بعلم يقين فإن الذي قيل في هذا الكلام من طريق الدلائل التي تكون بالفراسة على ما ذهب إليه قوم من المفسرين ولست أظن بنفسي أني أقدر أن أعلم منه شيئا. وذلك أني تفقدت تلك الدلائل مرارا كثيرة في أقوام وامتحنتها فوجدتها لا توافق مخارج كلامهم التي منها يقدر أن يستدل على أخلاق الناس فإذا كانت هذه حالي فكيف أقدر أن أثق بنفسي أني أقدر أن أحكم فيما قاله المفسرون من أمر الدلائل التي تكون بطريق الفراسة كما حكمت فيما قيل من أمر التشريح؟ وإذا أنا رجعت إلى المزاج فإني أظن بنفسي أني من أقدر الناس على أن أتعرف مزاج كل واحد من الناس كيف هو وجدت هذه الدلائل المكتوبة في هذا الكلام ليس منها شيء يصح في الاستدلال على المزاج. فقد نجد منظرة العينين وإن كانت تدل على المزاج فليس تدل على مزاج البدن كله لكنها إنما تدل على مزاجهما خاصة فأما «صغر العينين» وكبرهما فليس بينهما وبين مزاجهما عمل أصلا وكذلك شكل الأنف ليس بينه وبين مزاجه سبب بتة. وقد يدق الأنف وتحتد [وليس] في الأمراض التي تهزل البدن وذلك لأن ما فيه من الأجزاء اللحمية يذوب فأما الأنف المولود على الدقة والحدة والاستنان فمن عمل القوة المصورة لا من عمل نوع من المزاج. فأما «الشقرة» كما قلت فإنما تدل على مزاج الجلد واللحم لا على مزاج القلب والدماغ وأخلاق النفس. وأكثر الأمراض إنما يتبع مزاج القلب والدماغ فإن كان ولا بد لا مزاج الجلد واللحم فصاحب هذه الحلية الثالثة التي ذكر في هذا الكلام ونسب إلى «الشهلة والشقرة واستنان الأنف» أما في قول نومسيانوس وبالبس فمزاجه حار يابس ولذلك حاله حال الأول في رداءة الأخلاق وفي رداءة الحال عند الاستسقاء وذلك أنهما يريان أن «شهلة العينين» تدل على المزاج الحار كما قيل في الكتاب الموضوع في البصر المنسوب إلى أبقراط. فأما من ظن أن الشقرة دليل على المزاج البارد الرطب فلا حجة له أصلا في هذا القول لأنه يتركب من أضداد وذلك أنهم وإن قالوا في «الشهلة» إنها من دلائل البرد فلن يقدروا أن يقولوا إن «حدة الأنف» من دلائل الرطوبة.

فأما قوله «إن لم يكن أصلع» فهو يوقع هؤلاء وأولائك وجميعهم بالجملة في الشك والحيرة فيضطروا بسبب ذلك أن يهذوا فيقولون إن الاستسقاء ربما كان من حدة الأخلاط ويستشهدون على ذلك بكلام قيل في المقالة الخامسة من كتاب إفيذيميا وهو «إن رجلا كان أصابته أولا حكة ثم إنه بأخرة استسقى». ونحن نقول إن هذا شيء كان نادرا ولسنا نعلم لم كان وذلك أنه لم يتبين لنا كيف كانت حال الأحشاء في ذلك الرجل ولا نعرف شيئا آخر من أمره نصل به إلى أن نقول من أي سبب حدث به الاستسقاء. والعلوم إنما تقوم بالأشياء التي تكون في أكثر الحالات وبالأشياء التي تكون دائما لا بالأشياء التي تكون في الندرة.

Page 750