أن حقيقة قولهم تعطيل الله تعالى عن كماله
[الثاني: أن حقيقة قولهم تعطيل الصانع، وإن كان منهم من لا يعلم أن قولهم مستلزم تعطيل الصانع، فكما أن أصل الإيمان الإقرار بالله فأصل الكفر الإنكار لله].
يبين المصنف في كلامه أن حقيقة مذهب الجهمية التعطيل للصانع، فإن نفي صفات الله، ونفي أفعال الرب ﷾ المتعلقة بمشيئته وإرادته هذا هو التعطيل، ولهذا كان إثبات الكمال له بأسمائه وصفاته، وكان نفي الصفات هو التعطيل لمقام ربوبيته ومعرفته
إلخ.
فهو يبين أن حقيقة قولهم -أي: الحقيقة العلمية في نفس الأمر- هي التعطيل، ولهذا كل من قال بقولهم ممن يعرف حقيقة قولهم، ومتضمنه فإنه لابد أن يكون كافرًا، وعن هذا قال المصنف لمن ناظره ممن تأثر بشيء من أصول الجهمية وهم غلاة الأشاعرة، قال: "أنا لو أقول بقولكم كفرت".
وهذا في مسألة العلو؛ لأن من أنكر علو الرب ﷾ فقد جحد كمالًا من كماله، وأصلًا من أصول كماله الواجب، وهو أصل -لا بد منه- في مقام ربوبيته سبحانه تعالى.
ولكن المصنف قد أبان: أنه لا يلزم أن يكون من تكلم بكلمة الجهمية، أو من نسب إلى هذه الطائفة يعلم حقيقة قولها.
وعليه: يمكن أن يقال: إن من بان له أن قول الجهمية مستلزم تعطيل الصانع فالتزم به فإنه يكون كافرًا.
ما معنى تعطيل الصانع؟
أي: تعطيل الله ﷾ عن كماله، ومن المعلوم أن المسلمين أجمعوا -من أهل السنة وغيرهم- على أن الله مستحق للكمال منزه عن النقص، وقد حكى هذا الإجماع المصنف وغيره.
وتعتبر أقوال الجهمية ضربًا من نقص الباري ﷾، فإن كل ما خالف وعارض كماله فإنه نقص ولابد، ومع ذلك فإن من تكلم بهذا الكلام من النظار لا يرون أن قولهم تعطيل للباري، ونقص له بل يرونه كمالًا، وهذا ليس موجبًا لإسقاط العذر في حقهم من كل وجه، فإنه لا يرفع عنهم قدر الظلم والتفريط، بل لا يرفع عنهم أن يكون منهم من يكون كافرًا في نفس الأمر، بل لا يرفع عنهم أن يكون منهم من يقال بكفره ولو على مقام من مقامات الاجتهاد.
إنما المقصود: أن من التزم مبدأ النقص أو إسقاط الكمال -ولو في مسألة واحدة- فهذا يعد كافرًا ظاهرًا وباطنًا.
والمقصود هنا: أن يعتبر في قول المصنف "وإن كان منهم" أي: من الجهمية، ومن أخذ بأقوالهم "من لا يعلم أن قولهم مستلزم لتعطيل الصانع" فإن من علم ما في قولهم والتزمه فإن هذا لابد أن يكون كافرًا.
9 / 4