لا يكفر أحد من أهل القبلة بمجرد الأسماء
ثالثًا: أنه لا ينبغي تعليق التكفير في أهل القبلة بالأسماء، سواء كانت أسماء طوائف أو أسماء بدع، إنما الذي يعلق التكفير لهم بالأسماء هم من سمى الله كفرهم في كتابه: كاليهود؛ فإن كل يهودي كافر، وكالنصارى؛ فإن كل نصراني كافر، وكالمجوس؛ فإن كل مجوسي كافر، وكالذين أشركوا؛ فإن كل مشرك كافر ..
وهلم جرا.
وأما الطوائف التي حدثت بين ظهراني المسلمين -من شيعة، أو جهمية، أو خوارج- فلا يجوز أن يقال: إن جميع من سمي بهذا الاسم كافر بعينه؛ فإن هذا لم يدرج عليه السلف، ومع ذلك فإن كثيرًا من هذه الطوائف في أعيانها كفارٌ زنادقة، وفي مقالاتها كفرٌ كثير، ومن لم يُعلم كفره من أعيانهم فلا يلزم العلم أو الجزم بإسلامه وإن أجريت عليه أحكام المسلمين ..
هذا هو الاقتصاد والتحقيق الذي عليه السلف، وجميعهُ مقرر في كلام شيخ الإسلام ﵀.
وإن كنت أقول: إن كلام شيخ الإسلام ﵀ أحيانًا فيه اشتراك، فقد يظهر من كلامه في مقام التكفير لطائفة من الطوائف بالتصريح، وفي مقام آخر يتأخر عن ذلك؛ وهذا لأن أسماء الطوائف مشتركة، بمعنى: أن الطائفة قد يكون عندها غلاة وغير غلاة، والقاعدة هي: أن من التزم القول بقول من الأقوال البينة الكفر في كلام الله ورسوله -كمن قرر الشرك الأكبر أو القول بالتحريف أو ما إلى ذلك- فهذا كافر.
إذًا: التكفير يعلق بالمعاني البينة وليس بمجرد الأسماء، وإن كانت جميع هذه الأسماء المخالفة للسنة والجماعة هي من البدع التي يجب إنكارها والتغليظ على أهلها.
هذا هو مجمل هذه المسائل، وهي تحتاج إلى قدر من البسط والتبيين والمتابعة.
وأنا أنصح الإخوة القراء بتأمل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في هذا الباب.
أما من ضاق عليه فهم كلام شيخ الإسلام، ورأى أنه لا يكفر هؤلاء ولا يكفر هؤلاء، وهو يريد أن يكفر؛ فرجع ليقول: إن ابن تيمية متساهل في التكفير أو متناقض في مسألة التكفير ..
فهذا ليس بشيء، وهو المتناقض، الجاهل، الغالي في هذه المسألة!
أما شيخ الإسلام ﵀ فلا يوجد بعد الأئمة ﵏ أعدل منه ولا أفقه منه، فهذا الإمام لا يطعن فيه إلا جاهل، ولا ينزله من مقام من مقامات العلم إلا جاهل.
رابعًا: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ لم يلتزم التكفير في الشيعة، بل لما ذكر مسألة السب قال: إن فيها تفصيلًا.
فمن سب الصحابة على معنى التكفير لهم فهذا كافر، لكن من سب على معنى أخذ أموال آل البيت وما إلى ذلك فهذا ليس بكفر، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن من السب ما هو كفر بين، ومن السب ما ليس كفرًا، ومن السب ما هو متردد فيه ينظر في قائله وإقامة الحجة عليه.
وليس المقصود من هذا التفصيل عدم التكفير، وإنما القصد ذكر التفصيل والتحقق من ثبوت الكفر على المعين، وإلا فالأصل: أن من شهد الشهادتين وأظهر الصلاة والزكاة وحج البيت وصوم رمضان أنه يسمى مسلمًا كما سمى الله ﷾ من لم يدخل الإيمان في قلبه مسلمًا، وكما دخل المنافقون في اسم الإسلام، وقد قال شيخ الإسلام: "إن المنافقين النفاق الأكبر يدخلون في اسم المسلمين بإجماع العلماء، وكان الصحابة يوارثونهم ويناكحونهم، ويسلمون عليهم ويردون ﵈
وإلى آخره، وما كانوا يخصون في الجملة بشيء من الأحكام".
هذا، ونسأل الله ﷾ أن يرزقنا السداد والصواب في القول والعمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
9 / 20