الشرح: قد بينا أنه قد يكون ترجيح اختيار أحد نوعي الاستفراغ على الآخر لأمر مرضي أو طبيعي، فإن كان ذلك قويا جدا كان فعل خلافه رديئا كما بيناه في الفصل المتقدم؛ لأن السبب هناك قوي جدا لأنه مرضي عاضده طبيعي، وكلاهما يقتضيان كون الاستفراغ من أسفل، فلذلك كان مخالفة ذلك واستعمال الاستفراغ من فوق ردئ. وأما إذا كان السبب ضعيفا جدا، لم يلتفت إليه إذا كان إلى مخالفته حاجة. مثال ذلك: هذا البدن الذي نتكلم فيه، فإن من احتاج إلى أن يسقى الخربق A وكان استفراغه من فوق لا يواتيه بسهولة، فإن هذا مانع عن ذلك ولكنه ضعيف جدا، فلا يلتفت إليه بل ينبغي أن يجعل ذلك مواتيا ثم يستعمل. وطريق جعله مواتيا له من وجهين: أحدهما أن يعود القئ بالأشياء الخفيفة، وينبغي أن تكون تلك صالحة الجوهر حتى إن اتفق أن بخلت الطبيعة بها ولم تدفعها بالقئ، فلأن تبخل بالجيد خير من أن تبخل بالردئ؛ إلا أن هذا الوجه لم يذكره لظهوره. والوجه الثاني: أن يرطب بدنه بغذاء أكثر وبراحة. أما الراحة فترطب لما يلزمها من قلة التحلل، فإذا كان الوارد على عادته وجب أن تكثر الرطوبة لا محالة. وأما كثرة التغذية فلإيجابها كثرة الرطوبات الدموية والبلغمية، وينبغي أن يكون ذلك الغذاء ليس له طعم غالب؛ لأن ما كان له طعم فليس غذاء صريحا بل دوائيا. وإنما كان الترطيب معينا على القئ B لأن الرطوبات إذا كثرت اشتاقت الطبيعة إلى دفع ما عندها إما إلى فوق أو إلى تحت؛ فلذلك ينبغي لمن أراد أن يلين بطنه أن يكثر أغذيته ويحلها ويدسمها وأن يجعلها أغذية مختلفة وأشربة مختلفة، فإن الطبيعة يعرض لها عند ذلك أن تنفر (174) عما عندها. وأما الطعام الواحد أو الذي لم يدخل به على طعام آخر لم يتم هضمه، فإن الطبيعة تضن به وتقبضه.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا سقيت إنسانا خربقا فليكن قصدك لتحريك بدنه أكثر ولتنويمه وتسكينه أقل، وقد يدل ركوب (175) السفن على أن الحركة مثورة للأبدان.
[commentary]
Page 179