237

البحث الثالث:

يجب على الطبيب أن يحرر ابتداء المرض حتى يصح حكمه بمجيء البحران في الأيام المذكورة والمرض له ابتداء عند الطبيعة وعند المريض وعند الطبيب. أما الكائنة عند الطبيعة فغير مشعور به. وأما عند المريض فهو من وقت أن يطرح نفسه على فراشه، وهذا ليس بصحيح فإن كثيرا من المرضى (412) يتحاملون ويحتملون ألم المرض من غير أن يفعلوا شيئا من ذلك. وأما عند الطبيب فهو من حين ظهور ضرر الفعل. هذا هو الحق فإن ضرر الفعل هو الفصل بين الصحة والمرض. وأما ما ذهب إليه طائفة من أصحاب التجربة أن ذلك هو ما جاوز ثلاثة أيام فهو خطأ لأن من الأمراض ما يستوفي الأوقات الأربعة في ثلاثة أيام بل في يوم واحد مثل حمى يوم. وما قيل أيضا إنه الوقت الذي لا يحس فيه وهو الآن خطأ فإن ضرر الفعل محسوس والآن غير محسوس (413) بقي هاهنا شيء وهو أن المرأة إذا ولدت ثم حصل لها حمى هل بحسب ابتداء مرضها من أول النفاس أو من حين حصول الحمى. ذهب الإمام (414) أبقراط على ما ذكره في كتاب (415) تقدمة المعرفة أن ذلك يحسب من أول الولادة، وبه قال صاحب الكمال وابن رشد من المتأخرين، وذهب الشيخ أبو علي بن (416) سينا على ما ذكره في المقالة الرابعة من الفن الثاني من الكتاب الرابع من القانون إلى أن ذلك يحسب من حين ظهور PageVW5P041A الحمى. والأول أقرب إلى الحق لأن المرأة عند الولادة لا بد وأن يتغير شيء من أفعالها.

البحث الرابع:

قد علمت أن الأمراض على نوعين: حادة ومزمنة. وعرفت تعريف كل واحد منهما وما يدل عليه. فالحادة قد شهدت التجربة بإتيان بحارينها في الأفراد، والمزمنة في الأزواج. وذلك لأن البحران والإنذار لا يكونان إلا في يوم النوبة أو في يوم الاستدلال، ونوائب الحميات الصفراوية الدائرة منها واشتداد الدائمة منها في الأفراد، فلذلك كان بحرانها في الأفراد. وأما الأمراض المزمنة كحمى الربع فإن نوائبها تأتي في الأزواج فيكون بحرانه في تلك. وشهدت التجربة أيضا أن الأمراض المزمنة قلما ينفصل بعرق سابغ. وقد تكرر هذا في كلام الفاضل جالينوس في ثانية البحران وثالثته. ومن هذا يفهم قول الإمام أبقراط في هذه المقالة إذا لم يكن إقلاع الحمى عن المحموم في يوم من أيام الأفراد فمن عادتها أن تعاوده، فمراده هاهنا بالحميات الحميات الصفراوية والحادة وغالب تلك الحميات الصفراوية وهي تنوب غبا. وقد علمت أن البحران لا يقع إلا في زمان النوم، ومن هذا يعلم فساد ما قاله جاليونس في تفسير هذا الفصل، فإنه قال: الواجب أن يجعل عوض الأفراد البحران، وإلا فيكون فساد هذا الفصل من الفصول المدلسة. وهذا كلام سخيف فإن الحركة قد تكون في أيام البحران من غير أن تعلق الحمى المذكورة. وذلك كما إذا كان ذلك في الأيام الأزواج. أما إذا قال الأفراد كان الكلام حقا وكان البحران الواقع في ذلك الوقت بحرانا تاما. وسنتم الكلام في هذا الفصل حيث نصل إلى شرحه.

البحث الخامس:

PageVW5P041B القمر له أشكال واضحة وأشكان خفية. والواضحة ثمانية أربعة قوية وأربعة ضعيفة (417). وأحد القوية حيث كونه مستهلا؛ وثانيها كونه في التربيع الأول وهو امتلاء نصفه من النور عند إشراقه وذهابه في الزيادة إلى جهة المشرق وهو الوقت الذي يكون بينه وبين الشمس من ناحية المشرق تسعون درجة ومدته سبعة أيام من الشهر؛ ثالثها كونه مقابلا للشمس (418) وهو الوقت الذي يكون بينه وبين الشمس مائة وثمانون درجة، وفي مثل (419) هذا الوقت يسمى بدرا؛ رابعها تربيعه الثاني وهو الوقت الذي يكون بينه وبين الشمس من ناحية المغرب تسعون درجة وهو أحد وعشرون يوما من الشهر، ويجب أن تعلم أن تربيعه الأول أقوى فعلا من تربيعه الثاني، وذلك لأنه ذاهب في التربيع الأول إلى الكمال والزيادة وفي الثاني ذاهب إلى النقصان والاضمحلال، ولذلك صار اليوم السابع أقوى فعلا من اليوم الحادي والعشر ويدل على صحة هذا أمر المد والزجر فإنا نجده في اليوم الرابع والسابع أكثر منه في اليوم الحادي والعشرين والرابع والعشرين، فهذه الأشكال القوية من أشكال القمر، ولذلك صارت مخصوصة بالبحران لا بالإنذار. وأما الأربعة الضعيفة فأحدها شكله إذا كان متوسطا بين الشمس وبين تربيعه الأول أي الكائن من جهة المشرق، وذلك عند امتلاء ربعه من المنور وبعده عن الشمس من الجهة المذكورة جمس وأربعون درجة ومدته أربعة أيام؛ وثانيها المقابل لها وهو إذا كان متوسطا بين الشمس وتربيعه الثاني أي الكائن من جهة المغرب وهو امتلاء ربعه من النور وبعده (420) عنها PageVW5P042A في هذا الجانب خمس (421) وأربعون درجة ومدته أربعة أيام؛ وثالثها شكله إذا كان متوسطا من جهة الجنوب بين تربيعه الأول والمقابلة وهو عند ما يكون بعده عن المقابلة اثنين وعشرين (422) درجة ونصفا ومن الشمس سبعا وستين (423) درجة ونصفا وهو (424) أحد عشر يوما من الشهر؛ ورابعها إذا كان متوسطا بين المقابلة وتربيعه الثاني وهو عند ما يكون بعده عن المقابلة من جهة الشمال اثنين وعشرين درجة ونصفا ومن الشمس من هذه الجهة سبعا وسبعين درجة ونصفا، وذلك في اليوم الثامن عشر من الشهر. فهذه أشكال القمر الواضحة. وأما الخفية فثمانية أيضا: وهي قبل المقارنة بيوم، وبعدها بيوم، وقبل كل واحد من التربيعين بيوم، وبعده بيوم، وهذه الأيام ضعيفة. PageVW1P109A أما المتعلقة بالمقارنة فهما اليوم الثامن والعشرين والثلاثين والبحران فيهما يكون ضعيفا على ما دلت عليه التجربة. وأما المتعلقة بالمقابلة وهما اليوم الثالث عشر والخامس عشر، وهذان اليومان ضعيفان. أما الثالث عشر فإنه وإن (425) ابتدأ الفعل فيه غير أن تمامه لا يقع فيه لأن كمال نور القمر هو عند امتلائه وذلك في الرابع عشر. وأما الخامس عشر فلأنه تال (426) للرابع عشر وقد تقدمه كمال الفعل وتمامه. وإذا كان كذلك فلم يمكن أن يكون في الخامس عشر كمال آخر إذ ليس بينهما مدة يمكن الطبيعة أن تفعل فيها فعلا تاما بحيث أنه يظهر فيها كمال ثان لأن أفعال الطبيعة لا تأتي دفعة بل قليلا قليلا على نظام وترتيب. وأما المتعلقة بالتربيع الأول وهما اليوم السادس والثامن، PageVW5P042B وأفعال الطبيعة فيهما أيضا ضعيفة على ما دل عليه التجربة. أما السادس فإنه يوم رديء ليس فيه حركة جيدة البتة، ولذلك شبهه جالينوس بالملك الجائر. وأما الثامن فالكلام فيه كالكلام في الخامس عشر أي أنه حادث بعد كمال الفعل. وأما المتعلقة بالتربيع الثاني وهما اليوم العشرين والثاني والعشرين وهما يومان ضعيفان. أما العشرين فعلى ما دلت عليه التجربة. وأما الثاني والعشرين (427) فلأنه أتى بعد يوم كامل والكلام فيه كالكلام في اليوم (428) الخامس عشر. فهذه العلة في اختلاف أيام البحارين (429) في قوتها وضعفها. وهذا البحث قد أشار إليه الفاضل جالينوس في ثالثة أيام البحران.

البحث السادس:

البحران في بعض الصور يمتد أياما كثيرة، وربما يكون ابتداؤه في يوم ضعيف وفي يوم غير بحراني وينفصل في يوم قوي البحران، وربما كان ابتداؤه في يوم قوي البحران ويكون الفصل في يوم غير ذلك. مثاله إذا ابتدأ حصول العرق أو غيره من أنواع الاستفراغات في ليلة السابع وبقي إلى ليلة الثامن وأقلع المرض في هذه الليلة. وكذلك إذا حصل ليلة الثالث عشر وامتد إلى ليلة الرابع عشر وانفصل في هذه الليلة ففي مثل (430) هذه الصورة لم يعلم الطبيب إلى أيهم ينسب البرء من المرض. والذي تقرر رأي الأطباء عليه أن البحران للسابع وللرابع عشر لا للثامن والثالث عشر لأن هذين اليومين ضعيفان في الحركة البحرانية على ما عرفت.

البحث السابع:

قال الفاضل جالينوس إن جميع النسخ التي رأيناها لم نجد في شيء منها ذكر للرابع في PageVW5P043A هذا الفصل على أنه أول يوم من أيام البحران. فأما أن يكون أبقراط إلغاء ذكره في هذا الفصل أو يكون الناسخ الأول تركه. فإن كان أبقراط هو الذي (431) ترك ذكره قصدا فأرى أنه إنما فعل ذلك لهذا السبب وهو أنه أكثر الأمراض الحادة جدا التي يكون بحرانها بعرق فبحرانها يكون في الثالث والخامس أكثر ما يكون في الرابع ولا يكون بحرانها في الرابع إلا في الندرة. قال: وقد وجدت هذا بعد بحث شديد بحثت عنه فلأجل ذلك ترك (432) ذكر الرابع. وهذا كلام حق من الفاضل جالينوس، وذلك لأن غرضه في هذا الفصل ذكر الأيام التي ينفصل فيها المرض بعرق وهذا إنما يكون عند كون المادة رطبة مجيبة لذلك، وتلك هي مواد الأمراض الحادة وغالب الأمراض الحادة الحميات الصفراوية وهي تنوب غبا فتنوب في أول يوم وفي اليوم الثالث من أخذها، والبحارن كائن في أخذها في وقت النوبة على ما عرفت فهو يأتي في (433) اليوم الثالث ثم في الخامس لإتيان النوبة الثانية فيه لا في الرابع لأنه يوم راحة من راحات الحمى الصفراوية فلا يقع فيه بحارن، فعلى هذا يكون تركه لذكر الرابع (434) قصدا لا من الناسخ الأول. واعلم أن اليوم الأول والثاني يستحيل وقوع البحران فيهما لأن أفعال الطبيعة ليس هي مما تقع دفعة بل قليلا قليلا على نظام واحد فإن المقابلة إنما تكون بعد التأهب بالنضج لتهيئتها المواد للدفع في وقت البحران، وأقل ذلك إلى اليوم الثالث.

Unknown page