البحث الثاني
في فائدة قوله «من لم تكن به حمى»: وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها أن من به حمى لا يجوز أن يستعمل القيء بالدواء المقيئ لا سيما الخربق لحرارته. الثاني أن من به (173) حمى إسهاله أجود من يقيئته لأن المقيئ لا يقدر على تنقية العروق PageVW5P017B وإخراج مادة الحمى إلا إذا كان قويا، وذلك حار (174) جدا. وثالثها أن من به حمى يحتمل أن يكون حصول الأعراض له ليس هو لغلبة المرار على المعدة بل لأن الحمى يلزمها ذلك.
البحث الثالث:
الامتناع من الطعام معناه ذهاب الشهوة. وسببه إما امتناع نفوذ القوة الحساسة وذلك إما لاختلال المبدأ وإما لسدة في الأعصاب المتصلة بفمها وإما لقلة ما ينصب إليها من السواد وإما لامتلاء البدن، فيستغني عن جذب ما يأتي المعدة أو ما هو فيها. وذلك لقلة التحلل وقد يكون لضعف القوة وقلة الدم كما في الناقهين وقد يكون لامتلاء المعدة أخلاطا رديئة مرارية تشغلها عن طلب الغذاء. وهذا هو مراد أبقراط لأنه هو الذي ينتفع بالقيء (175).
البحث الرابع
في بيان كيفية إيجاب المادة المذكورة لما ذكره. أما النخس فالمراد به اللذع، وذلك (176) لحدة المادة ولذعها لفم المعدة على ما ذكره جالينوس في شرحه لهذا الفصل أن القدماء من اليونانيين كانوا (177) يسمون هذا العضو بهذا الاسم. وأما السدر فالمراد به غشاوة تحصل للبصر لا سيما عند القيام. وذلك لما يرتفع من المعدة من أبخرة المادة التي فيها إلى جهة الدماغ . وربما حصل السقوط إلى الأرض. وأما مرارة الفم فلطعم (178) المادة. ولا شك أنه متى PageVW1P102A ظهرت هذه الأعراض دلت على أن إخراج المادة بالقيء أجود من إخراجها بالإسهال. فإن ما ذكرنا يدل على قرب المادة من فم المعدة.
البحث الخامس:
قال الشيخ في ثالث القانون حيث (179) تكلم في أمراض المعدة. إذا اجتمع في المعدة خلط مخالف للمعتاد في كيفيته (180) اشتاقت الطبيعة إلى PageVW5P018A شيء مضاد له والمضاد للمخالف المعتاد مخالف للمعتاذ فإن المنافيات هي الأطراف وبالعكس. أقول: والطريق إلى حل هذا الكلام هو أنا نفرض أن مزاج المعدة الأصلي مائل إلى الحرارة واليبوسة ثم استولى عليه مادة بلغمية إما لمواد قاطرة إليها من الدماغ وإما للإمعان (181) في استعمال أغذية توجب ذلك أو لذعة مفرطة. فإذا حصل فيها ما ذكرنا اشتاقت الطبيعة إلى ما يحلل تلك المادة ويرققها. وهذا المرقق المحلل لا بد وأن يكون حارا، وحرارته لا بد وأن تكون أقوى من حرارة المعدة الأصلية، وإلا كيف يقوى على تحليل ما فيها لكن حرارة هذا المحلل مخالفة لحرارة المعدة الأصلية لوجهين. أحدهما أنه أقوى منها، وثانيهما أن حرارة المعدة غريزية سماوية وحرارة الدواء نارية. وقد عرفت أنهما متنافيتان فالحرارة المشتاق إليها مخالفة للمعتاد الذي هو حرارة المعدة. وأما برد الخلط المنصب إلى المعدة فلا شك أنه مخالف لها (182) فالمشتاق إليه والمشتاق لأجله متنافيان وهما الأطراف وغير الأطراف وهو الحرارة الخاصة بالمعدة. وهذا معنى قوله وبالعكس أي أن غير الأطراف وهو حرارة المعدة الأصلية غير مناف لها، * والله أعلم (183).
18
[aphorism]
Unknown page