Sharh Fusul Abuqrat
شرح فصول أبقراط
Genres
شرح فصول أبقراط لعبد اللطيف البغدادي
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
قصدنا النظر في كتاب الفصول لأبقراط (2) وإثبات شرحه بحسب ما تأدى إلينا ووسعته قوتنا، وانتهت إليه طاقتنا، واقتضاه الوقت الحاضر واحتملته همم أهل زماننا إذ (3) كان هذا الكتاب أشرف الكتب التي تحضرنا لأبقراط، وأجمعها لكليات صناعة الطب العملية وأهمها عند المبتدئ * والناظر (4) في شيء (5) والشادي والنطاسي (6) وأوجبها أن يكون حاضرا لذكر الطبيب الماهر؛ فإن من زاول المرضى ولم يكن ما * في هذا الكتاب عتيدا (7) عند نفسه وحاضرا لذهنه لم يسغ (8) أن يوثق بقضائه (9)، ولا أن يستكان (10) إلى علمه وعمله (11) وكان خطأوه أضعاف صوابه. وهذا الكتاب لم نجد أحدا من المتأخرين تطاول * إلى شرحه إلا على جهة (12) الحواشي والتعاليق، ولكن وصل إلينا عن المتقدمين له شرحان: أحدهما: لجالينوس، بنقل حنين بن اسحاق، وهو المشهور، وعليه اعتمدنا وحذوه احتذينا. والآخر: لبعض اليونانيين (13)، رديء النقل، سيء العبارة وفي (14) جانب عن فصاحة جالينوس وحنين (15). لكن يتبين من حكاية جالينوس ومجادلاته أن هذا الكتاب قد كان له شروح كثيرة انتهت إليه دوننا، ولو كنا لم نعد في كتابنا هذا أقوال جالينوس في شرحه لسميناه اختصارا لكتابه، لكننا (16) زدنا ونقصنا، وقدمنا وأخرنا، وزيفنا من أقواله ما رأيناه يستحق التزييف، وأبدلنا موضعه ما رأيناه يليق به. ومن جملة ما أسقطناه (17) تصريفه ونحوه الذي يستعمله على ما كان تقتضيه لغة (18) PageVW3P002A اليونانيين إذ كان لا جدوى له اليوم عندنا في لغتنا، وأثبتنا نحن من النحو (19) والتصريف في الأمكنة اللائقة به، المفتقرة إليه ما يعين على الفهم ويرشد إلى المعنى. ومن درس كتب القدماء تبين له أنهم كانوا شديدي العناية بالنحو والمنطق وكان ذلك شائعا بينهم، والأديب عندهم هو الذي قد ارتاض بصناعة المنطق؛ ولذلك تجدهم يصدرون PageVW0P002A بقوانينه كتبهم ويستعملونها في تضاعيفها ويصرفونه في جل مخاطباتهم، كما قد كان المتكلمون المتقدمون (20) بالزمان في ملة الإسلام متضلعين من علوم اللسان، أعني النحو واللغة والتصريف والشعر؛ ولذلك تجد (21) كتبهم ومخاطباتهم مشحونة به، فلما جاء المتأخرون جاهلين بذلك، ثقل عليهم سماعه واستهجنوا استعماله ، وهزؤوا (22) من مستعمليه (23) ونسبوه إلى الوقوف مع القشور وسلوا أنفسهم بأنهم الواصلون إلى اللب، الحاصلون على الحقائق. وهذا جالينوس يحض على اقتباس هذين العلمين ويثني عليهما ويستقصر من يقصر فيهما، ثم تراه يستعملهما في جميع كتبه أوجلها، وكذلك أمثاله ممن تقدمه، ومع ذلك فإنه يظهر منه تخليط في بعض مواضع استعمال PageVW1P002A المنطق عند حجاجة الخصوم وتثبيته آراءه. ولما كان المتشاغلون بصناعة الطب في زماننا هذا أكثرهم (24) ليس من أهل اللسان، ولا آخذا (25) نفسه به، وكان غرضهم معيشة الدنيا وتحصيل الخبز، ثقل (26) عليهم النظر في الإعراب وتصحيح الألفاظ، ولم يبالوا بما فاتهم من المعاني لسبب جهلهم بالألفاظ، بل (27) قد (28) أهملوا جل أجزاء الصناعة الذاتية، ولاسيما أصولها العلمية، كل ذلك مبادرة إلى المكتسب، وحرصا على نيل الغاية التي نصبوها لأنفسهم غرضا من غير أن تكون (29) غاية للصناعة بالذات؛ وكل طالب علم أو صناعة جعل غايته منها غير المعرفة فقد جعل غايته غير ما أعدت له، فكان إلى الحيدودة عنها أقرب؛ لأن الصواب PageVW3P002B -بحسب تحصيل الغاية- معلومة (30) لأنها لطالب العلم كالغرض للرامي، فمتى لم يكن محصلا عند بصره لم يتسدد رميه ولم يكد يصيب نبله ولم يفز (31) بالحذق سهمه. ولما كان القدماء هذا أسلوبهم في تعليمهم وتعلمهم (32) انتهجناه ولم نبال بهؤلاء الخبرية (33)، رضوا * أو سخطوا، ذموا أو مدحوا (34)، فالحق أحق أن يتبع، والباطل أحجى أن يجتنب وسبيل الحكماء (35) أولى بأن ينتهج. وقبل الشروع في شرح الكتاب ينبغي أن ننظر في الرؤوس الثمانية التي جرت عادة المتأخرين من الشراح أن يفتتحوا بها شروحهم، وهي: الفحص عن غرض الكتاب، ما هو؟ وعن نحو التعليم المستعمل فيه، وعن نسبته، ومنفعة (36) ما فيه، ومرتبته، وأقسامه، ومعنى عنوانه، واسم واضعه. وفي تعجيل العلم بهذه (37) الرؤوس منافع، منها: أن يطلع المتعلم على جمل أحوال الكتاب بأسرها، فيقدم على التعلم (38) على (39) بصيرة، ويدري (40) مقدار الزمان والفراغ والتعب التي PageVW0P002B يحتاج إليها في قطع الكتاب فيعدها أو ينتظر وقت تهيؤها؛ فإن من شرع في قطع مسافة لا يدري مقدارها وغايتها ومشاقها وعوائقها والقوة عليها والعدة لها، كان حري أن يطلح (41) دون غايتها. ومنها أن النفس طلعت (42) في كل ما (43) تطلبه (44) وتشتاقه على هذه المعاني الثمانية (45). ومنها أن المتعلم إذا وقف على هذه المعاني قبل الكتاب، سلك في تحصيله مطمئن النفس، قرير العين، سالكا على الجدد (46)، يعرف مسالكه (47) ومسافاتها، فلو سقط من الكتاب شيء طلبه، أو أغفله (48) وجهله بحث عنه وتطلب (49)فهمه. ومن منافع هذه الرؤوس أن يمتحن بها من يدعي معرفة الكتاب، فإن جهلها كان بالكتاب أجهل (50)، ولاسيما أقسامه. واعلم أن الأربعة الأول من هذه الثمانية (51) هي مبادئ الوقوف على ما في الكتاب بأكمل وجوه (52)، ومتى أخذت هذه على غير جهتها أو عرفت معرفة ناقصة، عادت (53) المعرفة بجميع ما في الكتاب مختلة (54) أو ناقصة، وورد كثير من الشكوك المحيرة. PageVW1P002B وإذا علم الغرض على ما ينبغي سهل PageVW3P003A الوقوف على المنفعة والمرتبة والنسبة بأهون سعي، فلذلك قدم النظر في الغرض إذ كان أهم الباقية، ولاسيما إذا اتفق أن كان اسم تلك الصناعة يقال على معنيين فصاعدا، بالاشتراك أو بالتشكيك، وعلى جهة التقديم والتأخير، وكان مقصود الواضع معنى خاصا وذهب ذهن السامع والمتعلم إلى معنى آخر، أو لم يتقرر له المعنى المقصود والغرض الذي نحاه المصنف؛ فإذا اختلطت الأغراض والمعاني وظنها واحدا أو ظن بأحدها (55) أنه الآخر، وكان يلزم عن بعضها ما لا يلزم عن الآخر أو ما يلزم ضده عن الآخر، وقع له شكوك وأغاليط يعسر عليه حلها أو التقصي (56) عنها ومعرفة الصواب منها كالهندسة التي تقال (57) على الهندسة العلمية والعملية جميعا بالاشتراك، والموسيقى تقال (58) على العلمية والعملية أيضا؛ وكذلك صناعة الطب تقال (59) بالاشتراك على ثلاثة معان: على (60) العلمية، وعلى العملية، وعلى الصناعة (61) الفاعلة؛ وأن (62) هذه الثلاثة هي أجزاء صناعة واحدة، فالجزء الأول العلمي، يسمى النظري، هو شبيه بالأصول والمبادئ والتوطئات، وجميعه يشتمل (63) على قوانين كلية ليس من شأنها أن تعمل (64) أو (65) تؤخذ (66) لا (67) من جهة ما يعمل. وهذا الجزء هو في تخوم العلم الطبيعي، ولذلك سمي نظريا وعلميا. وأما الجزء الثاني فهو قوانين العمل وذكر كيفيته وتقريب ذلك من الأجناس إلى الأنواع والأصناف، والاجتهاد في تقريبه إلى الأشخاص بضرب الأمثال واقتصاص أحوال أشخاص بأعيانهم حتى يتخيل حالهم المتعلم ويجعلهم مثالا يحتذى عليه في علاج الأشخاص الذين ها هو ذا يعالجهم، ويسمى (68) هذا الجزء العلمي لذلك على طريق النسبة (69) لأنه ليس بعمل في الحقيقة، وإنما هو علم كيفية العمل أو علم الأشياء التي من شأنها أن تعمل (70) ، فلما كان له إلى العمل هذه النسبة قيل له عملي، ولم يقل له عمل لأنه غيره في الحقيقة. وأما الجزء الثالث فهو مباشرة ذلك ومزاولته والقدرة على إخراجه إلى الفعل، وهذا الجزء (71) لا يقال له عملي بل عمل ويقال للملكة عليه قوة عاملة أو فاعلة. والفرق بين الجزء العملي وبين العمل نفسه أن العملي يبتديء في المعرفة من الغايات ثم لا يزال يتدرج بطريق التحليل إلى أن ينتهي إلى القوى؛ وأما العمل نفسه سواء كان عن الصناعة أو عن الطبيعة، فإنه يبتديء من القوى ولا يزال يمعن قليلا قليلا إلى أن ينتهي عند غاية ما، ويقف إما في أرباب الاستعدادات التامة عند (72) أكمل الغايات وأفضلها وآخرها، وإما (73) فيمن دونهم فعند غاية ما، أي غاية اتفق أن كان البدن أو الصانع معدا PageVW1P003A نحوها بالطبع. وحكي فرفوريوس الصوري (74) عن القدماء أن الصناعة عندهم تشتمل (75) على ثلاثة أنواع: أولها الصناعة النظرية، والصناعة العملية، والصناعة الفاعلة. ويحدون الصناعة أنها هيئة مجتمعة من معادن تسوق إلى كمال، وأن أنواعها الثلاثة يتميز بعضها عن بعض بغاياتها. فالنظرية هي علم ما شأنه أن يكون لا عن إرادة الإنسان؛ والعملية تشتمل (76) على علم ما شأنه أن يكون عن إرادة الإنسان؛ وأما الصناعة الفاعلة فهي التي ليس قصدها أن تعلم (77) فقط، لكن أن تعمل (78)، ويعني بذلك أن يكون الإنسان يحتاج في تتميمه أو إخراجه على الفعل إلى تحريك أعضائه بإرادته. وأيضا فالصناعة العملية (79) هي التي موضوعاتها التي يعلمها كليات الأشياء الإرادية من غير أن يشترط فيها أن تكون (80) لها قدرة على استعمالها في الجزئيات، فإذا إنما سميت صناعة عملية ليس لأن تستعمل (81) هي بأعيانها، ولكن لأن جزئياتها من شأنها أن تعمل وتدخل (82) تحت الإرادة. وحد أرسطوطاليس (83) الصناعة بأنها هيئة ما صانعة مع كلمة صدق. وقد بسط هذا الحد بعبارة أعرف فقيل: الصناعة هي ملكة يتوغل بها الإنسان نحو شيء ما يروي فيه على ترتيب. وقد تبين أن ما يعلم (84) في PageVW0P003B الجزء العملي ليس هو نفس ما يعمل، لكن الغاية منه ومنفعته أن يكون أصولا تستنبط (85) منها الجزئيات التي تعمل. ثم أن الجزء العملي يستعان في تعلمه واكتسابه بالقوة المنطقية، والجزء النظري أشد حاجة إليها. وأما الجزء الفاعل فليس يحتاج في تعلمه إلى صناعة المنطق بل اعتماده على الاحتذاء أكثر وعلى تكرير الفعل، فالصناعة الفاعلة سميت بذلك - كما قلنا - لاستعمالها أعضاء الحيوان في اكتسابها لا للدلالة بها على ما في النفس، ولا لأن توقع (86) بها في النفس معارف وحالات كتحريك (87) اللسان بالألفاظ وتحريك كثير من الأعضاء بالإشارة التي تقوم (88) مقام الألفاظ أو تعين (89) الألفاظ وهذه الحركات قد تكون (90) بأعضاء الطبيب نفسه، وقد تكون بآلات، والآلات قد تكون (91) متصلة وقد تكون (92) منفصلة، والمنفصلة قد تكون (93) متنفسة وقد تكون (94) غير متنفسة، والمتنفسة قد تكون (95) ناطقة وقد تكون (96) غير ناطقة، والآلة الناطقة هي بمنزلة العبيد والخدم وإليهم أشار أبقراط في الجزء الثاني من الفصل الأول، وأما الصديق والصاحب فعلى جهة النيابة لأنه يقوم مقام النفس، إذ (97) الصديق كما قال أرسطوطاليس (98): آخر هو أنت. فمن علم ما في كتب أبقراط (99) وجالينوس لا تحصل (100) له صناعة الطب حتى تحدث (101) له قوة PageVW1P003B على الفعل الكائن عن تلك الأصول، فاسم الصناعة ليس يدل على معارف كثيرة (102) تحصل (103) للإنسان، بل على القوة التي بها يفعل عن تلك المبادئ الحاصلة في نفسه، وهذا واجب في الصناعات (104) العملية (105) والنظرية جميعا على حد سواء، فإن الفعل المنسوب إلى الصناعة النظرية هو الاستنباط، وأما العلم نفسه فهو ملكة غير الصناعة أو هيئة أو حالة، لكن الصناعة النظرية تبتدئ من العلوم وتنتهي (106) إلى العلوم. وأما الصناعات الفاعلة فتبتدئ (107) من العلوم وتنتهي (108) عند أفعال أو مفعولات، فلذلك أيضا سميت هذه صنائع عملية، وتلك صنائع نظرية، وقد تسمى (109) علوما لأن غايتها (110) أن تعلم. ولما كان أرباب الكنانيش PageVW1P004B لا يجرون إلى الغاية على السنن ذمت (111) طريقتهم وذلك أنهم يذكرون قوانين كلية ويردفونها بأدوية مقدرة جزئية تقديرا شخصيا، وحينئذ (112) لا يمكن أن تطابقه (113) إلا على جهة الاتفاق والمصادفة لأنه لا يقتضيه بذاته بل إن كان ولابد فبالعرض، وإنما يطابق الكلي كليا (114) والشخصي شخصيا (115)، فإن أخذ ما في الكنانيش PageVW0P004A على أنه أمثلة كان نافعا في العمل، وإن أخذ على أنه هو الذي ينبغي أن يعمل كان ضارا. ولما كان القياس والتجربة يتعاونان في تكميل صناعة الطب بأن تعين التجربة القياس فيما لا يغني القياس فيه، والقياس يعين التجربة فيما لا تغني التجربة فيه، ظن قوم أن كلا منهما تحت الآخر ويرأس عليه وليس هذا الظن صادقا، بل القياس هو الذي يرأس التجربة، كما أن العلم الطبيعي قد يستعين في تبيين مبادئه وتصحيح براهينه بالطب، ولا ينبغي أن يقال أنه داخل تحت الطب أو أن الطب يرأسه. وكذلك العلم الطبيعي قد يرفد علم ما بعد الطبيعة ويعطيه كثيرا من مبادئه ومع ذلك فهو يرأس العلم الطبيعي ولا يسوغ أن يقال أنه تحته. وكذلك (116) الطب أيضا صناعة ترأس صنائع كثيرة، كصنائع عمل الآلات كالمباضع والمحاجم وآلات البط والشق والتشريح، وكعمل الأشربة والأدهان والمعاجين وخلط العطر وصناعة الطبيخ (117) وجميع الأعشاب وسائر الأدوية ومعرفة أعيانها ومعادنها وصناعة الصيدلة، فهذه وأمثالها كلها تحت صناعة الطب لأنها تعد لها الآلات وتخدمها في تحصيل غاياتها. ولنأخذ في بيان غرض الكتاب فنقول: غرضه تعليم (118) صناعة الطب العملية على طريق القياس، وهذا المعنى موجود في (119) قوله: "العمر قصير والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والتجربة خطر، والقضاء عسر" على ما يشهد (120) به شرحنا. وقد علمت مما سبق أن بين تعريف القوانين الكلية وإحصائها واحدا PageVW1P004A واحدا وتبيين ماهياتها وإحصاء الأفعال الكلية الصادرة عنها وبين إعطاء السبيل (121) في إفادة الصحة الجزئية بالتدبيرات الجزئية فرقا ظاهرا، وكذلك القدرة على إعطاء ماهية القوى والطبائع والأمزجة وجوهرها والأفعال * الكلية (122) عنها غير القدرة على إعطاء السبيل الجزئية والتدبير (123) الجزئي في إفادة الصحة؛ لأن الأشياء التي تعطينا القوانين (124) الكلية تكون بأقاويل برهانية أو جارية مجراها، وأما التي ترشدنا إلى الأمور الجزئية فأشياء ظنية وإقناعية وحدوس صناعية تستند إلى (125) تلك القوانين الكلية؛ فلذلك لا يكتفى في تحصيل الصحة الجزئية بتلك القوانين الكلية دون القدرة على التدبيرات الجزئية. وينبغي أن تعلم أنه ليست البراهين في الأمور الضرورية الدائمة فقط كما يظن ذلك من لا حنكة عنده، بل وفي الأمور الأكثرية أيضا فإن البرهان يقوم عليها على أنها أكثرية، كما أشير إلى ذلك في أنالوطيقا الثانية ولقد صرح به ثاوفرسطس PageVW0P 4B في برهانه، فهذه حالها مادامت (126) كلية. فأما الجزئي الحاصل منها بالفعل أوالذي مزمع (127) أن يحصل بالفعل فليس يكتسب علمه (128) أو يتوصل إلى تحصيله بالفعل بذلك البرهان بعينه، بل بقوة أخرى وبأقاويل أخر (129). فأما نفس تحصيله بالفعل فيحتاج إلى المباشرة والعلاج واستخراج الجزئي من ذلك وتقدير ما يحتاج إليه منه (130) بقوة أخرى ليست الأولى ولا الثانية؛ فإن احتيج إلى عمل باليد كالبط (131) والقطع والكي والجبر افتقر إلى تدريب * اليد مرات كثيرة، كما يحتاج الخياط والنجار إلى تدريب (132) يده في عمل صناعته (133) كيما لا تضطرب ولا تزول عن موضع الغرض ولتفعل أفعالها على ما ينبغي من غير كلفة ولا كبير عمل (134). وهذا القسم من الصناعة أشد أجزائها حاجة إلى الاحتذاء، وأقلها استغناء بالوصف والقول حتى تجد القول وحده لا يكاد يجدي فيه ولا يستوفيه. ويليه في ذلك القسم الذي قبله فإن الوصف فيه أنجع، ويكاد القول فيه يفي، والاحتذاء مرات قليلة يكفي. وأما القسم الأول فالقول فيه مجد جدا ويكفي في تعلمه الوصف فقط، لأنه قوانين علمية، وإن احتيج في تعلمها إلى الجزئيات المحسة فعلى جهة التمثيل والوثاقة في التفهيم. فهذا الكتاب لم يوضع بحسب مداواة أمة بعينها أو أشخاص معينين، بل على جهة العموم لجميع نوع الإنسان، فأما التنزيل إلى الأصناف الأخيرة والأشخاص (135) المحسة فيحتاج إلى قوة (136) وتدربات (137) بحسبهم، ألا ترى أن من سلك أسلوبا (138) في مداواة الحبشة لو انتقل إلى بلاد الصقالبة لم يسعه أن يسلك ذلك الأسلوب بل تلجئه ضرورة الصناعة إلى سلوك غيره. وأقرب من ذلك أنه قد يحتاج إلى تبديل الأسلوب في أهل مدينتين متقاربتين، بل ربما كان ذلك في أهل مدينة واحدة PageVW1P004B ذات جهتين. وأما تنزيل ذلك بحسب العادات والسير والأسنان والصناعات وأشباهها، فاختلافه ظاهر. وقد تكررت وصية أبقراط (139) وجالينوس بمراعاته وملاحظته، ومن الأمثلة المنبهة (140) لك على الفرق بين كليات الصناعة وجزئياتها صنفا (141) العلامات المحمودة والعلامات المذمومة المحصاة في كتاب تقدمة المعرفة وغيره، فإن إحصاء كل من الصنفين على حياله، ومعرفة قوة دلالة كل علامة على انفرادها وعند اجتماعها مع مثلها أو أمثالها عن صنفها، أو عند اجتماعها مع ضدها أو أضدادها من غير صنفها، والموازنة والمقايسة بينهما PageVW0P005A ومعرفة دلالتها في أوقات المرض وأسنان المريض وأوقات السنة والبلدان وغير ذلك، فإن هذا كله من العلم الكلي الذي يمكن أن يقام عليه برهان (142) على أنه أكثري. وأما تأمل ذلك في يد (143) المريض مثلا، ومعرفة تلك العلامات فيه بالحس والحكم عليه بأن حاله كذا، أو تؤول إلى كذا، أو قد كانت كذا فكله من جزء العمل يفتقر فيه إلى مزاولة وتدرب ويحصل بملكة أخرى غير تلك الأولى، وأكثره لا يمكن أن يعطى فيه إلا الإقناع وغلبة الظن. وفي صناعة الطب صنف يصدق الحكم عليه صدقا قويا مع خفائه وعدم القدرة على الإقناع فيه يسمى التكهن والحدس المصيب، وهذا الصنف أكثر ما يكون عندما تقوى الملكة قوة تفوق (144) القول. ولهذا أمثلة كثيرة من صنائع متعددة، فإن صناعة الفروسية تعلم الإنسان كيفية اختلاس الطعن والضرب (145)، وكيف يتوقى ذلك من خصمه، وكيف يجنبه (146) عنه، فإذا نازل العدو ولم يسعه أن يستعمل ذلك بعينه، لا بد أن يتصرف فيه بالزيادة والنقصان بحسب ما يقتضيه الوقت الحاضر وسائر المخصصات وربما وقعت هيئات لم يعلمها لكن يكون لها عنده نظير أو يستخرج لها جوابا بقوة ملكته. وكذلك المجادل والمخاصم، إذا كان قد لقن حججه (147) ودفع حجج الخصم، إن لم يكن له من نفسه تصرف واستنباط وزيادة ونقصان بحسب الحال الحاضرة واتكل على أن يستعمل ما لقنه بعينه، كان بعيدا عن الفلح (148) جديرا بالانقطاع والتبكيت، فالقوة التي بها لقن ما لقن غير القوة التي بها يستنبط ويزيد وينقص، وهذه القوة إنما تحصل بطول المزاولة وتكرر الممارسة. وأما القوة الأولى التي بها يعلم ما في الكتاب فتحصل بمجرد الحفظ والفهم، وأما تنزيلها إلى الأشخاص بقوة أخرى تحصل بالمباطشة، وقد أشار إلى ذلك أبقراط نفسه في الجزء الثاني من الفصل الأول بقوله: "وقد ينبغي لك ألا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون المريض ومن يحضره PageVW1P005A كذلك". فإن فعل ما ينبغي هو تنزيل القوانين إلى الأشخاص وتعيين الكلي في الشخص، وتوخي ذلك هو الاجتهاد في تعيينه (149) على أقصى ما يمكن من الصحة والصواب بالتقريب جدا. وبالجملة فمن عرف (150) ما في هذا الكتاب ولم يكن له قوة على تنزيل الأشخاص واستنباط ما ينبغي لكل واحد من الأقدار (151) لم يكد ينتفع بما في هذا الكتاب في تحصيل PageVW0P005B الصحة، كما أن من لقن حجج الجدال ولم يقدر على تنزيلها بحسب المخاطبين لم يكد يغلب؛ فهذا كاف في معرفة غرض الكتاب. وإذ (152) قد عرفت الغرض فإنه يسهل منه تبين المنفعة والنسبة والمرتبة. فأما منفعة ما في هذا الكتاب: فالبعيدة منها أن تصير الأبدان الإنسانية على أفضل ما يمكن من الصحة. وأقرب من هذه أن تصير (153) لنا قدرة على حفظ الصحة وشفاء الأسقام، وأن يتخذ ما في هذا الكتاب من القوانين معتصما يلتجأ إليه من الزلل والحيد (154) عن طريق الصواب، فإن الفرق بين الغرض والمنفعة أن الغرض هو المقصود من الشيء في نفسه وهو الذي قصد تعريفه في الكتاب. وأما منفعته (155) فهي جدواه (156) في شيء آخر خارج عنه. وأما نسبة ما في هذا الكتاب إلى جملة صناعة الطب فهي أنه كليات الجزء العملي، وقد تبين من قولنا أن صناعة الطب تنقسم إلى جزئين: علمي، وعملي. وأن الجزء العلمي (157) هو معرفة الأشياء التي ليس إلينا وجودها. وأن الجزء العملي ينقسم قسمين: أحدهما كليات الأمور التي إلينا وجودها، إذ (158) هي نافعة في ذلك نفعا أوليا. والقسم الثاني هو التمرن في مزاولة الجزئيات ومباطشتها والقدرة على تقدير ما يخص شخصا شخصا ويخص هذا بصناعة العمل؛ فهذا الكتاب يحتوي على معظم كليات الجزء العملي ويكاد يكون جوامع كتب أبقراط (159) لأنه يشارك أكثر كتبه، وأحراها بذلك كتاب ابيديميا وإن كان خاصا بالأمراض الوافدة، وهذا الكتاب كأنه خاص بالأمراض المدنية والأمراض التي يجرى فيها القياس أكثر وأقوى. وأما مرتبة هذا الكتاب فقد اختلف الناس فيها وجعلوا لكتب أبقراط ترتيبا في القراءة واختاروا منها اثنى عشر كتابا ورتبوا هذا الكتاب منها في مراتب، وأما أنا فأرى أنه ينبغي أن يبتدأ أولا بعهد أبقراط (160) الذي عهده إلى الأطباء الغرباء فيقرأ (161) أولا ويفهم أغراضه فيه، ويتقبل (162) ما فيه من الأخلاق والصفات، ثم يبتدأ بعده بكتاب الفصول، ثم بكتاب تقدمة المعرفة. وأما نحو التعليم المستعمل فيه فهو طريق الفصول، وهي طريق الاختصار والاقتصار على قضايا كلية تؤخذ مهملة (163) على أنها كذلك على الحكم الغالب، وأما جهة ثبوتها فأكثرها مصحح بالتجربة معضودا (164) بالقياس، وبعضها بالقياس وحده وهو الأقل. وفي بعض الفصول تنبيه (165) على العلة إذا كانت خفية، وهذه القضايا تقوم عليها البراهين الأكثرية PageVW1P005B لا الضرورية كما قلنا ذلك، فإن أرسطوطاليس (166) إذا ذكر الأشياء الطبيعية للأمر جعلها الأشياء الدائمة اللزوم له، PageVW0P006A أو الأشياء اللازمة له على الأكثر، ويجري الأشياء الكائنة على الأكثري (167) مجرى الأشياء الاضطرارية، والأشياء الذاتية توجد في المواد الممكنة كما توجد في الأمور الاضطرارية، وقد صرح في كتاب ما بعد الطبيعة أن الأشياء الذاتية هي إما اضطرارية، وإما على الأكثر، ويقتصر في البراهين الممكنة من شرائط اليقين المطلق على بعضها فيشترط في المحمول أن يكون ذاتيا ومناسبا على ما يخص (168) معناهما في كتاب البرهان، ويسقط من الشرائط أن يكون ضروريا ودائما ويجعل مكانه أن يكون أكثريا. وقد علم في غير هذه المواضع أن أنحاء التعاليم ثلاثة أجناس: ما يسهل تفهيم الشيء، وما يبين (169) أنه حق، وما يسهل حفظه. فأما ما يسهل فهم الشيء فهو الحد والرسم والقسمة والتحليل وإبدال الاسم. وما يبين (170) أنه حق هو القياس. وما يسهل حفظه هو وجازة اللفظ وجودة البيان. وأبقراط استعمل في هذا الكتاب ما يسهل فهمه وما يسهل حفظه بما فيه من الإيجاز وجودة البيان، ووصف الشيء بأخص صفاته. وأما ما يبين أنه حق فقلما استعمله، واتكل فيه على أنه مقبول (171) وسيصححه السامع والمتعلم بالتجربة والقياس عندما يتبحر. وأما أجزاء الكتاب الكبار، فهو سبع مقالات. وأما أجزاؤه (172) الصغار (173) فهي (174) فصول كل (175) مقالة وهي محصاة فيها. وأما أغراض كل مقالة فليست محصورة في ترتيب، بحيث يسهل إحصاؤها إلا بقراءة الفصول أنفسها، لكن فيها تكرير وتداخل، والتكرير (176) قد يكون باللفظ عينه، وقد يكون بالمعنى. وأما التداخل فأن يكون الفصل يقوم مقام فصل آخر ويشتمل (177) على معناه. وفيها فصول يظهر من أمرها أنها منحولة إلى أبقراط (178). ويوجد في بعض النسخ القديمة فصول كثيرة بعضها مكرر اللفظ والمعنى، وبعضها مكرر المعنى ركيك اللفظ، وبعضها ركيك اللفظ رديء المعنى، وأكثر ما يوجد ذلك (179) في آخر المقالة السابعة؛ ويتبين من حال هذه الفصول أنها ليست من كلام أبقراط لأنها مجانبة لفصاحته وطريقه في إيجاز لفظه وصحة معناه، فلذلك أضربنا عن كثير منها. وقد يوجد في بعض الفصول ما يعده قوم فصلا واحدا؛ ويقسمه قوم إلى فصلين. وأما عنوانه فهو كتاب الفصول، وقد قلنا أن طريق الفصول هو طريق الإيجاز والاختصار والاقتصار على القضايا الكلية المصححة، التي هي (180) نتائج القياس والتجربة ليسهل حفظها وضبطها والعمل بها، وهذه التسمية مطابقة PageVW0P006B لمعناه. وأما واضعه فهو أبقراط (181) بشهادة جالينوس وغيره من المتقدمين والمتأخرين، وأن ما فيه PageVW1P006A مبثوث في سائر كتبه باللفظ أو بالمعنى وخصوصا كتاب أبيديميا، ثم إنه من نوع كلامه في (182) سائر تصانيفه. على أن العلم بواضع الكتاب ليس ضروريا ولا نافعا في فهم ما فيه اللهم إلا بالعرض (183)، لأن المتعلم إذا عرف من واضعه كانت نفسه إليه أسكن ، وقلبه به أوثق، وربما صار حرصه على تعلمه أزيد متى اعتقد في واضعه الحذق والنباهة. فهذه هي الرؤوس الثمانية التي جرت العادة بتقديمها أمام (184) الشروح، وكنا قد بسطنا القول في هذه الأعراض بسطا تجاوز الحد اللائق بالتوطئة، وذكرنا حد الطب لجالينوس وحللناه وبسطناه، وذكرنا أيضا حدودا أخرى لغيره وشرحناها وقايسنا بينها وبينا عوارها (185)، وذكرنا حدا خاصا بنا، وذكرنا أجزاء الطب وكيفية قوله عليها بالاشتراك، وكيفية تولد الطب، وطرفا من أخبار أبقراط وجالينوس، وأشياء أخر، فلما رأيناه قد خرج عن حد التوطئة أفردناه وجعلناه كتابا قائما برأسه ولقبناه برسالة * في حد الطب (186) واقتصرنا على هذا المقدار أمام هذا (187) الشرح. وقد حان لنا أن نأخذ في شرح الفصول فصلا فصلا على التوالي، وبالله التوفيق * وهو المسهل والمعين (188). PageVW2P001B
المقالة الأولى من كتاب الفصول (189)
[فصل رقم 1]
[aphorism]
(190) قال أبقراط (191) العمر قصير، والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والتجربة خطر، والقضاء عسر، وقد ينبغي لك ألا (192) تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من خارج.
[commentary]
قال عبد اللطيف (193): صدر كتابه بأمور عامة ونافعة معا، وقصد بهذا الفصل أن يعرفنا ما يلحق الصناعة من الخلل والنقص على مذهب أرباب التجربة، وما يلحقها من الكمال والبراءة من ذلك الخلل على رأي أرباب القياس، وأن يعرفنا أنه إنما وضع كتابه هذا على رأي أرباب القياس، فوفى قوله بالرد (194) على التجريبيين (195) والنصرة للقياسيين، وتبيين (196) طريق تعليم هذا الكتاب وتقديم وصايا نافعة في جميع أعماله، وإقامة المعذرة لواضعه في عدوله عن طريق أرباب التجربة المعهودة إلى هذه الطريق. وقوله: العمر قصير ، أي الزمان الذي شأن PageVW2P002A الإنسان أن يدرك فيه المعارف الطبية (197) قصير بالقياس إلى طول صناعة الطب (198)، فكأنه يقول لو اتكلنا PageVW0P007A في جميع المعارف الطبية على أن نعلمها من قبل التجربة لاضطررنا إلى تجربة جزء جزء من كل مرض وصحة، ومن كل دواء وغذاء، مفردا أو مقترنا، وعلى كل حال ممكنة فيه، وهذا مما لا يفي العمر به ويقصر دونه بل ذلك في مرض واحد ودواء واحد عسر. وقوله: والصناعة طويلة، يشير بها إلى صناعة الطب PageVW1P006B ويشير بطولها إلى كثرة أجزائها التي لا يمكن حصولها وتجربتها إلا في زمان طويل، فإذا كان العمر قصيرا لا يفي والصناعة طويلة تحتاج في تجربة جزئياتها إلى زمان طويل أدى ذلك إلى أن لا تعرف صناعة الطب على مذهب أرباب التجربة، أو تعرف معرفة ناقصة رديئة نزرة. والصناعة: كل ملكة اعتيادية يمعن الإنسان بها على ترتيب نحو غرض ما. والطويلة: هي التي لها أجزاء كثيرة، أو التي إنما يحصل ملكه في زمان طويل. وقوله: والوقت ضيق، يريد به وقت المرض، ويريد بضيقه (199) قصره وأن المرض، بل البدن، لا يثبت على حالة واحدة لكنه سريع الاستحالة سهل التغير من نفسه، فضلا عن تغيره (200) من أسباب خارجة، فإذا يتعذر على الطبيب أن يجرب كل ما يؤثر تجربته من وجهين، أحدهما (201): أن وقت المرض قصير فيضيق عن أصناف التجربة. والثاني: أن المرض لسيلانه وسرعة تغيره في الزيادة والنقصان لا يدعنا نثق بالتجربة إلا بعسر وذلك من وجوه كثيرة: منها أنه قد يصادف فعل الطبيعة (202) في المرض ما كنا نتوقعه من فعل العلاج أو الدواء فنحيله عليه وإنما هو من فعل الطبيعة. ومنها أن يكون بالعكس. ومنها أن يكون قد زاد المرض عن مقدار الدواء أولا فلا يؤثر لذلك، أو نقص فحدث PageVW2P002B عن الدواء ضرر بمقدار زيادته عن الحاجة. وبالجملة فإنما نثق بالتجربة متى تكرر فعل واحد في أشياء كثيرة متفقة في حال واحد من كل وجه أو من أكثر الوجوه ووجد أن هذا عسر؛ فحاصل هذا أن الحكم على مريض ثان بما جرب في مريض أول من غير استعمال القياس (203) فيما يخص الثاني خطأ أو خطر. وقوله: والتجربة خطر، أي غرر وإقدام بالفعل على غير بصيرة ولا ثقة، وإنما يستعمل هذه اللفظة، أعني الخطر في شيء شريف خطر (204) يقدم على مزاولته من غير ثقة بسلامته، وبدن الإنسان مما هو شريف فالإقدام على معالجته بالتجربة من غير ثقة بسلامة العاقبة خطر والطبيب يعالج المريض ليبريء لا ليجرب، فإن التجربة تكرير (205) الإحساس في شيء لتثق النفس أن فعله وانفعاله PageVW0P007B منسوب إليه لذاته لا واقع على طريق الاتفاق. والمجرب متعلم، فإذا كنا أبدا مجربين فيا ليت شعري متى نكون مداوين. وقوله: والقضاء عسر، يريد بالقضاء بت الحكم عن قياس تقدمه، وعسره ظاهر لأن القياس شروطه كثيرة وإحصاء (206) جميعها واجب، والإخلال بشيء منها مغلط ولا جرم في المواد السيالة، فكأنه يقول: فإذا كان القضاء والحكم عن القياس وعن المقدمة الكلية عسرا لكثرة شروطه، فما ظنك بالقضاء على مذهب أرباب التجربة المنتقلين PageVW1P007A من جزئي إلى جزئي من غير جامع كلي. وإن شئت كان التقدير هكذا: والتجربة خطر، والقضاء باعتبارها من غير قياس عسر، ويريد بعسره إما بطء التفطن له وصعوبة إدراكه، وإما كثرة اختلافه وقلة صوابه. هذا آخر الفصل عند قوم، وشطره عند آخرين، وكيف ما كان فإن من (207) أول الكتاب إلى هنا صفة للطبيب كيف ينبغي أن يكون، ووصية له بما ينبغي أن يأخذ به نفسه، وما بعد إلى قوله: ومن يحضره PageVW2P003A كذلك، وصية للمريض كيف ينبغي أن يكون، فإن الطب صناعة فاعلة بصفة ما فيقتضي منفعلا وقابلا بصفة ما، فذكر أولا صفة الفاعل، كيف ينبغي أن يكون حتى يصدر منه الفعل على الصواب؛ ثم تلاه بصفة المنفعل، كيف ينبغي أن يكون حتى يقبل فعل الفاعل ويحصل منه الغرض والغاية، فكأنه قال: ينبغي أن يكون الطبيب بصيرا بكل ما ينبغي أن يفعل، فطنا بكل تغير، قادرا على المقايسة. وينبغي أن يكون المريض قابلا لما يأمر به الطبيب، ممتثلا لما يرسمه على ما سنقول فيه إن شاء الله تعالى، وقد قيل في الغرض (208) بهذا الصدد أقاويل أخر غير ما قلناه، أشبهها قولان: أحدهما: قالوا الغرض أن يبين العلة في أن جعل طريق تعليمه على هذا النحو، أي على طريق الفصول، لأن استقصاء جميع ما قصد إليه بالإيجاز والإحاطة من أنفع الأشياء لمن أراد تعلم صناعة طويلة في عمر قصير، فكأنه بين غرضه في نحو تعليمه . والثاني: قالوا أنه أخبر بمنفعة وضع الكتب لأن قصر العمر وطول الصناعة يوجبان للمبتدئ بهذه الصناعة أن لا يبلغ غايتها، فإذا وضع الأول للثاني ما علمه (209) في كتاب وتأدى (210) إلى الآتي ذلك العلم في زمان قصير أضاف إليه ما استخرجه هو، ولا يزال الأمر كذلك إلا أن تكمل الصناعة، فكأنه قال: هذا مقدار ما حصل لي علمه وثبت عندي قوانينه فليأخذه من وصل إليه وليزد ما حصل له عليه لينمي العلم ويكمل الصناعة. وقوله: وقد ينبغي لك، هو عند أكثر الناس PageVW0P008A فصل قائم برأسه، وأخرجه مخرج المشورة والنصيحة لأن ذلك أدعى إلى القبول وألطف بالمتعلم. ومعنى ينبغي لك: أي يجب عليك أيها المتعلم، كأنه يقول: إن أردت أن تعرف وتخبر حقيقة ما في كتابي هذا (211) فليس ينبغي لك أن تقتصر على فعل ما يجب فعله دون أن يكون المريض PageVW2P003B مطاوعا والخدم فرها أكياسا، والأشياء التي من خارج وهي مثل المنازل والأهوية وما يعرض للمريض من غم وغضب ونحو ذلك، فإن كثيرا ما يعرض بسبب ذلك أن تبطل صحة ما يتقدم بمعرفته أو يفسد العلاج فلا ينجح، أو يعرض الأمران جميعا، فإن جرى أمر هذه كلها على ما ينبغي لم يوجد من جميع ما في هذا الكتاب شيئا باطلا. وقصد بهذا الفصل تعريف الأشياء الثلاثة التي لا تحصل غاية صناعة الطب إلا بانضيافها PageVW1P007B إلى معارف الصناعة، الأول: إرادة الطبيب أن يفعل عن المعارف الحاصلة في نفسه، وإلى هذا أشار بقوله: على فعل ما ينبغي أن يفعله. فإن الذي ينبغي أن يفعله الطبيب هو ما تقتضيه المعارف الحاصلة في نفسه، الملخصة في هذا الكتاب وغيره. والثاني: طاعة المريض ومن يحضره لما يريد الطبيب ويأمر به. والثالث: موافقة الأشياء الخارجة. ومتى لم تجتمع هذه الثلاثة إلى المعرفة الصحيحة لم يبلغ غاية الصناعة بالضرورة.
[فصل رقم 2]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط: إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن والقيء اللذين يكونان طوعا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، نفع ذلك وسهل احتماله، وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد. وكذلك خلاء العروق فإنها (212) إن خلت من النوع الذي ينبغي أن يخلو منه البدن (213) نفع ذلك وسهل احتماله، وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد. وينبغي أن ينظر أيضا في الوقت الحاضر من أوقات السنة وفي البلد، وفي السن، وفي (214) الأمراض هل توجب استفراغ ما هممت باستفراغه أم لا؟
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما فرغ فيما تقدم من صفة الطبيب والمريض وكيف ينبغي أن يكون كل واحد منهما من الأحوال المتصلة والمنفصلة حتى يحصل الشفاء PageVW2P 4A ابتدأ بالقوانين الذاتية للصناعة، وابتدأ بها بهذا الفصل لكونه عام النفع، كثير الوقوع، ولأن الحاجة فيه إلى القياس أمس، وظهور الحذاقة وقوة PageVW0P008B الصناعة فيه أبين، وذلك أن العلاجات والأشفية (215) أكثر ما تكون بالاستفراغ، ولأن ذلك شيء تفعله الطبيعة (216) دائما في حال الصحة والمرض، والطبيب من شأنه أن يتقبل فعل الطبيعة ويقتفي (217) آثارها ويتلطف مجتهدا أن يبلغ مقاصدها وأنحاءها؛ ولذلك يقال: أن الطبيب خادم الطبيعة على ثلاثة أنحاء: إما أن يجدها ناهضة بشفاء المرض فيتركها على حالها، أو مقصرة فيقويها، أو عادمة آلة أو مسلك فيقوم لها بذلك مثل رد الخلع وتسوية الكسر، وفتح العرق. وينسب إليه الأول بالعرض، وأما الثاني والثالث فبالذات؛ وغايته بفعله (218) في البدن أن يجعله على أفضل هيئاته وأكمل أحواله وأقربها إلى الاعتدال وأن يبقى على ذلك أطول زمان، كل ذلك بحسب ما يمكن في ذلك البدن لا على الإطلاق، وإنما تحصل له هذه الغاية بثلاثة أصناف من الاعتدال، الأول: تعديل كيفياته بأن تغلب فيه الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة فيرده إلى الاعتدال بكسر سؤرة هذه الكيفيات ومقاومتها بأضداها أو تنقص فتنمى بأشباهها. الثاني: تعديل كمية أجزائه (219) بأن ينقص منه دم، أو لحم، أو روح، أو غير ذلك فيرد إلى الاعتدال بما ينمي تلك الجواهر الناقصة ويزيد فيها. أو بأن يزيد شيء من ذلك فينقص: إما بالنقص (220)، أو بالقطع، أو الحمية. والثالث: PageVW1P008A تعديل وضع الأعضاء بعضها من بعض كالخلع وتفرق الاتصال، ويرد إلى الاعتدال بالتوصيل وجمع الأجزاء المتفرقة، أو تعديل وضع العضو في نفسه كالكسر والكي، ويرد إلى الاعتدال بالجبر (221) PageVW2P004B ورد الأشكال الطبيعية. ولما كان تغير البدن في كيفياته من غير مادة قليل الوقوع، سهل التلافي في الغالب، لم يبدأ به، وكذلك الكمية المطلقة والوضع يسهل (222) أمرهما (223) ويحسن (224) أكثرهما ويقل وقوعهما، فلذلك بدأ بهذا الفصل المتضمن الكلام في الكيفيات مع المادة ذات الكم، وبدأ منه بتنقيص الزائد واستفراغ المؤذي، لأن ذلك مما تعم فيه البلوى، ولأن الطبيعة كثيرا ما تستقل بفعله من غير أن تفتقر في ذلك إلى القوة الإرادية البتة فكان تقبل الطبيب بها في فعلها المجرد لها أحرى على القياس، وأحرى في حفظ النظام، فلذلك بدأ بالاستفراغ للشيء المؤذي بكيفيته، والدليل على أن هذا الفصل في كيفية ما يستفرغ لا في كميته شيئان، أحدهما: تكريره اسم النوع مرتين، ولو أراد الكمية لقال من المقدار الذي ينبغي. والثاني: قوله: ينقي منه لأن النقاء إنما يكون PageVW0P009A من الشيء المؤذي بكيفيته، قال جالينوس: إن أبقراط (225) يسمى كل استفراغ خلاء العروق، لأن العروق تخلو في كل استفراغ، ولا يريد به ترك الطعام فقط. فقوله: إن كان ما يستفرغ من البدن أي ما ينقص من أخلاطه وكيموساته بأي وجه كان، سواء كان يقطع ما يرد البدن خلفا عما تحلل، أعني الغذاء. أو ينقص ما في البدن، إما بحيث يحس كالقيء والإسهال والفصد ونحوه، وإما بحيث لا يحس كالتعريق والرياضة والتعب ونحوه، وفي كل ذلك تخلو العروق، ولا يريد خلوها بكل وجه وإنما يريد تنقيص ما فيها بحيث يصير فيها خلو ما فيخف على الطبيعة وتسلك القوى والأرواح مسالكها وتفعل أفعالها. وقوله: "عند استطلاق البطن والقيء" لم يرد الاقتصار عليهما بل ذكرهما مثالا لما سواهما، فهذا خاص يراد به العموم وإنما ذكرهما لأنهما من الاستفراغ المحس بخلاف التعريق والرياضة، PageVW2P005A ولأنهما أكثر ما يكونان للمؤذي بكيفيته (226) لا بكميته (227) بخلاف الفصد والرعاف فإنهما قد يكونان للمؤذي بكميته فقط، ولأنهما أيضا يكونان طوعا وبالإرادة والاستدعاء جميعا، بخلاف الرعاف فإنه لا يكون إلا طوعا، وبخلاف الفصد فإنه إنما يكون بإرادة، ولأن الاستفراغ بهما يغني أو ينفع في أكثر أصناف الاستفراغ، وأما الاستفراغ بغيرهما فقلما يغني عنهما، فلذلك اقتصر عليهما دون ماعداهما. وقوله: "يكونان طوعا" أي من تلقاء الطبيعة لا بالاستدعاء (228)، أو باستدعاء يسير. وقال: طوعا لأن أبقراط يأمر الطبيب أن يقتدي بالطبيعة فيما ينبغي أن يفعل، أي ينبغي للطبيب PageVW1P008B أن يستفرغ الكيموس الرديء المؤذي لا غيره، فإن الطبيعة هكذا تفعل وذلك أنها إنما تدفع عنها وتخرج الكيموس الرديء المؤذي، وتضن بالجيد النافع. ويستدل على غلبة الكيموس بلون (229) البدن، إلا أن تكون الكيموسات قد غارت في عمق الدم وليست منبثة في البدن كله بالسواء، فتحتاج إذا أن تنظر في الوقت والبلد والسن والأمراض. ولكل كيموس إذا غلب خاصة تدل عليه، كما تدل حمى الغب والحمرة على غلبة الصفراء، والربع والسرطان على السوداء، والنائبة (230) على البلغم، والمطبقة على الدم؛ فإذا علمنا ذلك بعلاماته استفرغنا الكيموس المؤذي على بصيرة وثقة. وقوله: "نفع ذلك وسهل احتماله" أي نفع في نقصان المرض أو زواله وسهل احتماله على القوة فلا تخور (231) معه. وقوله (232): "وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد" أي إن (233) لم يكن الشيء المستفرغ مما ينبغي أن ينقى منه البدن، لم ينفع في نقصان المرض ولم تحتمله القوة بل تخور (234) معه عاجلا و (235) لا تجد لخروجه (236) راحة. مثاله: في مرض صفراوي حدث PageVW0P 9B معه إسهال مرار أصفر، فإنه كلما خرج خف المرض PageVW2P005B ووجد المريض راحة ولم يؤثر فيه الضعف كثير أثر، فإن كان الإسهال بلغما لم يجد في نقصان المرض وخارت القوة معه سريعا. وقوله: "وكذلك خلاء العروق" يريد به كل استفراغ كما ذكرنا، فعم بعدما خص كعادته. ولما ذكر الاستفراغ على الإطلاق عاد وذكره مجددا فقال: وينبغي أن تنظر في الوقت الحاضر من أوقات السنة والبلد (237) والسن والأمراض والعادة، فحدد الاستفراغ بهذه الشروط، أي إنما يستفرغ إذا ساعدتك هذه كلها أو أكثرها. مثاله: حمي صفراوية في الصيف وفي بلد حار جنوبي (238)، وفي سن الشباب ، ولمن صناعته الحدادة ونحوها، فإن هذه كلها تعين على تولد الصفراء، فحينئذ يقدم على استفراغها، فإن ساعد البعض وخالف البعض رجح بينها وعمل بالأكثر أو بالأقوى فإن بعض هذه أقوى شهادة من بعض على ما ذكر في موضعه. وإنما ذكر الاستفراغ أولا غير محدد؛ لأنه قرن به ما يكون طوعا من الطبيعة وفعلها غير محدد، ثم ذكره ثانيا (239) محددا لأنه أراد به الصناعي الكائن عن إرادة.
[فصل رقم 3]
[aphorism]
قال أبقراط: خصب البدن المفرط لأصحاب الرياضة خطر إذا كانوا بلغوا منه الغاية القصوى وذلك أنهم لا يمكن أن يثبتوا على حالهم تلك ولا يستقرون ولما كانوا لا يستقرون، فليس (240) يمكن أن يزدادوا صلاحا وبقي أن يميلوا إلى حال أردأ، فلذلك ينبغي أن ينقص خصب البدن بلا تأخير كيما يعود البدن فيبتدئ في قبول الغذاء ولا يبلغ من استفراغه الغاية القصوى، فإن ذلك خطر، لكن بمقدار احتمال طبيعة (241) البدن PageVW1P009A الذي يقصد إلى استفراغه، وكذلك أيضا كل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر، وكل تغذية أيضا هي عند الغاية القصوى PageVW2P006A فهو خطر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر في الفصل المتقدم قانون استفراغ المواد المؤذية بكيفيتها، ذكر في هذا الفصل استفراغ المواد المؤذية بكميتها، فالفصل الأول في الكيف وهذا في الكم، والفصل الأول في علاج المرضى وهذا في تدبير الأصحاء. ويشتمل هذا الفصل على ثلاثة قوانين: الأول أعطى فيه وجوب هذا التنقيص. الذي هو يقدمه لحفظ (242) الصحة. والثاني أعطى فيه الأشياء التي يقدر بها هذا التنقيص. والثالث أعطى فيه أن كل تنقيص فإن بلوغ الغاية القصوى فيه خطر، سواء كان تقدما بحفظ (243) أو مداواة، وهذا القانون يشتمل هذا الفصل والفصل PageVW0P010A السابق، ووضع خصب البدن مثالا كعادته فإنه يقيم الجزئي في البيان مقام الكلي تسهيلا على الناظر، ويعني بالخصب زيادة الكيموسات ووفورها في الكم وجودتها في الكيف، فلهذا لا يلزم أن يحدث معها مرض. ويعني بأصحاب الرياضة الذين جعلوا الرياضة مهنة لقوة أبدانهم وتزيد حجمها كالمصارعين، ولم يرد أصحاب الكد كالحمالين لأن خصبهم لا يبلغ الغاية القصوى، لأن المصارعين ونحوهم قصدهم تعظيم أبدانهم وهذا إنما يحصل بتكثر (244) الكيموسات، وفي هذه (245) الحال لا يؤمن أن تنصدع العروق أو تختنق الحرارة فيحصل منه الموت فجأة. وأما الخصب لأصحاب (246) الكد فمأمون، لأنه لا يبلغ فيهم الغاية القصوى. فقوله: "خصب البدن المفرط" أي زيادة الكيموسات بإفراط، ويريد بالمفرط ما يزيد نهاية الزيادة حتى لا يبقى في البدن متنفس ولا في القوى احتمال. وقوله: "خطر" أي لا يؤمن حدوث الموت عنه. وقوله: "إذا بلغوا منه الغاية القصوى" أي إذا بلغوا من الخصب أقصى ما يمكن، يعني إنما يصير الخصب المفرط خطرا إذا بلغوا PageVW2P006B فيه الغاية القصوى. ويجوز أن يكون قوله إذا بلغوا فيه الغاية القصوى كالتفسير لقوله المفرط. وقوله: "وذلك إنهم (247) لا يمكنهم أن يثبتوا على حالهم تلك ولا يستقروا" تفسير للخطر وذلك أن التعدي والنضج وإحالته فيهم دائمة، والقوة بذلك ناهضة والكيموسات في ازدياد. والبدن قد امتلأ بأقصى ما يمكن فلا تجد الكيموسات المتولدة مسلكا ولا منفذا، فإما أن تسترق جهة فتفتق عرقا (248)، وإما أن تغمر الحرارة الغريزية فتنختنق وتنطفيء لعدم سلك التنفس، وهذا (249) معنى قوله: فبقي أن يميلوا إلى حال هي أردأ، وهذا هو الخطر الذي كان لا يؤمن وقوعه فلذلك ينبغي أن ينقص خصب أبدانهم بلا تأخير، أي يستفرغون على الفور ولا ينتظر (250) بهم صلاح حال (251) من PageVW1P009B غير استفراغ. وقوله: "كيما يعود البدن فيبتدئ في قبول الغذاء" أي يصير فيه متسع ومتنفس فتسلك فيه القوى والحرارة ويجد الغذاء مواضع خالية (252) يكون فيها. ولما كان هذا الاستفراغ تقدما بحفظ (253) الصحة قدره بطبيعة البدن وما يتعلق بها. ولما كان الفصل الذي قبله في المداواة قدر الاستفراغ فيه بطبيعة الأمراض وما يتعلق بها. وقوله: "ولا يبلغ من استفراغه الغاية القصوى فإن ذلك خطر" أي لا ينبغي أن يفرط في استفراغه فإن خطر الاستفراغ PageVW0P010B المفرط ليس بدون خطر الامتلاء المفرط، وينبغي أن يقدر الاستفراغ بحسب طبيعة (254) البدن (255) وقوته لأن الأبدان تتفاوت في احتمال الاستفراغ، فكأنه يقول: لا ينبغي أن يفرط في الاستفراغ ولا في الامتلاء فكلاهما خطر وجعل خصب البدن مثالا، فكأنه يقول: إن كيموسات أصحاب الرياضة معتدلة (256) المزاج، وقواهم قوية، وإفراط الامتلاء فيهم PageVW2P007A مذموما، واستفراغهم على الفور واجب؛ ومع ذلك لا ينبغي أن يبلغ في استفراغهم الغاية القصوى فبالحري أن لا يبلغ الغاية في استفراغ من عداهم، وينبغي أن يستفرغ ما لم تخر القوة، فإن خارت (257) أمسكت وإن بقي من الفضل بقية. وقوله: "وكل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر" هذا قانون يعم الفصلين جميعا سواء كان الاستفراغ مداواة أو حفظ صحة. وقوله: "كل (258) تغذية هي عند الغاية القصوى فهي (259) خطر" أي كل تغذية (260) عند الغاية القصوى في القلة فهي خطر، لأن تقليل الغذاء ضرب من الاستفراغ ويمكن أن يكون قوله: وكل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر قانونا لكل استفراغ. ويكون قوله: وكل تغذية هي عند الغاية القصوى فهي خطر قانونا لكل امتلاء، ويكون قوله: هي عند الغاية القصوى يعني به الكثرة. وهذا التأويل أشبه لسياق الفصل فإنه ذكر في أوله خصب البدن واستفراغه ثم ذكر في آخره قانونا عاما في الاستفراغ وقانونا عاما في الامتلاء.
[فصل رقم 4]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة عسر، مذموم في جميع الأمراض المزمنة لا محالة، والتدبير الذي يبلغ (261) فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المريض عسر مذموم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قصده في هذا الفصل أن يبين منازل الأغذية (262) بحسب منازل الأمراض والمرضى (263) على العموم، كما كان قصده فيما سبق أن يذكر قوانين الاستفراغ المفرط والامتلاء المفرط على العموم أيضا. فقوله: التدبير يريد به (264) تقدير الغذاء بحسب المرض والمريض، أما المرض فأن ينظر: هل هو حاد أو مزمن؟ وإذا كان حاد، فهل هو حاد في الغاية القصوى أو حاد (265) جدا أو حادا مطلقا. وأما المريض، فأن ينظر PageVW1P010A قوته ويقايس (266) بينها PageVW2P 7B وبين قوة المرض وهل تبقى إلى وقت منتهى المرض وتفي (267) به أو تخور (268) قبل المنتهى فيمدها من الغذاء بقدر ما تبقى (269) وتفي، ولتجعل هذا الغرض غايتك أبدا (270) في تغذية المرضى على الإطلاق، فتدبير الغذاء وتقديره مستخرج من المقايسة بين (271) قوتي المرض والمريض، فإذا كان المرض في الغاية القصوى وقوة المريض قوية يمكن أن PageVW0P011A تثبت إلى منتهى المرض من غير تغذية فامنع الغذاء أصلا، وهذا هو التدبير البالغ في اللطافة جدا. فإن كانت القوة غير قوية، و لا تثبت إلى وقت المنتهى إلا بغذاء، فأعط غذاء لطيفا بقدر ما يمسك القوة أن تخور (272). وإذا كان المرض حادا جدا، لكن لا في الغاية القصوى فأعط غذاء لطيفا بقدر ما يمسك القوة، كماء العسل وماء (273) الشعير وشيء من الكشك. وإذا كان المرض حادا مطلقا، فأعط غذاء لطيفا وأغلظ من الأول كالحساء مع الكشك؛ وفي هذه الأحوال الثلاث تجعل الغذاء بقدر ما لا تخور (274) معه القوة وإن أثر فيها ضعفا. وأما الأمراض المزمنة فإنك تجعل الغذاء فيها ما (275) يحفظ القوة على ما كانت عليه، لا يزيد فيها ولا ينقص منها، ولا يزال كذلك إلى وقت منتهى المرض فحينئذ تعود وتلطف التدبير. وينبغي أن تعلم أنا لسنا نعنى (276) في المرضى بالزيادة في قواهم على الأكثر، بل إنما نعنى (277) في الأمراض المزمنة بحفظ القوة على الحال الموجودة، وفي الأمراض الحادة بأن لا تنقص نقصانا فادحا (278). والغذاء الزائد في القوة هو الغليظ ولا يستعمل في مريض أصلا. والغذاء الذي يحفظ القوة على حالها هو المعتدل (279) ويستعمل في الأصحاء وفي ذوي الأمراض المزمنة. والغذاء الذي ينقص من القوة هو اللطيف، ويستعمل في ذوي الأمراض الحادة؛ فإذا كان المرض في الغاية القصوى استعمل التدبير الذي في PageVW2P008A الغاية القصوى، وذلك هو منع الغذاء أصلا، إن كانت القوة تفي، أو الاقتصار على ماء العسل وماء الكشك ونحوه إن لم تثق (280) بالقوة، وإذا لم يكن المرض في الغاية القصوى زيد في غلظ الغذاء بحسب ذلك، فأبقراط أمرنا (281) في هذا الفصل أن نتجنب دائما في الأمراض المزمنة التدبير اللطيف، ونتجنبه أيضا في الحادة أحيانا، لأن أكثر الحادة تحتاج إلى اللطيف وبعضها يحتاج إلى البالغ في اللطافة وهو ترك التغذية رأسا والاقتصار على ماء العسل إلى أن يأتي البحران، وأما أكثرها فيحتاج إلى اللطيف لا في الغاية، وهو تناول اليسير من الغذاء أو ما يغذو يسيرا كماء الكشك. وينبغي أن تعلم أن المرض الحاد هو السريع الحركة، القريب المنتهى، الوشيك (282) الانقضاء، وأكثر ما يطلق ذلك على ما كانت مادته حادة جدا ويكون معه حمى قلما تقلع، وقد تكون المادة في جميع البدن، وقد تكون في عضو بعينه كذات الجنب أكثر (283) ما يتطاول إلى اليوم (284) الرابع عشر، وأقله ثلاثة أيام أو أربعة، وأوسطه PageVW0P011B PageVW1P010B سبعة أيام، فالمرض الذي يأتي بحرانه في اليوم الرابع وما قبله يقال أنه في الغاية القصوى، والذي يأتي بحرانه في اليوم (285) السابع يقال أنه حاد جدا، والذي يأتي بحرانه في الرابع عشر (286) يقال أنه حاد مطلقا. وأما المرض المزمن فهو الذي طبيعته تقتضي أن يتجاوز اليوم الرابع عشر، ولكن (287) ما كان من الأمراض بحرانه (288) فيما (289) بعد الرابع عشر إلى الأربعين هو (290) متردد بين الحاد والمزمن، وما (291) بعد ذلك فهو مزمن على الإطلاق واسمه مشتق من الزمان، وأكثر تولده عن مواد باردة عسرة النضج ولهذا (292) يشهر ويسنى. وقوله: التدبير البالغ في اللطافة: يريد به منع الغذاء أو (293) الاقتصار على ماء العسل. وقوله: عسر مذموم: يعني به ما يجب فيه الموت أو يقاربه وذلك في جميع الأمراض المزمنة. وقوله: لا محالة: يريد به بت الحكم PageVW2P008B ودوامه مطلقا بلا شريطة. وقوله: والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المريض عسر مذموم: ذكره (294) مقترنا بشريطة أن تكون القوة ضعيفة لا مطلقا. وأما في الأمراض المزمنة فذكره مطلقا، ثم أنه لم يقل هنا لا محالة لأنه لا يريد بت الحكم ودوامه ووثاقته كما هو في الأمراض المزمنة، ولهذا صرح بالسود (295) أعني الجميع في الأمراض المزمنة، وذكر الأمراض الحادة مهملة. وإنما استعمل لفظ (296) التدبير دون التغذية ليدخل في جملته منع التغذية أصلا، فإنه لو قال: التغذية التي في الغاية القصوى لم يفهم منه القسم الذي يمنع فيه الغذاء أصلا، فالمرض الحاد عند أبقراط هو كل مرض يتحرك بسرعة وفيه خطر، والحمى فيه دائمة. فكل مرض حاد عنده فلا محالة هو قصير، وليس كل قصير بحاد، فإن حمى يوم قصيرة (297) وليست حادة. وأما أرخيخانس (298) فإنه لا يشترط في المرض الحاد إلا قصر الوقت والخطر فقط، فعلى هذا يكون الفالج والسكتة واختناق الرحم من الحادة إن عني بقصر الوقت الذي اشترطه وقت الحدوث، فأما إن عني به وقت جميع المرض فإن هذه تكون مزمنة في الأكثر، فكل مرض طويل فهو بطئ الحركة، وليس كل مرض بطئ الحركة طويلا، فإن حمى يوم أبطأ حركة من المحرقة (299)، ومع هذا فهي أقصر مدة منها (300).
[فصل رقم 5]
[aphorism]
قال أبقراط: في التدبير اللطيف قد يخطئ المرضى على أنفسهم خطأ يعظم ضرره عليهم، وذلك أن جميع ما يكون منه أعظم مما يكون منه في الغذاء الذي له غلظ يسير، ومن قبل PageVW0P012A هذا صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطر، لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل، ولذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في (301) أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اعلم أن PageVW2P009A الخطأ الحادث من التدبير اللطيف هو PageVW1P011A انحلال القوة (302) وهو أمر قلما يتلافى، وأما الخطأ الحادث من تغليظ الغذاء فهو زيادة يسيرة في المرض، وزيادة المرض (303) أسهل من انحلال القوة، والطبيب ينتفع بمعرفة هذا القانون منفعة ليست باليسيرة وذلك أنه (304) إذا أشكل عليه الأمر في مرض ما من الأمراض الحادة، هل هو مما يحتمل التلطيف (305) أو مما لا يحتمله (306)، كان ميله إلى ما له غلظ يسير أولى، لأن الرأي إذا تجاذبه أمران متضادان مال إلى أسلمهما (307) عاقبة. قوله: "في التدبير اللطيف" قدمه للعناية (308) به. وقوله: "قد يخطئ المرضى على أنفسهم" قرنه بحرف قد ليعلم أنه متوقع ممكن ليس بواجب، وأضاف (309) الخطأ إلى إرادة المرضى دون الأطباء لمعنى جليل، وذلك أن المريض يحس بالقوة والضعف من نفسه أكثر من غيره حتى أن الطبيب في أغلب (310) الأحوال إنما يستعلم مقدار القوة من إخبار المريض له، فكأنه يقول: إذا كان المريض، وهو اعلم بقوته، قد يخطئ على نفسه في التدبير اللطيف فما ظنك بغيره (311). وقوله: "يعظم ضرره عليهم" أي يخاف عليهم العطب منه، وما بعده تفسير له والهاء (312) في منه تعود على التدبير اللطيف. وجملة ما في هذا الفصل تكرير التحذير من التدبير اللطيف مطلقا في الأصحاء والمرضى، إلا إذا كان منتهى المرض في غاية القرب والمريض في غاية القوة، ومع ذلك فإنك تستعمل التدبير البالغ في اللطافة على حذر وتوق (313) لأن الخطأ فيه أعظم من الخطأ في ضده.
[فصل رقم 6]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط (314): أجود التدبير (315) في الأمراض التي (316) في الغاية القصوى، التدبير الذي في الغاية القصوى.
[commentary]
قال عبد اللطيف (317): يريد بها الأمراض الحادة جدا، التي في غاية العظم. وقوله: "أجود التدبير" أي أجود ما ينبغي أن يفعل بحسب الأفضل لا بحسب الاضطرار، فإنه لو دبر في الأمراض التي في الغاية القصوى بغذاء له غلظ يسير وليس هو في الغاية PageVW2P009B القصوى من اللطافة لم يكن ذلك خطأ، ولكن الأفضل أن يستعمل التدبير الذي هو في الغاية القصوى على أنه خطر. وقوله: "أجود التدبير" أي أنجحه وأقربه إلى البرء. فأما التدبير بما له غلظ يسير فليس أقرب إلى البرء، ولكنه أسلم عاقبة وأقل PageVW0P012B خطرا.
[فصل رقم 7]
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بدئا، ويجب ضرورة أن تستعمل فيه (318) التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة؛ فإذا لم يكن كذلك، لكن كان يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من ذلك، فينبغي أن يكون التدبير (319) على حسب لين (320) المرض ونقصانه عن الغاية القصوى. * وإذا بلغ المرض منتهاه، فعند ذلك يجب ضرورة أن تستعمل التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة (321).
[commentary]
قال عبد اللطيف: منتهى المرض هو الوقت أو الحال الذي المرض (322) فيه أعظم ما يكون في أعراضه وأوجاعه، وعند ذلك تكون المقاومة والمجاهدة بين الطبيعة والمرض مجاهدة يكون عنها الانفصال وغلب أحدهما قولا واحدا، PageVW1P011B وفي ذلك الوقت وتلك الحال لا ينبغي أن يغذى المريض أصلا، لأن الطبيعة مشغولة بمقاومة المرض ومصارعته عن أن تصرف عنايتها إلى إنضاج الغذاء وهضمه فتبقى (323) بين أمرين كلاهما ردئ، وذلك أنها إن عطفت على إصلاح الغذاء، وجد المرض الفرصة عليها وأمكنته من نفسها، وإن طرحته ثقل عليها وسدد مسالكها وفسد بإعراضها عنه فصار ألبا (324) عليها وعونا لعدوها. واعلم أن المرض الحاد في الغاية يأتي منتهاه بدءا وفي أوله وذلك في أربعة أيام وما حولها، والتدبير البالغ في اللطافة واجب في منتهى المرض؛ فلذلك هو واجب في أول الأمراض الحادة في الغاية لأن منتهاها في مبتدئها، فإذا علمت من طبيعة المرض أن منتهاه يتجاوز الرابع فغلظ الغذاء يسيرا، وكلما بعد المنتهى PageVW2P010A فزد في تغليظ الغذاء إلى أن تخرج إلى حد الأمراض المزمنة فحينئذ تجعل الغذاء بما يحفظ القوة على حالها الموجود (325)، وكلما قرب المنتهى فزد في تلطيف الغذاء، فإذا علمته في غاية (326) القرب فامنع الغذاء. وفي جميع ذلك تغيير تقدير الغذاء بحسب المرض والمريض جميعا كما سبق. فقوله: إذا بلغ المرض منتهاه: أمر يعم جميع الأمراض الحادة والمزمنة؛ وما كان من الحادة يتأخر منتهاه، وما كان منها يأتي (327) منتهاه في أوله، فإنه أمر أن يلطف التدبير عند منتهى المرض لأن الطبيعة إذ ذاك مكبة على انضاج المرض مشغولة بمدافعته فلا تتفرغ لما عداه. وجميع هذا القول من أبقراط (328) إنما [ط. 15 ب] هو في الأمراض التي يعقب منتهاها انحطاط المرض، فهذه هي التي تقبل العلاج، ولها ينبغي أن يصرف عناية التدبير (329). فأما التي يأتي عند PageVW0P013A منتهاها الموت فلا ينظر فيها إلا من جهة تقدمة المعرفة والإنذار بكونه فقط. وقوله: فإذا لم يكن كذلك: يعني إذا لم يكن المرض قد بلغ منتهاه بعد، لكن كان (330) يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من التدبير البالغ في اللطافة، فينبغي أن يكون الانحطاط عن الغاية القصوى في التدبير على حسب انحطاط المرض عن الغاية القصوى في الحدة (331) والقوة.
[فصل رقم 8]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط (332): وإذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى (333) تأتي فيه بدئا، فيجب (334) ضرورة أن تستعمل فيه (335) التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة، فإذا لم يكن كذلك لكن كان يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من ذلك (336) فينبغي أن يكون التدبير (337) على حسب لين المرض ونقصانه (338) عن الغاية القصوى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قريب مما قبله جدا، وهو في كثير من النسخ غير موجود وكأنه مكرر أو هو ما قبله. فأما في النسخ التي (339) فيها موجود، فيوجد (340) الفصل الذي قبله على هذه الصورة: PageVW2P010B إذا بلغ المرض منتهاه، فعند ذلك يجب ضرورة (341) أن تستعمل التدبير الذي (342) في الغاية القصوى من اللطافة. ولا فرق (343) بينهما إلا أن الفصل الذي قبله على هذه النسخة هو خاص في الأمراض التي يتأخر منتهاها، أو هو عام فيها وفي التي يأتي بحرانها (344) في أولها، وهذا الفصل خاص بالأمراض الحادة جدا التي يأتي بحرانها في أولها. فنقول: إن الأمراض التي في الغاية القصوى تأتي الأوجاع التي في الغاية القصوى فيها بدئا وهذه علامات حدتها، فحينئذ (345) يجب ضرورة، أي لازما (346) وواجبا إذا رأيت هذه العلامة أن تستعمل التدبير الذي في الغاية القصوى، وهذه (347) الأوجاع هي نوائب (348) الحمى وسائر (349) الأعراض. وقوله: في الغاية القصوى: أي في غاية العظم. وقوله: تأتي فيه بدئا: أي في أوله، وهي أربعة أيام وبعدها بقليل، فإن المرض الحاد جدا هو الذي يكون منتهاه بدئا، فلهذا PageVطP016أ ينبغي أن يلطف التدبير في أوله، لأن التدبير ينبغي أن يلطف في منتهى الأمراض، فإذا كان المنتهى بدئا استعمل التدبير اللطيف بدئا. وعلى هذا كلما كان المنتهى (350) أبعد وجب أن يكون تغليظ الغذاء أكثر، وكلما كان المنتهى أقرب وجب أن يكون تغليظ الغذاء أيسر. وغرضه في (351) هذا الفصل تعريف القانون في تدبير المرضى بحسب أمراضهم من جهة (352) طولها وقصرها، وجعل علامات قصرها ظهور الأوجاع العظيمة في أولها.
[فصل رقم 9]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P013B وينبغي أن تزن أيضا قوة المريض فتعلم إن كانت تثبت إلى وقت منتهى المرض، وتنظر: أقوة المريض تخور (353) قبل غاية المرض ولا تبقى على ذلك الغذاء؟ أم المرض يخور (354) قبل وتسكن عاديته؟
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا شرط آخر في تقدير التدبير فكما (355) عرف في الفصل المتقدم تقدير التدبير بحسب قرب المنتهى وبعده، PageVW2P011A عرف هنا تقدير التدبير بحسب قوة المريض وضعفه، فإذا تقدير التدبير ينبغي أن يعتبر بالمرض والمريض جميعا، فإذا كان المرض قريب المنتهى وقوة المريض تفي بالبقاء إلى ذلك الأمد فينبغي أن يلطف التدبير جدا. وإن اختل أحد الشرطين بأن تكون القوة لا تفي وإن كان المرض قريب المنتهى، أو كان المرض بعيد المنتهى وكانت (356) القوة تفي فينبغي إذ ذاك تغليظ الغذاء، حتى أنا قد نغذى عند المنتهى إذا خفنا أن تنحل القوة، فإن تلطيف التدبير كما أنه يضعف المرض كذلك أيضا يضعف (357) القوة. وتغليظ التدبير كما أنه يقوي المرض كذلك أيضا يقوي القوة، فإن كان للقوة (358) فضل استظهار (359) لطفنا (360) التدبير * ليضعف المرض، وإن لم يكن في القوة فضل استظهار غلظنا التدبير لئلا تخور القوة، فإن إضعافها بمنزلة خسارة رأس المال، فينبغي (361) أن تجعل تغليظ التدبير وتلطيفه بحسب المرض والقوة. وتزنهما (362) أي تقايس بينهما بأن تنظر أيهما أقوى وكم مقدار قوة أحدهما على الآخر، وكم مقدار ما تحتاج الطبيعة إليه من معاونة الطبيب لها حتى تظهر على المرض، وبأي شيء ينبغي أن تعان، وفي أي وقت وعلى أي حال، وتقرب PageVطP016ب ذلك إلى التحقيق بكل (363) ما أمكن، فحينئذ تكون قمنا أن يصدق حدسك.
[فصل رقم 10]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط (364): والذين (365) يأتي منتهى مرضهم بدئا، فينبغي أن يدبروا بالتدبير اللطيف بدئا. والذين (366) يتأخر منتهى مرضهم، فينبغي أن تجعل تدبيرهم في ابتداء مرضهم أغلظ، ثم تنقص من غلظه قليلا قليلا كلما (367) قرب منتهى المرض، * وفي وقت منتهاه (368) بمقدار (369) ما تبقى قوة المريض عليه (370). وينبغي أن تمنع من الغذاء في وقت منتهى المرض، فإن الزيادة فيه مضرة. PageVW2P011B
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل أعم مما قبله، لأن ما قبله في الأمراض الحادة جدا، وهذا الفصل عام في جميع الأمراض التي يأتي منتهاها بدئا، أي بعيد أولها. وعرف بقوله: بمقدار ما تبقى قوة المريض: أن الغرض في تغذية المريض إنما هو حفظ رمقه وقوته الضرورية في حياته (371) لا (372) الزيادة فيها. وقوله: وينبغي أن تمنع من الغذاء وقت المنتهى (373): * ينبغي أن تفهم ذلك بشرط ألا تتجاوز انحلال القوة، فإن خفت فاغذ. وقوله: PageVW0P014A فإن الزيادة فيه مضرة: أي إذا قصدت بالغذاء في وقت المنتهى (374) الزيادة في القوة فإن ذلك الذي توهمت أنه زيادة في القوة مضر، أي ناقص من القوة لا زائد فيها. ويحتمل أن يكون قوله: فإن الزيادة مضرة: أن الزيادة في البدن، الحاصلة من كيموس الغذاء مضرة حيث تثقل (375) على الطبيعة وتصير زيادة في مادة المرض.
[فصل رقم 11]
[aphorism]
قال أبقراط (376): وإذا كان للحمى أدوار، فامنع من الغذاء في أوقات نوائبها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ما سبق شرط في التغذية بحسب المريض والمرض مطلقا، وهذا شرط بحسب أجزاء المرض، فجعل كل نوبة من المرض بمنزلة المنتهى في أنه يمنع فيها الغذاء. ولعمري أن كل نوبة فهي منتهى خاص لجزء من المرض، والمنتهى العام هو الذي يكون به الانحطاط عن جملة المرض، وحكم الجزء حكم (377) الكل فينبغي أن تمنع الغذاء وقت النوبة وقبيلها (378).
[فصل رقم 12]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط: إنه يدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته، الأمراض أنفسها وأوقات السنة، وتزيد الأدوار بعضها على بعض، نائبة كانت في كل يوم، أو يوم ويوما لا، أو في أكثر من (379) ذلك من الزمان، والأشياء أيضا PageVطP017أ التي تظهر بعد. مثال ذلك ما يظهر في أصحاب ذات PageVW2P012A الجنب، فإنه إن ظهر النفث بدءا من أول المرض كان المرض قصيرا، وإن تأخر ظهوره (380) كان المرض طويلا، والبول والبراز والعرق إذا ظهرت فقد تدلنا (381) PageVW2P014B على جودة بحران المرض ورداءته وطول المرض وقصره.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل معروف بالفصل الذي قبله لأنه لما أمرنا بمنع الغذاء في أوقات النوائب وجب أن يعرف بماذا (382) يستدل به (383) على النوائب، والنوائب إنما تكون في الحميات التي تأخذ وتترك، والنوبة هي مدة أخذها، والدور هو أخذها الثاني مع أخذها الأول، وأقل ما (384) يكون الدور نوبتان. ونظام المرض هو تناسب نوائبه ولزومه (385) فيها وفي سائر أعراضه ترتيبا واحدا. وأما مرتبة المرض فهو: النظر فيه هل، هو حاد أو مزمن؟ وإن كان حادا، فهل هو حاد جدا؟ أو حاد مطلق؟ وكذلك المزمن. ومن يعرف ذلك كله يتبين منتهاه متى يكون، وهذا هو النظر في مرتبة المرض. وتقدير الغذاء ينبني على تعرف ثلاثة أمور، أولها: قوة المريض وتعرف من النبض والأفعال (386) النفسانية والحيوانية والطبيعية PageVW1P013A وسائر ما ذكر في تقدمة المعرفة، وذلك ممكن PageVW0P014B بأول وهلة. والثاني: مرتبة المرض ونظامه، وقد ظن قوم أنها لا يمكن تعرفها قبل كونها، وأما أبقراط وشيعته فيرون أن بعضها يمكن أن يعلم علما قريبا (387) من اليقين، وبعضها يمكن أن يعرف بحدس صناعي، وليس هو بالحدس العام كيفما (388) وقع. وبمعرفة المرتبة والنظام يعلم متى يكون المنتهى وفي أي وقت تعود النوبة، فيقدر الغذاء بحسب ذلك. وقد استقصى جالينوس بيان ذلك في المقالة الأولى من كتاب البحران. واعلم أن طبيعة المرض تدل على تناسب النوائب وعلى نظام المرض. مثاله أن الحمى الغب تدل على قصر المرض وسرعة البحران، والنائبة تدل على الطول والبطء، PageVW2P012B والربع تدل على طول وإبطاء أكثر. والحميات يعرفها الطبيب الفاره في أول يوم ولاسيما إن كانت PageVطP017ب الحمى بسيطة، ومن عرف نوع الحمى في أول الأمر قدر غذاء المريض على حسب ما ينبغي (389) في أول وهلة، أي قدره بحسب طول المرض وقصره، فإن كان المنتهى قريبا لطف الغذاء، وإن كان بعيدا غلظ الغذاء. ثم أن التلطيف والتغليظ على مراتب بحسب مراتب قرب المنتهى وبعده. وينبغي أن تنظر أولا هل (390) المرض حاد أو مزمن، وإن كان حادا فمن أي أنواع الحاد (391) هو، فإن ذات الجنب وذات الرئة والسرسام أمراض حادة، والاستسقاء وشدة الخوف (392) والوسواس (393) والسل أمراض مزمنة. ثم أن الحمى في ذات الجنب والسرسام أكثر ما تنوب غبا، وفيمن به خراج مقيح في معدته أو كبده أو به سل في كل يوم ولا سيما بالليل، وفيمن مرضه من طحاله، وبالجملة من المرة السوداء تنوب ربعا. وقوله: وأوقات السنة منسوب (394) على قوله: الأمراض أنفسها: أي أن الأمراض أنفسها تدل على (395) طبيعة المرض ونظامه، وأوقات السنة أيضا تدل، وليست أوقات السنة وحدها تدل، بل سائر الأشياء الضرورية المواصلة والخارجة. فإن الربع في الصيف أحد منها في الشتاء، وفي سن الشباب أحد منها في سن الكهول، وفي أرباب الجوع (396) والرياضات وفي البلدان الجنوبية ومع الصنائع النارية والأغذية الحارة اليابسة والأمزجة الحارة اليابسة ومن يتضحى للشمس كثيرا أو يطيل المكث في الحمام ونحو ذلك. فإن هذه الأحوال إذا أقرنت (397) إلى الغب * أذنت (398) بحدتها وسرعة حركتها، وإذا اقترن (399) بالغب (400) أضداد هذه أذنت (401) بفتورها وبطء حركتها، وإن اقترن بها البعض PageVW0P015A دون (402) البعض حكمت بالأغلب وحصل توسط بين ذينك. وليس PageVW2P013A يكفيك في تقدير الغذاء أن تعلم أن الحمى الربع مثلا طويلة حتى تضيف إليه النظر في السن والوقت والمزاج وسائر الباقية، فإن الربع الصيفية في أكثر الأمر تكون قصيرة، والخريفية طويلة، ولاسيما متى اتصلت بالشتاء. وحمى الغب قصيرة، لكنها في الصيف أقصر وأسرع بحرانا، وفي الشتاء أطول وأبطأ. PageVطP018أ وأبقراط اقتصر من هذه الأسباب على أوقات السنة على جهة التمثيل PageVW1P013B والاستغناء (403) عن إعادتها هنا بذكرها في مواضع أخر، ولأن أوقات السنة أبين عند الجمهور وأظهر (404) للحس من سائر تلك الباقية. قوله (405): وأما تزيد الأدوار بعضها على بعض، فإنه يريد (406) به تزيد (407) نوائب الحمى التي تكون في الأدوار، وتزيد الأدوار يدل على قرب منتهى المرض. ويعرف التزيد من ثلاثة أشياء: بقدم وقت النوبة، وطولها وعظمها، وشدتها وقوتها. وهذه الثلاثة إنما تعلم بالقياس إلى نوبة أخرى تقدمت في وقت معلوم، وفي مسافة من الزمان معلومة، وبشدة معلومة فجاءت النوبة الثانية متقدمة للأولى في الوقت، وأطول زمانا منها، وأشد أعراضا منها، وقد تجتمع هذه الثلاثة، وقد يوجد بعضها، فإنه قد (408) تتساوى النوبتان في وقت الأخذ وطول الزمان، وتختلفان بالقوة والضعف، وقد تتفقان في وقت الأخذ وتكون الثانية أطول زمانا وأشد أعراضا ، وقد تكون الثانية أقل لبثا (409) من الأولى (410)، لكنها أشد وأقوى وأعظم. وقد علمت أن الدور هو زمان (411) الأخذ والترك، وأما النوبة فهي زمان الأخذ خاصة، وهي أردأ (412) زماني الدور، وأما الترك فأصلح زمانيه. وإذا تقدم (413) وقت النوبة الثانية عن الأولى ولبثت زمانا أطول وكانت في ذاتها أشد وأعظم دل ذلك على تزيد المرض وقوة حركته وقرب منتهاه دلالة أقوى؛ فإن انفرد (414) بعض هذه PageVW2P013B الثلاثة دل، ولكن أقل من الدلالة الأولى وذلك أنه لا يمكن أن (415) تتزيد النوائب إلا عند قرب المنتهى، ثم إن كان تزيد النوبة في الجهات الثلاث قويا ودفعة دل على قرب المنتهى جدا، وإن كان التزيد قليلا قليلا ويضعف دل على أن (416) المنتهى أبعد. وإذا علمت وقت المنتهى قدرت غذاء المريض في مرضه كله، وإذا علمت وقت النوبة قدرت أوقات غذائه كل يوم. مثاله (417): إذا كانت الحمى تنوب غبا خالصا، وتأخذ في الساعة PageVطP018ب الأولى PageVW0P015B وتترك في العاشرة، استعملت التدبير الملطف لقرب المنتهى، وغذوته في كل (418) يوم وقت (419) الراحة وبعد المفارقة. وقوله: نائبة كانت في كل يوم: يريد البلغمية. وقوله: أو يوما ويوما لا: يريد الصفراوية، ومعناه أو (420) يوما نعم (421) ويوما لا ، أي يوما تأخذ ويوما لا تأخذ. وقوله: أو في أكثر من ذلك: أي أو كان الأخذ والترك، وبالجملة الدور، في أكثر من ذلك، وذلك إشارة إلى مقدار زمان دور الغب (422)، ويمكن أن يكون إشارة إلى زمان الترك فقط، لأنه قد تقدم أخذ اليوم الذي لابد منه، فأما الترك فقد يكون يوما وقد يكون يومين وقد يكون أكثر من ذلك، وقدم ذكر زمان الأخذ على زمان الترك لأنه هو الأهم وبه يحد الترك، فإن الأخذ حركة والترك (423) سكون، وبالحركة يحد السكون. وقوله: من ذلك: أي من الزمان المتقدم، ومن هذه هي التي للمفاصلة وهي لابتداء (424) الغاية. وأما PageVW1P014A من في قوله: من الزمان، فيحتمل ثلاثة معان (425)، الأول: أن يكون بدلا من الأولى، أي أكثر من الزمان المتقدم. والثاني: أن يكون لبيان الجنس، أي أكثر من ذلك الذي هو الزمان، فبين أن ذلك هو الزمان. وقوله: والأشياء التي تظهر بعد: منسوق على ما تقدم أي هي مما يدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته، وهذه الأشياء هي علامات وأعراض، العلامات بعضها مقوم، وبعضها لاحق، واللاحقة تخص PageVW2P014A باسم الأعراض، واسم العلامات يجمعها (426). ومن العلامات ما يدل على البحران، ومنها ما يدل على النضج، ومنها ما يدل على الهلاك. والفرق بين المقومة واللاحقة أن المقومة لا تفارق (427) المرض أصلا، وأما اللاحقة فربما ابتدأت مع المرض، وربما حدثت بعد، وربما لم تحدث البتة. وأما علامات النضج فلا سبيل أن تبتدئ مع المرض، وكذلك علامات البحران. وأما علامات عدم النضج فتبتدئ مع المرض وربما حدثت بعد ابتدائه، وكذلك علامات الموت. وقد يفهم من اسم الابتداء ثلاثة معان، أحدها (428): أول نقطة (429) من المرض يقال لها أول. والثاني: مدة ثلاثة أيام من أولها. PageVطP 19أ والثالث: يطلق على أحد أجزاء المرض الأربعة، التي هي: الابتداء، والتزيد، والانتهاء، والانحطاط. وقوله (430): مثال ذلك ما يظهر في أصحاب ذات الجنب: هو مثال ضربه (431) لما يستدل به على نظام المرض كله بالأشياء التي تظهر بعد. ولما ينفث في ذات الجنب أربعة مراتب: ألا ينفث PageVW0P016A شيئا أصلا، وهذا دال على أن (432) المرض في الغاية القصوى من عدم النضج؛ وأن ينفث شيئا رقيقا، وأن يكون (433) ما ينفث غليظا، وأن يكون تام النضج وهذا هو المرتبة الرابعة. لكن إذا ظهر هذا في اليوم الثالث والرابع لم يمكن أن (434) يتجاوز المرض السابع. وعلامة النضج التام أن يكون النفث أبيض، مستوي الأجزاء في جميع الأيام، ليس برقيق ولا مفرط الغلظ، فإن نقص من هذه العلامات شيء دل على نضج ضعيف. وأما النفث الأحمر الناصع والأسود والزنجاري فإنها تدل على الهلاك الوحي كما أن الأول يدل على البرء السريع. وأما عدم النضج فيدل (435) على أن المرض يطول، وليس فيه دلالة على البرء أو العطب دون أن تقيس منتهى المرض بقوة المريض هل تفي (436) إلى المنتهى، فمن هذه الجهة تعرف (437) السلامة من العطب. وقوله: البول والبراز والعرق إذا ظهرت (438) فقد تدلنا على جود (439) بحران المرض ورداءته، وطول المرض وقصره: هذا مثال آخر ذكره (440) في الدلالة على البحران، فإن من (441) العلامات ما يدل على نضج المرض، وبالجملة يدل على جودته ورداءته، ومنها ما يدل على جود (442) البحران أو رداءته. فأما ما يدل على جودة المرض ورداءته وعلى نضجه ونهوته (443) فهي أبدا تدل على ذلك دلالة دائمة، فعلامات النضج تدل على الخير، وعلامات عدم النضج تدل على طول PageVW1P014B المرض. وأما العلامات الدالة على البحران فإنها إن ظهرت في الوقت الذي ينبغي دلت على بحران محمود، وإن تعجلت قبل وقتها دلت على بحران مذموم ولهذا قال أبقراط: إن العلامات التي تكون في وقت البحران إذا ظهرت ثم لم يكن بحران ربما دلت على الموت، وربما دلت على أن البحران يعسر. وقال أيضا: إن الأشياء التي PageVطP 19ب تدل على أن البحران إلى الحال التي هي أفضل لا ينبغي أن تظهر بدئا، فأما علامات النضج ففي أي وقت ظهرت فهي محمودة، من قبل أن هذا الجنس كله من العلامات دال على الخير لا محالة، وكتاب تقدمة المعرفة في ذلك كاف إن شاء الله تعالى.
[فصل رقم 13]
[aphorism]
قال أبقراط: المشايخ أحمل الناس للصوم (444)، ومن بعدهم الكهول؛ والفتيان أقل احتمالا له. وأقل الناس احتمالا للصوم الصبيان، ومن كان من الصبيان أقوى شهوة (445) فهو أقل احتمالا له.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW0P016B جدوى هذا الفصل عائدة على تدبير غذاء المرضى وتقديره وتقليله وتكثيره وتلطيفه وتغليظه، وكان قد عرفنا فيما سبق تدبير الغذاء بحسب طبيعة المرض وقرب منتهاه وبعده، وبحسب نوائبه وأدواره، وبحسب قوة المريض وضعفه، وأما هذا الفصل فيتبين منه تدبير الغذاء بحسب سن المريض. والأسنان أربعة (446): سن المشايخ، وسن الكهول، وسن الفتيان (447)، وسن الصبيان (448). والحار الغريزي في سن المشايخ أضعف منه في سائر PageVW2P015A الأسنان، فلذلك تضعف هضومهم ويقل ما يتحلل من أبدانهم لضعف حرارتهم وصلابة أعضائهم، وهم لذلك قليلو (449) الحاجة إلى الغذاء صبورون على تركه زمانا أطول، وهو الذي عبر عنه بالصوم. وبعدهم الكهول في قلة احتمال الصوم، لتوفر حرارتهم وقوة هضومهم ولين أعضائهم. وأما الفتيان فأقل احتمالا للصوم من الشيوخ والكهول لاشتعال حرارتهم وقوة هضومهم وكثرة ما يتحلل من أبدانهم. وأما الصبيان فهم أقل جميع الناس احتمالا للصوم لتوفر حرارتهم ورطوبة أبدانهم، فتقبل لذلك سرعة التحلل وحاجة أبدانهم إلى الخلف عما تحلل وزيادة معدة للنمو، فمن سوى الصبيان إنما يحتاجون إلى الغذاء لمعنى واحد وهو العوض (450) عما يتحلل (451)، وأما الصبيان فيحتاجون إلى الغذاء لهذا المعنى، ولزيادة النمو أيضا، مع أن التحلل فيهم أكثر لرطوبة أبدانهم، والشيء الرطب يسرع إليه التحلل أكثر. والصبيان والشيوخ طرفان بينهما غاية المضادة، والفتيان والكهول PageVطP020أ واستطان بينهما، لكن الفتيان أقرب إلى طبيعة الصبيان، والكهول أقرب إلى طبيعة المشايخ. ثم أن من كان من الصبيان أقوى شهوة بالطبع فهو أقل احتمالا للصوم، كما أن من كان من المشايخ أموت شهوة فهو أكثر احتمالا له، وكذلك الكهول والفتيان، فإذا فرضنا صبيا وشيخا مرضا مرضا واحدا حادا وتشابها PageVW1P015A في جل الأحوال، وكانت طبيعة المرض تقتضي التدبير (452) اللطيف (453) جدا، أعني ترك الغذاء والصوم، ارتكبناه في حق الشيخ بقوة جأش (454)، وأما في حق الصبي فبحذر واحتياط، وذلك إما بأن لا نصيمه البتة، وإما أن نصيمه مدة أقصر. وأما الشيخ الفاني فمستثنى من هذه القضية، ولاحق بالصبي (455) في قلة الاحتمال للصوم. وربما كان كثير من المشايخ كثيري (456) PageVW0P017A الأكل في حال صحتهم أكثر منهم (457) في حال شبابهم وذلك لعلة أخرى ليست مما نحن PageVW2P015B فيه، قد ذكرناها (458) في كتابنا المسمى بالمسائل الطبيعية. وبدأ هنا بالمشايخ لأنه ناظر في تلطيف الغذاء، وألطفه الإمساك عنه، والمشايخ أحمل لذلك من سائر الأسنان. وذكر الصوم دون الإمساك وترك الغذاء ونحوه لأن الصوم أدل على الامتناع من كل ما يلج الجوف (459) جملة، ومعنى احتمال الصوم أن ترك الغذاء لا يضر بهم ضررا (460) كثيرا ولا يضعفون عليه ضعفا بينا. وقوله: "ومن كان من الصبيان أقوى شهوة" فيه فائدة أخرى غير الفائدة بالأسنان وهي تقدير كمية (461) الغذاء بحسب طبائع الأبدان، لأن قوة الشهوة وضعفها تابعا (462) لطبائع الأبدان. وقد (463) تضمن هذا الفصل تقدير كمية (464) الغذاء بحسب الأسنان (465) وطبائع الأبدان.
[فصل رقم 14]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأبدان في النشوء (466) فالحار (467) الغريزي فيه (468) على غاية ما يكون من الكثرة، ويحتاج من الوقود إلى أكثر مما يحتاج إليه سائر الأبدان، فإن لم يتناول ما يحتاج إليه من الغذاء ذبل بدنه ونقص. وأما في الشيوخ فالحار الغريزي قليل فيهم، فمن قبل ذلك ليس يحتاجون من الوقود إلا إلى اليسير لأن حرارتهم تطفأ من PageVW3P020B الكثير، ومن قبل هذا أيضا ليس تكون الحمى في المشايخ حادة كما تكون في الذين (469) في النشوء (470)، وذلك لأن أبدانهم باردة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل هو علة الفصل (471) السابق، ولذلك رأى بعضهم أن يجعلهما فصلا واحدا وأن ينسق بينهما بالواو فيقول: ومن كان من الصبيان أقوى شهوة فهو أقل احتمالا له وذلك أن ما كان من الأبدان في النشوء (472) فهو يحتاج إلى غذاءين: للنشوء (473)، ولخلف (474) ما يتحلل. وابتدأ في هذا الفصل بالأبدان التي في النشوء لتكون العلة قريبة (475) من المعلول وذلك (476) أنه ختم الفصل السابق بأن PageVW1P015B الصبيان أقل احتمالا للصوم؛ فبدأ هذا الفصل بتعليل (477) ذلك وجرى على الترتيب إلى أن بلغ PageVW2P016A إلى ذكر علة احتمال الصوم في المشايخ. وينبغي أن تعلم أن الحرارة في سن الصبيان (478) والشباب سواء، لكن الرطوبة في الشباب أقل منها في الصبيان، هذا الذي استقر عليه رأى الأفاضل، وأن الصبيان أقل ما (479) في أبدانهم الجوهر الأرضي، وأكثر ما فيهم الجوهر الهوائي والمائي لقربهم إلى جوهر المني وكل يوم تقوي فيهم الأرضية وتقل الهوائية والمائية. فإذا انتهوا إلى سن المشايخ أنقلبت الحال فصار الجوهر الأرضي PageVW0P017B أكثر ما فيهم والجوهر الهوائي والمائي (480) أقل ما فيهم. وعلى هذا الحال (481) النبات، يبدأ (482) صغيرا والغالب عليه المائية المرطبة (483) وأرضيته قليلا، وكل يوم تزداد أرضيته وتقل رطوبته حتى إذا تناهى عسا وصار خشبا صلبا قد استولت عليه الأرضية. وقوله: "ما كان من الأبدان في النشوء" أي في (484) النمو وهو ما بين الولادة إلى نحو عشرين سنة وأزيد منها قليلا، وكلما (485) كان أقرب إلى زمن الولادة كان النشوء أقوى، وكلما بعد كان النشوء أضعف، فأما عند الاحتلام فيحصل انقلاب قوي وتغير ظاهر، وعند العشرين يحصل أيضا انقلاب ولكنه دون الأول. وقوله: "فالحار الغزيري فيهم على غاية ما يكون من الكثرة". لا يريد أنه أكثر مما في الشباب، بل أكثر مما في الكهول والشيوخ، ومثل ما في الشباب في الكم PageVW3P021A لكنه مع الصبيان في جوهر رطب، ومع الشباب في جوهر اليبس ما هو. وقد علمت أن الجوهر الرطب تحلله (486) الحرارة أسرع مما تحلل الجوهر اليابس، فإن النار تحلل الماء أسرع مما تحلل الشمع، وتحلل الشمع أسرع مما تحلل الخشب والرصاص والحديد، وإذا كان المتحلل من أبدان الصبيان أكثر فإنها تحتاج من الوقود إلى أكثر مما تحتاج إليه سائر الأبدان، ويريد بالوقود الغذاء لأنه يمد الحار الغريزي كما يمد الدهن نور السراج، فإن لم (487) يتناول صاحب هذا المزاج من الغذاء ما يحتاج إليه ذبل بدنه PageVW2P016B ونقص. والذبول (488): الأخذ في الجفاف، وذلك يكون في الأشياء الرطبة، وأصل استعمال هذه الكلمة في النبات الرخص إذا أخذ في الجفاف وبقيت فيه بقية رطوبة، كالبقل (489) يقال فيه ذبل، فإذا ذهبت رطوبته أصلا قيل جف، فإن تناهي جفافه قيل قحل. وأما النقصان فهو في اللحم وفي القوة وسائر الأفعال؛ وحاجة الصبي إلى الغذاء كما قلنا من ثلاث جهات: جهة مشتركة لسائر الأسنان، وهي البدل (490) عما يتحلل. والجهتان الباقيتان يختصان بالصبيان: إحداهما (491): أن التحلل من أبدانهم أكثر منه في سائر الأسنان لرطوبتها، فحاجتهم إلى الخلف أكثر. والجهة الثانية: أن أبدانهم في النمو، فتحتاج أن يكون PageVW1P016A في الغذاء من الكثرة بمقدار ما يفي بالخلف عما تحلل ويبقى منه بقية صالحة للنمو، وأما سائر الأبدان فليس يفتقر إلا إلى الخلف فقط. وأما في الشيوخ فالحار الغريزي فيهم قليل، وما يتحلل من أبدانهم فقليل لقلة حرارتهم وصلابة PageVW0P018A أعضائهم، فلذلك لا يحتاجون من الغذاء والخلف إلا إلى اليسير، والغذاء الكثير يطفئ حرارتهم كما يطفئ الزيت الكثير إذا غمر (492) نور المصباح وإن كان مادته. ومما يدل على نقصان الحار الغريزي فيهم أنه لا يكاد يعرض لهم حمى قوية ملتهبة لأن الحرارة القوية سريعة القبول للالتهاب (493) والخروج عن الاعتدال، وليست الحرارة الضعيفة كذلك بل هي إلى قبول الإنطفاء أميل منها إلى قبول الالتهاب؛ ولذلك إذا عرض PageVW3P021B للشيخ (494) حمى ملتهبة كان وشيك الهلاك لأنها لم تعظم إلا لقوة مادتها وقوة السبب الموجب لها، فالحرارة العظيمة يسهل مصيرها إلى غاية الإفراط، وأما اليسيرة فليس يسهل ذلك فيها إلا أن تستكره غاية الاستكراه. والكثرة والقلة تقال في الحار على معنيين: على الكيفية، وعلى الجوهر الحار، فالحار الغريزي في الشيوخ PageVW2P017A قليل بالمعنيين جميعا.
[فصل رقم 15]
[aphorism]
قال أبقراط (495): الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع، والنوم أطول ما يكون. فينبغي في هذين الوقتين * أن يكون ما يتناول من الأغذية أكثر وذلك أن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين (496) كثير، ولذلك يحتاج إلى غذاء كثير (497)؛ والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل عائد بالفائدة (498) في تدبير الأصحاء والمرضى جميعا وهو اعتبار أوقات السنة الأربعة، فإن الفصل السابق أعتبر فيه تدبير الغذاء بحسب الأسنان وهذا الفصل اعتبر فيه الغذاء بحسب أوقات السنة الأربعة مناسبة للأسنان الأربعة، فالربيع مناسب لسن الصبيان، والصيف لسن الشباب، والشتاء لسن الكهول، والخريف لسن المشايخ (499)، لكن الشتاء تقوى فيه الحرارة الغريزية ويقل ما يتحلل منها فإذا توفر الحار الغريزي وقوي، قوى فعله وتصرف في الغذاء تصرفا تاما فجاد الهضم وتحللت الفضول الغالبة وتفتحت المسام ونشطت النفس وانتعشت وتنبهت الشهوة (500) فأحتيج إلى غذاء أكثر وضعف احتمال الصوم والصبر عن الغذاء زمانا طويلا. ولأن النوم أيضا في الشتاء يكون أطول لطول الليل فيجود الهضم لذلك أيضا وتقوى الشهوة، ولذلك صار يحتاج في هذين الوقتين من الغذاء إلى مقدار أكبر مما يحتاج إليه في الصيف والخريف لتوفر الحار الغريزي الفاعل للهضم في هذين الوقتين. قال: "والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين" أما الأسنان PageVW1P016B فكالصبيان فإن شهوتهم أقوى لمناسبتهم مزاج الربيع ، وأما الصريعون فلأن الحرارة الغريزية PageVW3P022A في أبدانهم PageVW0P018B لا تزال مشتعلة لكثرة رياضتهم فيجود هضمهم (501) وتتحلل (502) فضولهم، وتتفتح (503) مسامهم فيحتاجون إلى غذاء أكثر من غيرهم. فجعل الأسنان والصريعين دليلا له في أن كثرة الحار الغريزي في الشتاء والربيع PageVW2P017B توجب كثرة الشهوة. والصريع فعيل كالشريب (504) والسكير والخمير (505)، وهذا البناء يدل على المواظبة على الشيء والاستكثار منه، فإن الشريب هو المواظب على الشرب، والفسيق هو المكثر من الفسق، والصريع هو المواظب على الصراع والمستكثر منه. واعلم أن الصيف وإن كان معينا في تحليل الفضول، فإنه يحلل أيضا الحار الغريزي الذي هو (506) مبدأ كل فعل جميل ومحمود، وإذا ضعف ضعف (507) الهضم. وأما في الشتاء فيتوفر الحار الغريزي ويقوى فتجود أفعاله ويحسن أثره، وإذا قوي حلل الفضول ودفع ونقى وفتح وغسل وجذب وهضم وفعل كل فعل (508) جميل محمود، ويكون تحليله خفيا بالبخار الرطب. وأما الصيف والهواء الحار (509) فإنه يحلل بالعرق والبخار (510) الدخاني، ونسبته في التحليل والانضاج نسبة النار الجاهلة التي تنضج بها ثمرة فجة بأن تطبخ أو (511) تشوى. وأما الحار الغريزي فبمنزلة انضاج الشمس للثمرة ونقلها إلى كمالها من اللين والحلاوة والتلوين وغير ذلك مما يتبع النضج الطبيعي. فأوقات السنة مما له حظ عظيم في تدبير الغذاء ولذلك تقوى شهوة الناس للغذاء في الشتاء ويجود استمراؤهم أكثر منهم في الصيف أضعافا مضاعفة. وكذلك جل الحيوان إلا ما كان من الحيوان قليل الدم أو عديمه فإنه يتحجر في الشتاء في باطن الأرض والأسراب ويعدم الحس والحركة ويستغني عن الغذاء وربما هلك أصلا، وذلك أن البرد ينفذ من سطوح أبدان هذا الحيوان إلى أعماقه، فينطفئ الحار الغريزي أصلا أو يكاد. ومثال ذلك ما يفعله الاستحمام بالماء البارد، فإنه أول ما يلقي سطح البدن ينهزم (512) عنه الحار الغريزي إلى عمقه، فيقوى هناك وتشتد سخونة الباطن، فإن دام وقوي نفذ إلى الأعماق فأخرج الحار الغريزي PageVW2P018A عن مستقره وأطفأه أصلا أو كاد، فأحدث الخدر والسكتة. فالحار والبارد يتغالبان (513) على المحل الواحد، فإن غلب البارد PageVW3P022B على سطح البدن قوي الحار في باطنه واشتعل، فإن قوي البارد ونفذ إلى الباطن الحار إنبرد موضعه واستوى (514) البرد PageVW0P019A ظاهرا وباطنا، وطفئت حرارة البدن أصلا. والتحلل اللطيف في الشتاء يكون أكثر لاشتعال (515) الحار الغريزي باطنا، فتزداد (516) الحاجة إلى الغذاء، لأن مقدار الغذاء على قياس (517) مقدار التحلل. والتحلل الخفي بفعل الحار (518) الغريزي، وكلما كانت الحرارة الغريزية أقوى كان التحليل أخفى عن الحس؛ ولذلك ذهب قوم إلى أن العرق خارج عن PageVW1P017A الأشياء الطبيعية، لأن الطبيعة إذا استولت على الغذاء وقهرته على ما ينبغي لم ينبعث من الجلد رطوبة تحس. فأما العرق فإنما يكون من أسباب تستكره الطبيعة كالحمام والرياضة ونحو ذلك. ومن أعظم الأدلة على أن الحار الغريزي في الشتاء أوفر وأكثر وأقوى أن جميع أمور البدن تجري في الشتاء على ما ينبغي من الهضم وخصب البدن واستفراغ الفضول استفراغا خفيا وخروجها من الجلد مع التنفس وفي البول وغير ذلك، فإن رسوب بول الشتاء أكثر مما في الصيف، والبول أيضا في الشتاء أكثر، واغتذاء البدن وزيادة لحمه ودمه أكثر لكنه مع كثرته يكون مكتنزا متلبدا مداخلا للأعضاء مستقرا فيها. وأما (519) في الصيف فيعرض له أن يرق وينتشر، ويعرض له شبيه بالغليان فتضيق عنه الأوعية (520) فربما شقها أو أكلها أو مال إلى عضو استضعفه (521) فأحدث ورما فلغمونيا. وقد علم الناس هذا فإنهم في آخر الربيع يستفرغون الدم من أبدانهم ومن دوابهم. وأبقراط (522) قد ذكر الربيع PageVW2P018B ههنا (523) بقول مطلق، وينبغي أن يفهم على التحديد كما حدده هو في موضع آخر؛ وذلك أن أول الربيع شبيه بالشتاء، وآخره شبيه بالصيف، وأوسطه بينهما، وقد يكون ربيع بارد يشبه (524) الشتاء، وربيع آخر (525) حار يشبه الصيف، وربيع آخر معتدل بينهما، فينبغي أن يختلف الغذاء بحسب أول الربيع وآخره، وبحسب طبيعته (526) العارضة له.
[فصل رقم 16]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط: الأغذية الرطبة توافق جميع PageVW3P023A المحمومين، لاسيما الصبيان وغيرهم ممن قد اعتاد أن يغتذي بالأغذية الرطبة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كان قد ذكر فيما سبق تدبير الغذاء بحسب الكم، وأما في هذا (527) الفصل فذكره بحسب الكيف واختصره غاية الاختصار اتكالا على فهمه مما سبق، فإن الأشياء التي ذكرها في الكم شبيه (528) بالأشياء التي ينبغي أن يذكرها PageVW0P019B في الكيف، وكان قد ذكر أن مقدار الغذاء في الكم يختلف بحسب الأسنان والأزمان والعادات وغير ذلك مما ينبغي أن يضاف إليه وينظر فيه. فكذلك كيفية الأغذية تختلف بحسب ذلك كله فإن (529) الأغذية الرطبة توافق سائر المحمومين على جهة المضادة لأن الحمى مرض حار يابس والعلاج ينبغي أن يكون بالضد، وتوافق الصبيان للمشاكلة فإن الغذاء ينبغي أن يكون مشاكلا للمغتذي، وأما الدواء فمضاد، فالغذاء الرطب للصبي (530) المحموم غذاء له بسبب المشاكلة، ودواء لحماة بسبب المضادة والمنافرة. وقوله: "وغيرهم" يريد به أصحاب العادات كأصحاب (531) الترف (532) والدعة والخفض والأمزجة الرطبة كالخصيان والنساء، فبين في هذا القول الوجيز كيف يقاوم المرض بضده، وكيف تحفظ الصحة بشكلها، وكيف يعتبر ذلك في المزاج الطبيعي والمزاج العادي، وأن العادي (533) لاحق بالطبيعي PageVW1P017B وقد اعترض على أبقراط بمستسق PageVW2P019A محموم فإن استعمال الغذاء الرطب فيه خطأ، فنقول: هذا إلزام (534) ساقط عن أبقراط لأن هذا مرض مركب ومرضان لا مرض واحد، فينبغي أن يركب له العلاج أو يقصد له قصد علاجين اثنين، فإن كان أحدهما أقوى وأخطر صرفت العناية إليه أكثر، وإن كانا سواء كانت العناية إليهما سواء. وقوله: "الأغذية الرطبة توافق جميع المحمومين". قضية (535) جزئية يريد بها قانونا كليا فأقامها (536) مقام قولنا: الأغذية ينبغي أن تكون مضادة لكيفية المرض. يريد به (537) الأغذية الباردة الرطبة وحذفه اختصارا كعادته، وإنما اقتصر على قوله: "الرطبة" لأن مقاومة الحمى بالرطب PageVW3P023B أحرى (538) من مقاومتها بالبارد اليابس، لأن من شأن الحمى تجفيف البدن، والرطب من شأنه أن يرطب اليابس ويكسر سؤرة الحار، وأما اليابس فإنه إذا كان باردا قاوم الحمى ببرده (539) فقط، وربما سدد المسام بتكثيفه فحصل احتقان فزادت الحمى نكاية. ثم أن اليابس يجفف البدن ويمنع من تحلل المادة، والرطب يرخي ويفتح ويمنع المادة ويلين البطن ويفتح المسام ويطرق لنفوذ المادة فهو نافع للمحموم على الإطلاق، واليابس ضار على الإطلاق. وأما الحار فقد يضر من (540) كونه موافقا لطبيعة المرض، PageVW0P020A وينفع من جهة تفتيحه المسام وتحليله المادة. وأما البارد فقد ينفع لمضادته (541) الحمى، وقد يضر من جهة تخديره وتفجيجه ومنعه (542) من تحلل المادة بالتجميد، فإذا حصل احتقان زادت نكاية الحمى وقويت كيفيتها.
[فصل رقم 17]
[aphorism]
قال أبقراط: وينبغي أن يعطي بعض المرضى غذاءهم في مرة واحدة، وبعضهم في مرتين، ويجعل ما يعطونه منه أكثر أو أقل (543)، وبعضهم قليلا قليلا. وينبغي أيضا أن يعطي الوقت الحاضر من أوقات السنة حظه من هذا، والبلد والعادة (544) والسن.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW2P019B لما بين لنا كمية الغذاء وكيفيته (545)، أخذ يعرفنا جهة استعماله فليس يكفينا أن يعرف (546) أن هذا المريض يعطي من الغذاء الرطب مثلا مقدار كذا حتى يعرف هل ينبغي أن يعطاه (547) المريض في دفعة واحدة أو في (548) دفعتين أو قليلا قليلا؛ فإن القوة إذا كانت محتملة وكانت عادته في الصحة احتمال ذلك أعطي غذاءه دفعة واحدة، وإن لم تكن القوة محتملة وكانت عادته في صحته (549) أن يغتذي مرتين، أعطى غذاءه في حال المرض في مرتين ويجعل ما يعطي في المرة والمرتين أقل أو أكثر بحسب القوة والحاجة والاحتمال والعادة، فإن كانت الحاجة شديدة جدا والقوة ضعيفة جدا أعطى غذاءه قليلا قليلا في مرات؛ وينبغي أن يعتبر في ذلك وفيما سبق سائر الشروط من اعتبار الوقت الحاضر والبلد والسن والعادة وغير ذلك. وإذا كانت قوة المريض ضعيفة، وحاجته PageVW3P024A إلى الغذاء شديدة أعطى غذاءه قليلا قليلا. وإذا كانت المادة كثيرة الفساد PageVW1P018A أعطى غذاءه قليلا قليلا، وإن كانت القوة قوية؛ لأن الفساد يحتاج إلى القمع والتعديل. وإن (550) كانت القوة ضعيفة وليس حال البدن حال نقصان ولا حال فساد فينبغي أن تغذو المريض مرارا (551) قليلة قليلا قليلا، فإن كانت القوة قوية وحال البدن حال نقصان أو حال (552) فساد، فينبغي أن يعطي المريض غذاء كثيرا مرارا (553) كثيرة لأن الحاجة داعية والقوة تفي بإنضاج الغذاء. فإن عاقتنا (554) كثرة النوائب عن كثرة الأوقات للغذاء، فينبغي أن يعطى ذلك المريض ذلك الطعام الكثير في مرار قليلة. وإن (555) كانت القوة قوية والامتلاء كثير (556) أعطى طعاما قليلا في مرار قليلة. فضعف القوة يوجب تفريق الغذاء، ونقصان البدن يوجب PageVW2P020A تكثير الغذاء، ووفور القوة يحتمل تكثير الغذاء، والامتلاء يوجب PageVW0P020B تقليل الغذاء، فإذا اجتمع ما يوجب الكثرة والتفريق فعل، وإذا اجتمع ما يوجب اثنين متناسبين فعل بسهولة، فإن (557) اجتمع ما يوجب اثنين متباينين (558) توسطت (559) الحال بينهما. وأما في أوقات السنة: فأما في الصيف فينبغي أن يعطي المريض غذاءه قليلا قليلا، وفي مرار كثيرة، لضعف القوة في الصيف، وكثرة ما يتحلل. وأما في الشتاء فيعطي غذاءه كثيرا في مرات أقل، أما الكثرة فلنهوض القوة، وأما تقليل المرات فلقلة تحلل الروح. وأما الربيع فينبغي أن يعطى المرضى غذاءهم فيه غذاء قليلا فيما بين أوقات طويلة، لأن الربيع شبيه بأمراض الامتلاء مع توفر القوة، ولاسيما في وسط الربيع وقرب الصيف. وأما الخريف فيشبه (560) حاله حال الأمراض التي تعرض من فساد الكيموسات، ولذلك من لم يحم في ذلك الوقت يحتاج إلى زيادة متتابعة من غذاء محمود، فإن كانت القوة قوية (561) أعطوا غذاء كثيرا في مرار كثيرة، فإن كانت القوة ضعيفة أعطوا غذاء قليلا في مرار كثيرة. وعلى هذا المثال يؤخذ الاستدلال من الأسنان PageVW3P024B ومن العادات والبلدان.
[فصل رقم 18]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط: أصعب ما يكون احتمال الغذاء على الأبدان في الصيف والخريف. وأسهل ما يكون احتماله عليها (562) في الشتاء، ثم من بعده في الربيع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل لاحق بالفصل (563) السابق الذي ابتدأه بقوله (564): "الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع" وتتمة له؛ لأنه عرف فيه الأوقات التي يحتاج فيها إلى تكثير الغذاء ويحتمل بسهولة ويجود (565) استمراؤه، وهو زمانان: الشتاء، والربيع. أما الشتاء فلتوفر الحار الغريزي في الباطن. وأما الربيع فلهذا ولملاءمته الكون بالطبع. ثم عرف في هذا الفصل الأوقات PageVW2P020B التي يحتاج فيها إلى تقليل الغذاء، ولا يحتمل بسهولة ولا يجود استمراؤه، وهي زمانان (566): الصيف، والخريف. أما الصيف فينقص فيه PageVW1P018B الحار الغريزي لكثرة التحلل، وأما الخريف فلهذا ولمضادته (567) الكون بطبعه. ثم قال: "وأسهل ما يكون احتماله عليها في الشتاء، ثم من بعده في الربيع" على جهة التنبيه والتذكير والتأكيد، وأشعر بقوله: "ثم من بعده في الربيع (568)" على أن احتمال الطعام في الشتاء أكثر منه في الربيع، لأن تكون (569) الحار الغريزي في الشتاء أكثر وفعله في الباطن أقوى منه في الربيع، وكما أن الربيع يتلو الشتاء في هذا المعنى، كذلك PageVW0P021A الخريف يتلو الصيف. ولما فرق بين هذين الفصلين بفصلين آخرين ذكر في الثاني بالأول لما طال الكلام، وإنما فرق بينهما بذينك الفصلين لأن فيهما توصية وتعريفا بكيفية الغذاء في نفسه وكيفية تناوله، هل في مرة؟ أو في مرتين؟ أو قليلا قليلا؟ وكان هذا الترتيب صوابا ومناسبا، لأنه لما ذكر الوقت الذي يحتمل فيه كثرة الغذاء تلاه بذكر كيفيته وجهة تناوله، ثم ذكر بعد ذلك في هذا الفصل الوقت الذي لا يحتمل فيه كثرة الغذاء، ويفتقر (570) إلى تقليله فيه. وذكر الكيفية والترتيب أشد مناسبة لاحتمال الكثير منها لتقليله وعسر احتماله. وجالينوس يرى أن هذا الفصل اختصه بتدبير المرضى، والفصل الذي أوله: "الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون PageVW3P025A بالطبع"، اختصه بتدبير الأصحاء. وأنا أرى أن كليهما صالح لتدبير الأصحاء والمرضى، وأنه ليس فيهما تكرير كما زعم قوم. وأيضا فإنه عرف في هذا الفصل صعوبة احتمال كثرة الطعام في الصيف والخريف، وسهولة احتماله في الشتاء والربيع، وذكر في الفصل السابق أن الأجواف في الشتاء والربيع أسخن، والنوم أطول، والحار الغريزي أوفر، والحاجة إلى الغذاء أكثر. وذكر في PageVW2P021A هذا الفصل أن احتماله في الشتاء أسهل، وسهولة احتمال (571) الغذاء غير شدة الحاجة (572) فهذان معنيان متباينان، لكن ربما (573) لزم أحدهما عن صاحبه وذكر اللازم ليس بتكرير (574) مع أن الأول علة للثاني (575)، وذكر المعلول مع العلة ليس بتكرير؛ فإن (576) سخونة الجوف وطول النوم وتوفر الحار الغريزي (577) سبب لسهولة احتمال الغذاء وعلة له لأنه (578) لا يقوى معه الهضم ويجود الاستمراء.
[فصل رقم 19]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت (579) نوائب الحمى لازمة لأدوار، فلا ينبغي في أوقاتها أن يعطى المريض شيئا، أو نضطره (580) إلى شيء، لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات من قبل أوقات الانفصال.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر في الفصل الذي أوله "الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع"، وهو فصل يعرف فيه (581) الوقت الذي ينبغي أن يكثر فيه الغذاء تلاه بفصلين في كيفيته وكيفية استعماله وترتيبه ثم ذكر الفصل الذي أوله: "أضعف ما يكون احتمال الطعام على الأبدان في الصيف" وهو فصل يعرف فيه الوقت الذي ينبغي أن يقلل فيه الغذاء PageVW1P019A تلاه بهذا الفصل في منع الغذاء عند النوائب. وتدبير الغذاء يفتقر إلى النظر في الكم، والكيف، وجهة الاستعمال. فأما الكم PageVW0P021B والكيف فنعلمه (582) من طبيعة المرض والمريض، من غير حاجة إلى النظر في النوائب. وأما وقت تناول الغذاء فيستدل (583) عليه من نوائب الحمى، فإنها (584) أكبر دليل على أوقات الغذاء الجزئية، هذا إذا كانت نوائب الحمى لازمة لطريق واحدة ونظام متسق. ومعنى لزوم النوائب لدور أن تعلم وقت مجيء النوبة قبل كونها، بحيث يكون إذا رأينا النوبة الأولى علمنا PageVW3P025B متى تكون الثانية ومتى تكون الراحة، فنتوخى بالغذاء وقت الراحة، ونتوقاه (585) وقت النوبة وقبلها بقليل؛ وأما الأمراض التي نوائبها لا تلزم أدوارها فلا يمكن ذلك فيها، وأردأ (586) ما كان الغذاء في وقت ابتداء النوبة PageVW2P021B وقبلها (587). وقوله: "أو نضطره إلى شيء" وصية عامة وتنبيه على العلة. فكونها عامة من جهة أنه يندرج تحتها النهي عن الغذاء وعن الدواء وعن الاستفراغ والحركة والرياضة وغير ذلك من الأشياء التي تفتقر إلى حركة الطبيعة وإتعابها. وكونها تنبيها على (588) العلة فمن (589) جهة أنه سماه اضطرارا، والاضطرار عنف على الطبيعة وتكليف لها، ولا يجوز ذلك إلا عند فراغها وخلوها عن مقاومة المرض، فأما وقت النوبة فالطبيعة مشغولة بمقاومة المرض عن تدبير الغذاء وتصريف الدواء واحتمال الحركة. وقوله: "لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات". يعني ينقص من الكيموسات إن كانت هائجة، أو ينقص من الأغذية قبل أوقات النوائب. وقوله: "من قبل أوقات الانفصال". فإن الانفصال يراد به انفصال المرض وذلك عند المنتهى، والمنتهى إنما يكون بالبحران، وكل نوبة فهي منتهى ما جزئي، وفيه بحران ما جزئي ؛ فيقال له انفصال، لكن الانفصال الحقيقي أو الكلي هو الذي يكون عند المنتهى لجملة المرض بالكلية وعند البحران الكلي الحقيقي. والأولى أن يحمل الانفصال هنا على المنتهيات (590) الجزئية يعني النوائب، فكأنه (591) يقول: لكن ينبغي أن ينقص من زيادة الأغذية قبل أوقات النوائب، يعني لا يكفي أن يمنع من الغذاء في أوقات النوائب، بل وأن ينقص منه قبل أوقات النوائب.
[فصل رقم 20]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط: الأبدان التي يأتيها، أو قد أتاها، بحران على الكمال، لا ينبغي أن تحرك ولا (592) يحدث فيها حدث، لا بدواء مسهل (593) ولا بغيره من التهييج (594)، لكن تترك.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما فرغ من تدبير الغذاء أقبل على فن آخر، فعلمنا متى ينبغي لنا أن ندع الطبيعة وفعل PageVW0P022A جميع ما ينبغي أن يفعل بالمريض من غير أن نتكلف نحن شيئا، ومتى لا ينبغي أن نخلي الطبيعة ونتكل PageVW3P026A عليها لكن نعينها. فقال: PageVW2P022A إذا كان البحران كاملا فينبغي أن نترك الطبيعة وفعل كل ما ينبغي (595) أن نفعله (596) لأن PageVW1P019B الطبيعة القوية كافلة بشفاء الأسقام وفعل كل ما ينبغي، فلا حاجة بها إلى معين من خارج في فعل البحران الكامل، لكن إذا كان البحران ناقصا ولم تف الطبيعة بفعل ما ينبغي جميعه احتاجت إلى معين من خارج. وقوله: "الأبدان التي يأتيها، أو قد أتاها" فإنه أتى بالمستقبل ثم بالماضي وقرن الماضي (597) بقد ليدل على قرب الزمان من الحال، وقد يمكن أن يفهم منه الحال أيضا بطريق الأولى والأحرى (598). وقوله: "الأبدان التي يأتيها" أي في المستقبل وذلك إذا كانت الإنذارات تدل على بحران كامل سيأتي، ويمكن أن يكون قوله: يأتيها، يريد به الحال أي الأبدان التي ها هو ذا يأتيها، ويمكن أن يراد به الحال والاستقبال فإنه صالح لهما على جهة الاسم المشترك وعلى جهة الاسم المتواطئ أيضا. وقوله: "أو قد أتاها" هذه "أو" التخيير (599) في الحكم، وأما "قد" فإنها تدل (600) على قرب الماضي من الحال، فكأنه يقول: الأبدان التي هي في البحران والتي أتاها بحران عن قرب. وقد ذكر هذا الفصل بعينه في كتاب الكيموسات، لكنه ذكر موضع الكمال التمام ومعناهما واحد في قصده، ومتى كان البحران تاما وكاملا لا نقصان فيه، فلا ينبغي أن يحدث فيه حدث، وإن كان في البحران نقصان فينبغي أن يزاد (601) ما نقص لأن ما يبقى بعد البحران يحدث عودة من المرض. والبحران التام الكامل هو الذي جرت أموره كلها على ما ينبغي ولم ينقص من علامات حمده شيء، وتلك العلامات ست: أن يكون البحران بالاستفراغ فهو أفضل منه بالخراج، وأن يستفرغ الكيموس المؤذي والغالب والذي هو علة المرض، وأن يكون على استقامة ومن الجانب الذي فيه المرض ، وأن يوجد معه راحة وخفة، وأن يكون بعد ظهور (602) علامات النضج وأن PageVW2P022B يكون في يوم بحران. وقوله: "لا ينبغي أن تحرك" PageVW3P026B أي لا تحرك حركة طبيعية. وقوله: ولا يحدث فيها حدث (603)، أي من جهة الطبيب، لا بدواء مسهل أي مستفرغ ولا بغيره من سائر الأدوية من خارج وداخل كالأدوية الممسكة والمعرقة (604) والمرخية والمقوية وغير ذلك من أصناف الأدوية. وقوله: "من التهييج (605)" تشعر هذه اللفظة (606) وهي "التهييج" (607) بتحريك المرض والكيموسات تحريكا رديئا أي غير مأمون الغائلة، فإن لفظة التهييج (608) إنما تستعمل غالبا في إثارة الشرور وما لا يؤمن غائلته.
[فصل رقم 21]
[aphorism]
قال أبقراط: الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل، بالأعضاء التي تصلح لاستفراغها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر في الفصل السابق أن البحران التام لا يحتاج إلى معونة من الطبيب فهم منه أن البحران الناقص يحتاج إلى معونة منه، فذكر في هذا الفصل كيفية المعونة وكيفية (609) PageVW1P020A الاستفراغ فقال: "الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ" أي الأخلاط المولدة للأمراض التي أتى بحرانها غير تام ينبغي أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل، ونبه في هذا على غرضين: أحدهما أن الاستفراغ ينبغي أن يكون من أقرب الأعضاء من العضو المريض؛ وبالعضو الصالح للاستفراغ كالمعا والمثانة والرحم من أسفل، وكالمعدة من فوق، وكالمنخرين والأذنين والحنك من الدماغ، وكالجلد من سائر الأعضاء. وينبغي أن يكون على المحاذاة (610) لأنه أقرب، فإن الرعاف إذا كان من خلاف الشق الذي فيه العلة فهو رديء، فإن كان ميل الكيموس إلى عضو شريف يتوقع منه (611) ضرر عظيم فينبغي أن يصرف عنه المادة ويجذبها إلى ناحية أخرى. مثاله: أن الكبد إذا كان فيها كيموس يجب أن يستفرغ ثم مال إلى المعدة والأمعاء بالقيء أو الإسهال أو إلى الكلى بالإدرار فذلك محمود لأنه استفراغ بالأعضاء PageVW2P023A التي ينبغي أن يستفرغ بها (612)، والمعدة كذلك فينبغي أن تعاون ويطرق لها وتزال الموانع والعوائق، فإن مال الكيموس إلى الصدر والرئة والقلب PageVW3P027A فذلك رديء ينبغي أن يمنع ويجذب إلى ضد تلك الناحية.
[فصل رقم 22]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط: إنما ينبغي لك أن تستعمل الدواء والتحريك بعد أن ينضج المرض، فأما ما دام نيئا، أو (613) في أول المرض فلا ينبغي أن تستعمل ذلك إلا أن يكون المرض مهتاجا (614)، وليس يكاد يكون المرض في أكثر الأمر مهتاجا (615).
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما الدواء فيراد به الدواء المسهل خاصة، والتحريك هو تحريك الطبيعة والأخلاط بالدواء المسهل والمقيء. وفي ذكر التحريك بعد ذكر الدواء تنبيه على فعل الدواء وعلى العلة في الامتناع (616) منه لأن الدواء يحرك الطبيعة، وإنما ينبغي أن يتعرض لتحريك الكيموس بعد نضجه وإمكانه وسلاسة انقياده للدواء المسهل. ونضج المرض هو فعل الطبيعة فيه فعلا محمودا وتهيئتها له للاستفراغ، ويتبين ذلك من التفسرة (617) ومن أشياء أخر. وقوله: "فأما (618) مادام المرض نيئا" أي لم ينضج ولم تفعل فيه الطبيعة فعلها المحمود، فهو غير منقاد (619) لفعل الدواء. وقوله: "أو في أول المرض" يريد بالأول هنا الثلاثة الأيام الأول (620) من ابتداء المرض، وهذا معنى غير معنى كونه نيئا، فإنه قد يبقى المرض نيئا أياما كثيرة وشهورا، ويسمى هذا الزمان كله زمان الابتداء بالمعنى الثالث. وأما قوله: أو في أول المرض؛ فيريد به المعنى الثاني من معاني الابتداء، وهو الثلاثة الأيام الأول. وقوله: "فلا ينبغي أن تستعمل ذلك" أي لا تستعمل الدواء والتحريك، وذلك يصلح أن يكون إشارة إلى اثنين فصاعدا، ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى التحريك وحده فإنه أعم. وقوله: "إلا أن يكون المرض مهياجا" هذا استثناء من قوله: أو في أول المرض PageVW1P020B لا من قوله PageVW2P023B "نيئا" فإن النيء لا يكاد يكون معه اهتياجا، فأما أول المرض فقد يكون معه اهتياج. ولفظة (621) المهتاج للفاعل والمفعول به (622) جميعا بمنزلة المختار بقول (623): اختار الله فلانا، فالله مختار وفلان مختار، فاللفظ واحد والتقدير مختلف لأن أصل الكلمة إذا أريد بها اسم الفاعل مختير (624) بالكسر والمفعول مختير بالفتح. وكذلك مهتاج (625) أصله الكسر لأنه PageVW3P027B للفاعل وهو افتعل من الهيجان، يقول: اهتاج اهتياجا فهو مهتاج وأصله من هيجان النار واضطرابها ولهبانها (626)، ومنه يقال للحيوان المتحرك للسفاد (627) هائج ومهتاج لأن الشهوة نحو البضاع (628) شبيه بالنار (629) تقلقله وتزعجه (630) وترهقه، فكذلك الكيموسات ربما أقلقت المريض وأزعجته وآلمته بحركة قوية * وسالت من عضو إلى عضو فلم تدعه PageVW0P022B يستقر، وإذا كانت بهذه الحال (631) فينبغي أن يستفرغ في أول الحال. فأما متى كانت الكيموسات قارة راسخة في عضو من الأعضاء، فلا ينبغي أن تحرك بشيء من العلاج، ولا تستفرع بالدواء المسهل حتى تنضج، فحين إذن تكون الطبيعة معاونة لنا على استفراغها بل نحن معاونون لها على ذلك، فإن الطبيعة إذا أكملت (632) النضج ميزت الكيموسات ودفعت الفضل. وقوله: "وليس يكاد يكون المرض في أكثر الأمر مهتاجا" عرف بهذا القول أن الأمر الغالب على الأمراض ألا تستفرغ (633) في أولها حتى يقع النضج، وأن المرض المهتاج في أوله قليل الوقوع فالحاجة إلى الاستفراغ في أول المرض قلما تكون. وقوله (634): "ليس يكاد يكون المرض في أكثر الأمر" معناه بل يكاد يكون في أقل الأمر، لأن إيجاب هذا يكاد يكون في أكثر (635) الأمر * وسلبه ليس يكاد يكون في أكثر الأمر وإيجاب هذا يكاد يكون في أقل الأمر (636).
[فصل رقم 23]
[aphorism]
قال أبقراط: ليس ينبغي أن يستدل على المقدار الذي يجب أن يستفرغ من البدن من كثرته، لكنه ينبغي أن يغتنم (637) الاستفراغ، مادام الشيء الذي ينبغي أن يستفرغ هو الذي PageVW2P024A يستفرغ والمريض محتمل له بسهولة وخفة. وحيث ينبغي فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي، وإنما ينبغي أن تفعل ذلك متى كان المريض محتملا له.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر الاستفراغ، وكيف يكون، ومتى يكون، وكيفية ما يستفرغ في الفصل الذي أوله: "في استطلاق البطن والقيء اللذين (638) يكونان طوعا" ذكر في هذا الفصل كمية ما يستفرغ فإنه إلى الآن لم يذكره. ولاينبغي أن يستدل على مقدار ما يستفرع وكميته من كثرته، فإنه قد يستفرغ مقدار كثير والحاجة (639) داعية إلى أكثر منه، وقد يستفرغ مقدار قليل والحاجة داعية إلى أقل منه. لكن ينبغي أن يستدل بعلامات، منها استقلال المريض بما يستفرغ، فإنه إن استفرغ (640) الكيموس PageVW3P 28A المؤذي وجد خفا PageVW1P021A وراحة، وإن استفرغ مع الشيء الخارج عن الطبيعة شيء طبيعي فإن المريض يسترخي ضرورة ويضعف، فلذلك لا ينبغي أن يلتفت إلى ظاهر المقدار المستفرغ. ومنها أن يكون الشيء الذي * يستفرغ هو الشيء الذي (641) ينبغي أن (642) يستفرغ. مثاله: أن تكون مادة المرض صفراوية فيكون ما يستفرغ صفراء، أو بلغميا PageVW0P023A فيستفرغ بلغما. قوله: "وحيث ينبغي فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي". معناه وحيث ينبغي المبالغة في الاستفراغ فليستعمل الاستفراغ حتى يعرض الغشي. وقوله: "وحيث ينبغي" يتعلق بقوله فليكن، معناه فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي حيث ينبغي ذلك الاستفراغ، وفاعل ينبغي هو ضميره. وينبغي أن يفسر (643) الغشي المعتبر في هذا الاستفراغ، فإنا لا نعني الغشي العارض عن جبن (644) المفصود (645) عند رؤية الدم، ولا الغشي العارض عن خلط لذاع في فم المعدة يجلب (646) في (647) وقت العلاج أو قبله، فليس هذه الأصناف من الغشي بحد للمقدار (648) الكافي من الاستفراغ، لأنها قد تكون قبل بلوغ المقدار الكافي. وقد يعرض الغشي لبعض المحمومين PageVW2P024B بسبب انتصابه (649) ونهوضه، وبسبب عارض نفساني من غضب وحرد وغير ذلك، وإنما نعني هاهنا الغشي الكائن بسبب (650) الاستفراغ خاصة لا بسبب آخر. ويكون هذا الاستفراغ في الأورام الحارة التي هي في غاية العظم، وفي الحميات المحرقة جدا، وفي الأوجاع الشديدة المفرطة بشرط أن تكون القوة قوية. وجالينوس قد جرب ذلك (651) مرارا لا تحصى فوجده عظيم (652) النفع ولم يجد علاجا أبلغ منه، وذلك أنه كان يفصد (653) في الحمى المفرطة الحرارة حتى يعرض الغشي فيبرد البدن كله على المكان وتطفأ الحمى دفعة ويستطلق البطن ويدر العرق كثيرا، فبعضهم يسكن مرضه سكونا تاما، وبعضهم ينتفع به منفعة عظيمة وتنكسر عادية المرض. قال: ولا اعلم في الأوجاع الشديدة المفرطة علاجا أقوى وأبلغ من الاستفراغ حتى يعرض الغشي، بعد أن نحدد ونعلم هل ينبغي أن يفصد أو يستعمل PageVW3P028B الإسهال.
[فصل رقم 24]
Unknown page
[aphorism]
قال أبقراط: قد يحتاج في الأمراض الحادة في الندرة إلى أن يستعمل الدواء المسهل في أولها، وينبغي أن يفعل ذلك بعد أن تتقدم فتدبر الأمر على ما ينبغي.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما عرف أن استعمال الدواء والتحريك إنما يكون بعد نضج (654) المرض، إلا أن يكون مهتاجا وقلما يكون مهتاجا، عرف في هذا الفصل أنه قد يحتاج في الأمراض الحادة في الندرة إلى استعمال المسهل في أولها، وأتى بكلمة قد ليدل على أن ذلك قلما يقع لأن قد مع المستقبل تدل على قلة وقوع الشيء وندوره. وقوله: في الندرة توكيد التقليل، فأما الأمراض المزمنة فيتربص باستفراغها إلى PageVW1P021B حين نضجها، كذلك الأمراض الحادة إلا أن تكون مهتاجة جدا فتستعمل المسهل في أولها ولكن بحذر وتحرز شديد ونظر شاف، PageVW0P023B ولذلك قال: ينبغي أن يفعل ذلك بعد أن تتقدم فتدبر الأمر على ما ينبغي" ويحتمل PageVW2P025A هذا ثلاثة معان، أحدها: أن يكون تدبير الأمر على ما ينبغي أن يتقدم فيهيئ بدن المريض للاستفراغ. والثاني: أن تتقدم فتنظر حتى ترى التهيؤ والاستعداد. والثالث: أن تنظر في صحة اهتياجه وإمكان استفراغه خاصة (655) لذلك نظر عناية واستقصاء ولا تقصر (656) وتفرط فتظن أنه ينبغي استفراغه والأمر بخلاف ذلك فإنك تجلب بهذا الخطأ على المريض بلية عظيمة لأن خطره عظيم، إذ الأدوية المسهلة كلها حارة يابسة * والحمى في ذاتها حارة يابسة (657) وإنما الدواء ينتفع (658) به إذا استفرغ الكيموس المولد للحمى، فإذا استعمل على غير ما ينبغي صادف الكيموس غير نضيج ولا متهيئ للإنبعاث فصار الدواء ألبا على المريض وزيادة في المرض. فإن أرباب التخم والذين أغذيتهم غليظة لزجة والذين بهم تمدد وانتفاخ فيما دون الشراسيف فينبغي أن يتربص بهم النضج، فإذا كان الكيموس سهل الجريان رقيقا غير لزج ومجاريه واسعة مفتوحة كان لنا استفراغه، فإن لم يكن الأمر بهذه المثابة فينبغي أن نفعلها نحن بالمريض ونهيئه هذه التهيئة. فأما الأمراض المهتاجة فليس يمكن تهيئة PageVW3P029A البدن لها في اليوم الأول والثاني، فأما في أكثر من ذلك فيمكن أن يهيأ بأن يسقى المريض ماء العسل المطبوخ فيه زوفا أو فوتنج جبلي أو بري أو حاشا (659) أو نحو ذلك مما له تلطيف. وقوله: "فتدبر الأمر" بضم التاء، هكذا يقرأه (660) أكثر الناس ومعناه كما قلنا على أنه من التدبير، ويجوز فتح التاء وأصله تتدبر على أنه من التدبر وهو الفحص واستقصاء النظر.
[فصل رقم 25]
[aphorism]
قال أبقراط: إن استفرغ (661) البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه، نفع ذلك واحتمل بسهولة. وإن كان الأمر على ضد ذلك، كان (662) عسرا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل محصور في فصل تقدم أوله: "إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن PageVW2P025B والقيء اللذين (663) يكونان طوعا" ؛ لكن لما ذكر هنا الاستفراغ (664) وشروطه وكان هذا المعنى من جملة الشروط لم ير بأسا بإعادته على جهة التذكير به وضمه إلى نظرائه من سائر الشروط.
Unknown page
تمت المقالة الأولى وجملتها أربعة وعشرون فصلا.
المقالة الثانية:
[فصل رقم 26]
[aphorism]
PageVW0P024A قال أبقراط (1): إذا كان النوم في مرض من الأمراض يحدث وجعا، فذلك من علامات الموت. وإذا كان النوم ينفع، فليس ذلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يريد بالوجع هنا الضرر الذي هو ضد النفع، ولهذا جعله بإزائه بقوله: وإذا كان النوم ينفع. والضرر PageVW1P022A الذي يحدثه النوم ضربان: عام: وهو الحادث عند نوم المريض في ابتداء نوائب الحمى. وخاص في بعض الأمراض: وهو الحادث عند نوم المريض في غير وقت (2) ابتداء النوائب، وهذا الخاص مراد أبقراط هنا لأن الأول لا يدل على الموت ولا على مكروه، وإنما هو تابع لطبيعة (3) ذلك الوقت لأن الحرارة والكيموسات تميل إلى عمق البدن في ابتداء النوائب ولاسيما فيمن يعرض له قشعريرة أو نافض أو برد شديد في ظاهر بدنه فإذا نام طالت (4) مدة هذه الأعراض ولم تنته (5) حماه منتهاها إلا بكد، وإن كان في أحشائه ورم زاد، وإن كان في معدته بعض الكيموسات لم تنضج بل تزيد، ولذلك يؤمر المريض بالانتباه لتميل الروح والدم إلى ظاهر البدن ويعد PageVW3P029B ذلك من أعظم العلاج جدوى. واعلم أن النوم وقت انحطاط النوبة قد ينفع (6) نفعا بينا، وفي وقت منتهى النوبة فربما نفع أيضا إذا كان في آخر تزيد النوبة وقرب المنتهى، فإن كان يضر في وقت منتهى النوبة وتزايدها فإنه يدل على الهلاك ولكن دلالة أقل، فإن أضر في وقت الانحطاط فدلالته على الهلاك أقوى ما يكون، وذلك أن الشيء الذي منفعته أبلغ PageVW2P026A إذا لم ينفع وتجاوز ذلك إلى أن يضر فواجب أن يدل على الموت. ومضار النوم هي أضداد منافعه، وهي ألا تنقص، وأن يزيد الوجع، وأن يكثر سيلان ما يسيل إلى بعض نواحي البدن، وأن يزيد في الأورام، وربما تكلم كلاما مختلطا، وعرض له سبات، ويتنبه في مدة طويلة وليس معه عقله، وهذه الأشياء كلها إنما تعرض لخبث الكيموسات ورداءتها لأن الحرارة الغريزية متى كانت أقوى من الكيموس أنضجته، فإن ضعفت عنه أثقل الأحشاء وأقلق الطبيعة وعرض ما وصفنا. وقد علمت أن (7) الحرارة الغريزية تميل في وقت النوم إلى عمق البدن وباطنه، فإذا اجتمعت في الأحشاء فلم تقو (8) على غلبة (9) العلة دل ذلك على الهلاك.
[فصل رقم 27]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P024B متى سكن النوم اختلاط الذهن، فتلك علامة صالحة (10).
Unknown page
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل كأنه مثال على الفصل السابق ويمكن أن يجعل متصلا به كأنه يقول: وإذا كان النوم ينفع فليس ذلك من علامات الموت، مثال ذلك أنه متى سكن النوم اختلاط الذهن فتلك علامة (11) صالحة. وجعل المثال في اختلاط الذهن لأنه من أقوى الأعراض، وهكذا ينبغي أن يكون المثال حتى يكون غيره أضعف، فإن النوم إذا سكن الوجع فذلك علامة محمودة، ولكنه قال في الفصل السابق: فليس ذلك من علامات الموت وقال هنا: فتلك علامة صالحة وهذا القول أدل على السلامة والبعد من الموت لأنه PageVW1P022B قال في الفصل السابق: "وإذا كان النوم ينفع" فذكر النفع على طريق العموم، وهو على مراتب بعضها أقوى من بعض PageVW3P030A فقرن به قوله: فليس ذلك من علامات الموت لأنه أيضا قول عام، ولما أتى في هذا الفصل بنفع خاص من أردأ الأعراض وهو اختلاط الذهن صرح معه بأنه علامة صالحة فقرن بالخاص الخاص كما قرن بالعام العام.
[فصل رقم 28]
[aphorism]
قال أبقراط: النوم والأرق إذا جاوز كل واحد منهما المقدار القصد، PageVW2P026B فتلك علامة رديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لا يريد بالنوم النوم الطبيعي القصد بل النوم الذي تطول مدته حتى تجاوز الاعتدال ويكون مع ذلك ليس يعسر الانتباه منه (12) فهذا يسمى نوما طويلا، ويكون من برد الحاس الأول، أعني الدماغ لأن البرد إذا قوى وخالطته رطوبة حدث منه المرض المسمى ليثرغس (13) وهو السرسام البارد، ومتى كان معه يبس، حدث الجمود. فأما الأرق فيكون من سخونة الحاس الأول، وتلك السخونة قد تكون مزاجا رديئا محرورا مجردا (14)، وقد تكون لغلبة الصفراء. وقد يكون الأرق يسيرا قصيرا، وقد يكون عظيما طويلا.
[فصل رقم 29]
[aphorism]
قال أبقراط: لا الشبع ولا الجوع ولا غيرهما من جميع الأشياء محمودا (15)، إذا كان مجاوزا للمقدار الطبيعي.
Unknown page
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قانون عام يشمل (16) الفصل السابق وغيره، وذلك أنه لما كانت الصحة اعتدالا وجب أن يكون الخروج عن الاعتدال مرضا على حكم عكس النقيض، فإن الخروج عن (17) الاعتدال: عدم الاعتدال؛ PageVW0P025A والمرض: عدم الصحة؛ هذا إن بعد عن الاعتدال بعدا كثيرا، وإن لم يبعد جدا دل على تولد المرض وتهيؤ البدن له (18).
[فصل رقم 30]
[aphorism]
قال أبقراط: الإعياء الذي لا يعرف له سبب، ينذر بمرض.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الإعياء ألم (19) يحدث في أبدان الحيوان (20) من الحركة المجاوزة للاعتدال، فإذا حدثت هذه الحال من غير سبب، قيل إنه إعياء لا يعرف له سبب. وهذا (21) الإعياء ثلاثة أصناف، أحدها: ما ألمه شبيه بالقرحة. والثاني: ما ألمه ألم (22) تمدد. والثالث: ما ألمه ألم الورم. والأول يكون من كيموس ردئ، والثاني من كثرة الفضل، والثالث من الأمرين إذا اجتمعا. وإذا كان كذلك فواجب أن الإعياء الذي لا يعرف له سبب ينذر بمرض.
[فصل رقم 31]
[aphorism]
قال أبقراط: من PageVW3P030B يوجعه شيء من بدنه ولا يحس بوجعه في أكثر حالاته، PageVW2P027A فعقله مختلط.
Unknown page
[commentary]
قال عبد اللطيف: الوجع قد يطلق على المرئي بالبصر وهو الأثر، وتارة يطلق على ما يؤلم ويقلق، وتارة يطلق على السبب الفاعل لذلك، وها هنا إنما يراد به ما يقلق ويؤلم، كمن به الورم المسمى حمرة، والجروح والشدخ، والفسخ، وما أشبه ذلك؛ فإن كان بالمريض واحدة من هذه الأشياء فكان لا يحس به ففهمه مختل، PageVW1P023A ولا فرق هنا بين أن يقال ذهن أو عقل أو فهم أو فكر.
[فصل رقم 32]
[aphorism]
قال أبقراط: الأبدان التي تهزل في زمان طويل، فينبغي أن تكون إعادتها بالتغذية إلى الخصب بتمهل، والأبدان التي ضمرت في زمان يسير، ففي زمان يسير ترجع إلى الخصب.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما الأبدان التي ضمرت في زمان طويل فقد ذابت منها الأعضاء الأصلية الجامدة والتي بها الهضم والتغذية وسائر الأفعال الطبيعية وتصريف الغذاء (23). وأما الأبدان التي ضمرت في زمان يسير فإنما ذاب منها الشحم واللحم والرطوبات المتصلة. فأما الأعضاء (24) الأصلية الجامدة باقية على حالها من القوة، فلذلك صار خصب الصنف (25) الأول في زمان طويل وبتمهل، وصار خصب الصنف الثاني بسرعة. وأيضا فإن من ضعفت أعضاؤه الأصلية التي بها (26) الهضم وسائر الأفعال المحمودة وضعفت حرارتها الغريزية لم يمكن أن يحمل عليها من الغذا مقدار ما يحتاج إليه البدن، PageVW0P 25B بل يعطى قليلا قليلا وعلى تدريج. فأما البدن الذي هزل لحمه وشحمه فقط فإنه يمكننا أن نحمل على آلات الغذاء مقدار ما يحتاج إليه البدن لأن آلات الهضم قوية سالمة، ولذلك مثال من المصباح فإنه إن قل الزيت مع بقاء قوة النور أمكن أن يعاد إلى حاله بأن يزاد عليه الزيت دفعة، فأما متى وصل الضعف إلى نور السراج فقل نورها ثم جعل عليها الزيت دفعة لم يؤمن أن ينطفئ PageVW2P027B رأسا، وإنما ينبغي أن يغذى به قليلا قليلا وبتمهل وعلى تدريج.
[فصل رقم 33]
[aphorism]
قال أبقراط: الناقه (27) من المرض، إذا كان ينال من PageVW3P031A الغذاء وليس يقوى به، فذلك يدل على أنه يحمل على بدنه منه أكثر مما يحتمل. وإذا كان ذلك وهو لا ينال منه، دل على أن بدنه يحتاج إلى استفراغ.
Unknown page
[commentary]
قال عبد اللطيف: الناقه (28) هو الذي ذهب عنه المرض بأعراضه وبقي الضعف وأثر الذوبان الذي أكسبه المرض. ومعنى ينال: يشتهي الطعام ويرزأ منه. ومعنى كونه يقوى به، أن يتراجع به إلى حال الصحة، وصرح بقوله به لأنه هو الذي ينبغي أن يكون السبب الفاعل لقوة البدن ورده إلى حال الصحة. وقوله: "يحمل على بدنه"، أي يزيد في كمية الغذاء زيادة فوق القوة فلا تفي بها، والغذاء إذا لم تف به القوة كان ثقلا على الطبيعة وألبا، وربما لم يكن (29)لم يقو فقط بل يزيد البدن ضعفا. وقوله: ذلك، إشارة إلى قوله: ليس يقوى به، أي: وإذا كان الناقه ليس يقوى به مع كونه ينال من الطعام ويرزأ منه، فذلك يدل على أن بدنه مملوء أخلاطا (30) رديئة تفتقر إلى استفراغ وتنقية. والاستفراغ يكون بالفصد إن كان الامتلاء من سائر الأخلاط، وبإسهال الخلط الغالب إن كان. وجالينوس PageVW1P023B يصل (31) هذا الفصل بالفصل الثالث (32) بعده حتى يكون القول هكذا: وإذا كان ذلك، وهو (33) لا ينال منه، دل على أن بدنه يحتاج إلى استفراغ، وذلك أن البدن الذي ليس بنقي كلما غذوته إنما تزيده شرا، بحيث يصير هذا القول علة الفصل (34) الآتي، ويمكن أن يكون هذا الفصل مستقلا لا يفتقر إلى غيره.
[فصل رقم 34]
[aphorism]
قال أبقراط: كل بدن تريد تنقيته، فينبغي أن تجعل ما تريد إخراجه منه يجري فيه بسهولة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: التنقية إنما تطلق على استفراغ خلط ردئ الكيفية بالإسهال PageVW0P026A أكثر ذلك، وأما الاستفراغ PageVW2P028A فيطلق على كل (35) تنقيص من البدن بأي وجه كان. وإذا أردت أن تجعل ما تريد إخراجه من البدن يجري فيه بسهولة فلطف الأخلاط ورقق منها ما يمكن أن يترقق وقطع (36) منها PageVW3P031B ما كان غليظا (37) لزجا ووسع المجاري وفتحها إن كانت مسددة أو ضيقة وقو (38) الطبيعة إن كانت ضعيفة، فإن عسر إخراج الخلط قد يقع إما من جهة غلظه فلا ينطاع ولا ينقاد، وإما من قبل ضيق المجاري فلا ينفذ، وإما من قبل ضعف الطبيعة عن الدفع، فإذا زالت الموانع عن الخلط الذي يقصد إخراجه تسهلت (39) سبيله، وجملة هذا يسمى التدبير الملطف. وقد ظن قوم أن تسهيل سبيل القيء أن تهيجه بدواء القيء مرارا (40) متواترة. وتسهيل سبيل الإسهال أن يلين البطن مرارا (41) متواترة حتى تصير المسالك مستعدة متهيئة، ومن اقتصر على هذا دون التلطيف كان وقوع ما يروم عسرا شاقا، وكثيرا ما يعرض منه الغشى والكرب والدوار والمغص وسوء النبض (42) والجهد الشديد. فأما إن استعملت التلطيف والتفتيح كان الإسهال والقيء على أفضل حالتهما وينقى البدن باستقصاء وعلى أفضل الوجوه وأسهلها (43)، وذلك أن الطبيعة حينئذ تصير هي الفاعلة من ذاتها، وأما إن عنفت عليها وأكرهتها فإما أن لا تفعل ولا تجيب، وإما أن تجيب (44) بمشقة؛ وكل فعل يشق على الطبيعة فإنه يضعفها ويجهدها ولا يحصل كاملا.
[فصل رقم 35]
[aphorism]
قال أبقراط: البدن الذي ليس بالنقي، كلما غذوته إنما تزيده شرا.
Unknown page
[commentary]
قال عبد اللطيف: البدن الذي ليس بالنقي هو الذي فيه أخلاط رديئة فاسدة الكيفية يحتاج البدن أن ينقى منها، فإذا ورد الغذاء على هذا البدن واتصل بالخلط الرديء (45)، استحال إلى الفساد والرداءة فزاد في مقداره فكثرت المادة الرديئة وكثر الشر في البدن فحينئذ يصير الغذاء زائدا في كمية المرض ورداءته لا في كمية البدن وإصلاحه. وأنا أمثل لك في ذلك (46) PageVW2P028B مثالا وهو: إن من كان في معدته خلط صفراوي ثم يتناول لبنا أو حساء الشعير (47) أو نحو ذلك فإنه يستحيل إلى الصفراء فيكثر مقدارها وتزداد PageVW1P024A رداءة. وقد علمت PageVW0P026B أن الصفراء لا يغتذي بها البدن بل هي شر عليه، فإذا زادت كميتها زاد البدن شرا. فأما من كان في معدته خلط PageVW3P032A بلغمي فإن هذه الأغذية تستحيل فيه بلغما ويزداد مقداره بها فيزداد البدن فسادا وشرا، فإذا نقيت المعدة من الخلط الغالب فيها ثم وردها الغذاء وهي نقية فإنه يستحيل استحالة صالحة ويغتذي به البدن ويزداد قوة وخيرا. ولفظة كلما تقتضي تكرار المرار، ولفظة إنما تقتضي تأكيد القضية والحصر، فيصير المعنى أنه متى أعطى الغذاء إزداد شرا دائما وأن الأمر لا يكون إلا كذلك. ولو صرح بالفاء فقال: كلما غذوته فإنما تزيده شرا، لكان وجه الكلام لأن كلما فيها معنى الشرط، والفاء فيها معنى الجواب والمجازاة (48). وقوله: "إنما (49) تزيده شرا" مفهومه أنه قد كان به الشر قبل الغذاء وإنما ازداد بالغذاء شرا على شره الأول، فالشر الأول هو الحاصل فيه من عدم النقاء ووجود الامتلاء من الخلط الرديء، والشر الثاني هو الذي اكتسبه من الغذاء لما استحال إلى الخلط الرديء وزاد في كميته وعجزت الطبيعة عن إصلاحه وإحالته إلى ما ينمي الجسد ويزيد فيه.
[فصل رقم 36]
[aphorism]
قال أبقراط: لأن يملأ البدن من الشراب، أسهل من أن يملأ من الطعام.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر من يحتاج إلى الغذاء حتى يعود بدنه إلى ما كان عليه، ذكر أصناف الأغذية وأيها يغذو أسرع، فعرف أن الأغذية الرطبة (50) تغذو أسرع * من غيرها، وأن الشراب يغذو أسرع من الطعام، وأن الشراب الرقيق المائي قليل الإغذاء * سريع النفوذ والتلطيف ولهذا يدر البول (51) وأن الغليظ الأحمر أكثر الأنبذة إغذاء ويملأ الأبدان التي استفرغت واحتاجت إلى زيادة PageVW2P029A بأسرع ما يكون (52). فالغذاء الرطب أسهل انهضاما وأسرع (53) تغذية للبدن ولاسيما إن كان حارا، لأنه برطوبته ينفعل بسرعة وبحرارته ينفذ وينضج بسرعة لأن في جبلته ما يعين الحار الغريزي على نضجه.
[فصل رقم 37]
[aphorism]
قال أبقراط: البقايا التي تبقى من الأمراض من بعد البحران، من عادتها أن تجلب عودة من المرض.
Unknown page
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل متصل بقوله: "الناقه إذا كان ينال من الغذاء وليس يقوى به" لأنه علة لما أمر (54) به من استفراغ الناقه بقوله: وإذا كان ذلك وهو لا ينال منه، دل على أن بدنه يحتاج إلى استفراغ (55). ويعني بالبقايا ما يبقى PageVW0P027A من الكيموسات الرديئة بعد البحران، وإنما يكون ذلك في البحارين الناقصة، وهذه البقايا على طول الأيام تعفن فتولد حمى، لأن كل رطوبة غريبة PageVW3P032B من طبيعة الجسم الذي يحويها لا يمكن أن تغذوه فيؤول أمرها إلى العفونة ضرورة، فإن كانت في عضو حار عفنت أسرع وأقوى.
[فصل رقم 38]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW1P024B إن من يأتيه البحران، قد يصعب مرضه في الليلة التي قبل نوبة الحمى التي يأتي فيها البحران، ثم في الليلة التي بعدها يكون أكثر ذلك أخف.
[commentary]
قال عبد اللطيف: البحران تغير (56) سريع من المرض يميل بالمريض إلى الصحة أو إلى الموت وذلك عند نهوض الطبيعة لتمييز الشيء الرديء من الجيد وتهيئتها له للاندفاع (57) والخروج، فواجب أن يعرض عند هذا الحدث اضطراب وقلق، والأولى أن يحدث هذا القلق في الليل أكثر منه في النهار لأن من شأن الليل أن ينام الناس فيه ويسكنوا فقلق المريض يتبين فيه بيانا واضحا. والثاني أن الطبيعة في الليل يقوى فعلها في الباطن وتتفرغ لإنضاج المرض ومقاومته ودفعه، على أن هذا الاضطراب قد يكون نهارا إذا كان البحران متهيئا أن يكون في الليلة التي بعده (58). فأما قوله: "ثم في الليلة التي بعدها يكون أكثر ذلك PageVW2P029B أخف"، فلا يوجد في بعض النسخ، وقصده أن يعرفنا فيه أن الليلة التي بعد البحران أخف من الليلة التي قبله على الأمر الأكثر، لأن أكثر البحارين تؤول إلى السلامة إلا في حال الوباء فإن أحوال الأمراض والمرضى لا تجري فيه على نظام ولا تكاد البحارين تؤدي إلى السلامة كما يكون ذلك في الهواء الصحيح.
[فصل رقم 39]
[aphorism]
قال أبقراط: عند استطلاق البطن قد ينتفع باختلاف ألوان البراز، إذا لم يكن تغيره إلى أنواع منه رديئة.
Unknown page