215

Sharḥ Fatḥ al-Majīd liʾl-Ghunaymān

شرح فتح المجيد للغنيمان

Genres

التحذير من الشرك الأكبر
قال الشارح ﵀: [وقوله ﷺ: (من مات وهو يدعو من دون الله ندًا -أي: يجعل لله ندًا في العبادة، يدعوه ويسأله ويستغيث به- دخل النار)، قال العلامة ابن القيم ﵀: والشرك فاحذره فشرك ظاهر ذا القسم ليس بقابل الغفران وهو اتخاذ الند للرحمن أيًا كان من حجر ومن إنسان يدعوه أو يرجوه ثم يخافه ويحبه كمحبة الديان].
إذا جاء الرجاء والخوف فلا بد أن يكون هناك محبة، إذا كان الإنسان يرجو الشيء أو يخافه فلا بد أن يكون معه محبة، إلا أن يكون المخوف ظالمًا متجبرًا فإنه يخافه وقلبه يلعنه، فمثل هذا ليس فيه شيء من العبادة، وخوفه هذا يكون خوفًا طبيعيًا ليس خوف عبادة، وإنما هو الخوف إذا كان مخالطًا له الحب والرجاء، وكذلك إذا كان يرجو شيئًا ولا يحبه قلبه فإن هذا لا يكون عبادة، وإنما هذا لأنه سبب فقط، والإخلاص أن يكون الإنسان خوفه ورجاؤه لربه جل وعلا لا يخاف غيره.
ومعنى ذلك أنه ينظر إلى الأسباب على أنها أسباب جعلها الله جل وعلا أسبابًا، ويجوز أن يوجد بها ما رتب عليها ويجوز ألا يوجد، وإذا حصل شيء من الأمور بسبب من الأسباب على يد إنسان يشكره لأنه سبب، لا لأنه هو الذي استقل بذلك، بل يشكره ويحمده لأن الله جل وعلا جعله سببًا، ولكن حبه ونظره في التصرف والإيجاد والنعمة إلى الله وحده جل وعلا، فالأسباب لا تنافي الإخلاص في النظر إليها، فالاعتماد على السبب شرك، وتعطيل السبب وعدم الالتفات إليه قدح في الشرع وفي العقل؛ لأن الله جل وعلا جعل لكل شيء سببًا، وأمرنا ببذل الأسباب، ولكن أمرنا أن نعتمد عليه ونعلم أن الإيجاد والإعدام والإنعام وكذلك المنع والعطاء من الله، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى جل وعلا.
فأما أن يكون الإنسان يخاف من سبع أو من حية أو من ظالم أو ما أشبه ذلك فهذا أمر جبلي طبعي طبع الإنسان عليه، ولا يلام على ذلك؛ لأن المحذور هو أن يكون مع الخوف محبة وتأله، بأن يتألهه قلبه، وهذا الذي لا يجوز أن يكون إلا لله وحده، ومثله الحب، ومثله الرجاء، بل كل أفعال القلب من هذا القبيل، فيجب أن يفرق بين ما هو جائز وما هو ممنوع، فربنا جل وعلا أخبرنا عن موسى ﵇ أنه خرج من بلد فرعون وقومه خائفًا يترقب، خائفًا منهم يترقب وينظر ويتلفت، وهذا من الأسباب، وخوفه منهم ليس عبادة لله، ولكن لأنهم ظلمة، ولأنهم يستطيعون أن ينفذوا ما يقولون وما يفعلون وما يريدون فعله، فهو يخافهم لأنهم ظلمة، وكثير من الناس يقول: الذي لا يخاف الله خف منه، فهذا الكلام باطل، فلا تخف منه، لا تخف إلا من الله جل وعلا، ولكن إذا كان الإنسان تحت يدي ظالم متسلط فإن خوفه منه خوف طبيعي، ولا يكون ذلك ضائرًا له، وليس خوفه خوفًا قلبيًا يختلط بالحب وبالرجاء، بل هو يخافه وقلبه يلعنه.

20 / 7