124

Sharh Fath al-Majid by al-Ghunayman

شرح فتح المجيد للغنيمان

Genres

أصل العبادة وتقسيم الدعاء
قول موسى ﵇: (أذكرك وأدعوك به) فسره الشارح بأن معنى: (أذكرك) أثني عليك به.
و(أدعوك) أسألك.
فجعل الذكر ثناءً وجعل الدعاء سؤالًا، والواقع أن هذا هو العبادة؛ لأن العبادة لا تخرج عن الثناء والمسألة، والثناء -الذي هو ذكر الله- سواءٌ أكان باللسان أم بالأركان هو في الواقع سؤال؛ لأن العبد يفعل ذلك رجاء الإثابة وهربًا من العذاب والعقاب، فإذا صلى أو تصدق فمعنى ذلك أنه يذكر الله بهذا الفعل حتى يثاب على ذلك، أما إذا سأل فهو يسأل شيئًا معينًا، سواءٌ أكان من أمور الدنيا أم الآخرة.
فإذًا العبادة كلها لا تخرج عن الذكر والدعاء، عن كون الإنسان يذكر ربه بأن يفعل ما أمره به ويجتنب ما نهاه عنه راجيًا بذلك ثوابه وخائفًا -لو لم يفعل ذلك- من عقابه، أو أنه يظهر حاجاته وفقره، فيسأل سؤالًا معينًا سواءٌ من أمور الدنيا أم من أمور الآخرة.
فهذا هي العبادة التي يجب أن تكون لله وحده خالصة ليس لأحد فيها شيء، ولهذا قسم العلماء الدعاء إلى قسمين: قسم يكون دعاء عبادة، وقسم يكون دعاء مسألة، فأما دعاء العبادة فهو شامل عام يدخل فيه ذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة والصوم والحج وسائر العبادات؛ لأن الإنسان لا يفعل هذه الأفعال إلا ويرجو ربه أن يثيبه على ذلك، ويخاف منه أنه لو لم يفعل ذلك عاقبه.
أما دعاء المسألة فهو أن يسأل شيئًا معينًا، مثل الجنة، ومثل الرزق، ومثل الولد، ومثل النصر على الأعداء، ومثل العلم وما أشبه ذلك، فكل شيء تسأله فهو دعاء مسألة، وكلاهما جاء القرآن به، قال الله جل وعلا: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:٦٠]، فقيل في تفسيرها: اسألوني أعطكم.
وقال بعضهم: اعبدوني أزدكم.
فالذي قال: المعنى اعبدوني أزدكم معناه أنه يقول: هذا الدعاء -دعاء العبادة- يدخل فيه كل فعل يفعله الإنسان متقربًا به إلى الله إذا كان قد شرع.
والذي قال: المعنى: سلوني أجبكم معناه أنه جعله دعاء مسألة.
والواقع أن الآية تشمل هذا وهذا، أي: أنها تدل على دعاء العبادة ودعاء المسألة، وكذلك غيرها مما جاء في القرآن، ومثله هذا الحديث: (اذكرك وادعوك به) يعني: أتعبد به لك خوفًا من عذابك ورجاء لثوابك الذي تعطيه من عبدك، وأما (أدعوك) فمعناه أني إذا احتجت إلى شيء معين أتوسل به إليك حتى أنال مقصودي، فهو كله عبادة، إلا أن دعاء المسألة أخص من الذكر وأخص من دعاء العبادة.

13 / 7