196

Sharh Diwan Mutanabbi

شرح ديوان المتنبي

Investigator

مصطفى السقا/إبراهيم الأبياري/عبد الحفيظ شلبي

Publisher

دار المعرفة

Publisher Location

بيروت

- الْإِعْرَاب أيا أسدا هُوَ نِدَاء مُنكر ينْتَصب بِفعل مُضْمر وَلَو رفع وَنون لَكَانَ أَجود لِأَنَّهُ خصصه كَمَا قَالَ الشَّاعِر (يَا مطر ...) والنكرات إِذا خصصت كَانَ حكمهَا فى النداء كَحكم الْمُفْرد الْعلم قَالَ الله تَعَالَى ﴿يَا جبال أوبي مَعَه﴾ فَلَمَّا خصصها بالنداء كَانَ حكمهَا حكم الْعلم الْمُفْرد وَالطير من رَفعه جعله عطفا على الْجبَال وَمن نَصبه وَهُوَ الْمَشْهُور فَلهُ ثَلَاثَة أوجه الأول أَن يكون عطفا على مَوضِع الْجبَال لِأَنَّهَا فى مَوضِع نصب الثانى أَن يكون الْوَاو بِمَعْنى مَعَ الثَّالِث أَن يكون مَفْعُولا عطفا على مَا قبله وَهُوَ قَوْله ﴿آتَيْنَا دَاوُد منا فضلا﴾ وَآتَيْنَاهُ الطير وَاخْتلف البصريون وأصحابنا الْكُوفِيُّونَ فى المنادى فَقَالَ البصريون هُوَ مبْنى على الضَّم وموضعه النصب لِأَنَّهُ مفعول وَقَالَ أَصْحَابنَا بل هُوَ مُعرب مَرْفُوع بِغَيْر تَنْوِين وَحجَّتنَا أَنا وَجَدْنَاهُ لَا يَصْحَبهُ ناصب وَلَا رَافع وَلَا خافض ووجدناه مَفْعُولا فى الْمَعْنى وَلم نخفضه لِئَلَّا يشْتَبه بالمضاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم وَلم ننصبه لِئَلَّا يشبه مَا لَا ينْصَرف فرفعناه بِغَيْر تَنْوِين ليَكُون بَينه وَبَين مَا هُوَ مَرْفُوع برافع صَحِيح فرق وَأما الْمُضَاف فنصبناه لأَنا وجدنَا أَكثر الْكَلَام مَنْصُوبًا فحملناه على وَجه من النصب لِأَنَّهُ أَكثر اسْتِعْمَالا من غَيره وَحجَّة الْبَصرِيين على أَنه لَيْسَ بمعرب بل هُوَ مبْنى وَإِن كَانَ يجب فى الأَصْل أَن يكون معربا أَنه أشبه كَاف الْخطاب وهى مَبْنِيَّة فَكَذَلِك مَا أشبههَا من هَذِه الْأَوْجه فَوَجَبَ أَن يكون مَبْنِيا وَوجه آخر وَهُوَ أَنه وَقع موقع اسْم الْخطاب لِأَن الأَصْل فى قَوْلك يَا زيد يَا إياك وَيَا أَنْت لِأَن منادى لما كَانَ مُخَاطبا كَانَ ينبغى أَن يسْتَغْنى عَن ذكر اسْمه وَيُؤْتى باسم الْخطاب فَيَقُول يَا إياك وَيَا أَنْت فَلَمَّا وَقع الِاسْم المنادى موقع الْخطاب وَجب أَن يكون مَبْنِيا كَمَا أَن اسْم الْخطاب مبْنى قَالُوا وبنيناه على الضَّم لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه لَا يخلوا إِمَّا أَن يبنئ على الْفَتْح أَو الْكسر أَو الضَّم بَطل أَن يبْنى على الْفَتْح لِأَنَّهُ كَانَ يلتبس بِمَا لَا ينْصَرف وَبَطل أَن يبْنى على الْكسر لِأَنَّهُ كَانَ يلتبس بالمضاف إِلَى النَّفس وَإِذا بَطل أَن يبْنى على الْفَتْح وَالْكَسْر وَجب أَن يبْنى على الضَّم وَالْوَجْه الآخر أَنه يبْنى على الضَّم فرقا بَينه وَبَين الْمُضَاف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِن كَانَ مُضَافا إِلَى النَّفس كَانَ مكسورا وَإِن كَانَ مُضَافا إِلَى غَيرهَا كَانَ مَنْصُوبًا فَبنى على الضَّم لِئَلَّا يلتبس بالمضاف وَقُلْنَا إِنَّه مفعول لِأَنَّهُ فى مَوضِع نصب لِأَن تَقْدِير يَا زيد أَدْعُو زيدا وأنادى زيدا فَلَمَّا قَامَت يَا مقَام أدعوا عملت عمله فدلت على أَنَّهَا قَامَت مقَامه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنَّهَا تدْخلهَا الإمالة نَحْو يَا زيد والإمالة لَا تدخل الْحُرُوف وَإِنَّمَا تدخل الِاسْم وَالْفِعْل والثانى أَن لَام الْجَرّ تعلق بهَا نَحْو يَا لزيد وَيَا لعَمْرو فَإِن هَذِه اللَّام لَام الاستغاثة وهى حرف جر فَلَو لم تكن قد قَامَت مقَام الْفِعْل لما جَازَ أَن يتَعَلَّق بهَا حرف الْجَرّ لِأَن الْحَرْف لَا يتَعَلَّق بالحرف وَقَوله ﴿أرواحهن كلاب﴾ يُرِيد أَرْوَاح كلاب فَحذف الْمُضَاف الْغَرِيب الضيغم من أَسمَاء الْأسد وأصل الضيغم العض وضغمه عضه الْمَعْنى يَقُول أَنْت أَسد وهمتك همة الْأسود والأسد يُوصف بعلو الهمة لِأَنَّهُ لَا يَأْكُل إِلَّا من فريسته وَلَا يَأْكُل مِمَّا افترس غَيره وَقد قَالَ الشَّاعِر (وكانُوا كأنْفِ اللَّيْث لَا مَاشَمّ مرَعما ... وَلَا نَالَ قطُّ الصَّيدَ حَتَّى يُعفِّرا) يعْنى أَنه لَا يطعم إِلَّا مَا صَاده بِنَفسِهِ وَقَوله (وَكم أَسد أرواحهن ...) يُرِيد كم من أَسد خَبِيث دنئ النَّفس وَأَنت أَسد من كل الْوُجُوه لِأَنَّك رفيع الهمة طيب النَّفس شُجَاع وَهَذَا مثل ضربه لسَائِر الْمُلُوك وَأَنت أَعلَى الْمُلُوك همتك عالية كهمة الْأسود

1 / 196