Sharh Diwan Mutanabbi
شرح ديوان المتنبي
Investigator
مصطفى السقا/إبراهيم الأبياري/عبد الحفيظ شلبي
Publisher
دار المعرفة
Publisher Location
بيروت
- الْغَرِيب المدلهم الشَّديد الظلمَة والغياهب جمع غيهب وهى الظلمَة الشَّدِيدَة وَفرس أدهم غيهب إِذا اشْتَدَّ سوَاده والغهب بِالتَّحْرِيكِ الْغَفْلَة وَقد غهب بِالْكَسْرِ الْمَعْنى يُرِيد أَنه لَا يهتدى إِلَى شئ من مَصَالِحه فَلهَذَا جعل نَهَاره لَيْلًا وَقد عمى لحيرته وَقَالَ الواحدى يُرِيد أَن جفونه مختومة بعدهن لم تفتح وَإِذا انطبقت الجفون فالنهار ليل وَقَالَ الْخَطِيب هَذَا معنى الْبَيْت الأول أى غَابَ عَنى الكواعب فَغَاب صباحى بعدهن لِأَن الدُّنْيَا تظلم فى عين المحزون فَردُّوا رقادى فقد كنت أَرَاهُم فى نومى فقد فقدتهم مُنْذُ فقدت الرقاد وَالْعرب إِذا وصفت الْأَمر الشَّديد شبهت النَّهَار بِاللَّيْلِ لإظلام الْأَمر
٣ - الْإِعْرَاب من روى بعيدَة بِالرَّفْع فهى خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف أى هى بعيدَة وَمن روى بِالْجَرِّ فهى بدل من مقلة الْغَرِيب روى ابْن جنى هدب وَهُوَ الشّعْر الذى على حرف الْعين الْمَعْنى قَالَ الواحدى إِذا حمل قَوْله كل هدب على الْعُمُوم فالحاجب هَهُنَا بِمَعْنى الْمَانِع لأَنا إِذا حملنَا الْحَاجِب على الْمَعْهُود كَانَ مغمضا لِأَن هدب الجفن الْأَسْفَل إِذا عقد بالحاجب حصل التغميض وَإِذا جعلنَا الْحَاجِب بِمَعْنى الْمَانِع صَحَّ الْكَلَام وَإِن جعلنَا الْحَاجِب الْمَعْهُود حملنَا قَوْله كل هدب على التَّخْصِيص وَإِن كَانَ اللَّفْظ عَاما فَنَقُول أَرَادَ هدب الجفن الْأَعْلَى وَهَذَا مثل قَول الآخر
(ورأسِىَ مَرْفوعٌ إِلَى النَّجم كَأَنَّمَا ... قفاىَ إِلَى صُلْبى بخَيْطٍ مخيَّط ...)
وَمثل معنى الْبَيْت لبشار بن برد
(جَفَتْ عَيْنِى عَنِ التَّغْمِيضِ حَتَّى ... كأنَّ جُفُونَها عَنْها قِصَارُ ...)
٤ - الْمَعْنى يَقُول إِن الدَّهْر يخالفنى فى كل مَا أردْت حَتَّى أَحْبَبْت فراقكم لواصلتمونى وَكَانَ الْوَجْه أَن يَقُول لفارقتنى وَلكنه قلبه لِأَن من فارقك فقد فارقته وَهَذَا من بَاب الْقلب وَكَانَ حَقه أَن يَقُول أَخبث الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ أَرَادَ أَخبث من يصحب وَإِذا كَانَ اسْم الْفَاعِل فى مثل هَذَا يجوز فِيهِ الْإِفْرَاد وَالْجمع كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ﴾ أى أول من يكفر وَأنْشد الْفراء
(وَإِذا هُمُ طَعموا فأَلأَمُ طاعِمٍ ... وَإِذا هم جاعُوا فشَرُّ جِياعِ ...)
فَأتى بالأمرين جَمِيعًا والمتنبى أَشَارَ إِلَى أَن من أهواه ينأى عَنى وَمن أبغضه يقرب منى لصحبة الدَّهْر إياى وَهَذَا كَقَوْل لطف الله بن الْمعَافى
(أرَى مَا أشْتَهِيهِ يَفِرُّ مِنِّى ... وَما لَا أشْتَهِيهِ إلىَّ يَأْتِى ...)
(وَمَنْ أهْوَاهُ يُبْغِضُنِى عِنادًا ... وَمَنْ أشْناهُ شِصٌّ فِى لَهَاتِى ...)
(كأنَّ الدَّهْرَ يَطْلُبُنِى بثَأْرٍ ... فَلَيْسَ تَسُرُّهُ إلاَّ وَفاتِى ...)
1 / 148