ديوان ذي الرُّمة
غيلان بن عقبة العدوي المتوفي سنة ١١٧ هـ
شرح الإمام أبي نصر أحمد بن حاتم الباهلي صاحب الأصمعي
رواية الإمام أبي العباس ثعلب
حققه وقدم له وعلق عليه
الدكتور عبد القدوس أبو صالح
مؤسسة الإيمان
للتوزيع والنشر والطباعة
بيروت- ص. ب ٦٣٣٤/ ١١٣
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد، فالطف بعبدك يا كريم
قال الشيخ أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن خر زاد النجيرمي: قرأت شعر ذي الرمة على أبي الحسين علي بن أحمد بن محمد المهلبي.
1 / 3
قال: قرأت على أبي العباس أحمد بن محمد بن ولادٍ عن أبيه [عن] أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلبٍ. وذكر أن أبا نصرٍ
1 / 4
أحمد بن حاتمٍ صاحب الأصمعي أملاه عليهم. قال: وزادني أبو العباس فيه حروفًا قد أثبتها في موضعها من الكتاب.
قال الشيخ أبو يعقوب: وقرأتُ أيضًا شعر ذي الرمة على جعفر بن شاذان القمي عن أبي عمر محمدٍ بن عبد الواحد
1 / 5
الزاهد عن ثعلبٍ عن أبي نصر.
(١)
(البسيط)
1 / 6
قال ذو الرمة، واسمه غيلان بن عقبة بن بهيش بن مسعود
1 / 7
ابن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة ابن إلياس بن مضر بن أد بن معد بن عدنان. وكان ذو الرمة يكنى أبا الحارث.
قال الأصمعي: سمعت من يذكر عن ذي الرمة أنه لم يزل يزيد على كلمته التي على الباء حتى مات.
1 / 8
١ - ما بال عينك منها الماء ينسكب .. كأنه من كلى مفريةٍ سرب
٤ أ/ قال: قال "عمارة بن عقيل بن بلال بن جريرٍ: قال ذو الرمة: "إذا قلت: كأن، فلم أجد وأحسن فقطع الله لساني".
ويروى: "سربُ" رفعت "الماء" بما في "ينسكب"،
1 / 9
أراد: ما لعينك الماء ينسكب منها. و"منها" صلة "ينسكب". وأهل البصرة يخالفوننا، يقولون: رفعنا "الماء" بالابتداء، وخبره "ينسكب". "الكلى"، الواحدة كُلية: وهي رُقعة ترقع على أصل عروة المزادة. و"مفرية": مخروزة. يقال: "فريت المزادة فريًا" أي: خرزتها. و"سرب": أراد المصدر، وجعله اسمًا للماء الذي خرج من عيون الخرز، وذلك إذا كانت المزادة جديدًا. يقال: "سرِّب قربتك"، أي: اجعل فيها الماء لتنتفخ عيون الخرز وتبتل السيور. قال جرير:
1 / 10
* كما عينت بالسرب الطبابا*
قال أبو نصر: قال الأصمعي: "الفريُ: القطع، و"الفري": الخرز. و"فريته": أصلحتهُ، و"أفريته": أفسدته. وكل ما كان فريًا في شيءٍ قطع في فسادٍ فهو: "أفريتُ". و"السرب": الماء السائلُ. و"السرب": الماء بعينه.
٢ - وفراء غرفية أثأى خوارزها ... مشلشل ضيعته بينها الكتب
"وفراء": واسعةٌ. و"غرفيةٌ": دُبغت بـ"الغرف": وهو شجر. ويقال: هي التي تدبغ بغير القرظ، تُدبغ بالتمر
1 / 11
والأرطى والملح. قال الأصمعي: ما دُبغ بالبحرين فهو غرفي. وقوله: "أثأى خوارزها"، قال الأصمعي: "الثأي": أن تلتقي الخرزتان فتصيرا واحدة. ٤ ب/ وقال أعرابي من فصحاء الناس للفراء - وسأله ن هذا البيت - قال: "الثأي": أن تغلظ الإسفي، ويدق السير الذي يُخرز به، فهذا فساد. قيل له: "فما تسمى
1 / 12
الخرزتان إذا صارا واحدة" قال: "ذلك الأتم. ومن ذلك سميت المرأة: "أنومأ"، وذلك إذا أتاها الرجل فصير المسلكين واحدًا. ورد "مشلشلًا" على "سربٍ" فرفعه. ويروى: "مشلشلًا" بالنصب، يوقع عليه الفعل. و"المشلشل": الذي يكاد يتصل قطره. و"الكتب". الخرز، الواحدة كتبة. وكلما جمعت شيئًا إلى شيء فقد "كتبته". وسميت "الكتيبة": كتيبة لأنها تكتبت واجتمعت. ومنه: كتبت الكتاب، إذا جمعت حروفًا إلى حروف. وقوله: "ضيعته" يريد: الكتب، أي: الخرز ضيعت الماء فيما بينها، فهو يُشل.
٣ - أستحدث الركب من أشياعهم خبرًا ... أم راجع القلب من أطرابه طرب
1 / 13
استفهم فلذلك نصب ألف "أستحدث" وقطعها. يقول: أهذا الحزنُ من خبرٍ جاءكم أم هاجكم شوقٌ فحزنتم. و"الطرب": خفةٌ تأخذ الرجل من الحزن والفزع، كأنه مشدوهٌ، أي: ذاهب العقل. والطربُ في الفرح والحزن جميعًا. قال النابغةُ الجعدي:
وأراني طربًا في إثرهم ... طرب الواله أو كالمختبل
و"الركب": قوم ركوبٌ، وهم أصحابه الذين معه، واحدهم راكب، مثلُ: شاربٍ وشرْبٍ، وصاحبٍ وصحبٍ. و"الواله":
1 / 14
التي قد اشتد حزنها على ٥ أ/ ولدها. و"الأشياع": الأصحاب. قال [أبو] العباس: "لا يقال: ركبٌ إلا للجماعة على الإبل. ويروى: هل أحدث الركب".
٤ - أم دمنةٌ نسفت عنها الصبا سفعًا ... كما تنشر بعد الطية الكتب
ويروى: "من دمنةٍ"، وهو متعلق بقوله: "ما بال عينك منها الماء ينسكب" من أجل دمنة. [أراد: أستحدث الركبُ خبرًا أم دمنةٌ] هاجت حزنهم حين وقفوا عليها و"الدمنة" واحدة
1 / 15
الدمن: وهو ما سوّدوا بالرماد وغير ذلك. وقوله: "نسفت عنها الصبا سفعًا"، أراد: نسفت عن الدمنة الصبا سفعًا. وتلك "السفع": "سيلًا من الدعص". يريد: رملًا سال من الدعص فترجم بـ"سيلٍ" عن "السُّفَعِ". و"السُّفَعُ": طرائق سودٌ تضرب إلى الحمرة. فيقول: الصبا نسقت السُّفعَ فاستبانت الأرضُ كما تُنشر الكتب بعد أن كانت مطوية. يقال: "ما أحسن طيته وجلسته! " يريد: الحال التي يجلس عليها. وقال بعضهم: "نصب: سفعًا، على الحال، وأوقع فعل الصبا على السيل،
1 / 16
وأراد: أم دمنةٌ نسفت عنها الصبا سيلًا في حالِ سفعتها". قال أبو العباس: "السفعة: ما خالف لون الأرض، وهو يضرب إلى السواد". المهلبي: كما تقول: "غسلتُ عن ثوبه مدادًا نفطًا"، فقدم "السفع" ثم بين عن السفع فقال: "سيلًا ... ".
٥ - سيلًا من الدعص أغشته معارفها ... نكباء تسحب أعلاه فينسحب
٥ ب/ "سيلًا من الدعص"، يعني: الرمل. و"الدعص": الرملة
1 / 17
الصغيرة. يقول النكباء أغشت معارف الدمنة السيل من الدعص فجاءت الصبا، وهي التي تقابل الدبور فنسفته عنها. و"معارفها": ما عُرف منها. وتسحب أعلى هذا السيل من الدعص، أي: تجر فينجر. و"النكباء": ريح تجيء منحرفة بين ريحين. قال أبو العباس: قال ابن الأعرابي: "الإيرُ من ارياح: بين الصبا والشمال، وهي أخبث النكب. وقال: الريح النكباء تهلك المال
1 / 18
وتحسس القطر". والأصمعي يجعلها الرياح.
٦ - لا بل هو الشوق من دارٍ تخونها ... ضرب السحاب ومر بارح ترب
ويروى:
"ببرقة الثور من دارٍ تخونها ... مرأ سحاب ومرأ بارح ترب"
يقول: هذه الدمنة "ببرقة الثور": وهو موضع. وفي الرواية الأخرى. يقول: هذا الحزن ليس هو من خبر جاء، ولا من أثر الدار،
1 / 19
لا بل هو شوقٌ هيج حزنكم من دار "تخونها": تنقصها، ويقال: تعهدها. "ضربُ السحاب" وهو المطر الخفيف. و"البارح": الريح تهب في الصيف. "تربٌ": معها تراب، أي: هي بارحٌ تربٌ. ويقال: "البارح": الريح الشديدة الهبوب. ويقال: "البارح": الريح التي تأتي عن يسار القبلة. قال أبو عبيدة: "سأل يونس رؤبة
1 / 20
- وأنا شاهد- عن السانح والبارح. فقال: "السانح: ما ولاَّك ٦ أ/ ميامنه. والبارح: ما ولاَّك مياسرة". ومن روى: "مرأ سحاب ومرأ بارحٌ"، أراد: مرةً كذا ومرةً كذا".
٧ - يبدو لعينيك منها وهي مزمنةٌ ... نؤيٌ ومستوقدٌ بالٍ ومحتطب
"يبدو": يظهر لعينيك "نؤي": وهو الحاجز حول بيوت الأعراب من المطر، يحفر جدول فيصيرُ التراب حول الجدول لئلا يدخل الماء. و"مستوقد": موضع وقود. و"محتطب": موضع حطب. و"مزمنة": أتى عليها زمن. و"الوقود": الحطب. وقال الأصمعي: التراب نفسه: "نؤي". وقول النابعة يدل على أنه التراب، وهو: " .. فهو أثلم خاشع"، يعني: النؤي. والحفرة لا تكون خاشعة، وإنما التراب "خاشعٌ"، أي: استوى مع الأرض. ويروى: "مستوقد باقٍ ومحتطب" يقول: هو بالحجارة فليس يذهب.
1 / 21