96

Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya

شرح العقيدة الطحاوية

Editor

أحمد شاكر

Publisher

وزارة الشؤون الإسلامية

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٨ هـ

Publisher Location

والأوقاف والدعوة والإرشاد

وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ عَلَى عِلْمِهِ تَعَالَى: أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إِيجَادُهُ الْأَشْيَاءَ مَعَ الْجَهْلِ، وَلِأَنَّ إِيجَادَهُ الْأَشْيَاءَ بِإِرَادَتِهِ، وَالْإِرَادَةُ تَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَ الْمُرَادِ، وَتَصَوُّرُ الْمُرَادِ: هُوَ الْعِلْمُ بِالْمُرَادِ، فَكَانَ الْإِيجَادُ مُسْتَلْزِمًا لِلْإِرَادَةِ، وَالْإِرَادَةُ مُسْتَلْزِمَةً لِلْعِلْمِ، فَالْإِيجَادُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ. وَلِأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ مَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الْفَاعِلِ لَهَا، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُحْكَمَ الْمُتْقَنَ يَمْتَنِعُ صُدُورُهُ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَلِأَنَّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَا هُوَ عَالِمٌ، وَالْعِلْمُ صِفَةُ كَمَالٍ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ لَا يَكُونُ الْخَالِقُ عَالِمًا. وَهَذَا لَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: نَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْخَالِقَ أَكْمَلُ مِنَ الْمَخْلُوقِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ أَكْمَلُ مِنَ الْمُمْكِنِ، وَنَعْلَمُ ضَرُورَةً أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا شَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَالِمٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ
عَالِمٍ - كَانَ الْعَالِمُ أَكْمَلَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْخَالِقُ عَالِمًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُمْكِنُ أَكْمَلَ مِنْهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: كُلُّ عِلْمٍ فِي الْمُمْكِنَاتِ، الَّتِي هِيَ الْمَخْلُوقَاتُ - فَهُوَ مِنْهُ، وَمِنَ الْمُمْتَنَعِ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ الْكَمَالِ وَمُبْدِعُهُ عَارِيًا مِنْهُ بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَلَا يَسْتَوِي هُوَ وَالْمَخْلُوقَاتُ، لَا فِي قِيَاسٍ تَمْثِيلِيٍّ، وَلَا فِي قِيَاسٍ شُمُولِيٍّ، بَلْ كُلُّ مَا ثَبَتَ لِلْمَخْلُوقِ مِنْ كَمَالٍ فَالْخَالِقُ بِهِ أَحَقُّ، وَكُلُّ نَقْصٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ مَخْلُوقٌ مَا فَتَنْزِيهُ الْخَالِقِ عَنْهُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَقَدَّرَ لَهُمْ أَقْدَارًا)
ش: قَالَ تَعَالَى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ (١) وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ (٢). وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ (٣). وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ (٤). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

(١) سورة الْفُرْقَانِ آية ٢.
(٢) سورة الْقَمَرِ آية ٤٩.
(٣) سورة الْأَحْزَابِ آية ٣٨.
(٤) سورة الْأَعْلَى الآيتان ٢ - ٣.

1 / 99