Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya
شرح العقيدة الطحاوية
Editor
أحمد شاكر
Publisher
وزارة الشؤون الإسلامية
Edition
الأولى
Publication Year
١٤١٨ هـ
Publisher Location
والأوقاف والدعوة والإرشاد
Genres
Creeds and Sects
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ"، وَفِي بعض النسخ"محيط بكل شيء فوقه" [بحذف الواو] (١) مِنْ قَوْلِهِ"فَوْقَهُ"، وَالنُّسْخَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ. وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ. وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ فَوْقَ الْعَرْشِ. وَهَذِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَسْقَطَهَا بَعْضُ النُّسَّاخِ سَهْوًا، ثُمَّ اسْتَنْسَخَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ تِلْكَ النُّسْخَةِ، أَوْ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَرِّفِينَ الضَّالِّينَ أَسْقَطَهَا قَصْدًا لِلْفَسَادِ، وَإِنْكَارًا لِصِفَةِ الْفَوْقِيَّةِ! وَإِلَّا فَقَدَ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَلَا يَبْقَى لِقَوْلِهِ"مُحِيطٌ"- بمعنى: مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ فَوْقَ الْعَرْشِ (٢)، - وَالْحَالَةُ هَذِهِ -: مَعْنًى! إِذْ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَا يُحَاطُ بِهِ، فَتَعَيَّنَ ثُبُوتُ الْوَاوِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
أَمَّا كَوْنُهُ مُحِيطًا بِكُلِّ شَيْءٍ، فقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ (٣)، ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ (٤)، ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ (٥). وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إِحَاطَتِهِ بِخَلْقِهِ أَنَّهُ كَالْفَلَكِ، وَأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ دَاخِلُ ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ: إِحَاطَةُ عظمته، وسعة علمه وقدرته، وَأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَظَمَتِهِ كَالْخَرْدَلَةِ. كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ - إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ - وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى - أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا إِذَا كَانَ عنده خردلة، إن شاء قبضها وأحاط قَبْضَتُهُ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا تَحْتَهُ، وَهُوَ فِي الْحَالَيْنِ مُبَايِنٌ لَهَا، عَالٍ عَلَيْهَا فَوْقَهَا من
(١) زيادة ضرورية، لا يستقيم بدونها الكلام.
(٢) في المطبوعة: «فلا يبقى لقوله محيط - إلا أنه بكل شيء محيط - بكل شيء فوق العرش»!! وهو كلام مختلط، ليس وراءه شيء يفهم. فصححناه ما استطعنا.
(٣) سورة البروج آية ٢٠.
(٤) سورة فصلت آية ٥٤.
(٥) سورة النساء آية ١٢٦.
1 / 259