Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya
شرح العقيدة الطحاوية
Editor
أحمد شاكر
Publisher
وزارة الشؤون الإسلامية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٨ هـ
Publisher Location
والأوقاف والدعوة والإرشاد
Genres
Creeds and Sects
أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَهَلْ يَكُونُ مُحِبًّا لَهَا مِنْ جِهَةِ إِفْضَائِهَا إِلَى مَحْبُوبِهِ، وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُهَا لِذَاتِهَا؟.
وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَسُوغُ لَهُ الرِّضَا بِهَا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ أَيْضًا؟ فَهَذَا سُؤَالٌ لَهُ شَأْنٌ.
فَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْعَدَمِ، أَعْنِي عَدَمَ الْخَيْرِ وَأَسْبَابِهِ الْمُفْضِيَةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ شَرٌّ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ وُجُودِهِ الْمَحْضِ فَلَا شَرَّ فِيهِ. مِثَالُهُ: أَنَّ النُّفُوسَ الشِّرِّيرَةَ وَجُودَهَا خَيْرٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَوْجُودَةٌ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهَا الشَّرُّ بِقَطْعِ مَادَّةِ الْخَيْرِ عَنْهَا، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ فِي الْأَصْلِ مُتَحَرِّكَةً، فَإِنْ أُعِينَتْ بِالْعِلْمِ وَإِلْهَامِ الْخَيْرِ تَحَرَّكَتْ بِهِ، وَإِنْ تُرِكَتْ تَحَرَّكَتْ بِطَبْعِهَا إِلَى خِلَافِهِ. وَحَرَكَتُهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ حَرَكَةٌ - خَيْرٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ شَرًّا بِالْإِضَافَةِ، لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ حَرَكَةٌ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ ظُلْمٌ، وَهُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ، فَلَوْ وُضِعَ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ يَكُنْ شَرًّا، فَعُلِمَ أَنَّ جِهَةَ الشَّرِّ فِيهِ نِسْبِيَّةٌ إِضَافِيَّةٌ. وَلِهَذَا كَانَتِ الْعُقُوبَاتُ الموضوعة في محلها خَيْرًا فِي نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَحِلِّ الَّذِي حَلَّتْ بِهِ، لَمَا أَحْدَثَتْ فِيهِ مِنَ الْأَلَمِ الَّذِي كَانَتِ الطَّبِيعَةُ قَابِلَةً لِضِدِّهِ مِنَ اللَّذَّةِ مُسْتَعِدَّةً لَهُ، فَصَارَ ذَلِكَ الْأَلَمُ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، وَهُوَ خَيْرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَاعِلِ، حَيْثُ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْ شَرًّا مَحْضًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَالِاعْتِبَارَاتِ، فَإِنَّ حِكْمَتَهُ تَأْبَى ذَلِكَ. فَلَا يُمْكِنُ فِي جَنَابِ الْحَقِّ تَعَالَى أَنْ يُرِيدَ شَيْئًا يَكُونُ فَسَادًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَا مَصْلَحَةَ فِي خَلْقِهِ بِوَجْهٍ مَا، هَذَا مِنْ أبين المحال، فإنه سبحانه بيده الخير كله، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ، بَلْ كُلُّ مَا إِلَيْهِ فَخَيْرٌ، وَالشَّرُّ إِنَّمَا حَصَلَ لِعَدَمِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وَالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ شَرًّا، فَتَأَمَّلْهُ. فَانْقِطَاعُ نِسَبْتِهِ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي صَيَّرَهُ شَرًّا.
فَإِنْ قِيلَ: لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ خَلْقًا وَمَشِيئَةً؟ قِيلَ: هُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَيْسَ بِشَرٍّ، فَإِنَّ وُجُودَهُ هُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَيْسَ بِشَرٍّ، والشر الذي
1 / 232