Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya
شرح العقيدة الطحاوية
Editor
أحمد شاكر
Publisher
وزارة الشؤون الإسلامية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٨ هـ
Publisher Location
والأوقاف والدعوة والإرشاد
Genres
Creeds and Sects
الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ثُمَّ أَعَادَهُمْ. وَكَذَلِكَ حَكَى الْقَوْلَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ وَرَجَّحَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَمَالَ إِلَيْهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالرُّبُوبِيَّةِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ، وَالشِّرْكَ حَادِثٌ طَارِئٌ، وَالْأَبْنَاءُ تَقَلَّدُوهُ عَنِ الْآبَاءِ، فَإِذَا احْتَجُّوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّ الْآبَاءَ أَشْرَكُوا وَنَحْنُ جَرَيْنَا عَلَى عَادَتِهِمْ كَمَا يَجْرِي النَّاسُ عَلَى عَادَةِ آبَائِهِمْ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَنْتُمْ كُنْتُمْ مُعْتَرِفِينَ بِالصَّانِعِ، مُقِرِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَقَدْ شَهِدْتُمْ بِذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّ شَهَادَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ هِيَ إِقْرَارُهُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ إِلَّا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِكَذَا، بَلْ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَقَدْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ، فَلِمَ عَدَلْتُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ الَّذِي شَهِدْتُمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَى الشِّرْكِ؟ بَلْ عَدَلْتُمْ عَنِ الْمَعْلُومِ الْمُتَيَقَّنِ إِلَى مَا لَا يُعْلَمُ لَهُ حَقِيقَةٌ، تَقْلِيدًا لِمَنْ لَا حُجَّةَ مَعَهُ، بِخِلَافِ اتِّبَاعِهِمْ فِي الْعَادَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّ تِلْكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكُمْ مَا يُعْلَمُ بِهِ فَسَادُهَا، وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لَكُمْ، بِخِلَافِ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَكُمْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَهُ وَعُدُولَكُمْ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ.
فَإِنَّ الدِّينَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الصَّبِيُّ عَنْ أَبَوَيْهِ هُوَ: دِينُ التَّرْبِيَةِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الطِّفْلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ كَافِلٍ، وَأَحَقُّ النَّاسِ بِهِ أَبَوَاهُ، وَلِهَذَا جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِأَنَّ الطِّفْلَ مَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى دِينِهِمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا الظَّاهِرَةِ، وَهَذَا الدِّينُ لَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ - عَلَى الصَّحِيحِ -حَتَّى يَبْلُغَ وَيَعْقِلَ وَتَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَحِينَئِذٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ دِينَ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ بِعَقْلِهِ هُوَ أَنَّهُ دِينٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ كَانَ آبَاؤُهُ مُهْتَدِينَ، كَيُوسُفَ الصِّدِّيقِ مَعَ آبَائِهِ، قَالَ:
1 / 221