213

Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya

شرح العقيدة الطحاوية

Editor

أحمد شاكر

Publisher

وزارة الشؤون الإسلامية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٨ هـ

Publisher Location

والأوقاف والدعوة والإرشاد

التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ، قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ، قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ فِي ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي شَيْئًا». وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا.
وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ أُخَرُ أَيْضًا كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ صُلْبِهُ، وَمَيَّزَ بَيْنَ أَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَرْوَاحَ مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ الْأَجْسَادِ. وَهَذِهِ الْآثَارُ لَا تَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْأَرْوَاحِ الْأَجْسَادَ سَبْقًا مُسْتَقِرًّا ثَابِتًا، وَغَايَتُهَا أَنْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّ بَارِئَهَا وَفَاطِرَهَا سُبْحَانَهُ صَوَّرَ النَّسَمَةَ وَقَدَّرَ خَلْقَهَا وَأَجَلَهَا وَعَمَلَهَا، وَاسْتَخْرَجَ تِلْكَ الصُّوَرَ مِنْ مَادَّتِهَا، ثُمَّ أَعَادَهَا إِلَيْهَا، وَقَدَّرَ خُرُوجَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا خُلِقَتْ خَلْقًا مُسْتَقِرًّا وَاسْتَمَرَّتْ مَوْجُودَةً نَاطِقَةً كُلُّهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يُرْسِلُ مِنْهَا إِلَى الْأَبْدَانِ جُمْلَةً بَعْدَ جُمْلَةٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ. فَهَذَا لَا تَدُلُّ الْآثَارُ عَلَيْهِ، نَعَمِ، الرَّبُّ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ مِنْهَا جُمْلَةً بَعْدَ جُمْلَةٍ، كَمَا قَالَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ بِهِ التَّقْدِيرُ أَوَّلًا، فَيَجِيءُ الْخَلْقُ الْخَارِجِيُّ مُطَابِقًا لِلتَّقْدِيرِ السَّابِقِ، كَشَأْنِهِ سُبْحَانَهُ فِي جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ، فَإِنَّهُ قَدَّرَ لَهَا أَقْدَارًا وَآجَالًا، وَصِفَاتٍ وَهَيْئَاتٍ، ثُمَّ أَبْرَزَهَا إِلَى الْوُجُودِ مُطَابِقَةً لِذَلِكَ التَّقْدِيرِ السَّابِقِ.
فَالْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْقَدَرِ السَّابِقِ، وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتَخْرَجَ أَمْثَالَهُمْ وَصُوَرَهُمْ وَمَيَّزَ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ.
وَأَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَيْهِمْ هُنَاكَ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثَيْنِ مَوْقُوفَيْنِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ

1 / 216