Sharh Caqida Tahawiyya
شرح العقيدة الطحاوية
Investigator
أحمد شاكر
Publisher
وزارة الشؤون الإسلامية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٨ هـ
Publisher Location
والأوقاف والدعوة والإرشاد
Genres
Creeds and Sects
يَرِدْ نَفْيُهَا وَلَا إِثْبَاتُهَا فَلَا تُطْلَقُ حَتَّى يُنْظَرَ فِي مَقْصُودِ قَائِلِهَا: فَإِنْ كَانَ مَعْنًى صَحِيحًا قُبِلَ، لَكِنْ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِأَلْفَاظِ النُّصُوصِ، دُونَ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ، إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ، مَعَ قَرَائِنَ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَالْحَاجَةَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَ مَنْ لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ مَعَهُ إِنْ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَالشَّيْخُ ﵀ أَرَادَ الرَّدَّ بِهَذَا الْكَلَامِ عَلَى الْمُشَبِّهَةِ، كَدَاوُدَ الْجَوَارِبِيِّ وَأَمْثَالِهِ الْقَائِلِينَ: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، وَإِنَّهُ جُثَّةٌ وَأَعْضَاءٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ الشَّيْخُ ﵀ مِنَ النَّفْيِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا حَقٌّ، لَكِنْ حَدَثَ بَعْدَهُ مَنْ أَدْخَلَ فِي عُمُومِ نَفْيِهِ حَقًّا وَبَاطِلًا، فَيَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِ ذَلِكَ. وَهُوَ: أَنَّ السَّلَفَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْبَشَرَ لَا يَعْلَمُونَ لِلَّهِ حَدًّا، وَأَنَّهُمْ لَا يَحُدُّونَ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: كَانَ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَشَرِيكٌ وَأَبُو عَوَانَةَ - لَا يَحُدُّونَ وَلَا يُشَبِّهُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ، يَرْوُونَ الْحَدِيثَ وَلَا يَقُولُونَ: كَيْفَ؟ وَإِذَا سُئِلُوا قَالُوا بِالْأَثَرِ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ: وَقَدْ أَعْجَزَ خَلْقَهُ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِهِ. فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ اللَّهَ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُحِيطَ أَحَدٌ بِحَدِّهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُتَمَيِّزٌ عَنْ خَلْقِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُمْ مُبَايِنٌ لَهُمْ. سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: بِمَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: بِأَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، قِيلَ: بِحَدٍّ؟ قَالَ: بِحَدٍّ، انْتَهَى.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَدَّ يُقَالُ عَلَى مَا يَنْفَصِلُ بِهِ الشَّيْءُ وَيَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى غَيْرُ حَالٍّ فِي خَلْقِهِ، وَلَا قَائِمٍ بِهِمْ، بَلْ هُوَ الْقَيُّومُ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ، الْمُقِيمُ لِمَا سِوَاهُ. فَالْحَدُّ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُنَازَعَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ نَفْيِهِ إِلَّا نَفْيُ وُجُودِ الرَّبِّ وَنَفْيُ حَقِيقَتِهِ. وَأَمَّا الْحَدُّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَالْقَوْلِ، وَهُوَ أَنْ يَحُدَّهُ الْعِبَادُ، فَهَذَا مُنْتَفٍ بِلَا مُنَازَعَةٍ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيَّ، سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
1 / 190