Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya
شرح العقيدة الطحاوية
Investigator
أحمد شاكر
Publisher
وزارة الشؤون الإسلامية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٨ هـ
Publisher Location
والأوقاف والدعوة والإرشاد
Genres
العقائد والملل
عَلَى مِثْلِ هَذَا النَّصِّ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِنَصٍّ مِنَ النُّصُوصِ؟! وَهَلْ يَحْتَمِلُ هَذَا النَّصُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ رَبَّكُمْ كَمَا تَعْلَمُونَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟! وَيَسْتَشْهِدُ لِهَذَا التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ (١) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا اسْتُعْمِلَ فِيهِ «رَأَى» الَّتِي مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ!! وَلَا شَكَّ أَنَّ رَأَى تَارَةً تَكُونُ بَصَرِيَّةً، وَتَارَةً تَكُونُ قَلْبِيَّةً، وَتَارَةً تَكُونُ مِنْ رُؤْيَا الْحُلْمِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَا يَخْلُو الْكَلَامُ مِنْ قَرِينَةٍ تُخَلِّصُ أَحَدَ مَعَانِيهِ مِنَ الْبَاقِي. وَإِلَّا لَوْ أَخْلَى الْمُتَكَلِّمُ كَلَامَهُ مِنَ الْقَرِينَةِ الْمُخَلِّصَةِ لِأَحَدِ الْمَعَانِي لَكَانَ مُجْمَلًا مُلْغِزًا، لَا مُبَيِّنًا مُوَضِّحًا. وَأَيُّ بَيَانٍ وَقَرِينَةٍ فَوْقَ قَوْلِهِ: «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ»؟ فَهَلْ مِثْلُ هَذَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِرُؤْيَةِ الْبَصَرِ، أَوْ بِرُؤْيَةِ الْقَلْبِ؟ وَهَلْ يَخْفَى مِثْلُ هَذَا إِلَّا عَلَى مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: أَلْجَأَنَا إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، حُكْمُ الْعَقْلِ بِأَنَّ رُؤْيَتَهُ تَعَالَى مُحَالٌ لَا يُتَصَوَّرُ إِمْكَانُهَا! فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى مِنْكُمْ، خَالَفَكُمْ فِيهَا أَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يُحِيلُهَا، بَلْ لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعَقْلِ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ لَحُكِمَ بِأَنَّ هَذَا مُحَالٌ.
وَقَوْلُهُ: "لِمَنِ اعْتَبَرَهَا مِنْهُمْ بِوَهْمٍ"، أَيْ تَوَهَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرَى عَلَى صِفَةِ كَذَا، فَيَتَوَهَّمُ تَشْبِيهًا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا التَّوَهُّمِ - إِنْ أَثْبَتَ مَا تَوَهَّمَهُ مِنَ الْوَصْفِ - فَهُوَ مُشَبِّهٌ، وَإِنْ نَفَى الرُّؤْيَةَ مِنْ أَصْلِهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ - فَهُوَ جَاحِدٌ مُعَطِّلٌ. بَلِ الْوَاجِبُ دَفْعُ ذَلِكَ الْوَهْمِ وَحْدَهُ، وَلَا يَعُمُّ بِنَفْيِهِ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ، فَيَنْفِيَهُمَا رَدًّا عَلَى مَنْ أَثْبَتَ الْبَاطِلَ، بَلِ الْوَاجِبُ رَدُّ الْبَاطِلِ وَإِثْبَاتُ الْحَقِّ.
(١) سورة الْفِيلِ آية ١.
1 / 181