Sharḥ al-Zurqānī ʿalā Muwaṭṭaʾ al-Imām Mālik
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك
Editor
طه عبد الرءوف سعد
Publisher
مكتبة الثقافة الدينية
Edition
الأولى
Publication Year
1424 AH
Publisher Location
القاهرة
Genres
Ḥadīth Studies
أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْآيَةَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي كَوْنِهَا عَلَى عُمُومِهَا وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي تَسْبِيحِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ هَلْ هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوِ الْمَجَازِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ (إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ السَّرَفِيُّ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ مَعَ أَنَّهَا تَقَعُ عِنْدَ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَالشَّهَادَةِ أَنَّ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ جَرَتْ عَلَى أَحْكَامِ نَعْتِ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَوْجِيهِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَالشَّهَادَةِ.
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ إِشْهَارُ الْمَشْهُودِ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْفَضْلِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ، وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ يَفْضَحُ بِالشَّهَادَةِ قَوْمًا فَكَذَلِكَ يُكْرِمُ بِالشَّهَادَةِ آخَرِينَ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: فَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ يُشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا فِي الْآخِرَةِ مِمَّنْ أَذَّنَ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ.
(قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ) أَيْ هَذَا الْكَلَامَ الْأَخِيرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ. . . إِلَخْ.
فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «إِذَا كُنْتَ فِي الْبَوَادِي فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: " لَا يَسْمَعُ» " فَذَكَرَهُ.
وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: " «إِذَا أَذَّنْتَ فَارْفَعْ صَوْتَكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ» فَذَكَرَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الْغَنَمِ وَالْبَادِيَةِ مَوْقُوفٌ خِلَافًا لِإِيرَادِ الرَّافِعِيِّ الْحَدِيثَ فِي الشَّرْحِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ: " إِنَّكَ رَجُلٌ تُحِبُّ الْغَنَمَ. . . "، وَسَاقَهُ إِلَى آخِرِهِ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمْ وَتَعَقَّبَهُمُ النَّوَوِيُّ، وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ قَوْلَهُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَائِدٌ إِلَى كُلِّ مَا ذَكَرَ وَلَا يَخْفَى بُعْدَهُ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ بَلْ تَمْنَعُهُ رِوَايَتَا ابْنِ عُيَيْنَةَ وَالْقِطَّانِ، وَقَدْ خَالَفَ الرَّافِعِيُّ نَفْسَهُ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ: قَوْلُهُ سَمِعْتُهُ يَعْنِي قَوْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ إِلَخْ. انْتَهَى وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ لِيَكْثُرَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَا لَمْ يُجْهِدْهُ أَوْ يَتَأَذَّى بِهِ، وَفِيهِ أَنَّ حُبَّ الْغَنَمِ وَالْبَادِيَةِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ نُزُولِ الْفِتْنَةِ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَفِيهِ جَوَازُ التَّبَدِّي وَمُسَاكَنَةِ الْأَعْرَابِ وَمُشَارَكَتِهِمْ فِي الْأَسْبَابِ بِشَرْطِ حَظٍّ مِنَ الْعِلْمِ وَأَمْنِ غَلَبَةِ الْجَفَا.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ إِبَاحَةُ لُزُومِ الْبَادِيَةِ، وَلَكِنْ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْبُعْدِ عَنِ الْفَضَائِلِ، إِلَّا أَنَّ الزَّمَانَ إِذَا كَثُرَ فِيهِ الشَّرُّ وَتَعَذَّرَتْ فِيهِ السَّلَامَةُ طَابَتِ الْعُزْلَةُ وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ خَلِيطِ السُّوءِ، وَالْجَلِيسُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ.
وَقَالَ ﷺ: " «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاضِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ» " وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ مُسْلِمٌ.
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ النِّدَاءَ فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»
ــ
١٥٤ - ١٥١ - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
1 / 272