المجلد الأول
القسم الأول: ترجمة ابن مالك وترجمة الأشموني
...
القسم الأول: ترجمة ابن مالك وترجمة الأشموني
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ترجمة ابن مالك:
هو جمال الدين، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، الطائي نسبا، الشافعي مذهبا، الجياني منشأ.
ولد في جيان في الأندلس في سنة ٦٠٠هـ، وقيل: سنة٦٠١هـ، وقيل: سنة ٥٩٧هـ، وقيل: سنة ٥٩٨هـ. تلقى علومه الأولى في بلدته، ثم انتقل، وهو شاب، إلى دمشق، ثم ما لبث أن ترك المذهب المالكي الذي كان غالبا على الأندلسيين ليدخل المذهب الشافعي.
أخذ ابن مالك القراءات والنحو عن أبي رزين بن ثابت بن محمد بن يوسف الكلاعي، من أهل لبلة بالأندلس، وسمع من السخاوي، علي بن محمد النحوي المقرئ، وقرأ على أبي الفضل مكرم بن محمد بن أبي الصقر، ولازم في حلب حلقة ابن يعيش النحوي، كما جالس تلميذه ابن عمرون.
"وكان إماما في القراءات وعللها، وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها، والاطلاع على وحشيها. وأما النحو والتصريف فكان فيهما بحرا لا يجارى، وحبرا لا يبارى. وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو، فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون فيه، ويتعجبون من أين يأتي بها. وكان نظم الشعر سهلا عليه: رجزه وطويله وبسيطه وغير ذلك، هذا مع ما هو عليه من الدين المتين، وصدق اللهجة، وكثرة النوافل، وحسن السمت، ورقة القلب، وكمال العقل، والوقار والتؤدة"١.
_________
١ بغية الوعاة ١/ ١٣٠.
1 / 5
وقد أخذ عنه علماء كثيرون، منهم ابنه بدر الدين محمد شارح ألفيته، والإمام النووي، وشمس الدين بن جعوان، والعلاء بن العطار، والشيخ أبو الحسين اليونيني، وبها الدين بن النحاس شيخ الديار المصرية في علم اللسان، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وابن خلكان، وشهاب الدين بن نافع، وغيرهم.
أما مؤلفاته فقد قاربت الخمسين.
وقد أحصاها الدكتور رمزي بعلبكي مشيرا إلى المطبوع منها بالحرف "ط"، وإلى المخطوط بالحرف "خ"، مغفلا الإشارة إلى العناوين التي ذكرتها المصادر ولم تطبع أو يعثر لها على مخطوط، فجاءت على النحو التالي مرتبة ترتيبا ألفبائيا١:
١- الاعتداد في الفرق بين الزاي والضاد.
٢- أجوبة على أسئلة جمال الدين اليمني في النحو "خ".
٣- أرجوزة في الخط "خ".
٤- أرجوزة في المثلثات، طبعت ضمن كتابه "تحفة المودود".
٥- الاعتضاد في الفرق بين الظاء والضاد.
٦- الاعتماد في نظائر الظاء والضاد، ولعله المؤلف السابق نفسه.
٧- إعراب مشكل القرآن.
٨- الإعلام بمثلث الكلام "ط".
٩- أفعال الأمر التي تبقى على حرف واحد "خ".
١٠- إكمال الإعلام في تثليث الكلام "خ".
١١- إكمال العمدة وشرحه.
١٢- الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة "خ".
١٣- الألفية أو الخلاصة.
١٤- إيجاز التعريف في علم التصريف "أو: بضروري التصريف"، وقد يسمى "تصريف ابن مالك" "خ".
١٥- بيان ما فيه لغات ثلاث أو أكثر "خ".
١٦- تحفة الإحظا في الفرق بين الضاد والظا "خ"، ولعله كتاب الاعتضاد السابق نفسه.
١٧- تحفة المودود في المقصور والممدود "ط".
١٨- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد "ط".
١٩- تنبيهات ابن مالك "خ".
٢٠- ثلاثيات الأفعال "خ".
_________
١ عن مقدمة تحقيقه لكتاب "شرح ابن عقيل" ص٨-١٠.
1 / 6
٢١- حوز المعاني في اختصار حرز الأماني.
٢٢- ذكر معاني أبنية الأسماء الموجودة في المفصل للزمخشري "خ".
٢٣- سبك المنظوم وفك المختوم "خ".
٢٤- شرح ابن مالك على تصريفه المأخوذ من كافيته "خ".
٢٥- شرح الاعتضاد في الفرق بين الظاء والضاد "خ".
٢٦- شرح إيجاز التعريف.
٢٧- شرح تحفة المودود في المقصور والممدود "ط".
٢٨- شرح التسهيل "خ".
٢٩- شرح الجزولية.
٣٠- شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ "ط".
٣١- شرح الكافية الشافية "ط".
٣٢- شرح لامية الأفعال "ط".
٣٣- شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح "ط".
٣٤- الضرب في معرفة لسان العرب.
٣٥- العروض "خ".
٣٦- عمدة الحافظ وعدة اللافظ "ط".
٣٧- فتاوى ابن مالك "جمعها بعض طلبته".
٣٨- الفوائد النحوية والمقاصد المحوية.
٣٩- القصيدة الدالية المالكية في القراءات السبع "خ".
٤٠- قصيدة في الأسماء المؤنثة "خ".
٤١- الكافية الشافية "ط".
٤٢- لامية الأفعال "ط".
٤٣- المقدمة الأسدية، وضعها باسم ابنه الثاني محمد المعروف بالأسد.
٤٤- منظومة فيما ورد من الأفعال بالواو والياء "خ".
٤٥- المؤصل في نظم المفصل.
٤٦- النظم الأوجز فيما يهمز.
٤٧- نظم الفوائد.
٤٨- نظم الكافية في اللغة "خ".
٤٩- وفاق الاستعمال في الإعجام والإهمال "خ".
1 / 7
توفي ابن مالك في ١٢ شعبان سنة ٦٧٢هـ، وصلي عليه بالجامع الأموي بدمشق، ودفن بسفح جبل قاسيون.
٢- مصادر ترجمة ابن مالك ومراجعها:
كثيرة هي المصادر والمراجع التي ترجمت لابن مالك، ومنها١:
- الأعلام لخير الدين الزركلي ٦/ ٢٣٣.
- البداية والنهاية لابن كثير ١٣/ ٢٦٧.
- بغية الوعاة للسيوطي ١/ ١٣٠-١٣٧.
- البلغة في تاريخ أئمة اللغة للفيروزابادي ٢/ ١٨٠.
- تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان ٥/ ٢٧٥-٢٩٦.
- حاشية الخضري على ابن عقيل ١/ ٧.
- دائرة المعارف ٤/ ١٦-١٨.
- دائرة المعارف الإسلامية ١/ ٢٧٢-٢٧٤.
- روضات الجنات للخوانساري ٨/ ٧٦.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ٥/ ٣٣٩.
- طبقات الشافعية للإسنوي ٢/ ٤٥٤.
- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٥/ ٢٨.
- طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة ص١٣٣.
- العبر في خبر من غبر للذهبي ٥/ ٣٠٠.
- غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري ٢/ ١٨٠.
- فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي ٣/ ٤٠٧.
- المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء ٤/ ٨.
- مرآة الجنان لليافعي ٤/ ١٧٢.
- معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ١٠/ ٢٣٤.
- معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف اليان سركيس، العمود ٢٣٢: العمود ٢٣٤.
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي ٧/ ٢٤٣.
- الوافي بالوفيات للصفدي ٣/ ٣٥٩-٣٦٤.
٣- ترجمة الأشموني:
هو علي بن محمد بن عيسى، أبو الحسن نور الدين الأشموني "٨٣٨هـ/ ١٤٣٥م-
_________
١ رتبناها بحسب الترتيب الألفبائي.
1 / 8
نحو ٩٠٠هـ/ نحو ١٤٩٥م". نحوي، فقيه، متكلم، ناظم. أصله من أشمون بمصر. ولد في القاهرة، وولي القضاء في دمياط. كان شيخا بارعا مفننا أخذ من أجل مشايخ عصره.
من مؤلفاته:
- حاشية على "الأنوار لعمل الأبرار" للشيخ الإمام جمال الدين يوسف بن إبراهيم الشافعي "٧٩٩هـ"، وهو في فقه الشافعية.
- منهج المسالك إلى ألفيه ابن مالك، وهو المعروف باسم "شرح الأشموني".
- نظم "إيساغوجي" في المنطق.
- نظم "جمع الجوامع" في النحو لجلال الدين عبد الرحمن أبي بكر السيوطي "٩١١هـ".
- نظم "منهاج الدين" للشيخ الإمام أبي عبد الله حسين بن الحسن الحليمي الجرجاني الشافعي "٤٠٣هـ" في شعب الإيمان.
- الينبوع في شرح المجموع، وهو شرح لكتاب "المجموع في فروع الشافعية" لأبي علي حسين بن شعيب المعروف بابن السنجي "٤٣٠هـ".
٤- مصادر ترجمة الأشموني ومراجعها١:
- الأعلام ٥/ ١٠.
- خطط مبارك ٨/ ٧٤.
- الضوء اللامع ٦/ ٥.
- كشف الظنون ١/ ١٥٣.
- معجم المؤلفين ٧/ ١٨٤.
- معجم المطبوعات العربية والمعربة ص٤٥١.
- المعجم المفصل في اللغويين العرب ١/ ٤٨٨.
- هدية العارفين ١/ ٧٣٩.
٥- ألفية ابن مالك:
وضع ابن مالك أرجوزة طويلة تقارب أبياتها الثلاثة آلاف بيت من مزدوج الرجز، تضم النحو والصرف معا، ثم شرحها نثرا بكتاب سماه "الوفية"، ثم لخصها بكتاب سماه "الخلاصة"، الذي عرف بـ"الألفية" نسبة إلى عدد أبياته التي بلغت الألف بيت. وقد نهج ابن مالك فيها نهج نحوي قبله كان له فضل السبق في هذا المضمار هو ابن معط "توفي سنة
_________
١ رتبناها ترتيبا ألفبائيا.
1 / 9
٥٦٤"، وقد اعترف ابن مالك بهذا السبق ذاهبا إلى أن ألفيته أحسن من ألفية ابن معط، فقال:
وتقتضي رضا بغير سخط ... فائقة ألفية ابن معط
وهو بسبق حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا
والله يقضي بهبات وافره ... لي وله في درجات الآخره
ونشير هنا إلى أن السيوطي بعده وضع ألفية وقال في أولها: "فائقة ألفية ابن مالك"، كذلك جاء بعد السيوطي الأجهوري المالكي فوضع ألفية أخرى زاد فيها على السيوطي، وقال في مقدمتها: "فائقة ألفية السيوطي".
وأبيات الألفية كلها من كامل الرجز، وتمتاز عباراتها بالرقة والدقة والإيجاز في صياغة الأحكام، ولذلك يسهل حفظها. ويظهر أن ابن مالك قد حرص على هذا الأمر لأن غايته من ألفيته غاية تعليمية، وقد جعل أبواب النحو في القسم الأول منها، وأبواب الصرف في قسمها الأخير.
وقد نالت ألفية ابن مالك من الشهرة ما لم تنله أي ألفية أخرى، أو أي كتاب نحوي آخر، فقد بلغت شروحها وشروح شروحها والذيول والحواشي عليها العشرات، كما ترجمت إلى الفرنسية والإيطالية وطبعت طبعات يصعب إحصاؤها.
٦- منهج المسالك إلى ألفية ابن مالك:
هذا الكتاب واحد من الكتب الكثيرة التي وضعت شرحا لألفية ابن مالك، وهو، كما يقول مؤلفه في مقدمته "شرح لطيف بديع على ألفية ابن مالك، مهذب المقاصد واضح المسالك يمتزج بها امتزاج الروح بالجسد، ويحل منها محل الشجاعة من الأسد، تجد نشر التحقيق من أدراج عباراته يعبق، وبدر التدقيق من أبراج إشاراته يشرق، خلا من الإفراط الممل، وعلا عن التفريط المخل، وكان بين ذلك قواما، وقد لقبته بـ "منهج المسالك إلى ألفية ابن مالك" ولم آل جهدا في تنقيحه وتهذيبه، وتوضيحه وتقريبه".
وقد تلقى العلماء هذا الكتاب بكثير من العناية، فوضعوا الحواشي عليه، ومن هؤلاء أبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد التونسي المتوفى سنة ١١٩٩هـ، وقد سمى حاشيته "زهر الكواكب لبواهر المواكب"، وأبو العرفان الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي الحنفي "توفي سنة ١٢٠٦هـ"، وقد عرفت حاشيته باسم "حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك".
٧- طبعات الكتاب:
طبع كتاب الأشموني لأول مرة في بولاق سنة ١٢٨٠هـ مع حاشية الصبان عليه، ثم
1 / 10
طبع سنة ١٢٩٣هـ وسنة ١٢٩٨ في تونس مع حاشية ابن سعيد التونسي عليه التي سماها "زهر الكواكب لبواهر المواكب" كما سبق القول. وفي السنة ١٢٠٥هـ أعيد طبعه مع حاشية الصبان عليه في المطبعة الأزهرية بمصر وفي المطبعة الخيرية فيها أيضا.
وأول طبعة للكتاب دون الحواشي عليه هي طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد في مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٧٥هـ/ ١٩٥٥م، وقد جاءت هذه الطبعة خالية من أي حاشية أو استدراك، إذ اكتفى المحقق بتحقيق المتن، لكنه عاد فأصدر أربعة أجزاء منه مثقلة بالحواشي والتعليقات والاستدراكات على عادته في تحقيق الكتب النحوية، ووصل في نهاية الجزء الرابع إلى نهاية باب العطف.
ولندرة الكتاب في سوق الكتب، بل لفقدانه، ولأن عمل السيد محمد محيي الدين عبد الحميد، على جودته، لم يكتمل جئت بعملي هذا علني أسد ثغرة في سلسلة تحقيقاتنا للكتب النحوية.
وقد حرصت في هذه الطبعة على:
- تخريج الآيات القرآنية، والشواهد الشعرية، والأمثال العربية مع اعتناء خاص بالشواهد الشعرية من حيث تعيين بحورها، وشعرائها، ومصادرها، ومعانيها، وإعراباتها، ومواطن الاستشهاد فيها.
- إثبات بعض التعليقات مع الحرص على عدم إثقال المتن بالحواشي.
- وضع الفهارس المختلفة في نهاية الكتاب.
وفي الختام، لا بد أن أشكر الدكتور إميل بديع يعقوب على إشرافه على هذا العمل، إذ سدد خطاي، وأعانني كثيرا كي أتمه وفق المنهج الذي ارتضاه في السلسلة النحوية الصادرة عن دار الكتب العلمية في بيروت، والتي صدر منها حتى الآن الكتب التالية.
- شرح شذور الذهب.
- شرح قطر الندى وبل الصدى.
- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك.
- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك.
- الإنصاف في مسائل الخلاف.
وبعد، آمل أن أكون قد وفقت في عملي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب.
حسن حمد
1 / 11
القسم الثاني: شرح الأشموني على ألفية بن مالك المسمى" منهج المسالك إلى ألفية بن مالك"
مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمد الله على ما منح من أسباب البيان، وفتح من أبواب التبيان، والصلاة والسلام على من رفع بماضي العزم قواعد الإيمان، وخفض بعامل الجزم كلمة البهتان، مُحَمَّدٍ المنتخب من خلاصة معد ولباب عدنان، وعلى آله وأصحابه الذين أحرزوا قصبات السبق في مضمار الإحسان، وأبرزوا ضمير القصة والشان، بسنان اللسان ولسان السنان، فهذا شرح لطيف بديع على ألفية ابن مالك، مهذب المقاصد واضح المسالك، يمتزج بها امتزاج الروح بالجسد، ويحل منها محل الشجاعة من الأسد، تجد نشر التحقيق من أدراج عباراته يعبق، وبدر التدقيق من أبراج إشاراته يشرق، خلا من الإفراط الممل، وعلا عن التفريط المخل، وكان بين ذلك قوامًا، وقد لقبته بـ"منهج المسالك، إلى ألفية ابن مالك"، ولم آل جهدا في تنقيحه وتهذيبه، وتوضيحه وتقريبه. والله أسأل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به من تلقاه بقلب سليم، إنه قريب مجيب، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
1 / 15
"شرح مقدمة الألفية":
"بسم الله الرحمن الرحيم"
١- قالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك
هو الإمام، العلامة أبو عبد الله، جمال الدين بن عبد الله "ابْنُ مالِك" الطائي نسبا، الشافعي مذهبا، الجياني منشأ، الأندلسي إقليما، الدمشقي دارا ووفاة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان عام اثنين وسبعين وستمائة، وهو ابن خمس وسبعين سنة "أَحْمَدُ رَبي اللَّهَ خَيْرَ مَالِك" أي: أثني عليه الثناء الجميل، اللائق بجلال عظمته، وجزيل نعمته التي هذا النظم من آثارها، واختار صيغة المضارع المثبت لما فيها من الإشعار بالاستمرار التجددي وقصد بذلك الموافقة بين الحمد والمحمود عليه، أي: كما أن آلاءه تعالى لا تزال تتجدد في حقنا دائما كذلك نحمده بمحامد لا تزال تتجدد، وأيضا فهو رجوع إلى الأصل؛ إذ أصل "الحمد لله": أحمد أو حمدت حمد الله؛ فحذف الفعل اكتفاء بدلالة مصدره عليه، ثم عدل إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام والثبوت، ثم أدخلت عليه "أل" لقصد الاستغراق.
و"الرب" المالك. و"الله" علم على الذات الواجب الوجود -أي: لذاته- المستحق لجميع المحامد، ولم يسم به سواه، قال تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ ١ أي: هل تعلم أحدا تسمى الله غير الله، وهو عربي عند الأكثر، وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكر في القرآن، في ألفين وثلثمائة وستين موضعا، واختار الإمام النووي تبعا لجماعة أنه الحي القيوم، قال: ولهذا لم يذكر في القرآن إلا في ثلاثة مواضع: في البقرة، وآل عمران، وطه. والله أعلم.
تنبيه: أوقع الماضي موقع المستقبل تنزيلا لمقوله منزلة ما حصل: إما اكتفاء
_________
١ مريم: ٦٥.
1 / 17
بالحصول الذهني، أو نظرًا إلى ما قوي عنده من تحقق الحصول وقربه، نحو: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ ١.
وجملة "هو ابن مالك" معترضة بين "قال" ومقوله، لا محل لها من الإعراب، ولفظ "رب" نصب تقديرًا على المفعولية، والياء في موضع الجر بالإضافة، والله نصب بدل من "رب" أو بيان، و"خير" نصب أيضًا بدل أو حال على حد: "دعوت الله سميعًا" وموضع الجملة نصب مفعول لقال، ولفظها خبر، ومعناها الإنشاء، أي: أُنشئ الحمد.
٢- مصليا على النبي المصطفى ... وآله المستكملين الشرفا
"مُصَلِّيًا" أي: طالبًا من الله صلاته، أي: رحمته "عَلَى النَّبيِّ" -بتشديد الياء- من النبوة-أي: لأنه مخبر عن الله تعالى، فعلى الأول هو فعيل بمعنى مفعول، وعلى الثاني بمعنى فاعل. و"مصليًا" حال من فاعل "أحمد" منوية لاشتغال مورد الصلاة بالحمد، أي: ناويًا الصلاة على النبي "الْمُصْطَفَى" مفتعل من الصفوة، وهو: الخلوص من الكدر، قلبت تاؤه طاء لمجاورة الصاد، ولامه ألفًا لانفتاح ما قبلها؛ ومعناه المختار "وَآلِهِ" أي: أقاربه من بني هاشم والمطلب "الْمُسْتَكْمِلِينَ" باتباعه "الشَّرَفَا" أي: العلو.
"لفظة آل":
تنبيه: أصل "آل": أهل: قلبت الهاء همزة، كما قلبت الهمزة هاء في "هراق" الأصل "أراق" ثم قلبت الهمزة ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها، كما في "آدم"، و"آمن" هذا مذهب سيبويه. وقال الكسائي: أصله "أول" كجمل، من آل يؤول: تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا. وقد صغروه على "أهيل" وهو يشهد للأول، وعلى "أويل" وهو يشهد للثاني: ولا يضاف إلا إلى ذي شرف، بخلاف "أهل"، فلا يقال "آل الإسكاف" ولا ينتقض بـ"آل فرعون" فإن له شرفًا باعتبار الدنيا، واختلف في جواز إضافته إلى المضمر: فمنعه الكسائي والنحاس، وزعم أبو بكر الزبيدي، أنه من لحن العوام، والصحيح جوازه. قال عبد المطلب "من مجزوء الكامل":
١- وانصر على آل الصليـ ... ـب وعابديه اليوم آلك
_________
١ النحل: ١.
١- التخريج: البيت لعبد المطلب بن هشام في الأشباه والنظائر ٢/ ٢٠٧؛ والدرر ٥/ ٣١؛ وبلا نسبة في الممتع في التصريف ١/ ٣٤٩؛ وهمع الهوامع ٢/ ٥٠.
اللغة: انصر: ساعد. آل: أتباع، أصحاب. وآل الصليب: أي: المسيحيون. آلك: أتباعك. =
1 / 18
وفي الحديث: "اللهم صل على محمد وآله".
٣- وأستعين الله في ألفيه ... مقاصد النحو بها محويه
"وَأَسْتَعِينُ اللَّهَ فِي" نظم قصيدة "أَلْفِيَّه" أي: عدة أبياتها ألف أو ألفان، بناء على أنها من كامل الرجز أو مشطوره، ومحل هذه الجملة أيضًا نصب عطفًا على جملة "أحمد". والظاهر أن "في" بمعنى على، لأن الاستعانة وما تصرف منها إنما جاءت متعدية بـ"على"، قال تعالى: ﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ﴾ ١، ﴿وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ ٢ أو أنه ضمن "أستعين" معنى "أستخير" ونحوه مما يتعدى بـ"في"، أي: وأستخير الله في ألفية "مَقَاصِدُ النَّحْوِ" أي: أغراضه وجل مهماته "بهَا" أي: فيها "مَحْويَّهْ" أي: محوزة.
"تعريف علم النحو":
تنبيه: النحو في الاصطلاح هو: العلم لمستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها، قاله صاحب المقرب. فعلم أن المراد هنا بالنحو ما يرادف قولنا: "علم العربية" لا قسيم الصرف. وهو مصدر أريد به اسم المفعول أي: المنحو، كالخلق بمعنى المخلوق. وخصته غلبة الاستعمال بهذا العلم، وإن كان كل علم منحوًا، أي: مقصودًا، كما خصت الفقه بعلم الأحكام الشرعية الفرعية وإن كان كل علم فقهًا، أي: مفقوهًا، أي: مفهومًا. وجاء في اللغة لمعان خمسة: القصد، يقال: نحوت نحوك، أي: قصدت قصدك، والمثل، نحو: مررت برجل نحوك، أي:
_________
= المعنى: يطلب الشاعر من ربه أن يحمي المسلمين من أعدائهم.
الإعراب: وانصر: "الواو": حرف عطف، "انصر": فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنت". على آل: جار ومجرور متعلقان بـ"انصر"، وهو مضاف. الصليب: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وعابديه: "الواو": حرف عطف، "عابديه": معطوفة على "آل" مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. اليوم: ظرف زمان منصوب متعلق بـ"انصر". آلك: مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف، و"الكاف": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة.
وجملة "انصر ... ": معطوفة على جملة سابقة.
الشاهد: فيه قوله: "آلك" حيث أضاف كلمة "آل" إلى الضمير، وهذا جائز.
١ الفرقان: ٤.
٢ يوسف: ١٨.
1 / 19
مثلك، والجهة، نحو: توجهت نحو البيت، أي: جهة البيت، والمقدار، نحو: له عندي نحو ألف، أي: مقدار ألف، والقسم، نحو: هذا على أربعة أنحاء أي: أقسام، وسبب تسمية هذا العلم بذلك ما روي أن عليًا رضي الله تعالى عنه لما أشار على أبي الأسود الدؤلي أن يضعه وعلمه الاسم والفعل والحرف وشيئًا من الإعراب قال: "انح هذا النحو يا أبا الأسود".
٤- تقرب الأقصى بلفظ موجز ... وتبسط البذل بوعد منجز
"تُقَرِّبُ" هذه الألفية للأفهام "الأَقْصَى" أي: الأبعد من المعاني "بِلَفْظٍ مُوجَزِ" الباء بمعنى مع، أي: تفعل ذلك مع وجازة اللفظ، أي: اختصاره "وَتَبْسُطُ" أي: توسع "الْبَذْلَ" -بالمعجمة- أي: العطاء، وهو إشارة إلى ما تمنحه لقارئها من كثرة الفوائد "بِوَعْدٍ مُنْجِزِ" أي: موفى سريعًا.
"الفرق بين "وعد" و"أوعد"":
تنبيه: قال الجوهري: أوعد -عند الإطلاق- يكون للشر، ووعد للخير، وأنشد "من الطويل":
٢- وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
_________
٢- التخريج: البيت لعامر بن الطفيل في ديوانه ص٥٨؛ ولبعض الطائيين في الجنى الداني ص٤٣٤؛ وبلا نسبة في الدرر ٤/ ٢٤٦؛ وهمع الهوامع ٢/ ٤٤.
اللغة: أوعد: هدد، وعد بالشر، وعده بالأمر: تعهد له بأن يبلغه إياه. أخلف الوعد: لم ينجز ما وعد به. أنجز: أتم.
المعنى: يعبر الشاعر عن مكارم أخلاقه فيقول: إنه إذا توعد أحدا شرا أخلف، وإذا وعده خيرا وفى بوعده.
الإعراب: وإني: "الواو": بحسب ما قبلها، "إني": حرف مشبه بالفعل، و"الياء": ضمير متصل في محل نصب اسم "إن". وإن: "الواو": حالية، "إن": حرف زائد. أوعدته: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به. أو: حرف عطف. وعدته: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به. لمخلف: "اللام": حرف توكيد، "مخلف": خبر "إن" مرفوع بالضمة. إيعادي: مفعول به لـ"مخلف" منصوب بالفتحة المقدرة على =
1 / 20
٥- وتقتضي رضا بغير سخط ... فائقة ألفية ابن معط
"وَتَقْتَضِي" أي: تطلب، لما اشتملت عليه من المحاسن "رِضا" محضًا "بِغَيْرِ سُخْط" يشوبه "فَائِقَةً أَلْفِيَّةَ" الإمام العلامة أبي الحسن يحيى "ابْنِ مُعْط" بن عبد النور الزواوي الحنفي، الملقب زين الدين، سكن دمشق طويلًا، واشتغل عليه خلق كثير، ثم سافر إلى مصر وتصدر بالجامع العتيق لإقراء الأدب، إلى أن توفي بالقاهرة في سلخ ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وستمائة، ودفن من الغد على شفير الخندق، وبقرب تربة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، ومولده سنة أربع وستين وخمسمائة.
تنبيه: يجوز في "فائقة" النصب على الحال من فاعل "تقتضي"، والرفع خبرًا لمبتدأ محذوف، والجر نعتًا لألفية، على حد ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ ١ في النعت بالمفرد بعد النعت بالجملة، والغالب العكس، وأوجبه بعضهم.
٦- وهو بسبق حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا
٧- والله يقضي بهبات وافره ... لي وله في درجات الآخره
"وَهْوَ" أي: ابن معط "بِسَبْق" الباء للسببية، أي: بسبب سبقه إياي "حَائِزٌ تَفْضِيلا" علي "مُسْتَوْجِبٌ" علي "ثَنَائِيَ الجَمِيلا" عليه؛ لما يستحقه السلف من ثناء الخلف. و"ثنائي" مصدر مضاف إلى فاعله، وهو الياء، والجميل: إما صفة للمصدر، أو معمول له "وَاللَّهُ يَقْضِي" أي: يحكم "بهبَاتٍ" جمع هبة، وهي: العطية، أي: عطيات "وَافِرَهْ" أي: تامة "لِي
_________
= ما قبل الياء، وهو مضاف، و"الياء": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. ومنجز موعدي: تعرب إعراب "مخلف إيعادي".
وجملة: "إني لمخلف" بحسب ما قبلها. وجملة: "إن أوعدته ... " حالية. وجملة: "وعدته" معطوفة على جملة "أوعدته".
الشاهد: فيه مجيء "أوعد" عند إطلاقه للشر، ومجيء "وعد" عند إطلاقه للخير. فالشاعر يفتخر بنفسه، فيقول: إنه إذا توعد غيره أن ينزل به شرا خلف بوعده، وهذا الخلف محمدة، أما إذا وعده خيرا وفى بوعده.
١ الأنعام: ٩٢، ١٥٥.
1 / 21
وَلَهُ فِي دَرَجَاتِ الآخِرَهْ" الدرجات: قال في الصحاح: هي الطبقات من المراتب، وقال أبو عبيدة: الدرج إلى أعلى، والدرك إلى أسفل، والمراد مراتب السعادة في الدار الآخرة، ولفظ الجملة خبر ومعناها الطلب.
تنبيه: وصف "هبات" وهو جمع بـ"وافرة" وهو مفرد لتأوله بجماعة، وإن كان الأفصح وافرات؛ لأن هبات جمع قلة، والأفصح في جمع القلة مما لا يعقل وفي جمع العاقل مطلقا المطابقة، نحو: "الأجذاع انكسرن، ومنكسرات، والهندات والهنود انطلقن، ومنطلقات" والأفصح في جمع الكثرة مما لا يعقل الإفراد نحو: "الجذوع انكسرت، ومنكسرة".
خاتمة: بدأ بنفسه لحديث "كان رسول الله ﷺ إذا دعا بدأ بنفسه"، رواه أبو داود، وقال تعالى حكاية عن نوح ﵇: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ ١ وعن موسى ﵇: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي﴾ ٢، وكان الأحسن أن يقول رحمه الله تعالى:
والله يقضي بالرضا والرحمه ... لي وله ولجميع الأمه
لما عرفت، ولأن التعميم مطلوب.
_________
١ إبراهيم: ٤١؛ ونوح: ٢٨.
٢ الأعراف: ١٥١.
1 / 22
الْكَلاَمُ وَمَا يَتَأَلَّفُ مِنْهُ:
الأصل "هذا باب شرح الكلام وشرح ما يتألف الكلام منه" اختصر للوضوح.
٨- كلامنا لفظ مفيد كـ"استقم" ... واسم وفعل ثم حرف الكلم
٩- واحده كَلِمَة والقول عم ... وكَلْمَة بها كلام قد يؤم٢
"كَلاَمُنَا" أيها النحاة "لَفْظٌ" أي: صوت مشتمل على بعض الحروف: تحقيقا كزيد، أو تقديرا كالضمير المستتر "مُفِيدٌ" فائدة يحسن السكوت عليها "كَاسْتَقِمْ" فإنه لفظ مفيد بالوضع. فخرج باللفظ غيره من الدوال مما ينطلق عليه في اللغة كلام: كالخط، والرمز، والإشارة، وبالمفيد المفرد، نحو: زيد، والمركب الإضافي، نحو: غلام زيد، والمركب الإسنادي المعلوم مدلوله ضرورة: كالنار حارة، وغير المستقل كجملة الشرط، نحو: "إن قام زيد"، وغير المقصود، كالصادر من الساهي والنائم.
تنبيهات: الأول: اللفظ مصدر أريد به اسم المفعول، أي: الملفوظ به، كالخلق بمعنى المخلوق.
الثاني: يجوز في قوله "كاستقم" أن يكون تمثيلا وهو الظاهر، فإنه اقتصر في شرح الكافية على ذلك في حد الكلام، ولم يذكر التركيب والقصد نظرا إلى أن الإفادة تستلزمهما، لكنه في التسهيل صرح بهما وزاد فقال: الكلام ما تضمن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته، فزاد "لذاته" قال: لإخراج نحو: "قام أبوه" من قولك: "جاءني الذي قام أبوه" وهذا الصنيع أولى، لأن الحدود لا تتم بدلالة الالتزام، ومن ثم جعل الشارح قوله "كاستقم" تتميما للحد.
الثالث: إنما بدأ بتعريف الكلام لأنه المقصود بالذات، إذ به يقع التفاهم.
1 / 23
الرابع: إنما قال: "وما يتألف منه" ولم يقل "وما يتركب" لأن التأليف كما قيل أخص؛ إذ هو تركيب وزيادة، وهي وقوع الألفة بين الجزأين.
"وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ" الكلم: مبتدأ خبره ما قبله، أي: الكلم الذي يتألف منه الكلام ينقسم باعتبار واحده إلى ثلاثة أنواع: نوع الاسم، ونوع الفعل، ونوع الحرف، فهو من تقسيم الكلي إلى جزئياته، لأن المقسم -وهو الكلمة- صادق على كل واحد من الأقسام الثلاثة، أعني الاسم والفعل والحرف، وليس الكلم منقسما إليها باعتبار ذاته، لأنه لا جائز حينئذٍ أن يكون من تقسيم الكل إلى أجزائه، لأن الكلم ليس مخصوصا بهذه الثلاثة، بل هو مقول على كل ثلاث كلمات فصاعدا، ولا من تقسيم الكلي إلى جزئياته، وهو ظاهر.
ودليل انحصار الكلمة في الثلاثة: أن الكلمة إما أن تصلح ركنا للإسناد أو لا، الثاني الحرف، والأول إما أن يقبل الإسناد بطرفيه أو بطرف، الأول الاسم، والثاني الفعل، والنحويون مجمعون على هذا، إلا من لا يعتد بخلافه. وقد أرشد بتعريفه إلى كيفية تألف الكلام من الكلم بأنه ضم كلمة إلى كلمة فأكثر على وجه تحصل معه الفائدة المذكورة، لا مطلق الضم، وأقل ما يكون منه ذلك اسمان، نحو: "ذا زيد"، و"هيهات نجد" أو فعل واسم، نحو: "استقم"، و"قام زيد" بشهادة الاستقراء، ولا نقض بالنداء؛ فإنه من الثاني.
تنبيه: ثم في قوله "ثم حرف" بمعنى الواو، إذ لا معنى للتراخي بين الأقسام، ويكفي في الإشعار بانحطاط درجة الحرف عن قسيميه ترتيب الناظم لها في الذكر على حسب ترتيبها في الشرف ووقوعه طرفا.
واعلم أن الكلم اسم جنس على المختار، وقيل: جمع، وقيل: اسم جمع، وعلى الأول فالمختار أنه اسم جنس جمعي؛ لأنه لا يقال إلا على ثلاث كلمات فأكثر، سواء اتحد نوعها أو لم يتحد، أفادت أم لم تفد، وقيل: لا يقال إلا على ما فوق العشرة، وقيل: إفرادي، أي: يقال على الكثير والقليل كماء وتراب، وعلى الثاني فقيل: جمع كثرة، وقيل: جمع قلة، ويجري هذا الخلاف في كل ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء، وعلى المختار يجوز في ضميره التأنيث ملاحظة للجمعية، والتذكير على الأصل، وهو الأكثر، نحو: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ ١، ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ ٢ وقد أنثه ابن معط في ألفيته فقال: واحدها كلمة، وذكره الناظم فقال: "وَاحِدُهُ كَلِمَةٌ" ونظير كلم وكلمة من المصنوعات: لبن ولبنة، ومن المخلوقات: نبق ونبقة، فاسم الجنس الجمعي هو الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالبا، بأن يكون واحده بالتاء غالبا، والاحتراز بـ"غالبا" عما جاء منه على العكس من
_________
١ فاطر: ١٠.
٢ المائدة: ١٣.
1 / 24
ذلك، أي: يكون بالتاء دالًا على الجمعية وإذا تجرد منها يكون للواحد، نحو: كمء وكمأة، وقد يفرق بينه وبين واحده بالياء، نحو: روم ورومي، وزنج وزنجي.
وحد الكلمة: قول مفرد، وتطلق في الاصطلاح مجازًا على أحد جزأي العلم المركب، نحو: "امرئ القيس" فمجموعهما كلمة حقيقة، وكل منهما كلمة مجازًا، وفيها ثلاث لغات: كَلِمة على وزن نَبِقة١، وتجمع على كَلِم كنَبِق، وكِلْمة على وزن سِدْرة٢، وتجمع على كِلْم كسِدْر، وكَلْمَة على وزن تَمْرَة، وتجمع على كَلْم كتَمْر، وهذه اللغات في كل ما كان على وزن فعل ككَبِد وكَتِف، فإن كان وسطه حرف حلق جاز فيه لغة رابعة، وهي إتباع فائه لعينه في الكسر، اسمًا كان، نحو: فِخِذ، أو فعلًا، نحو: شِهِد.
"وَالْقَوْلُ" وهو -على الصحيح- لفظ دال على معنى "عَم" الكلام والكلم والكلمة، عمومًا مطلقًا؛ فكل كلام أو كلم أو كلمة قول، ولا عكس: أما كونه أعم من الكلام فلانطلاقه على المفيد وغيره، والكلام مختص بالمفيد، وأما كونه أعم من الكلم فلانطلاقه على المفرد، وعلى المركب من كلمتين، وعلى المركب من أكثر، والكلام مختص بهذا الثالث، وأما كونه أعم من الكلمة فلانطلاقه على المركب والمفرد، وهي مختصة بالمفرد؛ وقيل: القول عبارة عن اللفظ المركب المفيد، فيكون مرادفًا للكلام، وقيل: هو عبارة عن المركب خاصة: مفيدًا كان أو غير مفيد، فيكون أعم مطلقًا من الكلام والكلم، ومباينًا للكلمة. وقد بان لك أن الكلام والكلم بينهما عموم وخصوص من وجه: فالكلام أعم من جهة التركيب وأخص من جهة الإفادة، والكلم بالعكس، فيجتمعان في الصدق في نحو: "زيد أبوه قائم" وينفرد الكلام في نحو: "قام زيد"، وينفرد الكلم في نحو: "إن قام زيد".
تنبيه: قد عرفت أن القول على الصحيح أخص من اللفظ مطلقًا، فكان من حقه أن يأخذه جنسًا في تعريف الكلام كما فعل في الكافية، لأنه أقرب من اللفظ، ولعله إنما عدل عنه لما شاع من استعماله في الرأي والاعتقاد حتى صار كأنه حقيقة عرفية، واللفظ ليس كذلك.
"وَكِلْمَة بهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ" أي: يقصد. كلمة: مبتدأ خبره الجملة بعده، قال المكودي: "وجاز الابتداء بكلمة للتنويع لأنه نوَّعها إلى كونها إحدى الكلم، وإلى كونها يقصد بها الكلام" انتهى. ولا حاجة إلى ذلك؛ فإن المقصود اللفظ وهو معرفة، أي: هذا
_________
١ النبقة: ثمرة شجر السدر.
٢ السدرة: واحدة السدر، وهو شجر من العضاه.
1 / 25
اللفظ -وهو لفظ كلمة- يطلق لغة على الجمل المفيدة. قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ ١ إشارة إلى: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ ٢، وقال ﵊: $"أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد "من الطويل":
٣- أَلاَ كُلُّ شَيْء مَا خَلاَ الله بَاطِلُ ... "وكل نعيم لا محالة زائل"
وهو من باب تسمية الشيء باسم بعضه، كتسميتهم ربيئة القوم عينا، والبيت من الشعر قافية، وقد يسمون القصيدة قافية لاشتمالها عليها، وهو مجاز مهمل في عرف النحاة.
_________
١ المؤمنون: ١٠٠.
٢ المؤمنون: ٩٩-١٠٠.
٣- التخريج: البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص٢٥٦؛ وجواهر الأدب ص٣٨٢؛ وخزانة الأدب ٢/ ٢٥٥-٢٥٧؛ والدرر ١/ ٧١؛ وديوان المعاني ١/ ١٨؛ وسمط اللآلي ص٢٥٣؛ وشرح التصريح ١/ ٢٩؛ وشرح شواهد المغني ١/ ١٥٠، ١٥٣، ١٥٤، ٣٩٢؛ وشرح المفصل ٢/ ٧٨؛ والعقد الفريد ٥/ ٢٧٣؛ ولسان العرب ٥/ ٣٥١ "رجز"؛ والمقاصد النحوية ١/ ٥، ٧، ٢٩١؛ ومغني اللبيب ١/ ١٣٣؛ وهمع الهوامع ١/ ٣؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص٢١١؛ وأوضح المسالك ٢/ ٢٨٩؛ والدرر ٣/ ١٦٦؛ ورصف المباني ص٢٦٩؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٥٣١؛ وشرح عمدة الحافظ ص٢٦٣؛ وشرح قطر الندى ص٢٤٨؛ واللمع ص١٥٤؛ وهمع الهوامع ١/ ٢٦٦.
اللغة والمعنى: لا محالة: لا بد. زائل: فان.
يقول: كل شيء في هذا الوجود ماض إلى زوال إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام.
الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه. كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. شيء: مضاف إليه مجرور. ما: حرف مصدري. خلا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "هو" على خلاف الأصل. الله: لفظ الجلالة مفعول به منصوب. باطل: خبر المبتدأ مرفوع. وكل: الواو حرف عطف، كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. نعيم: مضاف إليه مجرور. لا: نافية للجنس. محالة: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب. وخبرها محذوف. زائل: خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة "كل شيء باطل" الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "ما خلا الله" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية، أو في محل نصب حال تقديره: "خاليا". وجملة "كل نعيم ... " معطوفة على جملة "كل شيء" لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا محالة" الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية.
وفي البيت شاهدان أولهما قوله: "ما خلا الله" حيث ورد بنصب لفظ الجلالة بعد "خلا" فدل ذلك على أن الاسم الواقع بعد "ما خلا" يكون منصوبا، وذلك لأن "ما" هذه مصدرية، وما المصدرية لا يكون بعدها إلا فعل، ولذلك يجب نصب ما بعدها على أنه مفعول به، وإنما يجوز جره إذا كانت حرفا، وهي لا تكون حرفا متى سبقها الحرف المصدري. وثانيهما توسط المستثنى بين جزأي الكلام في قوله: "ألا كل شيء ما خلا الله باطل" يريد: ألا كل شيء باطل ما خلا الله.
1 / 26
تنبيه: "قد" في قوله "قد يؤم" للتقليل، ومراده التقليل النسبي، أي: استعمال الكلمة في الجمل قليل بالنسبة إلى استعمالها في المفرد، لا قليل في نفسه؛ فإنه كثير.
"علامات الاسم":
وهذا شروع في العلامات التي يمتاز بها كل من الاسم والفعل والحرف عن أخويه، وبدأ بالاسم لشرفه فقال:
١٠- بالجر والتنوين والندا وأل ... ومسند للاسم تمييز حصل
"بِالْجَرِّ" ويرادفه الخفض، قال في شرح الكافية: وهو أولى من التعبير بحرف الجر، لتناوله الجر بالحرف والإضافة "وَالتَّنْوينِ" وهو في الأصل: مصدر نونت، أي: أدخلت نونا، ثم غلب حتى صار اسما لنون تلحق الآخر لفظا لا خطا لغير توكيد، فقيد "لا خطا" فصل مخرج للنون في نحو "ضيفن" اسم للطفيلي، وهو الذي يجيء مع الضيف متطفلا، وللنون اللاحقة للقوافي المطلقة -أي: التي آخرها حرف مد- عوضا عن مدة الإطلاق في لغة تميم وقيس، كقوله "من الوافر":
٤- أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابَنْ ... وَقُولِي إِنْ أَصَبْتُ لَقَدْ أَصَابَنْ
_________
٤- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص٨١٣، وخزانة الأدب ١/ ٦٩، ٣٣٨، ٣/ ١٥١؛ والخصائص ٢/ ٩٦؛ والدرر ٥/ ١٧٦، ٦/ ٢٣٣، ٣٠٩؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٣٤٩؛ وسر صناعة الإعراب ص٤٧١، ٤٧٩، ٤٨٠، ٤٨١، ٤٩٣، ٥٠١، ٥٠٣، ٥١٣، ٦٧٧، ٧٢٦؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٧٦٢؛ وشرح المفصل ٩/ ٢٩؛ والكتاب ٤/ ٢٠٥، ٢٠٨؛ والمقاصد النحوية ١/ ٩١؛ وهمع الهوامع ٢/ ٨٠، ٢١٢؛ وبلا نسبة في الإنصاف ص٦٥٥؛ وجواهر الأدب ص١٣٩، ١٤١؛ وخزانة الأدب ٧/ ٤٣٢، ١١/ ٣٧٤؛ ورصف المباني ص٢٩، ٣٥٣؛ وشرح ابن عقيل ص١٧؛ وشرح عمدة الحافظ ص٩٨؛ وشرح المفصل ٤/ ١٥، ١٤٥، ٧/ ٩؛ ولسان العرب ١٤/ ٢٤٤ "خنا"؛ والمنصف ١/ ٢٢٤، ٢/ ٧٩؛ ونوادر أبي زيد ص١٢٧.
شرح المفردات: أقلي: خففي، أو اتركي. عاذل: ترخيم "عاذلة"، وهي اللائمة. أصبت: أي كنت مصيبا فيما أقول أو أفعل.
المعنى: يقول: خففي لومك وعتابك يا لائمتي، واعترفي بصواب ما أقوله إذا ما كنت مصيبا.
الإعراب: "أقلي": فعل أمر مبني على حذف النون، والياء ضمير في محل رفع فاعل. "اللوم": مفعول به منصوب بالفتحة. "عاذل": منادى مرخم مبني على ضم الحرف المحذوف للترخيم في محل نصب. "والعتابا": الواو حرف عطف، و"العتابا" معطوف على "اللوم" منصوب بالفتحة. و"الألف" للإطلاق. و"قولي": الواو حرف عطف. و"قولي": فعل أمر مبني على حذف النون، والياء ضمير في محل =
1 / 27
الأصل العتابا، وأصابا. وقوله "من الكامل":
٥- أَفِدَ التّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكابَنَا ... لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِنْ
_________
= رفع فاعل. "إن": حرف شرط جازم. "أصبت": فعل ماض مبني على السكون. والتاء: ضمير في محل رفع فاعل، وهو في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف تقديره: "إن أصبت فقولي ... " "لقد": اللام: واقعة في جواب قسم محذوف تقديره "والله ... "، و"قد": حرف تحقيق. أصابا: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو"، والألف للإطلاق.
وجملة "أقلي" الفعلية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء اعتراضية لا محل لها من الإعراب. "قولي" الفعلية معطوفة على جملة "أقلي" لا محل لها من الإعراب. وجملة "إن أصبت فقولي" الشرطية اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة "قولي" المحذوفة في محل جزم جواب الشرط. وجملة القسم المحذوف وجوابه في محل نصب مفعول به. والجملة من الفعل وفاعله جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
الشاهد قوله: "العتابن" و"أصابن" حيث أدخل على اللفظين تنوين الترنم، واللفظة الأولى اسم، والثانية فعل، فدل بذلك على أنه ليس مختصا بالاسم.
٥- التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص٨٩؛ والأزهية ص٢١١؛ والأغاني ١١/ ٨؛ والجنى الداني ص١٤٦، ٢٦٠؛ وخزانة الأدب ٧/ ١٩٧، ١٩٨، ١٠/ ٤٠٧؛ والدرر اللوامع ٢/ ٢٠٢، ٥/ ١٧٨؛ وشرح التصريح ١/ ٣٦؛ وشرح شواهد المغني ص٤٩٠، ٧٦٤؛ وشرح المفصل ٨/ ١٤٨، ٩/ ١٨؛ ٥٢؛ ولسان العرب ٣/ ٣٤٦ "قدد"؛ ومغني اللبيب ص١٧١؛ والمقاصد النحوية ١/ ٨٠، ٢/ ٣١٤؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ٥٦، ٣٥٦؛ وأمالي ابن الحاجب ١/ ٤٥٥؛ وخزانة الأدب ٩/ ٨، ١١/ ٢٦٠؛ ورصف المباني ص٧٢، ١٢٥، ٤٤٨؛ وسر صناعة الإعراب ص٣٣٤، ٤٩٠، ٧٧٧؛ وشرح ابن عقيل ص١٨؛ وشرح المفصل ١٠/ ١١٠؛ ومغني اللبيب ص٣٤٢؛ والمقتضب ١/ ٤٢؛ وهمع الهوامع ١/ ١٤٣، ٢/ ٨٠.
اللغة: شرح المفردات: أزف: دنا. الترحل: الرحيل. الركاب: المطايا. لما تزل: لم تفارق بعد. الرحال: ما يوضع على ظهر المطية لتركب. كأن قد: أي كأن قد زالت لاقتراب موعد الرحيل.
المعنى: يقول: قرب الترحل ومفارقة الديار، ولكن الإبل لم تزل فيها وكأنها قد فارقتها لقرب وقت الارتحال.
الإعراب: أزف: فعل ماض. الترحل: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. غير: مستثنى منصوب بالفتحة، وهو مضاف. أن: حرف مشبه بالفعل. ركابنا: اسم "أن" منصوب بالفتحة، وهو مضاف، و"نا": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. لما: حرف جزم. تزل: فعل مضارع مجزوم بالسكون، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره "هي". برحالنا: الباء حرف جر، و"رحالنا": اسم مجرور بالكسرة، وهو مضاف، و"نا" ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. والجار والمجرور متعلقان بالفعل "تزل". وكأن: الواو حرف عطف، "كأن": حرف مشبه بالفعل مخفف من "كأن"، واسمه ضمير شأن محذوف. قد: حرف تحقيق مبني على السكون، وحرك بالكسر للضرورة الشعرية، وقد حذف مدخوله، تقديره: "قد زالت". =
1 / 28