163

Sharh Anfas Ruhaniyya

Genres

============================================================

شرح الأنفاس الروحانية وكيف ما كان فمكر الله تعالى بطريق الابتلاء لا يكون إلأ نعمة وإحسان وتقاعد العبد مما هو أعلى لا يكون من الله تعالى، بل يكون بتقصير العبد ودناءة همته، حيث اشتغل بأدنى النعمتين عن الأعلى: فإن قال قائل: إن استقام بهذا في المكر، والابتلاء الذي هو أعطى نعمة لاستقام في الابتلاء الذي هو سلب نعمه، أو هو أمر ونهى، أو هو مغالطة، وخداع ليسقطه عن مقامه الأعلى .

قلنا: إن المغالطة والخداع لغرض أن يلقيه من مقامه الأعلى، هذا مما لا يصنعه الحكيم تعالى، والكلام فيه ما عرف أن الله منزه عن الأغواء والتلبيس على عباده لغرض أن يضلهم عن الحق إلى الباطل، وأما الأمر والنهى فإنه لا يكون من الله تعالى إلا إحسانا، وإنعاما لما عرف أن الله تعالى لا يكلف عبده بفعل ولا يأمر بصنع ولا ينهاه عن شأن إلأ لمصلحة وفائدة عائدة إلى العبد المكلف على ما بينا في كتاب "التحسين والتقيح".

فأما المكر الذي يسلب النعمة تحو سلب المال، والولد وصحة البدن، والجوارح، إن قلنا: إنه لا يكون إلأنفعا وفائدة عائدة على العبد قلنا: وجه ظاهر لكنا نقول: جاز ألأ يكون مصلحة ولا مفسدة؛ لأن نعم العباد ودائع الله تعالى عندهم لينتفعوا بها رزقا مباحا لهم ويسترد ما شاء متى شاء ممن شاء، وكان يجسن منه تعالى آن يسترد ممن شاء ويصرف إلى من شاء فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المكر ابتلاء وامتحان الدنيا ذلك المكر منعا كان، أو عطاء، أو أمرا، أو نهيا، أو ما أشبه ذلك ابتلى الله تعالى عياده بها وعموم التاس منقطعون عن التكاليف مرهنون بالدنيا، ولو تخلص أحد من الدنيا على سبيل الندرة تحير في نفسه وصفاتها، ولو تخلص عن النفس توجه إلى الآخرة هذا من النوادر في الدنيا، وكان كل الدنيا

Page 163