============================================================
شرح الأنفاس الروحانية ذلك أنه قال على عكس ما قال الجنيد فهو صحيح أيضا لأن كليهما يشقان على المريد أن يحفظهما، أما حفظ النفس عن الوقت شاق؛ لأنه إذا غلب الحال عليه لا يمكن الصبر على التنفس بالحركة والأنين والصياح، وأشباه ذلك وكذلك إذا صدر منه التنفس بذلك يحتاج إلى حفظ الحال والوقت كي يزول بها وذلك الحفظ فكى الجنيد بكاة شديدا، ثم قال لي : يا أبا العباس، ما أطيب منازل الألفة والأنس وأوحش مقامات المخالفة لا أزال أحن إلى حال بدايتي وجدة سعيي وركوبي الأهوال طمعا في الوصول، وها أنا ذا في أيام الفترة أتاسف على أوقاتي الماضية.
وحكي أن الجنيد حضر ليلة في جمع من الأصحاب في دار دعي إليها، فلما دخل الدار رأى شخصا أجنبيا بين الجماعة فدعاه وأعطاه بردته، وقال له: امضي بها إلى السوق وارهنها على منوين من السكر للفقراء، فلما خرج الرجل من بينهم أغلق الباب دونه وناداه: يا فلان، خحذ البردة ولا ترجع إلى هاهنا، فقيل له في ذلك فقال: اشتريت ببردت لكم صفاء الوقت في هذه الليلة بإخراج من ليس منكم من بينكم.
حكي ي أنه قال: رأيت درويشا في البادية، جالتا تحت أشواك شجرة أم غيلان، في مكان صعب وبمشقة تامة، فقلت: يا أخي، ما أجلسك هنا؟ فقال: اعلم أنه كان لي وقت ضساع هنا، فجلست الآن أتوجع عليه، فقلت: منذ كم من السنين؟ قال: منذ اثنتي عشرة سنة، فليبذل الشيخ الآن همة في الأمر يطلب الدرويش من الجنيد أن يبذل همة لمساعدته لعلي أصل إلى مرادي، وأستعيد وقتي قال الجنيد: فمضيت وأديت الحج، ودعوت له، فاستجيت الدعوة، وبلغ مراده، فلما رجعت وجدته جالستا في نفس المكان، فقلت: أيها الشيخ، لقد كنت ألازم المكان الذي كان محل وحشتي وأضعت فيه رأس مالي، فهل يجوز الآن أن أترك المكان الذي استعدت فيه مالي وهو محل أنسي؟ فليذمب الشيخ بسلام، لأني سأخلط ترابي بتراب هذا الموضع، حتى أرفع رأسي يوم القيامة من هذا التراب، الذي هو محل انى وسروري في قوله تعالى: ( قإذا فرغت فآنصت* (الشرح:7] قال الجنيد: إذا فرغت من أمر الخلق فاجتهد في عبادة الحق.
وقال يوما لاصحابه: أتدرون أين يذهب بكم، وتدرون لما خلفتم، وإلى ماذا تصيرون؟ فاتقوا الله ع، واحفظوا أوقاتكم وساعاتكم، فإنها زاثلة عنكم غير راجعة عنكم، والحسرة في فوتها على الغفلة، فلو بذل أحدكم ما بذل لم يرد وقتا فات، فأوصلوا أورادكم تجدوا منفعتها في دار الإقامة، لا يشغلكم عن الله قليل الدنياء فإن قليل الدنيا يشغل عن كثير الآخرة.
Page 116