إثبات استواء الله على عرشه استواء يليق بجلاله دون تشبيه أو تعطيل
السؤال
يقول السائل: ذكرت أن الله ﷿ مستو على عرشه، لكن لا بد من إثبات العلو لله، ومقتضى الفطرة أن الله فوق كل شيء، ولا يجوز أن تحكمه الجهات، أو أشياء أخرى، وهذا ينافي قولك الأول: إن العرش محيط بخلق الله، فكيف ذلك؟
الجواب
بداية أقول: عند الكلام عن ذات الله وأسمائه وصفاته يجب أن يكون قصدنا تعظيم الله سبحانه، وأن نستصحب معاني أسماء الله وصفاته وأفعاله؛ ليقوى الإيمان في قلوبنا، ولتغرس محبة الله وخوفه ورجاؤه في قلوبنا، واليقين، والتقوى، والتوجه إليه سبحانه، وعلى هذا فإن الكلام على هذه الأمور لا ينبغي أن يكون مجرد كلام علمي، نزيد فيه معلومة وننقص فيه معلومة، وإنما يكون قصدنا ما ذكرناه.
وأما بالنسبة لجواب السؤال، فالذي يظهر أن السائل عنده لبس، وقد يكون عند كثير من طلاب العلم وخاصة المبتدئين، وفرق بين الكلام عن الخالق ﷿ وبين الكلام عن المخلوقات، فعندما نتكلم عن العرش وعن الكرسي نتكلم عن مخلوقاته، فقد جاء عن النبي ﷺ في النصوص الصحيحة بأن الكرسي محيط بالخلق كلهم، وأن العرش محيط بالكرسي، وهذا معنى قوله ﷿: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [البقرة:٢٥٥]، يعني: استوعبها، فالكرسي محيط بالمخلوقات، والعرش محيط بالكرسي، لكن ما فهمه الأخ السائل هو وهم، فنحن لا نتكلم بعد ذلك عن كيفية استواء الله على عرشه، بل ولا يجوز ذلك، وحينما نقول: إن العرش محيط بالمخلوقات، فلا يجوز أن نسحب القياس إلى معنى فوقية الله ﷿، ومعنى كونه مستويًا على العرش، ونقول كذا في حق الله، فالله أعظم وأجل من أن تدركه عقولنا وأبصارنا، والله ﷿، ليس كمثله شيء، وحينما نقول: إن الكرسي محيط بالسماوات والأرض، والعرش محيط بالكرسي؛ لأن النصوص قد جاءت بذلك، وهذه مخلوقات، لكن نقف عند هذا، ولا نتكلم عن الله ﷿ بمثل هذه القاعدة؛ لأن الله ليس كمثله شيء، فإحاطته ليست كإحاطة الكرسي بالمخلوقات، ولا كإحاطة العرش بالكرسي والمخلوقات؛ لأنه سبحانه ليس كمثله شيء.
إذًا: ننفي في أذهاننا التشبيه، لكن مع ذلك فالله مستو على عرشه كما يليق بجلاله، والله ﷿ عليٌّ على خلقه، وهو القاهر فوق عباده كما يليق بجلاله سبحانه، ونقف ولا نتعدى إثبات الكمال لله ﷿ كما جاء بألفاظ الشرع.
وهذه اللوازم التي في ذهن السائل أنا ما قلتها، وليس هناك تناقض، ولا يجوز أن نستعمل هذا القياس.
12 / 11