١٠٤ - وَعَن سلمَان الْفَارِسِي ﵁ قَالَ: قيل لَهُ قد علمكُم نَبِيكُم كل شَيْء حَتَّى الخراءة! قَالَ: فَقَالَ أجل: لقد " نَهَانَا أَن نستقبل الْقبْلَة لغائط أَو بَوْل أَو أَن نستنجي بِالْيَمِينِ أَو أَن نستنجي بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار أَو أَن نستنجي برجيع أَو بِعظم " رَوَاهُ مُسلم.
ثم ذكر هذا الحديث عن سلمان ﵁ أنه قال: قيل له أخبركم النبي ﷺ عن كل شيء حتى الخراءة! -يعني حتى ما يتعلق بقضاء الحاجة يعني أخبركم وهذا الذي قاله بعض الكفار هم الذين قالوا له هذا الكلام- قال: أجل -يعني نعم أنه علمنا- ثم ذكر هذه الأمور التي تتعلق بقضاء الحاجة فقال: نهانا أن نستقبل القبلة ببول أو غائط -يعني عندما يقضي حاجته لا يستقبل القبلة وإنما يتجه إلى جهة غيرها فلا يستقبلها ببول أو غائط ولا يستدبرها وإنما يتجه إلى غير جهة القبلة فهذا من آداب قضاء الحاجة- أو أن نستنجي باليمين -يعني كون الإنسان يستعمل يمينه في الاستنجاء كما مر في الحديث السابق- أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار -يعني الأحجار التي للاستجمار لأن الاستجمار يكون بالحجارة والاستنجاء يكون بالماء والاستجمار يكون بثلاثة أحجار لكن إذا كان الحجر كبيرا وله ثلاث شعب فتعتبر هذه بمثابة ثلاثة أحجار ومن المعلوم أن الاستجمار يحتاج إليه لاسيما إذا كان هناك جرما خارج فإنه بدل ما تباشره اليد يباشر بالحجارة التي تزيله وتنحيه ثم بعد ذلك يأتي الماء الذي ينظف ذلك المكان الذي قد علق بالجسم بسبب انتشاره بكونه مسح بالحجارة وانتشر في مكان من جسده من دبره فيزيله بالماء فهذا كله من آداب قضاء الحاجة- أو أن نستنجي برجيع أو بعظم -العظم إما أن يكون نجسا كأن يكون عظم الميتة أو عظم ما لا يؤكل لحمه كالحمير فإنه هذا لا يجوز الاستنجاء به لنجاسته وأما إذا كان من مأكول اللحم يعني من بهيمة الأنعام التي ذبحت فإنه يكون طاهرا لكنه ينهى عنه لأنه قد جاء في الحديث الصحيح في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: أن العظام الطاهرة لا يستنجى بها لأنها طعام إخواننا من الجن وأن الله ينشئ عليها لحما فيأكلونه وكذلك أيضا الروثة الطاهرة لا يستنجى بها لأنها طعام دوابهم ثبت هذا في صحيح مسلم عن رسول الله ﷺ وأن هذا هو وجه يعني المنع من استعمال الأشياء الطاهرة عظاما أو روثا لأن العظام طعام إخواننا والروثة طعام دوابهم هكذا ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله ﷺ يعني بيان الحكمة في المنع من ذلك وعلى هذا فهذه أمور ثبتت في هذا الحديث الصحيح عند مسلم أنه لا يستنجي بها وهي من آداب قضاء الحاجة وهذا يدل على كمال الشريعة وأنها إذا كانت آداب قضاء الحاجة قد أتت عليها وبينتها فدل هذا على أن كل شيء قد جاء مبينا عن رسول الله ﷺ إذا كانت هذه الأمور التي هي أمور من آداب قضاء الحاجة فإن الأمور الأخرى لا شك أنها مبينة يعني بيانا واضحا ولشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة قيمة اسمها معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول ﷺ فالرسول ﷺ بين للناس كل ما يحتاجون إليه وقد جاء عن أبي ذر ﵁ أنه قال: توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وأعطانا منه علما، وهذا يدل على كمال الشريعة وعلى شمولها وأنها مستوعبة لما يحتاجه الناس إليه وهي وإن لم تكن شاملة بنصوصها إلا أنها شاملة لكل ما يحتاجه الناس إليه بالأقيسة بالقياس وكذلك بعمومات الأحاديث وكذلك القواعد العامة في الشرع فإنها ما لم يكن في زمنه ﷺ فإنها تستوعبه بعموماتها وبأقيستها وبقواعدها العامة ولهذا جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس ﵄ أنه سئل عن الباذق -والباذق نوع من الأشربة- فقال: سبق محمد ﷺ الباذق، يعني أن الرسول ﷺ جاء عنه كلام عام يدل على الباذق وعلى غير الباذق ما كان في زمنه وما سيأتي بعد زمنه قال ﷺ: كل مسكر خمر وكل خمر حرام، يعني معنى ذلك أن هذا لفظ عام إن كان هذا الباذق يسكر فإنه داخل تحت هذا الحديث العام وإن كان لا يسكر فإنه مباح وأنه يسوغ استعماله فهذا يدلنا على كمال الشريعة وعلى استيعابها لكل ما يحتاج الناس إليه ولهذا قال: سبق محمد الباذق.
1 / 112