============================================================
المرصد الرابع- في إثبات العلوم الضرورية المعينة وانتفائها في غيرها (واعجب منه) اى من العجب الذي أشرنا إليه (منع كون الحس حاكما) بناء على أن الحكم تاليف بين مدركات بالحس أو بغيره على وجه يعرض للمؤلف لذاته، إما الصدق او الكذب، وذلك إنما هو للعقل وليس من شأن الحس التاليف الحكمي، بل من شانه الإحساس فقط، فليس شيء من الأحكام محسوسا في ذاته، نعم إذا قارن المحسوس حكم عقلي، يقال له: حكم حسيي لصدوره عن العقل بواسطة إدراك الحس، لذلك المحسوس فليس الحس حاكما (بل العقل) حاكم (بواسطة الحس) وإنما كان أعجب لأنه يؤول إلى نزاع لفظي إذ مقصودنا بحكم الحس حكم العقل بواسطته، فهذا المنع مما لا يجدي نفعا أصلا ونحن نقول: إذا سلم الخصم المعترف بالبديهيات أن الحكم في المحسوسات إنما هو للعقل، أو اثبتنا ذلك عليه كانت الشبه التي ذكرها دالة على غلط العقل في الأحكام الصادرة عنه بمعاونة الحس، وذلك مما يورث احتمال تطرق الغلط في الأحكام التي يستقل العقل بها، إذا لا شهادة لمتهم، فلو تمت تلك الشبه لارتفع الوثوق عن البديهيات أيضا، فتصير تلك الشبه منقوضة بها، وهذه فائدة جليلة مبنية على أن الحس ليس حاكما، فإن أجاب عن النقض بان البداهة تنفي احتمال الغلط فيما جزمت بها بنفسها، قلنا: فكذلك البداهة تفى احتمال الغلط في بعض المحسوسات، فلا يرتفع الوثوق ها هنا أيضا، وأما بيان الأسباب في الأغلاط المذكورة فالمقصود قوله: (تأليف الخ) فسر الحكم بما يشعر يكونه فعلا رعاية للفظ الحاكم، والمقصود أنه إدراك إلفة وارتباط بين المدركات بحيث يعرض لذلك المؤلف لذاته، أي مع قطع النظر عما عداه حشى عن خصوصية الطرفين من حيث أنه مدرك الصدق، أى مطابقته للارتباط الذى بينهما في الواقع في حد ذاته او عدم مطابقته له.
قوله: (إذ لا شهادة لحتهم) فيه بحث لأن اتهام العقل في صور معاونته الحس، إنما جاء من جانب الحس، فليس متها في صورة الاستقلال حتى لا يصح حكمه في البديهيات، والقول بأن شهادة المتهم لا تصح إنما هو في الشهادة الشرعية، والتعبير بلفظ الشهادة تخييل محض، لأنه من قبيل قضاء القاضي المبتني على الشهادة الكاذبة، وعدم صحة قضائ السبتنى على الشهادة الصادقة.
قوله: (وأما بيان الخ) لعل تعجب المصنف من اشتغاله بذلك لأجل اشتغاله بما لايهمه، إذ لا دخل له في الجواب لا لاجل أنه لا فائدة فيه، إذ لا يقول به عاقل فضلا عن فاضل.
قوله: (قلنا فكذلك البداهة تنفي الخ) قيل: هذا إنما يتم إذا لم تتفاوت البديهة، والحق أنها تتفاوت بحسب تصورات الأطراف كما اعترفوا، ففي الحسيات لما كان تصور الطرفين بونة الحس، وهو متهم قصر بديهة العقل عن الجزم بحقيقته، بل جوز آن يكون فيه سبب
Page 149