============================================================
المرصد الرابع- في إثبات العلوم الضرورية (فتضطره) أي تلجي تلك الأمور العقل ( إلى الجزم) بما جزم به من الحسيات، (لا نعلم ما هي) أي ما تلك الأمور المنضمة إلى الإحساس الموجية للجزم (ومتى لت) لنا (وكيف حصلت) فلا تكون الحسيات بمجرد تعلق الإحاس بها يقينية، وهذا حق لا شبهة فيه (وإلا) اي وإن لم يريدوا بالقدح في الحسيات ما ذكرناه من التأويل (فإليها) اي إلى الحسيات (تنتهي علومهم) فيكون القدح الحقيقي فيها قدحا في علومهم التي يفتخرون بها، وذلك لا يتصور ممن له أدنى مسكة، فكيف من هؤلاء الأذكياء الأجلاء؟ وإنما قلنا: بانتهاء علومهم إليها لأن العلم الإلهي المنسوب إلى أفلاطون مبني على الاستدلال بأحوال المحسوسات المعلومة بمعاونة الحس، واكثر أصول العلم الطبيعي المنسوب إلى أرسطو كالعلم بالسماء والعالم وبالكون، والفساد وبالآثار العلوية، وبأحكام المعادن والنبات، والحيوان مأخوذ من الحس، وعلم الأرصاد والهيية المنسوب إلى بطلميوس مبني على الإحساس، وأحكام المحسوسات وعلم التجارب الطبية المنسوب إلى جالينوس ماخوذ من المحسوسات، هذا وقد صرحوا بأن الأوليات إنما تحصل للصبيان باستعداد يحصل لعقولهم من الإحساس بالجزئيات، فالقدح في الحسيات يؤول إلى القدح في البديهيات (قالوا: لو اعتبر حكم الحس فإما في الكليات) أي في القضايا الكلية (أو في الجزئيات) أي في الأحكام الجارية على الجزنيات الحقيقية، (وكلاهما باطل اما الأول) وهو بطلان اعتبار حكمه في الكليات (فظاهر) لأن الحس لا يدرك إلا هذه قوله: (في القضايا الكلية الخ) وكذا لم يكن اعتباره في القضايا الجزئية والمهملة والطبيعية، لأن الحكم فيها إما على امر لا يتعلق بالحس أو على أمر مخصوص يتعلق به، فهر يشارك الشق الأول أو الثاني، وإتما لم يفسر الكليات والجزئيات بالمفهومات الكلية، والجزئية، مع أنه حينثذ يكون الترديد حاصرا رعاية للفظ في فإن المتاسب على هذا التفسير كلمة على قوله: (فالقدح في الحسيات يوول إلى القدح في البديهيات) يمكن أن يناقش فيه أن القدح في الحسيات بمعنى ان الحس لا يفيد اليقين، والقدح فيها بهذا المعنى لا يؤول إلى القدح في البديهيات لجواز ان يكون الإحساس بالجزئيات، والحكم عليها بطريق الظن كافيا في الاستعداد في البديهيات.
قوله: (أي في الأحكام الجارية على الجزثيات الحقيقية) لا يخفى أنه يبقى احتمالان آخران وهو ان يكون الحكم في القضية المهملة أو الجزئية المصدرة بلفظ البعض، والظاهر أنهما تشاركان للشق الأول في الفساد هذا، والأولى أن لا يحمل الكليات والجزئيات منا على القضايا.
قوله: (لأن الحس لا يدرك الخ) ولأن حكمه لما كان يغلط في الجزئيات كشيرا، كما سنبينه فلو فرض إدراكه لجميع الجزئيات حتى الأفراد المتوهمة أيضا لم يكن حكمه الكلي يقينيا.
Page 134