Sharḥ al-Jāmiʿ al-Ṣaḥīḥ
شرح الجامع الصحيح
Genres
ما جاء في صفة الغسل قوله: «بدأ فغسل يديه»: قال المحشي: يعني بعد إراقة البول والاستبراء والاستنجاء، ولعله فهم هذا من قول الراوي آخر الحديث، وهذا بعد الاستنجاء، قال المحشي: فإن اغتسل من غير إراقة البول فإنه إن خرج منه شيء بعد ذلك يعيد الغسل دون الصلاة إن كان قد صلى، ولابد من تقديم النية كما يدل عليه قول عائشة: «إذا أراد الغسل» فإنه مشعر بتقدم الإرادة وهي نفس النية والقصد، ثم يتمضمض ويستنشق لوجوب ذلك عليه في الغسل لأنا قد أمرنا بإنقاء البشر، كما في الحديث الآتي عن ابن عباس رضي الله عنه، والغرض من إنقائها المبالغة في غسلها حتى لا يفوت منها شيء، ومن المعلوم أن داخل الفم والأنف من البشرة لسهولة مباشرتهما للأشياء، فلا يقال: إنهما من البواطن، إذ لوكانا كذلك ما أمرنا بالمضمضة والاستنشاق في الوضوء؛ كمالم نؤمر بإيصال الماء إلى ما وراء الحلقوم، فلما افترق الحكم علمنا أن ما دون الحلقوم من أحكام البشرة والأنف مثله، ثم أن قولها رضي الله عنها «ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة»: يدخل تحته المضمضة والاستنشاق أيضا فيدخلان تحت كيفية الغسل الواجب ويبقى سائر أفعال الوضوء فضلا مستحبا إن لم يكن للصلاة، وإنما كان لنفس الغسل، فاختصاص أعضاء الوضوء بذلك سنة مستقلة كما يظهر من هذا الحديث وإن لم يكن وقت صلاة كما يدل عليه قولها كما يتوضأ للصلاة، فإنه لو كان ذلك مختصا بوقت الصلاة لقالت: ثم يتوضأ<1/192> للصلاة، والحال أنها لم تقل ذلك فعلمنا أنه وضوء مستقل، وقال بعض الشافعية: إن هذا الوضوء من نفس الغسل فيكتفى به عن إعادة الماء عند غسل باقي الجسد، وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها وليحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى، وهو غير بعيد على قواعد المذهب؛ بل يشير إليه كلام بعض علمائنا رحمهم الله تعالى، وإن كان وقت صلاة فاغتسل كما أمر من وضوء وغيره فله أن يصلي بذلك الغسل المشتمل على هيئة الوضوء بلا خلاف نعلمه ، وهو معنى الإجماع الذي نقله ابن بطال أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وإن اغتسل ولم يتوض وضوء الغسل الذي هو كوضوء الصلاة فها هنا ينبغي أن يحمل قول من قال: الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث، وبهذا التوجيه يرتفع النزاع في المسألة؛ لأن محل المنع غير محل التجويز والله أعلم.
قوله: «ثم يدخل»: إنما ذكره بلفظ المضارع وما قبله مذكور بلفظ الماضي لإرادة استحضار صورة الحال للسامعين.
قوله: «ويخلل بها ... الخ»: أي: يدخل أصابعه بين شعر رأسه حتى يبلغ أصول الشعر، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وأنقوا البشرة"، وهذا التخليل واجب، قيل إجماعا، وقيل على الأشهر، وقيل غير واجب إلا إن كان الشعر ملبدا بشيء يحول بين الماء وبين أصول الشعر.
قوله: «ثم يصب على رأسه»: أي: بعد التخليل يصب على رأسه الماء ثلاث مرات بيده، وهذا الصب كاف إن شاء الله تعالى عن التخليل لمن لم يكن له شعر، ولابد من التخليل لصاحب الشعر حتى يكون أبلغ في وصول الماء، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم جمة.
قوله: «ثلاث مرات»: وفي بعض النسخ «ثلاث غرفات»: جمع غرفة، وهي قدر ما يغرف من الماء بالكف، قال تعالى: {إلا من اغترف غرفةم بيده}[البقرة:249]، وفي استحباب التثليث في الغسل قال النووي: ولا نعلم في ذلك اختلافا إلا ما انفرد به الماوردي فإنه قال: لا يستحب التكرار في الغسل، قال ابن حجر: وكذا قال القرطبي قال: وحمل التثليث في هذه الرواية على رواية القاسم عن عائشة فإن مقتضاها إن كل غرفة كانت في جهة من جهات <1/193> الرأس، قلت: وهذا المعنى لا ينافي التثليث؛ فإن غاية ما فيه وضع كل غرفة في جهة، فهو يتحرى بذلك التقصي في إيصال الماء كي لا يفوت شيء من الرأس، ففي رواية القاسم تبيين لمواقع الغرفات دون الاقتصار على ما دون الثلاث.
Page 227