Sharh al-Aqidah al-Wasitiyyah by Khalid al-Muslih
شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح
Genres
إثبات صفات العفو والمغفرة والصفح والعزة لله سبحانه
قال ﵀: [وقوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء:١٤٩]، وقوله: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور:٢٢]، وقوله: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون:٨]، وقوله عن إبليس: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص:٨٢]، وقوله: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:٧٨]] .
هذه الآيات فيها ثبوت صفة العفو والمغفرة والصفح والعزة لله جل وعلا، وهي صفات كمال له ﷾، وهي من الصفات الفعلية، فالمغفرة والعفو والصفح والعزة من صفات ذاته ﷾.
الآية الأولى قوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء:١٤٩] فيها إثبات صفة العفو، والعفو إذا ورد مطلقًا فالمراد به التجاوز والستر، فقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) أي: يتجاوز عن المسيء ويستر عليه.
وقوله: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور:٢٢] هذا فيه إثبات العفو، وفيه إثبات الصفح، وفيه إثبات المغفرة، ومعنى العفو: التجاوز، والصفح: الإعراض عن الخطأ والذنب، والمغفرة: الستر، وكلها صفات فعل ثابتة له ﷾ تتعلق بمشيئته.
وقوله ﷾: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون:٨]، وقوله: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص:٨٢] كل هذا مما تثبت به صفة العزة له ﷾، فهو العزيز الرحيم جل وعلا، والعزة التي اتصف الله بها تتضمن ثلاثة معاني: القوة والغلبة والامتناع، وكلها ثابتة لله ﷾، وهي من صفات الكمال، قال الله: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ) فالعزة التي لله هي القوة والغلبة والامتناع، فله العزة جل وعلا وصفًا، وله العزة أيضًا خلقًا وملكًا، فالتي له خلقًا هي العزة التي يهبها ﷾ لعباده المتقين، كالتي في قوله: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون:٨]، فالعزة التي للرسول والتي للمؤمنين هل هي صفة لله ﷿؟ لا، هي خلقه جل وعلا، والله ﷾ يهب العزة لمن يشاء كما قال ﷾: ﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران:٢٦]، فالعزة التي له هي وصفه ﷾، وهي فعله ﷾.
وقوله: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص:٨٢] هذا فيه إثبات أنها من صفاته، حيث أضافها إليه ﷾، وأخبر عن إقسام الشيطان بها في قوله: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص:٨٢] .
ثم بعد ذلك ذكر المؤلف ﵀ قول الله جل وعلا: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:٧٨] تبارك أي: تعاظم وتقدس وتعالى وتنزه، كل هذا يفسر به هذا الفعل، وهو قوله: (تَبَارَكَ) .
واعلم أن هذا الفعل وما تضمنه من وصف لا يطلق إلا على الله جل وعلا، ولذلك لم يذكره الله ﷿ في كتابه إلا له ولأسمائه، مثل قوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ [الملك:١] ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾ [الفرقان:١]، وأما إضافته إلى أسمائه ففي مثل قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:٧٨]، وذلك أنه معنى لا يناسب إلا الخالق جل وعلا، فلذلك لم يضف لغيره، ومعناه: الذي اجتمعت فيه صفات الكمال، فإن تبارك تدل على التعاظم، وعلى التعالي، وعلى المجد، وعلى كل صفة فضل وكمال، وعلى سعة تلك الصفات التي اتصف بها ﷾.
ومن لوازم هذا الاسم أنه ﷾ يبارك فيمن يشاء من عباده وخلقه، لكن من اقتصر في تفسير هذا الفعل بأنه الذي يهب البركة لمن يشاء فقد قصر في هذا المعنى، فإنه أوسع من ذلك وأجل وأعظم، فمعنى هذه الكلمة أجل من أن نحصره فقط في الذي يهب البركة لمن يشاء، لا شك أن من لوازم اتصافه ﷾ بهذا الفعل أن يكون ذلك المعنى ثابتًا، وهو أنه يهب البركة لمن يشاء، لكن المعنى أوسع من ذلك.
والتبارك أضافه ﷾ إلى أسمائه فقال: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ)، واسم مفرد مضاف يعم جميع الأسماء، ولو لم يكن من بركة الأسماء إلى أنها تدل على الخالق، وأنها تعرف الخلق به؛ لكان ذلك كافيًا، مع أن أسماءه ﷾ بركتها أوسع من ذلك، وبهذا نعلم بطلان مذهب المعتزلة الذين يقولون: إن الأسماء أعلام محضة لا تتضمن المعاني، فهو سميع بلا سمع، عليم بلا علم، بصير بلا بصر، قدير بلا قدرة، وقد افتروا على الله كذبًا؛ لأنها لو كانت أعلامًا مثل زيد وصالح وخالد وعمر وبكر، مجرد أعلام لا ينظر إلى معانيها؛ لما كانت مباركة، لكن لما أضاف البركة لهذه الأسماء، ووصفها بهذا الوصف، وأثبت لها هذا الفعل؛ دل ذلك على أنها تحتوي على معاني، ومن أجل ما يكون فيها من البركة أنها تدل على ما يتصف به ﷾ وما يجب له.
وقوله: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:٧٨] تقدم الكلام على قوله: (ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، وأن معنى: (ذي الجلال) أي: الكبرياء والعظمة، والإكرام هو المحبة والحمد.
ومن بركة أسمائه ﷾ أنه لا تستباح الذبائح ولا تحل إلا بذكر اسمه، ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام:١٢١] .
8 / 4