51

صاحب القيادة في هذه الصناعة يوم بدأ شكسبير في تأليف المسرحيات، وقد كان له شعار يلخصه في كلمتين: الصوت والسورة

Sound and fury

فلا تجوز المسرحية امتحانها عنده حتى يكون لها لفظ رنان يملأ الآذان وحركة دائمة تشغل الأذهان، وهو شعار كان شكسبير يؤمن بضرورته في بعض المسرحيات التي لا غنى فيها عن الروعة والتأثير، فإذا تفتح له باب الخلاص منه لم يتوان في ولوجه، كما يظهر من طريقته في روايات الملهاة؛ حيث تغني الفكاهة عن استرعاء الأسماع بالتفخيم والتأثير، وحيث درج المؤلفون فيها قديما على اجتناب لغة البطولة والقداسة قبل أن تتحول من لغة اللاتين والإغريق إلى لغة السوق والطريق. •••

ويلاحظ عند عرض أعماله في تسلسلها التاريخي أنه كان يميل إلى السلاسة والبساطة في مسرحياته ومنظوماته الأخيرة، وأنه كان أسرع إلى السلاسة والبساطة في المنظومات وتتلوها روايات الملهاة ثم روايات المأساة، كأنه كان يستفيد من طول الخبرة فيملك ناصية القلم ويستفيد من سعة الشهرة فيملك حريته مع قادة المسرح وجمهرة النظارة والقراء، وسبقت منظوماته سائر أعماله في هذا الاتجاه الفني؛ لأنه كان أقرب فيها إلى الاستقلال برأيه وهواه.

يقول هاليدي

Halliday

في كتابه «شكسبير والنقاد»: «يرى من وجهة الصنعة والأداء - أن النماذج المختارة - تبدي لنا تطوره في النظم من دوي السطر ذي المقاطع العشرة الذي اختاره مارلو إلى الأداة المرنة المونقة في المآسي والقصص.»

ثم يقول عن النثر بعد الاستشهاد ببعض النماذج: «إن هذه النماذج تبدي لنا تطورا شبيها بالتطور الذي أشرنا إليه في النظم انتقالا من الجفاف والحرص على النمط إلى الرشاقة والسجية الظاهرة، وانتقالا من صنعة ليلي

Lily

وشقشقة «الحب الضائع» إلى الحديث المصقول في براعة ويسر على لسان بنديك ولسان بتريس إلى ما هو أيسر من ذلك وأسلس في حوار هملت أو الحديث السهل النبيل في فاجعة ماكبث، وما نقوله هنا تعميم سريع، إذ لا شك أن تطور النثر من حيث هو أداة مسرحية أقل بروزا من تطور القصيد، وأقل انتظاما واطرادا منه؛ فلا يمتنع أن تبدو السهولة في كتابته الأولى أو تبدو الكلفة في كتابته الأخيرة، إلا أن الكتابة الأولى على وجه التعميم أقرب إلى اليبوسة والكلفة والتضلع - أو نتوء الزوايا - في حين تبدو الكتابة الأخيرة أقرب إلى المرونة والتنوع والخفة، أو هي - في كلمة واحدة - أقرب إلى الصبغة المسرحية.»

Unknown page