وشاع النبأ حتى تحدث به المماليك والجواري، ثم زاد شيوعا حتى عرفته شجرة الدر؛ فمس منها كبرياء الملكة وغيرة الأنثى في وقت معا، وغلا دمها، وثارت ثورة ملك أوشك أن يتحطم تاجه ويثل عرشه، وثورة امرأة أوشكت أن تنتزع من رجلها.
وكأنما خيل إليها غدها
1
وقد خلا الملك المعز إلى بنت بدر الدين صاحب الموصل، فتحدثت إليه بما تحدثت عن شجرة الدر في سخرية وشماتة، فطاب للملك المعز أن يستمع إلى حديثها في سخرية وشماتة كذلك.
وكأنما أبصرت بنت المنصور صاحب حماة جالسة على عرش بني أيوب، تجيل عينيها فيما حولها من أسباب الترف والنعمة وهي تقول: الحمد لله الذي رد علي ملك أجدادي وأهلي من بني أيوب، وأدال لنا من تلك الجارية! فيؤمن الملك المعز على قولها ويستطرد مجاملا: وهل كانت شجرة الدر في بني أيوب إلا جارية؟!
وامتد بها الوهم فكأنما أبصرت بنين وبنات من نسل المعز يمرحون في جنبات العرش ولا ولد لها، وكأنما جاهدت ما جاهدت طول حياتها لاستخلاص عرش بني أيوب لبنت بدر الدين أو بنت صاحب حماة وما تسلسل من بنيهما وبناتهما، وينتهي مجدها ليبدأ على أنقاضه مجد دولة بني أيبك الجاشنكير!
وتخيلت نفسها في وحشة الليل قد أغلق من دونها الباب ومضى أيبك يتنقل بين مقاصير نسائه يذوق من كل طعم ولا يشبع، وهي وحدها تتجرع غصص الآلام! •••
وكما يطارد الأطفال معتوها قد فقد نصف عقله فلا يزالون به حتى يرتد مجنونا قد فقد ما بقي من عقله، كذلك ظلت أوهامها هذه تطاردها!
وفقدت الأنثى الغيور نصف عقلها أسفا على المجد الذي توشك أن تخلعه أو يوشك أن يخلعها؛ وفقدت ما بقي حزنا على الرجل!
ثم فاءت إلى نفسها قليلا وراحت تدبر خطة.
Unknown page