وشعرت فرانسي بالألم يحز في قلبها مرة أخرى، ترى هل كان أبوها لا يريدها، لا هي ولا نيلي؟ - لم يريد رجل مثلي أن تكون له أسرة؟ ولكنني أحببت كاتي روملي، أوه إنني لا ألوم أمك.
ثم أردف سريعا: لو لم أتزوجها لتزوجت هيلدي أودير، وأنت تعلمين أن أمك لا تزال تغار منها، ولكني حين قابلت كاتي قلت لهيلدي: فليذهب كل منا في طريقه، وهكذا تزوجت أمك وأنجبنا الطفلين، وإن أمك يا فرانسي امرأة طيبة، لا تنسي ذلك أبدا.
وكانت فرانسي تعلم أن أمها امرأة طيبة، كانت تعلم ذلك، وأبوها يقول ذلك، فما بالها إذن تحب أباها أكثر من أمها؟ لماذا تحبه أكثر؟ إن أباها ليس صالحا، وقد اعترف بذلك، ولكنها كانت تحب أباها أكثر من أمها. - نعم، إن أمك تشقى في العمل، وأنا أحب زوجتي وأحب طفلي.
وشعرت فرانسي بالسعادة مرة أخرى. - ولكن ألا يجدر بالرجل أن تكون له حياة أفضل؟ قد يحدث في يوم ما أن تتولى الاتحادات تدبير العمل للرجل، وتعطيه وقتا لمتعته أيضا، ولكن ذلك لن يكون في أيام حياتي، فالمرء الآن بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يعمل جاهدا كل وقته، وإما أن يصبح من المتعطلين، وحين أموت لن يذكرني أحد طويلا، ولن يقول أحد: «كان رجلا يحب أسرته ويؤمن بالاتحاد.» كل ما سوف يقولونه: «وا أسفاه! لم يكن إلا سكيرا من أي زاوية نظرت إليه، أجل إنهم خليقون بأن يقولوا ذلك.»
وكانت الحجرة هادئة كل الهدوء، وألقى جوني نولان لفافة التبغ التي احترقت حتى نصفها من النافذة العارية من الستائر بحركة تنم عن المرارة والحسرة، وكان قد أحس بنذير ينذره بأنه يستنفد حياته بسرعة بالغة، وأنها تتسرب من بين يديه كذرات الرمال، ونظر إلى الفتاة الصغيرة وهي تكوي في هدوء بالغ ورأسها محني على المائدة، فأثر في نفسه ما رآه من حزن رقيق يرتسم على وجه الطفلة النحيل، ومضى إليها ووضع ذراعا حول كتفيها النحيلتين وقال: «أنصتي! لو أنني حصلت على قدر كبير من النفحات هذه الليلة، فسوف أراهن بالنقود على جواد طيب، أعلم أنه سيجري يوم الإثنين، سوف أراهن عليه بدولارين وأكسب عشرة ، ثم أراهن بالعشرة على جواد آخر أعرفه وأكسب مائة، ولو أنني قدحت ذهني وواتاني بعض الحظ فسوف أزيدها إلى خمسمائة دولار.»
وكان يعلم بينه وبين نفسه أنها أحلام اليقظة، حتى حين كان يسبح بخياله فيما سوف يربحه، ولكنه فكر كم يكون رائعا لو تحقق كل شيء يهجس به المرء! ومضى في حديثه: أتعلمين إذن ما الذي نويت أن أفعله أيتها المغنية الأولى؟
وابتسمت فرانسي في سعادة، وسرها أن يناديها بالاسم المستعار الذي كان قد أطلقه عليها وهي طفلة؛ لأنه أقسم حينئذ إن بكاءها كان متنوع الألوان منغوما، كأنما هي مغنية من مغنيات الأوبرا. - لا، ما الذي نويت أن تفعل؟ - سآخذك في رحلة، أنت وأنا فقط أيتها المغنية الأولى، سنهبط نحو الجنوب حيث يتفتح نوار القطن.
وأطربته الجملة فقالها ثانية: سنهبط نحو الجنوب حيث يتفتح نوار القطن.
ثم تذكر أن الجملة شطر بيت من أغنية يعرفها، فوضع يديه في جيوبه وصفر، وبدأ يقلد بات روني في رقصات الفالس التي عرف بها، ثم مضى يغني:
حقل مشرق باللون الأبيض في نصوع الثلج،
Unknown page