Shajarat tanmū fī Brooklyn
شجرة تنمو في بروكلين
Genres
وخمد اللهب الأخير فأعلنت على نحو تمثيلي مخاطبة غلاية الماء: في النار الموقدة يذهب مستقبلي في الكتابة.
وشعرت فجأة بالفزع والوحدة، كانت تريد أباها، نعم كانت تريد أباها، لا يمكن أن يكون قد مات، نعم لا يمكن أن يكون قد مات، ولسوف يأتي بعد برهة يجري على السلم مغنيا أغنية «مولي مالون» فتفتح له الباب، وهناك يقول: «مرحى أيتها المغنية الأولى» فتجيبه: «أبتاه لقد رأيت حلما مزعجا، حلمت أنك مت.» ثم تحكي له ما قالته الآنسة جاردنر، وسوف يجد من الكلمات ما يقنعها بأن كل شيء على ما يرام، وانتظرت وهي ترهف السمع، ربما كان ذلك حلما ولكن لا! ليس هناك حلم يمتد إلى ذلك الحد، كانت هي الحقيقة، لقد مضى الأب إلى غير عودة.
ووضعت رأسها على المائدة ونشجت، وقالت بينها وبين نفسها باكية: إن أمي لا تحبني كما تحب نيلي، لقد حاولت مرارا أن أجعلها تحبني، إني أجلس بالقرب منها، وأذهب أينما تذهب، وأفعل كل ما تطلبه مني، ولكني لا أستطيع أن أجعلها تحبني كما أحبني أبي، ثم تذكرت منظر وجه أمها في عربة التروللي، حين جلست تسند رأسها على ظهر المقعد، وعيناها مغمضتان، وتذكرت كيف بدت أمها شاحبة متعبة. إن أمها تحبها فعلا، إنها تحبها بلا شك، ولكنها لا تستطيع أن تظهر حبها على نحو ما كان أبوها يفعل. وكانت أمها مكافحة، فهي تتوقع وضع الطفل في أية دقيقة، ولا تزال تخرج للعمل، لنفرض أن أمي ماتت وهي تضع الطفل! وتجمد الدم في عروق فرانسي لهذا الخاطر، ماذا عساها هي ونيلي أن يفعلا بدون أمهما؟ إلى أين يذهبان؟ إن إيفي وسيسي أشد فقرا من أن تؤوياهما، إنهما لن يجدا مكانا يعيشان فيه، فليس لهما في هذا العالم سوى أمهما.
وابتهلت فرانسي: يا إلهي الرحيم! لا تجعل أمي تموت، أنا أعلم أنني قلت لنيلي إنني لا أومن بك، ولكني أومن بك! أومن بك! لقد قلت ذلك لمجرد القول، لا تعاقب أمي، إنها لم تفعل سوءا، لا تنتزعها منا لأنني قلت إنني لا أومن بك، إنني سوف أهب لك كتاباتي إذا أبقيت على حياتها، بل ولن أكتب أبدا قصة أخرى إذا أبقيت على حياتها فحسب، أيتها العذراء مريم! ناشدتك أن تطلبي من ابنك المسيح أن يسأل الله الإبقاء على حياة أمي.
ولكنها شعرت أن دعاءها ضاع سدى، وأن الله كان يذكر قولها بأنها لم تكن تؤمن به، وسوف يعاقبها بأن يأخذ منها أمها، كما أخذ أباها، وانتابتها نوبة جنونية من الفزع، وظنت أن أمها قد ماتت حقا، واندفعت خارجة من المسكن تبحث عنها، ولم تكن كاتي تقوم بالتنظيف في منزلهم، وذهبت إلى المنزل الثاني وجرت صاعدة قلبات السلام الثلاث وهي تصيح «أمي!» ولم تكن أمها في ذلك المنزل، وذهبت فرانسي إلى المنزل الثالث والأخير، ولم تجد أمها في الطابق الأول، وكذلك لم تجدها في الطابق الثاني، لم يبق إلا طابق واحد، فإذا لم تكن أمها هناك، فإنها تكون قد ماتت وقضي الأمر، وصرخت: أمي! أمي!
وجاء صوت كاتي الهادئ من الطابق الثالث: إنني هنا فوق، لا تصيحي هكذا.
وانهارت فرانسي انهيارا تاما من فرط شعورها بالخلاص، ولم تكن تريد أن تعلم أمها أنها كانت تبكي، فبحثت عن منديل يدها فلم تجده، وجففت دموعها في معطفها الصغير، وصعدت الطابق الأخير في بطء: أهلا أمي. - هل حدث شيء لنيلي؟ - لا يا أمي (إنها تفكر دائما في نيلي أولا).
وقالت كاتي باسمة: حسنا! أهلا إذن.
وظنت أن خطأ ما وقع في المدرسة، وأثار فرانسي: حسنا ... فها أنا ذا ... فماذا دهاك؟ - هل تحبينني يا أمي؟ - إنني أكون امرأة تافهة مدعاة للسخرية إذا لم أحب أولادي، أليس كذلك؟ - أتظنين أنني حسنة المنظر مثل نيلي؟
وانتظرت في قلق جواب أمها لأنها كانت تعلم أن أمها لا تكذب أبدا، وجاء جواب أمها بعد وقت طويل: إن لك يدين جميلتين وشعرا طويلا غزيرا جميلا.
Unknown page