ذهب التابع. نظر الشاب إليها باهتمام ورثاء وقال: ثمة شيء في عينيك، أنت متعبة حقا. - أعراض عابرة سرعان ما تزول. - يخيل إلي أن هذا الدرب ليس بالمكان المناسب لك!
فقالت بسخرية: ربما، لعل المكان الأنسب هو السجن أو القبر. - أعوذ بالله! - أليس الأفضل أن نذهب إلى الداخل لنغير المكان والحديث؟
فتردد الشاب قليلا ثم قال: في وقت آخر .. ولكن ... أنت متعبة حقا. - حقا؟!
ووقفت فجأة كأنما تنتزع نفسها من كابوس. وخبت نظرة عينيها، وأخذت تتنفس بعمق وبجهد كأنما تحشر الهواء في قناة مسدودة. وقف منزعجا واقترب منها خطوة، ولكنها أشارت إليه أن يبتعد. خاضت معركة مجهولة وحدها بلا نصير وبلا استجداء. ثم انقشعت السحابة السوداء فاستردت العين نظرتها المألوفة. تنهدت، ابتسمت في استسلام، ثم انحطت فوق مقعدها. غمغمت: لا شيء. - ولكنك ... - انتهى. - أأنت بخير؟ - نعم، اجلس.
جلس وهو لا يحول عنها عينيه. - أعتقد أنه يلزمك راحة طويلة. - تلزمني راحة أطول مما تتصور! - وهل تستطيعين أن ترقصي؟ - أستطيع، لا أستطيع، سيان!
وشحب لونها من جديد. وخبت نظرتها. - أنت متعبة يا عزيزتي! - حقا! وماذا بعد؟ الطريق طويل. - دعي الأمر لي. - طريق طويل، أطول مما تتصور. - حالتك تزداد سوءا.
ورجع التابع يحمل كأسين في يديه ويدندن، وقال وهو يلقي عليهما نظرة باسمة: كعروسين في شهر العسل.
فقال له الشاب: إنها ليست على ما يرام.
فقطب متسائلا وهو يحدجها بنظرة ارتياب: عادت للبكاء؟
ولكنه قرأ في صفحة وجهها شيئا جديدا. قدم لها كأسا، ولكنها أطاحت به ضجرة فوقع على البلاط وتحطم مختلطا بسائله، وتأوهت بعمق طارحة رأسها على مسند الكرسي، وصادف ذلك قدوم المعلمة، فنظرت إليها عابسة وتساءلت: ما لها؟
Unknown page