ابنة عم سيرانو دي بيرجراك، وهي فتاة شريفة متعلمة، وافرة الفضل والذكاء، عالية الهمة، عفيفة الذيل، مولعة بالشعر والأدب؛ إلا أنها كانت تذهب في ذوقها الأدبي مذهب النساء المتحذلقات في ذلك العصر، أي إنها كانت كثيرة التكلف في أحاديثها وإشاراتها، وكان لا يعجبها من الكلام إلا ذلك النوع الذي يسمونه بالصناعة اللفظية، ولا من المعاني إلا تلك الخيالات الطائرة الهائمة على وجهها التي لا أساس لها في الحياة، ولا وجود لها في فطرة النفس وطبيعتها.
وقد نشأت يتيمة منقطعة، لا أهل لها ولا أقرباء إلا ابن عمها سيرانو، إلا أنها كانت تعيش عيشا رغدا هنيئا بفضل الثروة الواسعة التي ورثتها عن أبويها، فأحبها كثير من النبلاء والأشراف، وعرضوا عليها الزواج فلم تحفل بهم، وأحبها «الكونت دي جيش» - وهو أحد قواد الجيش الفرنسي، وكان متزوجا بابنة أخت الكردينال دي ريشلييه - فأراد أن يستخدم نفوذه وجاهه في حملها على الزواج من فتى من أشياعه اسمه الفيكونت فالفير، على الطريقة المعروفة في ذلك العهد عند الملوك والنبلاء، فدفعته عنها برفق وحكمة، خوفا على نفسها منه، وظلت تماطله زمنا طويلا، حتى أحبها البارون كرستيان دي نوفييت، فأحبته وأخلصت له إخلاصا عظيما، ولم يكن في الحقيقة متصفا بصفات الفطنة والذكاء والنبوغ التي كانت تظنها مجتمعة فيه، لولا الحيلة الغريبة التي احتالها عليها سيرانو حتى أوهمها ذلك، وهنا نكتة الرواية وبيت قصيدها، ثم تزوجت منه بعد ذلك زواجا سريا، ولكنها لم تكد تضع شفتها على الكأس حتى انتزعت منها، وكان هذا آخر عهدها بسعادة الحياة وهنائها.
كرستيان دي نوفييت
نبيل من نبلاء الريف، وفد إلى باريس ليلتحق بفرقة الحرس من الجيش الفرنسي - كما كانت عادة الأشراف في ذلك العهد - وهي الفرقة التي كان يعمل فيها سيرانو، وكان فتى جميل الصورة، شريف النفس، طيب القلب، إلا أنه كان أقرب إلى البلادة منه إلى الذكاء؛ فوقع نظره على روكسان في حانة بوروجونيا، فأحبها وأحبته على البعد، وكان قد علم من أمرها أنها فتاة قديرة متفوقة، ذكية الفؤاد، غزيرة العلم، قوية الإرادة، لا يعجبها من الرجال إلا الأذكياء المتفوقون، فهاب الدنو منها، ومفاتحتها في شأن حبه، وخشي أن يسقط من عينها سقطة لا قيام له من بعدها، ولم يزل هذا شأنه حتى أدركه سيرانو، واحتال له تلك الحيلة الغريبة المدهشة، التي جعلت روكسان تعتقد أنها قد أحبت أذكى الناس وأسماهم عقلا، وأبعدهم غورا، وأطلقهم لسانا، وأبلغهم قلما، لا يريد بذلك إلا سعادتها وهناءها، وهو يتهالك بينه وبين نفسه غما وكمدا؛ لأنه وهو ظامئ هيمان يقدم الكأس بيده للشاربين ولا يذوق منها قطرة واحدة.
الكونت دي جيش
أحد قواد الجيش الفرنسي، وهو من أصل جاسكوني كسيرانو وروكسان، إلا أنه كان يذهب في حياته مذهبا غير مذهب أبناء جلدته الجاسكونيين، في قناعتهم وخشونتهم وبساطة عيشهم، بل كان رجلا واسع المطامع، شغوفا بالمعالي، متطلعا إلى المناصب العليا والمراتب الكبرى، وقد تم له ما أراد من ذلك بجده واجتهاده، فأصبح قائدا من قواد الجيش الفرنسي، وصهرا للكردينال دي ريشلييه.
وقد رأى روكسان في طريقه مرة فشغف بها شغفا عظيما، وأراد أن يضمها إليه من طريق تزويجها من أحد صنائعه، فاحتالت للخروج من ذلك المأزق بحيلة لطيفة جدا، وتزوجت من الرجل الذي أحبته بمعونة ابن عمها سيرانو، فعاداها الكونت من أجل ذلك، وانتقم منها ومن زوجها ومن سيرانو انتقاما هائلا.
لينيير
شاعر مسكين من أصدقاء سيرانو، نظم قصيدة طويلة هجا بها الكونت دي جيش، وعرض فيها بقصته مع روكسان، وفضح جريمته التي أراد أن يقترفها معها، فحقد عليه الكونت حقدا شديدا، ودس كمينا مؤلفا من مائة رجل ليقتلوه عند رجوعه إلى منزله ليلا، لولا أن أدركه سيرانو، وأعانه على أعدائه فنجا.
لبريه
Unknown page