Scholars Are the Preachers
العلماء هم الدعاة
Publisher
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Genres
" تمهيد "
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فإن الحديث عن الدُّعاة وعن العلماء، أصبح في ظروفنا المعاصرة أمرا ضروريا. خاصة حينما انتشر مفهوم خاطئ عند الناس، في هذا العصر، وهو: مفهوم التفريق بين العالم والداعي. وبين العلم والدعوة.
وبين الفقه في الدين والفقه في الدعوة. وما نتج عن هذا المفهوم من ظواهر خطيرة في الدين، وفي السلوك، وفي الأفكار، وفي المفاهيم، وفي التعامل والمواقف، والولاء والبراء.
1 / 1
ومنشأ الموضوع في ذهني: أني رأيت كثيرا من الدعاة، والحركات الإسلامية المعاصرة التي تتصدر الدعوة في العالم الإسلامي، قد نشأ عندها هذا الفصام. وهذا التفريق المبتدع بين الداعي إلى الله- ﷾ وبين العالم، أو بين المتصدي للدعوة إلى الله- أو المحترف للدعوة وبين العالم والشيخ. أو بين العلماء وطلاب العلم، وبين الدعاة وأتباع الحركات الدعوية، ونظرا لما لهذا الانفصام والخلل من عواقب وخيمة قد تؤدي إلي الافتراق المذموم، فلابد من الحديث عن هذا الأمر على وجه النصح لا على وجه التشهير، وسأتحدث في هذا الموضوع عن بعض المسائل، لأن الموضوع متشعب وطويل، ذو شجون.
1 / 2
المسألة الأولى:
في التعريفات المتعلقة بعنوان هذه المحاضرة، (١) والتي هي " العلماء هم الدعاة ".
أ - مفهوم العلماء وسماتهم:
فالعلماء المقصود بهم: العالمون بشرع الله، والمتفقهون في الدين، والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، على سنة رسول الله ﷺ، وسلف الأمة، الداعون إلى الله بالحكمة التي وهبهم الله إياها: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (البقرة: من الآية ٢٦٩) .. والحكمة: العلم والفقه.
فعلى هذا؛ فالعلماء بهذا التعريف: هم الدعاة بداهة، والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء هم الدعاة، فأجدر من يتصدر الدعوة بعد الأنبياء- وقد انقضت النبوة وانتهت-: هم العلماء وذلك:
أولا: لأنهم ورثتهم. والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، إنما ورثوا هذا العلم. والدعوة إنما تكون بالعلم، فأهل العلم هم الدعاة.
ثانيا: العلماء هم حجة الله في أرضه على الخلق، والحجة لا تقوم إلا على لسان داعية بفقهه وبعلمه وبقدوته، فعلى هذا، فالعلماء هم أجدر الناس بالدعوة.
_________
(١) ألقيت هذه المحاضرة بمسجد القدس بحي الروابي بالرياض في جمادى الثانية ١٤١٢هـ
1 / 3
ثالثا: العلماء هم أهل الحل والعقد في الأمة، وهم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم، كما قال غير واحد من السلف في تفسير قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ النساء: ٥٩،. قال مجاهد: هم أولوا العلم والفقه. (١) . وإذا كانوا هم أولوا الأمر فولايتهم للدعوة من باب أولى.
رابعا: العلماء هم المؤتمنون على مصالح الأمة العظمى، على دينها، وعلى دنياها وأمنها؛ ومن باب أولى أن يكونوا هم المؤتمنون على الدعوة وشئونها.
خامسا: العلماء هم أهل الشورى الذين ترجع إليهم الأمة في جميع شئونها ومصالحها. وإذا كانوا يستشارون في جميع مصالح الأمة- في دينها ودنياها- فمن باب أولى أن يكونوا هم أهل الشورى في الدعوة وقيادتها.
سادسا: العلماء هم أئمة الدين، والإمامة في الدين فضل عظيم، وشرف ومنزلة رفيعة، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ السجدة: ٢٤،. والإمامة في الدين تقتضي بالضرورة الإمامة في الدعوة. وما الدين إلا بالدعوة، وما الدعوة إلا بالدين..
_________
(١) أخرجه أبو خيثمة في (العلم)، وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، بلفظ: «هم الفقهاء والعلماء»، وله لفظ آخر: «أصحاب محمد، أهل العلم والفقه والدين» عزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر واشتهر هذا التفسير عن غير واحد من السلف. قال ابن عباس: (أهل العلم) أخرجه ابن عدي في «كامله» . وقال جابر بن عبد الله: (أولي الفقه وأهل الخير) أخرجه الحاكم وصححه. وقال أبو العالية: (هم أهل العلم) أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير، وزاد ابن كثير: عن عطاء والحسن البصري.
1 / 4
سابعا: العلماء هم أهل الذكر، والذكر بالعلم والدعوة، كما قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل: ٤٣. فعلى هذا هم أهل الدعوة إلى الله تعالى.
ثامنا: العلماء أفضل الناس كما قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ المجادلة:١١. وأفضل الناس هو الداعي إلى الله.
تاسعا: العلماء هم أزكى الناس، وأخشاهم لله، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فاطر ٢٨،. وإذا كانوا هم كذلك، فهم الأجدر أن يكونوا هم الدعاة على هذه الصفات، وهم الأجدر أن يكونوا هم القادة والرواد في الدعوة.
عاشرا: العلماء هم الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر بالعلم والحكمة، إذا فالعلماء هم الدعاة.
حادي عشر: العلماء هم شهداء الله الذين أشهدهم الله على توحيده، وقرن شهادتهم بشهادته- سبحانه- وبشهادة ملائكته؟ وفي هذا تزكيتهم وتعديلهم، فقال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ ومن كانوا كذلك فهم المؤتمنون على الدعوة، وهم الأَوْلَى بقيادتها وريادتها.
1 / 5
هذا على وجه العموم، فالعلماء هم أهل هذه الخصال. ولا يلزم أن تتوفر كل هذه الخصال في كل عالم، فالكمال لا يكون إلا لله- سبحانه- لكنهم في الجملة- أي العلماء- لاشك أنهم المتميزون بهذه الصفات الجديرون بها.
**بطلان دعوى خلو الأرض من العلماء القدوة**
والعلماء لا يمكن أن تخلو الأرض منهم، وهذا دفعا لدعوى قد يدعيها بعض الجهلة ممن ينتسبون للدعوات والحركات المعاصرة وغيرهم وهي زعم بعضهم: أنه لا يوجد علماء قدوة، أو أن العلماء الذين يمكن الاقتداء بهم: مفقودون، أو أنهم يتهمون بمطاعن تسقط اعتبارهم، أو نحو هذا من الدعاوى التي لا تجوز شرعا- بل هي مخالفة للواقع، ومخالفة لصريح النصوص، فإن الله- ﷾ تكفل بحفظ هذا الدين، وتكفل بحفظ طائفة من الأمة تبقى ظاهرة منصورة، أمرها بَيِّن- وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بأهل الحجة والقدوة. وهم العلماء، والصفات التي ذكرتها، تتوفر في كل مكان، وكل وقت بحسبه- قوة وضعفا- لكن لا يمكن أن يخلو كل الزمان وكل المكان في الأرض من العلماء- كما ذكرته- إلى قيام الساعة.
1 / 6
ب - مفهوم الدعاة:
أما بالنسبة للدعاة: فقد عرفنا أن العلماء هم الدعاة، لكن تنزلا للمصطلحات والألفاظ، فإنا نقول:
الدعاة هم: الداعون إلى الله، على بصيرة.
والبصيرة هي اتباع هدي رسول الله ﷺ وهو الفقه في الدين،
وأول من تتوفر فيه هذه الصفات- لا شك أنهم العلماء، لأن الرسول ﷺ، أمر أن يقول بأن سبيله: الدعوة إلى الله على بصيرة، ولا تأتي البصيرة إلا بالعلم والفقه في الدين، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ يوسف: ١٠٨،. ولا شك أن أتباع الأنبياء بالأولى هم العلماء.
1 / 7
جـ - والدعوة:
هي السعي لنشر دين الله- عقيدة وشريعة وأخلاقا، وبذل الوسع في ذلك، ويتحقق هدف الدعوة إلى الله بالعلم والعمل والقدوة، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح والاستقامة والإخلاص والتجرد، وهذه الأركان أكثر ما تتوفر في العلماء.
.*.*.* إشكالات مفترضة، وجوابها.*.*.*.
وهنا لا بد من الاستدراك، قبل أن أفصل في بعض النقاط المهمة في المسائل التي تلي، حيث قد يرد سؤالا عند بعض الناس:
أولا: هل يعنى هذا أنه لا يدعو إلى الله إلا عالم؟
بالطبع لا، بل على كل مسلم عرف شيئا من الدين، وتبصر به: أن يدعو إليه بعد التبصر، وفَقِهَ المسألة التي يدعو إليها. وإنما أقصد أن الذي تتوجه إليه النصوص الشرعية، والذي عليه عمل السلف.
أن قيادة الدعوة، وريادتها، وتوجيهها. لا بد أن يكون من العلماء، وفي العلماء، وأقصد: أن العلماء لا بد أن يتصدروا الدعوات في كل أمر ذي بال، ولابد أن نجعلهم هم القادة، وهم المرجع، والموجهين في الدعوة إلى الله- ﷾ ولا يكونوا مجرد مستشارين عند الحاجة كما يفعل كثير من (أصحاب الدعوات) .
1 / 8
فالعلماء لا بد أن يكونوا هم المتصدرين للدعوة، وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن في الأمر خللا لا بد من استدراكه، وخطأ لا بد من تصحيحه، بل إن لم يكن الأمر كذلك فإن الدعوة ستنحرف لا قدر الله وتعصف بها الأهواء.
ثانيا: ربما يقال: إن العلماء لم يرفعوا راية للدعوة:
فأقول: هذا الإشكال لا يصح، لأنه نابع عن قصور في النظرة للعلماء، فالمنصف يجد أن العلماء- في الجملة- قاموا بما يسعهم من واجب التبليغ ونشر العلم والنصح للأمة والولاة والعامة، كل منهم حسب ما يستطيع، وحسب ما يرى من أساليب يتأدى بها الواجب، ويجب أن لا نتوقع منهم الإشادة بجهودهم أو الدعاية لأنفسهم. ذلك أن الأصل في أهل العلم: (أنهم يُسْعَى إليهم لأخذ العلم عنهم، ولا يَسْعَوْنَ إلى الناس) . والأصل في أهل العلم: أن يكون لهم سمت أساسه التواضع، وأن يكون لهم حق على الأمة، كما أن الأصل في العلماء: أن لا يرفعوا فوق رؤوسهم رايات، ولا يرفعوا شعارات، ولا يطلبوا الانتماءات إليهم، ونحو ذلك مما هو من لوازم بعض الدعوات المعاصرة.
فالعلماء يُقصدون، ويجب أن يلتف حولهم عامة الناس، وطلبة العلم بخاصة.
1 / 9
رفع الرايات والشعارات للدعوات من قِبَلِ من لهم شأن في الأمة- ليس من هدي السلف، فمن رفعه الله بالعلم والتقوى وجب على الأمة أن ترفع قدره. وأقصد: إن إخضاع العلم للدعاية أو للشعارات أو الانتماءات لم يكن من خصال السلف، بل هو من خصال أهل الأهواء والفرق، أما أهل السنة: فهديهم السنة والجماعة- وهي ليست شعارا يرفع، إنما هي سبيل المؤمنين، وصراط الله المستقيم وسنة سيد المرسلين ﷺ.
1 / 10
المسألة الثانية:
بيان أن الأصل في الكتاب والسنة وما اتفق عليه جمهور سلف الأمة، وهو هديهم.
أن العلماء هم الدعاة، وأن الدعاة- أصلا- هم العلماء، وأن غيرهم تبع لهم، فكما أسلفت: كل طالب علم وكل مسلم عليه أن يدعو إلى الله بقدر وُسْعِهِ، وعلى بصيرة في الأمر الذي يدعو إليه- وكل ذلك مشروط بالتبعية لأهل العلم، لأنهم هم قادة الأمة، وهم من أهل الحل والعقد فيها- وهم جماعتها.
1 / 11
المسألة الثالثة:
في الحديث عن هذه الظاهرة التي أشرت إليها، وهي: الفصل بين العلماء (أي علماء الشرع: أهل الفقه في الدين) وبين الدعاة، أو بين العلم والدعوة (أي طلب العلم الشرعي والدعوة)، وهذا الفصل- مع الأسف- تركز في أذهان كثير من المسلمين في هذا العصر، لأسباب كثيرة- سأذكر شيئا منها فيما بعد.
بل إن هذا المفهوم الخاطئ لم يتركز في الأذهان فقط، بل صار له أثر في الواقع أي فيما تعيشه الدعوات، وما يعيشه كثير من الدعاة في كثير من بلاد العالم الإسلامي وكما أسلفت كان التفريق بين العلماء والدعاة من سمات أهل البدع، حيث إنهم اتخذوا رؤوسا جهالا. والداعية عندهم- أعني أهل الأهواء والبدع- هو من يخضع لأهوائهم، ويلتزم بها، ويقول بمقولاتهم وينشرها وينتصر لها، ولو لم يفقه من الدين شيئا.
ونجد هذا جليا في الفرق الأولى: كالخوارج، فإن دعاتهم ليسوا العلماء الأكابر، لا فيهم ولا من غيرهم، بل بضاعتهم في الفقه والعلم قليلة وعلى غير طرق سليمة، وكذلك الرافضة: دعاتهم جهالهم، بل أجهل الناس وأقلهم أحلاما، وهكذا المعتزلة، والقدرية، وأهل الكلام، وسائر الفرق على هذه السمة- غالبا- على تفاوت بينهم.
1 / 12
فهؤلاء- أي أهل الافتراق- هم الذين يفصلون بين الدعوة وبين الفقه في الدين، لأنهم- أصلا- يقل فيهم الفقه في الدين. وأكثر زعمائهم ودعاتهم إنما يمتازون بالولاء لفرقتهم، وبالولاء للمقولات التي هم عليها، ولا يفقهون من الدين إلا القليل، ومنهم من لا يفقه شيئا.
وأغلب دعاة هذه الفرق والذين نشروها في الأقاليم الإسلامية قديما من العوام ومن الجهلة أو الذين لهم أهداف وأغراض شخصية أو شعوبية، أو عصبيات، ويسيطر عليهم الجهل المهلك.
1 / 13
المسألة الرابعة:
أن هذه الخصلة- مع الأسف- سمة ظاهرة، بدأت تظهر في كثير من الدعوات المعاصرة، وكثير من الحركات الإسلامية- وهي في خارج هذه البلاد أكثر، لكن لا يسعنا إلا أن نتكلم عنها لأسباب:
أولها: أننا لا بد أن نحمل هموم جميع المسلمين في كل بقاع الأرض وهذا واجب شرعا على كل داعية، فعلى كل عالم أن يحمل هم المسلمين لا في إقليم واحد، بل في جميع بقاع الأرض. والمسلمون؛ الأصل فيهم أنهم أمة واحدة، ومقتضى النصح والإشفاق عليهم. بيان ما فيهم من خير وتشجيعهم عليه. وبيان ما فيهم من أخطاء، والتنبيه عليهم، ونصحهم بالعدول عنها.
ومن هذا المنطلق سأتوقف عند ذكر بعض ظواهر الخطأ في هذا الموضوع، في بعض الحركات الإسلامية خارج هذه البلاد.
1 / 14
وثانيها: أن بعض هذه الظواهر- أي الفصل بين العلماء والدعاة- بدأت تظهر عند طوائف من الشباب- عندنا-، وبعض المفكرين، وبعض المثقفين، لسبب أو لآخر، فمن هنا كان لا بد من الكلام عن أوضاع الدعوات المعاصرة، بمجملها، في جميع العالم الإسلامي، وليس في بلد واحد، لأنها يستمد بعضها من بعض.
أعود إلى هذه الخصلة- أو هذه السمة التي وقع فيها كثير من الدعاة والدعوات المعاصرة، وهي: (أن الدعاة عندهم غير العلماء والداعية غير العالم)، وهذا المفهوم بدأ ينمو في أذهان بعض الناس- مع الأسف- وقد تأصلت هذه المفاهيم حتى في أعمال الدعاة، وفي حركاتهم، وفي مواقفهم، وفي مناهجهم، فصاروا يفصلون بين العالم (الشيخ) وبين الداعية، وأدى ذلك الفصل إلى عواقب وخيمة.
1 / 15
فالداعية عندهم: هو من ينشط في الدعوة والحركة، لتحقيق مراد أصحابها، أو لتحقيق أهدافها، أو يواليها ويرفع شعارها، ويجمع الناس حوله على هذا الشعار. هذا هو الداعية عند كثير من الدعوات المعاصرة، بصرف النظر عن علمه وفقهه، بل الغالب أنه يكون من قليلي الفقه وقليلي العلم الشرعي. والمشايخ بمفهوم هؤلاء- القاصر- ليسوا دعاة، ولا يصلحون لأن يسهموا في الدعوة أو أن يدخلوا في إطارها أو نطاقها، لأنهم فيهم وفيهم! وبسبب هذا الفصل ظهرت أمور، سنشير إلى شيء منها.
1 / 16
أولا: اتخاذهم رؤوسا جهالا، - أغلبهم- لا يفقهون من الدين إلا ما يحلو لهم. وغاية ما يملك بعضهم من العلم، إنما هو مجرد أفكار وثقافات أشتات، زادُ كثير منهم مجرد العواطف والحركة، حتى كاد أن يكون مصطلح الداعية عندهم من ليس بعالم، وأن العالم ليس بداعية. وأحيانا يقولون: فلان داعية- أي ليس بعالم- وفلان شيخ من المشايخ - أي ليس بداعية! وهذا وقوع فيما حذر منه الرسول ﷺ من اتخاذ (رؤوسا جهالا)، يفتون بغير علم، فيضلوا ويضلوا فيما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ أن النبي ﷺ قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما: اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» (١)
_________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه (١ / ٢٣٤) كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، وفي (١٣ / ٢٩٥) كتاب الاعتصام، باب ما يذكر من ذم الرأي..، ومسلم في صحيحه (٢٠٥٨، ٢٠٥٩) كتاب العلم- باب رفع العلم وقبضه.
1 / 17
ثانيا: قلة وجود العلماء والمشايخ، والمتفقهين في الدين، المتضلعين في العلوم الشرعية بينهم، في أكثر الدعوات المعاصرة مع أن وجود أهل العلم المتفقهين في الدين شرط من شروط الدعوة إلى الله- ﷾ خاصة في الدعوات الكبرى، التي ينضوي تحت لوائها جماعات وفئام من الناس، فهذه لا ينبغي أن يفقد فيها العالم، أو أن يكون العالم فيها مغمورًا، أو لا يتصدر الدعوة.
1 / 18
ثالثًا: قصور النظرة في فهم قدر العلماء والمشايخ، وبمنزلتهم عند كثير من أتباع هذه الدعوات. فمن هنا وُجِدَ من بعضهم اتهام للعلماء بالقصور أو التقصير أو قلة الوعي، أو أي نوع من أنواع التنقيص لتبرير عدم صلة الدعاة بالعلماء. بل إن بعض الدعاة يرفع نفسه ودعوته على حساب الكلام في أعراض العلماء، وهذا الأمر- وإن كان كشفه مؤلمًا- لكن لا بد من ذكره، ولابد من السعي لعلاجه.
1 / 19
رابعًا: توريط بعض شباب الأمة بالانتماء للشعارات والقيادات الدعوية، وليس لأهل العلم والعلماء، بل أصبح الانتماء للشعار والجماعة الدعوية أكثر منه للسنة والجماعة وأهل العلم (١) .
_________
(١) أقرأ كتاب (حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية) للشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد فهو مفيد جدًا.
1 / 20