بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نصب على عباده شرادقات العز وألان ، ومد بين يديهم موائد اللطف والإحسان ، وخفض راية أهل الظلم والفساد والطغيان ، ورفع دينه بنصب جزبه على سائر الأديان ، ببعثة المؤيد ملكا في هذا العصر والزمان ، قامعا للمفسدين حاكما بأمر الفرقان ، مقرونا بالنصر مكنى به بعيدا عن الخذلان ، حاويا لشروط السلطنة بالبيان والعيان ، وحماة بنصره ، وجعله فى عز مشيد الأركان ، ووقاه من كل سوء ومن شر كل إنس وجان ، والصلاة على أشرف الخلق سيد بنى عدنان ، محمد المصطفى المختار المستأثر بأعظم برهان ، وعلى آله وأصحابه الصادقين المخلصين في الإيمان [ لا ] سيما أبى بكر وعمر وعثمان ، وعلى المرتضى الذى تجل منه الحسنان ، وعلى علماء كل عصر وأوان ، ماكر ت الساعات وتجدد الملوان .
وبعد : فإن العبد الفقير إلى رحمة ربه الغنى ، أبا محمد محمود بن أحمد العبى ، عامله الله ووالديه بلطفه الجلى والخفى يقول ، لما من الله تعالى على عباده بإرسال ملك احتوى فضائل
الملوك ، ومكنه من رقاب كل مالك ومملوك ، وجعله سلطان أحسن البقاع من الربع المسكون ، أرض مصر والشام وما حوتا من السهول والحزون ، التى أشرفها مكة المحرسة ، والمدينة النبوية والأرض المقدسة ، فمن ملك هذا ملك زمام العرب والعجم ، وعلت يده على سائر البلاد والأمم ، وصار دستور أعاظم السلاطين وأكبرهم ، وقدوة سائر الملوك وأفخرهم ، وهذا هو الملك الذى تفتخر به ملوك الآفاق ، كالشمس تعلوجميع النيرات في الإشراق ، وينجر إليه الانقياد من كل دان وقاص، ومن كل مطيع وعاص ، فلا جرم ارتفعت برايات عدله منارات الملك والدين ، وانتشرت بأعلام فضله آيات الحق المبين ، وترقرق فى سرادقات عزه أنوار سعادته الأبدية ، وتحقق في أطناب دولته مخايل مفخرته السرمدية ، وأزهر فى حدائق ملكه أشجار العدل والإنصاف ، وأنور فى دقائق حكمه أغصان الحق من غير إجحاف ، وانخمدت لجلال هيبته نار الظلم والاعتساف ، وتفرقت بعظمة سطوته جموع المفسدين من كل أصناف ، وتبين بمكانه فضيلة أرباب العمائم على أصحاب القلانس الذي اختاره الله لزماننا وأحيا بدولته الرسوم الدوارس ، وانتبهت بنباهة عزه لسادة قادة الحق الخدود النواعس ، السلطان الأعظم والإمام المعظم ، العالم العادل ، الناهض الكامل ، معمار المساجد والمدارس ، ومخرب البيع والكنائس ، المحكم ذباب سيفه على
الطلى والقوانس ، المقلد طلس الذئاب رعى بيضاء الكوانس ، المتهلل بأنوار سلطنته وجه الزمان العابس ، المورى قبس العدل لكل متنور قابس ، المتلمظ بشكر أياديه كل جاهر وهامس ، المتفيي بظلال إقباله كل راج وأيس ، المرتدى في حمى حمايته كل رطب ويابس علت دولة الإسلام واهتز عوده وعاد إليه ماوه وهو يأبس وأشرق من أفق الوعود سعوده وساعدنا الدهر العنود المداحس .
تأيدت الأحكام والشرع خينما تولى على مصر مليك مؤيد أبو النصر كناة إله خلائق فبين الورى من ذاك بشر مؤبد فأورق غصن العدل من بعد يبسه وأزهر نور : الشرع قد كان يخمد وقامت قناة الدين واشتد أهله وصار أخو خوف يعيش ويرغد
تزين كرسى لشرع محمد عليه بساط أأهدل فرش ممهد مليك به أحيا الإله شريعة لها زمن بارت قصارت تجدد فدولة ظليم فد تولت وولولت وأصحاب ظلم قد أدلوا وأخمدوا همام وباسيل شجاع سميدع أسود الشرى منه تذل وتوطد له غزوات مع فرنج بساحل
بضيدا وببروت تشيد وايات رحمات بقابيه أنزلت ومن سيفه الأعدا تذوب وترعد فمن حسن حبيه لسنة أحمد آثار طحاوى تساق وتسند كذاك بخاري بقصر سعادة وبالجامع القرأان يقرا ويسرد
فيارب صنه من ذوى المكر والردى وأعل له سيفا على من تمردوا ، فدولته الغرا تطول بمنه وعسكره الزهرا تطيع وتحمد إيزد تعالى أطناب سرادقات جهاندارى ، وأعطاف أذيال شهر يارى ، خداوند عالم ، بادشاه بنين وبنات أدم ، جمشيد ثانى ، ظل يزدانى ، كيخسرو دهر ، أقريدون عصر ، فلك قدرت ملك بيرت ، خورشيد طلعت ، ماة بهجت ، مشترى منظر ، عطارد . . . . مريخ هيبت ، كيوان رفعت ، ناشر العدل والإحسان ، باسط الأمن والأمان ، را بأوتاد أبدى ، وبأميرى سرمدى ، مؤكد دارد ، ويطراز بادشاهى ، مطرز ومعزز ، بالنبي واله.
أرذن أن أتجف حضرته السنية وخذمته البهية ، ليكون سببا لنصب خفض الحال ، ورفع ماجزم قلبى من كسر البال ، وجر ما يعود إليه من السرور ، وإبدال ما فيه من الهم والثبور ، لأن العادة قد جرت قديما وحديئا بالإتحاف للملوك والسلاطين ، بما يسر الله لكل أحد من القدرة والتمكين ، فرأيت المناسب لذلك جمع كتاب يحتوى على سيرته الشريفة ، وأحوال دولته المنيفة ، مترجم با السيف المهندفى سيرة الملك المؤيد وجعلته على عشرة أبواب ، الباب الأول : في أصله وجنسه الباب الثانى ، فى اسمه وما تدل عليه حروفه الباب الثالث : فى كنيته وما تدل عليه ومن تكنى بها من الملوك الباب الرابع ، فى لقبه وما يدل عليه ومن تلقت به من الملوك الباب الخامس : فى كونه تاسع السلاطين الترك الأفاقيين وما فيه من البشارة له الباب السادس : في استحقاقه السلطنة ، وهو مشتمل على عشرة فصول ، الأول : في استحقاقه من حيث السن .
الثاني : فى استحقاقه من حيث الشجاعة والقوة الثالث في استحقاقه من [حيث] الفروسية ومعرفة أنداب الحرب ونخوها
الرابع : في استحقاقه من حيث حسن الصورة والقامة الخامس : في استحقاقه من حيث المعرفة والخبرة بأحوال الرعية من العرب والعجم والترك والتركمان ، وأهل البلاد والأديان السادس :، في استحقاقه من حيث المعرفة والدوق من أمور الشرع والسياسة ، وتقدم الحكم له .
السابع : في استحقاقه من حيث الباعث عنده إلى نشر العدل والحلم والعفو والصفح الثامن ، في استحقاقه من حيث الفضل والكرم والإحسان ، إلى أهل العلم والغرباء ، وافتقاده المنقطعين التاسع ، في استحقاقه من حيث قربه من الناس ، وتواضعه واختلاطه بالعلماء والفقراء .
العاشر ، في استحقاقه من حيث تعينه لمنصب السلطنة ، لانفراده في زمنه ، لعدم من يدانيه أو يقاربه .
الباب السابع : فيما ينبغى له أن يفعل وما لايفعل الباب الثامن : فيمن يوليه على خواص نفسه وعلى الرعية الباب التاسع : في بيان تاريخ سلطنته ومادل عليه تاريخه الباب العاشر ، في الحوادث والأمور التى وقعت فى أيامه .
فها أنا أشرع فى بيانه مستعينا بالملك الوهاب ، إنه الميسر لكل صعاب ، وإليه المرجع والمآب .
الباب الأول في اصله وجنسه
اعلم أن الله تعالى خلق ثمانية عشر ألف عالم : الدنيا عالم منها ، والعمران فى الخراب كقشطاط فى البحر ، وميز من بينهم أربع طوائف وهم ، الملاثكة ، والإنس ، والجن ، والشياطين ، جعلهم عشرة أجزاء : تسعة الملائكة ، وجزء الإنس والجن والشياطين : ثم جعل هذه الثلائة : عشرة أجزاء ، تسعة الشياطين ، وواحد الإنس والجن : تم جعل هذين الصنفين عشرة أجزاء ، تسعة الجن ، وواحد الإنس فالملائكة من النور ، والجن والشياطن من النار ، والإنس من التراب . وعن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق أدم مما وصف لكم - رواه مسلم - أما الملائكة فهم أصناف : منهم حملة العرش ، وهم اليوم أربعة ، وهم فى عظم لا يوصف . عن جابر [ بن ] عبد الله رضى الله عنهما أن النتي صلى الله عليه وسلم قال : أذن لى أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش ، إن مابين شحمة أدنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام - رواه أبو داود - أحدهم على صورة بني أدم ليشفع ليتي أدم فى أرزاقها . والثاني على صورة تور ليشفع للبهائم في أرزاقهم ، والثالث على صورة
السبع ليشفع للسباع في أرزاقها ، والرابع على صورة النشر ليشفع للطيور فى أزراقها ، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله تعالى بأربعة أخرى ، وذلك قوله تعالى ، ويحول عرش ربك فوقهم يومئذ تمانية ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش ، وهم أشرف الملائكة المقربون ، ومنهم [ إسرافيل ] ومن عظمته، أن جبريل عليه السلام طار بأجنحته - وهى ستمائة جناح - تلائمائة عام ما بين شفى إسرافيل وأنفه فما بلغ أخره . وعن عبد الله قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح ، كل جناح منها قد سد الأآفق ، يسقط من جناحه من التهاويل من الدر والياقوت ما الله به عليم - رواه الإمام أحمد .
ومنهم سكان السموات السبع ، وقال صلى الله عليه وسلم ، مافى السموات السبع موضع شبر إلا وفيه ملك قائمأو ملك ساجد أو ملك راكع ، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا : ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لم نشرك بك شيئا - رواه الطبرانى ومنهم الموكلون بالجنان ، وإعداد الكرامة لأهلها ، وتهيئة الضيافة
لساكنيها من ملابس ومصاوع ومساكن ومآكل ومشارب وغير ذلك مما لاعين وأت ، ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر وخازن الجنة ملك يقال له : رضوان ، جاء مصرحا به في بعض الأحاديث . ومنهم الموكلون بالنار ، وهم الزبانية ومقدموهم تسعة عشر ، وخازنها مالك وهو مقدم على جميهم ، ومنهم موكلون بحفظ بني أدم كما نطق به القران ، وكل إنسان له حافظان ، وأاحد من بين يديه ، وأخر من خلفه يحفظانه بأمر الله من أمر الله ، وملكان كاتبان عن يمينه وعن شماله ، وكاتب اليمين أمين على كاتب الشمال .
وأما الجن فهم أيضا أصناف كبى أدم ، يأكلون ويشربون ويتناسلون ، ومنهم المؤمنون ومنهم الكافرون ، وقد اختلف العلماءة في مؤمنى الجن : هل يدخلون الجنة ، أو يكون جزاء طائعهم ألا يعذب في النار فقط - على قولين ، والصحيح أنم يدخلون الجنة لعمومات القرأن ، وأما كافرو الجن فكلهم أهل النار ، ومقدمهم الأكبر إبليس عليه اللعنة ، وكان اسمه قبل أن يبلس عزازيل . وكنيته أبو كردوس ، وجميع الشياطين من ذريته ، لأنه باض ثلاثين بيضة ، عشرة بالشرق وعشرة بالغرب وعشرة في وسط الأرض ، وخرج من كل بيضة جنس من الشياطين ، كالعفاريت والغيلان والسعالى والجنان .
وعن مجاهد : أكبر أولاده خمسة وهم :، الثبر وزليفون وداسم والأغور ومسوط ، وقسم الشر بينهم : فالثبر صاحب المصائب ، وزليفون صاحب رمى العداوة والفتن بين الناس ، وداسم صاحب الوسواس ، والأعور صاحب الزنا ، ومسوط صاحب الراية بركزها وسط السوق يفد مع أول من يفد فيطرح بين الناس الخصومات والجدال ، وذكر النقاش أن أم هؤلاء الخمسة طرطية وأما الإنس فكلهم أولاد أدم عليه السلام ، ولكن انقرضوا كلهم بطوقان نوح عليه السلام ، ولم ينج منهم إلارأصحاب السفينة وهم تمانون نفسا على قول الجمهور ، ثم لما استوت بم على الجودى خرجوا منها وبنوا قرية سموها قرية الثمانين في أرض الجزيرة ، وعاش نوح بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة ، وجميع عمره ألف وسبعمائة وتمانون سنة ، ثم هلكوا ولم يبق منهم إلا نوح وأولاده الثلائة ، وهم : سام ،
وحام ، ويافت وأزواجهم ، ولا حضرت نوحا الوفاة أوصى ابنه ساما وجعله ولى عهده ، وكان قد ولد قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة ، وقسم الأرض بين أولاده الثلائة ، فجعل لسام وسط الأرض وفيها الحجاز ، واليمن ، وبيت المقدس ، والشام ، وفيها النيل والفرات ، ودجلة ، وسيحون وجيحون . وجعل لحام بلاد الغرب وما وراء غربى النيل ، إلى منحر ريح الديور . وجعل ليافث الجنوب وبلاد المشرق .
واتفق النسابون على أن جميع الأمم متفرعة من هولاء الثلاثة ، وأن يافت أكبرهم ، وحاما أصغرهم ، وساما أوسطهم . وخرج [ الطبرى حديثا مرفوعا ، أن ساما أبوالعرب وفارس والروم ، وأن يافت أبو الصقالبة والترك ويأجوج وماجوج ، وأن حاما أبوالقبط والسودان . وذكر ابن إسحق أن ساما ولد له خمسة من الأولاد وهم : أرفخشد ، ولاود ، وإرام ، وأشور ، وغيلام . وولد لأرفخشد شالخ ، ولشالخ عابر ، ومن عابر العبرانيون ، وولد له ولدان فالع ويقطن ، فمن فالع إبرهيم الخليل لميه السلام ، ومن إبرهيم إسحق وإسماعيل ، فمن إسحق يعقوب وعيضو ، فمن يعقوب بنو إسرائيل ، ومن عيصو الروم وهو روم بن سمالحين بن هوبان
ابن علقما بن عيضو ، ويقال عيض . ومن إسماعيل عليه السلام العرب المستعربة ، ومن ذريته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وولد ليقطن ثلائة عشر ولدا وهم : المرداذ ، وهزورام ، وسالف ، وسبا وهم أهل اليمن والتبابعة ، وكهلان، وهذرماوث وهم حضرموت ، وباراح ، وأودال ، وذفلا ، وعموثال ، وأفيمائيل وأوفير وحويلا ، ويوفاف . وذكر النسابون أن جرهم والهند والسند من ولد يقطن ولا يذرى من أى الأولاد وأما لا وذفولدله أربعة وهم طسم ، وعمليق ، وفارس ، وجرجان ومن العمليق - الكنعانيون جبابرة الشام ، وفراعنة مصر وأما إرم فولد له عوض ، وكائر ، وعبيل . ومن ولد عوص عاد ، ومن ولد كائر تمود ، وجديس ، وأميم ، وطئم فى قول ، وهم العرب العاربة وأما أشور فولد له أربعة دهم : إيران ونبيط ، وجرموق وباسل ، فمن إيران الفرس ، والكرد ، والخزر ، والنبط ، والسريان ، ومن جرموق الجرامقة ، ومن باسل الديلم ، والجيل ، وقيل الكرد من العرب ثم تنبطوا ، وقيل إنهم أعراب العجم ، وفى مروج الذهب للمسعودى . وأما أجناس الأكراد وأنواعهم فقد اختلف الناس فيها ، فمنهم من قال إنهم من ربيعة ابن نزار بن بكر بن واثل انفردوا في قديم الزمان وانضافوا إلى الجبال فتغيرت ألسنتهم ، وقيل : إنهم من ولد كرد بن مرد
ابن صعصعة بن هوازن ، تفرقوا في قديم الزمان لوقائع ودماء كانت بينهم وبين غسان ، فتغيرت ألسنتهم لمجاوريهم من الأمم المختلفة ، وقيل هم من إماء سليمان عليه السلام حين سلب ملكه ، ووقع على إمائه المنافقات الشيطان المعروف بالجسد ، وعصم الله منه المؤمنات ، فعلقت منه المنافقات فلما رد الله تعالى على سليمان عليه السلام ملكه ، ووضعت تلك الإماء الحوامل ، أمر وقال : اكردوهن إلى الجبال والأودية ، فربتهم أمهاتهم هناك وتناتجوا وتناسلوا وسموا أكرادا ، وقيل إن الضحاك الملك الذى يقال له الدهاك ، واسمه بيوراسب خرج بكتفيه حيتان ، فكانتا لا تغذيان إلا بأدمغة الناس ، فأفنى خلقا كثيرا ، وكان وزيره يذبح كل يوم شاة ورجلا ويطعم أذمغتها لتلك الحيتين ، ويطرد من تخلص إلى الجبال ، فاجتمعوا فيها وكثروا فتناسلوا ، فهذا بدة الأكراد ، وهم قبائل وأصناف ، وأكثر قبائلهم الشوهجان، والهاجردان والشادنجان، والمارندان والماذنجان والبارسان ، والمسكان ، والجابارقان والجاوان، والجاليان ، والصديان ، وكل واحد منها يتفرع إلى أصناف . ومن الصديان بطن يقال لهم الروادية . منهم أصل السلطان الملك الناصر بن المظفر صلاح الدين يوسف بن الأمير
نجم الذين أيوب بن شادى بن مروان ، صاحب الديار المصرية والشامية ، واليمنية - كان رحمه الله تعالى وأما عيلام فولد له أولاد منهم أهل خورستان وأما حام فولد له أربعة أولاد كذا فى التوراة وهم :، مصرايم وكنعان ، وكوش ، وقوط أما مصرايم فولد له فلشتين ، ومن بني فلشتين جالوت ، وأهل فلسطين ، وولد له أيضا كفتور وهم أهل دمياط ، ويقال كفتوريم هو قبطقاي وهم القبط وقيل أهل القبط من مصرايم بن حام ، وولد له أيضا عناميم وهم أهل الإسكندرية وأما كنعان فولد له أولاد كثيرون ، منهم صيدون وإيمورى وكركاسى ، فهم أهل أفريقية وبنوسى منهم البربر وأما [ه] كوش فولد له السند ، والحبشة ، والنوبة ، وفزان وزغاوة والزنج ، والزط ، والدهلك والزيلع ، والفافو ، والقوماطين والغزنة والتكرور ، والكانم ، والكوكو ، والدهدم ، والدمادم ، وهم تتر السودان ، ويخرجون على السودان كل وقت ويقتلون منهم ، والزرافات فى بلادهم كثيرة . . وقال السهيل الحبشة هم بنو حبش بن كوش بن حام وأما قوط فأكثر النسابين على أن القبط منهم والله أعلم
وأما [يافث ] فقد ذكر فى التوراة أنه كان له من الأولاد سبعة وه كومر ، وياوان ، وماذاى ، وماغوع ، وظوبال ، وماشخ . وظيراش ، فولد لكومر ثلائة من الأولاد ، الأول : ريفات وهم أصل الإفرنج ، فمدنهم تزيد على مائة وخمسين مدينة غير الكور ، وأول من اشتهر من ملوكهم ، قلوذية ، ثم لزريق ثم دقسرت ، ثم قادلة ، ثم : بنيق ، وكرسى مملكتهم تسمى فرنسة ، مجاورة لجزيزة الأندلس من شماليها ، وأشهر أصنافهم جنوية وبنادقة وجلالقة . والثاني : أشكيان وهم الصقالبة . والثالث ، توغرما وهو أصل الترك في قول . وأما ياوان فولد له يونان ، ودودانيم وأليشا ، وكينم ، وترشيش وهم أصل طرسوس : أما ماذاى فولد له الديلم ، وأما ماغوع فهو أصل يأجوج ومأجوج ، وه مغل المغول ، أشد بأسا وأكثر فسادا ، لأيموت واحد منهم حتى يرى من ذريته ألقا فصاعدا ، فمنهم من هو كالنخلة ، ومنهم من هو فى غاية القصر ، ومنهم من يفترش إحدى أدنيه ويتغطى بالأخرى . وأما ظوبال فمنه أهل الصين . وأما ماشخ فمن ولده أهل خراسان . وأما ظيراش فمن ولده الفرس عند الإسرائيليين ، وقيل من ولده الخزر ، والصحيح أن الترك من بنى كومر ، ويقال ترك بن يافت ، وهم فى الأصل عشرون
قبيلة ، وكل قبيلة منها بطون لايحصون ، فأول القبائل - قرب الروم - بجنك ، ثم ففجاق ويقال قبجاق ، ثم أغز ثم يماك ، ثم بشغرت ، ثم قاى ، ثم يباقو ، ثم تتار - ويقال تتر . ويقال ططر ، ثم فرقز ، ثم جكل ، ثم تخسى ثم يغما ، ثم أعزاق ، ثم جرق ، ثم جمل ، ثم أيغر ، ثم تنكت ، ثم ختاى ، ويقال خطاى ، ويقال خطا ، وهى التى تسمى صين ، ثم توغاج ، وتسفى ماصين .
ومن قبيلة أعز تتفرع التركمان ،وهم اثنان وعشرون بطنا ، لكل بطن منها علامة وشمة على ذوام وأوانيهم ، يعرف ما بعضهم بعضا . فأعظمهم قنق ، ومنهم السلاطين والملوك ، وعلامتهم هذه ثم قبع ويقال قبن ، وعلامتهم هذه ثم بايندر وعلامتهم هذه ،ثم أوا ويقال يوا ، وعلامتهم هذه ثم سلغر ويقال سلر ، وعلامتهم هذه ثم أفشار ويقال لهم أوشار وعلامتهم هذه ثم يكتل ويقال يكدل وعلامتهم هذه بخي اثم بكذر وعلامتهم هذه ثم بيات وعلامتهم هذه ثم يزغر ويقال يزر وعلامتهم رهذه ثم أيمر وعلامتهم هذه ،تم قرايلك
وعلامتهم هذه ثم ألقايلك ، وعلامتهم هذه ثم أكدر ،ويقال يكدر ، وعلامتهم هذه ثم أركر ويقال يركر وعلامتهم هذه ، ثم توتر وعلامتهم هذه ،ثم أولا يندك وعلامتهم هذه ، ثم توكر ويقال ذكر وعلامتهم هذه 1، ثم بجنك وعلامتهم هذه ثم جولدز وعلامتهم هذه ، ثم حببى ، وعلامتهم هذه ثم جرقلع ويقال جرقلو وهى قليلة خفية علامتها ، وهؤلاء اثنان وعشرون رجلا ، فصار كل منهم أب بطن واحد وأصل ذلك أن ذا القرنين لما قصد بلاد الترك - وكان ملك الترك يومئذ شخصا يسمى شو ، وكان له جيش عظيم لا يوصف - فكبسهم ذو القرنين بغتة فتحيروا- وكان ذلك بالليل- فأخذ كل إلى جهة ، فتأخرمنهم فىي معسكرهم هؤلاء الاثنان والعشرون ، ولم يدركوا حمولتهم ، فأهم ذو القرنين وهم دوو شعور ، فقال : هؤلاء ترك مانن بالفارسية - ومعناه هؤلاء يشابهون الترك ، فبقى لهم هذا الأسيم من ذلك اليوم إلى يومنا هذا ، ولكن خففوا إحدى النونين بالحذف لكثرة الاستعمال ومن بطون الترك ، الختل والأشروسنة ، والضغد، والخزلخ ، والطغرغر ، والغزية والخزلخية ، والمغلى ، والبنيته ، والبغرغزية والحزحزية ، والبرغزية ، والكهاكية ، والجغر ، والجامات والخلج ،
والبدية ، واليرغانية ، والخزر ، والموغان ، والغراعنة ، والعلان ، ويقال الأن .
ومن قبيلة قنق بنو سلجوق ، فأول ملكهم السلطان طعز لبك بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق ، وأول من عبر بلاد الإسلام من نهر جيحون ألب أرسلان بن جغرى بك ابن داود بن ميكاثيل بن سلجوق بن دقاق ، وكان عسكره مائتى ألف فارس ، ومن ذريقهم الملوك الدين ملكوا بلاد الروم ، وأخر من ملك الروم منهم السلطان عز الدين كيكاوس ابن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان ابن سليمان بن قطلومش بن أرسلان بن سلجوف . توفى سنة سبع وسبعين وستمائة ، وكان عبور السلجوقية بلاد الإسلام فى شهر ربيع الأول من سنة خمس وستين وأربعمائة ، ثم بعد ذلك ظهر جنكزخان ، وغبر مر جيحون في سنة ست عشرة وستمائة ، ثم هلك جنكزخان في سنة أربع وعشرين وستمائة وخلف أولادا كثيرة ، وأكابرهم خمسة وهم ، توشى ، وهرتوك ، وباطو ، وبركه ، وبركجار . فملكوا
البلاد ، ثم ملك صرصق بن توشى ، وهلاون بن باطو بن جتكزخان ، تم استقر هلاون فى المملكة ، وقتل الخليفة المستعصم بالله ، وأخذ بغداد فى سنة ست وخمسين وستمائة ، ثم أخذ حلب وأخربا في سنة تمان وخمسين وستمائة . وكذلك أخذ نائبه دتبغانوين مدينة ذمشق ، ثم مات هلاون في ربيع الأخر من سنة ثلاث وستين وستمائة ، وخلف خمسة عشر ولدا ذكرا وهم ، جماغر وهو أكبرهم سنا ، وأبعا ويسمى أباقا ، ويصمت ، وتيسين ، وتكشى ، وتكدار ، وأجاى ، والاجو ، وسبوجى ، ويشودار ، ومنكوتمر ، وقنغرطاى وطوغاى ، وتمر وهو أصغرهم . وجلس موضعه أبعا ، وملك ماملك أبوه من الأقاليم وهى ، إقليم خراسان ، وكر سيه نيسابور وإقليم عراق العجم وكرسيه أصفهان ، وإقليم عراق العرب وكرسيه بغداد ، وإقليم أذربيجان وكرسيه تبريز ، وإقليم خوزستان وكرسيه تستر التى تسبيها العامة تشتر ، وإقليم فارس وكرسيه شيراز ، وإقليم ديار بكر وكرسيه الموصل ، وإقليم الروم وكرسيه قونية ثم مات أبعا فى سنة إحدى وثمانين وستمائة ، فوقع
النزاع بين ولده أرغون ، وبين توكدار بن هلاون ، ثم استمر أرغون إلى أن مات فى سنة أربع وتسعين وستمائة ثم ملك فازان بن أرغون ، ومات فى سنة ثلات وسبعمائة وملك بعده أخوه خربندا ويقال له خذابندا ، ثم توفى فى رمضان من سنة ست عشرة وسبعمائة وجلس فى التخت بعده ولذه الكبير بوسعيد ، وله من العمر ثلات عشرة سنة ، وكان مشتغلا بالكتاب والسنة ، ثم مات بوسعيد بالبات الحديد فى سنة ست وثلاثين وسبعمائة وملك بعده البلاد الشيخ حسن بن حسين بن أقبعا بن إيلكان سبط أرغون بن أبعا بن هلاون ، ثم مات الشيخ حسن ببغداد في سنة سبع وخمسين وسبعمانة .
وتولى عوضه أويس وفي هذه السنة مات الأمير شيخونرحمه الله ، ثم مات أويس فى سنة ست وسبعين وسبعماته
وفى هذه السنة فتحت سيس، ومات الأمير منجك والأمير خيار بن مهنا أميرآل فضل ثم ملك بعده دوشى بن جنكزخان ، ثم ملك تدان منكو ثم تلأبغا بن منكوتمر ، ثم ملك طقطا بن منكوتمر ، ثم توفى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة . وكانت مدة مملكته ثلاثا وعشرين سنة ثم تولى أزبك خان بن طغرلجا بن منكوتمر بن طعانبن باطو ابن دوشيخان بن جنكزخان ، ثم توفى أربك خان فى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وفي هذه السنة تولى الملك الأشرف علاء الدين كجك بن الملك الناصر محمد بن قلاون .
وكانت مدة مملكة أزبك خان تمانيا وعشرين سنة ، ثم تولى بعده جانى خان بن أزبك خان وانتشبا ملكا عظيما ، ويقال إن عسكره بلغت سبعمائة ألف .
وأما التركمان الذين يسكنون اليوم ببلاد الروم والشام فأصلهم من التركمان الذين جاءوا مع السلطان ألب أرسلان السلجوفى ، فسكنوا فى البلاد رحالة ببيوت خركاوات فطائفة سكنت ببلاد ديار بكر ومنهم تركمان قرامحمد وبنو يحمر ، وبنو يغمر ، ومنهم طائفة سكنت ببلاد الروم على سواحل البحر الملح ، ومنهم تركمان ورسخ ، وأولاد قرمان ، وأولاد حميدو ، وسليمان باشاه ، ومنهم أصل عثمان جق وولده أرخان ، وولده مراد باك ، وولده أبو يزيد وولده كرشجى - الأن صاحب الروم ومنهم طائفة سكنت ببلاد الشام والأرمن ، وهم طائفتان إحداهما تسمى أوج أق ، والأخرى تسمى بزأق ، ومنهم أولاد دلغادر ومن طائفة الترك الجراكسة ، وأصلهم أربع قبائل وهم ، جركس ويقال سركس ، وأركس ، والأض ، وكسا ، وتتفرع منهم بطون كثيرة وهى : أبازا ، وكبكا وجنا ، وبوله ، وبزدغو ، وإسفوا وبصجقا ، وأعجبس ، وسكاغوا ،
وهو الذى يتكلم بلسان أبزا ، وجغا وهو أيضا يتكلم بلسان أبزا وبشزيا ، وأبخاس ، وأزعا ، وبغرو ، وبخ ، ووقاقا ، ويميغا وبدس ، وفوض ، وأريس ، وصندى ، وهؤلاء بطنان يسكنون عند الباب الحديد ، وهو الذى يسمى دمرقبى من ناحية بخر طبرستان ، وصمدقا وهم بطن كبير يسكنون فى المضيق الذى بينهم وبين كرج ، يمنعون الناس من الدخول والخروج ، وبسني وهم بطن كبير يعامدون مع التتر ويروحون إليهم ، ومن أعظم البطون وأشرفها تصبغا ، وخونية ، وأدخان ، وقيل الرابع منهم كبكا ، وهم فى الأصل أولاد جبلة بن أيهم الغسابي لما توالدوا وتكائروا ، نيت إلى كل منهم بطن ، وأصل تصبعا إسم لخركاة من فضة ومن أشرف بطون الجراكسة كزموك ، وهو في الأصل اسم ملك كبير فيهم سمى هذا البطن باسمه ، وكان حاكما عليهم ، فلما مات خلف ابنا يسمى جويا فتولى جميع كرموك ، ومشى مشى أبيه ، فلما مات خلف أبنا يسمى طقجا ، فتولى كرموك كأبيه وجده ومشى مشيهما ، ثم مات وخلف أبنا يسمى إينال فتولى جميع كرموك كأسلافه ، ولا مات خلف ابنا سمى سرماش
فتولى جميع كرموك كأجداده ، ولما مات خلف ابنا يسمى أركماس ، وتولى كرموك بعده على عادة أبائه وأجداده ، وهو الأن موجود .
ومولانا السلطان الملك المؤيد ثبت الله قواعد دولته من ذرية إينال المذكور ، وهو أصل شريف كبير فيما بينهم ، مشهور بالشجاعة والشهامة والمروءة والكرم والسطوة ، وأبوه أيضا كان كبيرا كأسلافه ، حاكما على طائفته . واعلم أن كرموك من بين الجركس والعرب ، وهم غرب غسان وأصل ذلك : أن جبلة بن الأيهم لما ارتد عن الإسلام بعد أن قدم على عمر ابن الخطاب رضى الله عنه صار إلى هرقل صاحب الروم ، ولما هرب هرقل من أنطاكية - لما فتحها الصحابة رضى الله عنهم أجمعين في سنة سبع عشرة من الهجرة - وركب البحر ، وعدى إلى بلاد قسطنطينية وماقدونية وأثينية - وهى فى بلاد الجانب الشمالى - وهرب معه جبلة ، ومعه خمسمائة رجل من قومة من غرب غشان فتنصروا كلهم ، وأقاموا عندهم إلى أن انقرض ملك القياصرة ، ثم تحيزوا إلى جبال الجراكسة وبلادهم ، وهى ما بين بخر طبرستان وبخر نيطش الذى يمده خليج قسطنطينية ، فاختلطوا بالجراكسة وبلادهم ،
وتزوجوا منهم نساء ، وتزوجت الجراكسة منهم نساء ، فتوالدوا وتناسلوا ، وكثرت ذراريهم ، واختلط بعضهم ببعض ، ودخلت أنساب بعضهم في بعض ، حتى ليزعم كذير من الجراكسة : أن أصلهم من نسب غرب غشان ، وليس كذلك ، بل الجراكسة من أولاد يافت كما ذكرنا ، وإنما حصل الاختلاط فيما بعد ، ولكن كرموك من الجركس والعرب كما ذكرنا ، ومن ذلك يوجد في الجرا كسة خصال من خصال العرب ، منها الشجاعة الظاهرة ، والفروسية الباهرة ، ومنها الصدمة الأولى فى الحروب ، ومنها الغيرة العظيمة على الحريم والنساء ، ومنها حسن القيام بحق الضيف ، وأن الضيف عندهم أعز من أحب الخلق إليهم ، ومنها أن المستجير بأحدهم لا يضام ، ولا يناله مكروه ولو كان عليه دم أو طلب ، ولا يقدر واحد أن يأخذه ولو كان صاحب شوكة ، ومنها أن عندهم جدة وزعارة في أخلاقهم ، ومنها أنهم يغضبون سريعا ، ومنها أن عندهم تعصبا عظيما ، لا يرجع عمن تعصب له ولو كان على باطل ، ومنها أن العداوة إذا وقعت فيما بين الطائفتين لم يزالوا على ذلك ، فمن قدر منها على الأخرى يقنى أولهم عن أخرهم ، وأخرهم عن أولهم ، حتى إن العداوة تستمر بين أولادهم ، وأولاد أولادهم ، وكل ذلك من خصال العرب
أما أم مولانا السلطان الملك المؤيد رحمه الله ، فقيل إنها من الترك ، ولكن لما اجتمعت به يوم الإثنين العاشر من ربيع الأخر ، سنة ثمانى عشرة وثمانمائة ، لأجل قراءة تاريخه وسيرته ، وسألته عن أمه فقال : إنها من الجركس ، فأثبت ذلك مثل ما سمعت - والله سبحانه أعلم .
الباب الثاني في اسمه وما يدل عليه وما تدل عليه حروفه والله اعلم
اعلم أن اسم مولانا السلطان - خلد الله ملكه -ثلاثة أحرف وهى الشين المعجمة والياء أخر الحروف ، والخاء المعجمة ، وهو شيخ ، وهو اسم مبارك قد ذكره الله تعالى فى الفرأن فى حق نبيين كريمين عظيمين ، أحدهما إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال الله عز وجل حكاية عن امراته سارة » ع ألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا ، ، والثانى شعيب عليه السلام حيث قال الله عز وجل حكاية عن ابنتيه صفورا وحتونا قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. وذكر المفسرون أن إطلاق الشيخ على إبراهيم كان لأجل التوقير والتعظيم ، وعلى شعيث كان لأجل الاستعطاف والشفقة ، فمن الأول مخاطبة الناس العلماء الأجلاء ، والأئمة والفضلاء بذه اللفظة . ومن الثانى مخاطبتهم أصحاب السن والاكابر فى العمر ، وكذا قال أهل اللغة : الشيخ من استبانت فيه السن وكمل فيه العقل والرأى ، وقال كمال الدين عبد الرزاق فى رسالته في باب الشين ، الشيخ هو الإنسان الكامل فى الشريعة والطريقة
والحقيقة ، البالغ إلى حد التكميل ، ولهذا قيل لأبى بكر الصديق رضى الله عنه شيخ . ولشرف هذا الاسم ، ووقوع التعظيم والتوقير به لا يذكر ولى من أولياء الله إلا ويوصف به ، وتطلق عليه هذه اللفظة ، وكذا يقال لرئيس العلماء ، هذا شيخ الجماعة ، ولكبير القوم ، هذا شيخ الطائفة ثم كل حرف من هذه الأحرف الثلائة يدل على معنى في ذات صاحبه ، وذلك لأن الاسم إما عين المسمى على ما قاله البعض أو لاعينه ولا غيره على ما قاله أهل السنة والجماعة ، وعلى كلا التقديرين توجد المناسبة في وضع الأسماء للمسميات على ما اقتضته الحكمة الإلهية ، ولأشك أن وضع الأسماء لا يكون إلا بالإلهام من الله تعالى ، فلو لم يكن ماتضمنه الاسم من المعاني ، أو بعضه موجودا في مسماه لما وقع عليه بالإلهام الرباني ، ألا ترى أنهم قالوا : إنما سمى أدم عليه السلام ببذا الاسم لكونه خلق من أديم الأرض وهو وجهها ، وسمى شيث عليه السلام بذا الاسم لأن معناه عطية وهبة بالسريانية ، وسمى به لأنه هبة من الله لأذم عليه السلام ، عوضا عن هابيل ، وسمى نوح عليه السلام بذا الاسم لكثرة نوحه من خوف الله تعالى ، وسمى إبراهيم عليه السلام مذا الاسم لأن معناه أب رحيم فى السزيانية ، وسمى أيضا بالخليل لأن الله
تعالى اتخذه خليلا ، وسمى موسى عليه السلام بمذا الاسم لأن أصله فى السريانية موشا ، فمو أهو الماء و شا أهو الشجر ، وكان قد وجد بين الماء والشجر ، فسمته بذا السيم أسية بنت المزاحم امراة فرعون لما وجدوه في التابوت - وهو الصندوق- وهو فى اليم - وهو البحر ، وذلك حين ألقته أمه فيه خوفا عليه كما قص الله تعالى فى القرأن الكريم ، ويعقوب عليه السلام سمى بذا الاسم لأنه تنازع مع أخيه عيصو فى بطن أمهما وكانا توأمين فغلبه عيصو فخرج أولا ، وخرج يعقوب عقيبه ، فلذلك سمى يعقوب ، وسمى عيصو بهذا الاسم لأنه عضى عليه ، وسمى إسرائيل أيضا لأنه لما رحل إلى خاله بحران خوفا على نفسه من أخيه عيصو ، كان يسرى بالليل ويكمن بالنهار ، ف« إشره من الشرى بالليل ، وإيل من الليل وقيل إيل . اسم من أسماء الله تعالى ،وإسر معناه العبد ، أى عبد الله ، وسمى سليمان بذا الاسم لأنه كان سليم القلب، وسمى أبوه عليه السلام داود لأنه كان يداوى جراحات القلوب ، ولم يفسر ببذا التفسير إلا النملة التى خاطبت سليمان عليه السلام ، وقصتها أن سليمان عليه السلام كان سائرا يوما بعسكره على البساط فى الهواء إذ أبى على وادى النمل فقالت نملة « يأيها النمل أدخلوا مسكنكم لأيحطمتكم سليمن وجنوده فالقت الريح هذه الكلمة في أذن سليمان عليه
السلام ، وكان من جملة معجزاته عليه السلام أن كل من تكلم بكلمة كانت الريح تلقيها في أذنه عليه السلام ، سواء كان من قرب أو بعد ، فحين سمع سليمان عليه السلام بذلك أمر الريح بأن تضع البساط على جانب وادى النمل فوضعته ، فطلب سليمان عليه السلام تلك النملة - وكانت حاكمة النمل وسلطانها ، وكانت عرجاء فى قدر كلب في الجثة قيل اسمها طاحية - ، فقال لها : أم حدت قومك عنى وعن عسكرى وأنا ما عندى ظلم ؟ ، فقالت : يا نى الله خاشاك من الظلم وإنما قلت . وهم لأيشعرون ، وقيل . قالت : أردت حظم القلوب لأحطم الأبدان ، حيث يشتغل النمل بالنظر إلى عظيم عسكرك وبهجتها عن ذكر الله تعالى ، فعلم سليمان عليه السلام أنا صاحبة حكمة ، فقال لها : إنى سائلك عن مسائل ، فقالت : سل ، فقال : ما معى سواد جسمك وحركة رأسك دائما ، ورقة وسطك ؟ فقالت . يانبى الله . الدنيا دار حزن ومصيبة ، ومن يكون فى حزن ومصيبة يكون لباسه السواد ، وأما حركة رأسى فأنا مشتغلة بذكر الله تعالى دائما ، ومن كان في ذكر الله يتحرك رأسه دائما ، وأما رقة وسطى ، فأنا عبد واقف في الخدمة ، فمن كان عبدا واقفا في الخدمة يكون وسطه مشدودا . فلما سمع سليمان عليه السلام أعجبه عجبا عظيما ، ثم قال لها ، سليبى ماشئت أعطك ، فقالت : من يعطيك أنت ؟ فقال : الله ، فقالت : فما الحاجة أن أسألك فأنت أيضا تسأل غيرك ،
فقال سليمان : إن من عادة الملوك مهاداة بعضهم لبعض فلابد أن تسألى شيئا مما فى خاطرك فقالت : إن كان لأبد من ذلك فأسألك شيئا واحدا .: فقال : سلى ، فقالت : ا كتب إلى خازن النار بأن يردلى منها إن كان الله تعالى كتب على بالقدوم إليه ، فقال سليمان هذا ليس لى ، فقالت : اكتب إلى خازن الجنة أن يفتح لى باب الجنة إذا قدمت إليه ، فقال هذا أيضا ليس لى ، فقالت إن عجزت عن هذا فأزل السواد من جسمى ، فقال ليس لى هذا أيضا ، فقالت : إذن أنت عاجز ، وليس لى حاجة عند العاجز مثلى ، وإنما أرفع حاجبى إلى الله الذى ظهرت قدرته فى خلقه ولا يرد سائله ، ولا ينقض من خزائنه شىء ، فتحير سليمان عليه السلام من ذلك ، ثم قالت : أنا أيضا أسألك عن مسائل ، فقال : سلى . فقالت . لم سميت سليمان ، ولم سمى أبوك داود ] ، ولم سخر الله لك الريح ؟ ، ولم جعل ملكك في خاتمك ، فتحير سليمان فلم يجب بشىء فقالت أنا أجيب عن ذلك . أما أنت فإنما سميت سليمان لأنك سليم القلب ؛ وأما أبوك داود فإنما سمى به لأنه داوى جراحات القلوب ، وأما تسخير الريح لك فلتعلم أن هذه الدنيا كالريح ليس لها ثبات ، وهى سريعة الزوال ، فتارة لك وتارة عليك ، كالريح تارة من اليمين وتارة من الشمال . وأما جعل ملكك في خاتمك ، فلتعلم أن هذه الدنيا ليس لها قدر عند الله إذ لو كان لها قدر لما جعلها فى خاتم
فلما سمع سليمان عليه السلام بذلك بكي بكاء شديدا ، ثم قال لها : فما بلع مقدار عسكرك ؟ فقالت نحن أضعف خلق الله تعالى فمن أين لنا القوة حتى يكون عسكرا ، فقال سليمان عليه السلام : لأبد من عرض عسكرك على ، فقالت : إذن نعم ، فأمرت لصنف من النمل - وهى النملة الصفراء الصغار جدا - فخرجت من شقوق الأرض وامتدت ، فأقام سليمان عليه السلام هناك سبعين يوما وهى تخرج ولا تنقطع ، فقال لها : أفلا تنقطع هذه ؟ فقالت : يانبى الله والذى بعثك بالحق نبيا لو أقمت هنا إلى يوم القيامة لأينقطع هذا الصنف .
وعندى تسعة وستون صنفا غير هذا الصنف ، فقال سليمان عليه السلام : سبحانك ربى ماأعظم شأنك ، وما أقوى سلطانك ، فعند ذلك أمر الريح أن ترفع البساط فرفعت وكذلك سمى يحيى عليه السلام بهذا الاسم لأنه حيى به رحم أمه ، وقيل لأنه كان حيا بالطاعة وكذلك سمى عيسي عليه السلام بهذا الاسم لأنه من العيس وهو البياض ، وقيل من العوس وهو السياسه ، وسمى مسيحا لأنه كان يمسح فى الأرض ، وقيل لأنه ولد ممسوحا بالدهن ، ويقال المسيح القائل ، سمى به لأنه كان يقتل الدجال ، وسمى الدجال مسيحا لأنه ممسوح أى مقتول ، والمسح القتل ، قال الله تعالى « قطفق مسحا بالسوق والأعناق
وهو بالسريانية مسيحا ، وسميت أمه مريم لأنها كانت عابدة ومعى المريم عبادة في لغتهم ، وقيل لأنها مرت فى الطاعة مرور الحوت فى اليم وكذلك سمى نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأحمد ومحمودا ، فاسمه فى الأرض محمد ، وفى السماء أحمد ، وتحت الثرى محمود ، والمعى إذا حمدت أحدا فأنت محمد ، وإذا حمدنى أحد فأنت أحمد ، وأنت محمود في السموات والأرضين وكذلك اسم مولانا السلطانت خلد الله ملكه- يدل على أن ذاته معظم موقر مشرف ، فالشين تدل على شرفه ، والياء تدل على يمنه ويسر أمره ، والخاء تدل على خيره في أفعاله وأقواله ، ومن جملة دلالة الخاء فى آخر اسمه أنه آخر السلاطين : الترك على مارمز به بعض أصحاب الرموز ، فيكون به صلاح الدنيا ويختل بعده نظام العالم ومن جملة غرائب هذا الاسم أنه لم يسم به أحد من سلاطين الترك وغيرهم فى دولة الإسلام ، وقد انفرد بهذا الاسم مولانا السلطان خلد الله ملكه ، والسر فيه إشارة إلى أنه شيخ السلاطين الذين تولوا الديار المصرية ، والدليل على ذلك أنه فاق عليهم من وجوه كثيرة ، وفيه من الخصال
ما لأيوجد في غيره ، ولا يعرف إلا من تتبع تواريخهم في سيرهم ، وقد تتبعت ذلك فوجدت صدقه فى أمور ، منها ،: أنه تولى السلطنة بيسر وسهولة من غير سل سيف ، وسفك دم ، بخلاف غيره من السلاطين الترك كما نبينه عن قريب ، وقد وجدنا با لاستقراء أن كل من تولى بهذه الصفة تكون أيامه صالحة ، وتكون الرعية فى دولته آمنة ، وتطيعه العباد والبلاد ، والقريب والبعيد ، والدليل على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم الما توفى ، وانتقل إلى دار الكرامة ، وقع الاختلاف في نصب الإمام حتى أن بعض الأنصار قالوا ، ينبغى أن يكون أمير من الأنصار ، وأمير من المهاجرين ، ووقع كلام كثير حتى بين لهم الصديق رضى الله عنه أن الخلافة لاتكون إلا في قريش فرجعوا إليه وأجمعوا عليه .
وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار . منا أمير ومنكم أمير ، فأتاهم عمر فقال : يأامعشر الأنصار الشتم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يوم الناس ، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالت الأنصار .
نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر . رواه النسائي وأحمد : ثم اشتد الحال ، وارتذت أحياء كثيرة من العرب ، ونجم النفاق بالمدينة ، وانحاز إلى مسيلمة الكذاب - لعنه الله- بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة ، والتفت على طليحة الأسدى بنو أسد
وطىء وبشر كثير أيضا ، وادعى النبوة ، وضاق الحال حتى جعل الصديق - رضى الله عنه - على أبواب المدينة حرسا يبيتون بالجيوش حولها إلى أن كشف الله هذه الغمة عن الأمة ولما توفى أبو بكر- رضى الله عنه - ليلة الثلائاء لثمان بقين من جمادى الأخرة سنة ثلاث عشرة بين المغرب والعشاء ، بويع عمر بن الخطاب رضى الله عنه بالخلافة بعهد الصديق إليه ، فسمعوا له وأطاعوا ، ولم يتخلف عن بيعته لاصغير ولا كبير ، فانقطع في أيامه الشقاق والنفاق ، وانحسم الباطل ، وقوى الحق ، وقام السلطان ، وظهر أمر الله تعالى ، وفتحت فى أيامه الفتوحات ، بلاد مصر ، والشام ، وحلب ، والجزيرة ، وبلاد فارس ، وتسترا والأهواز وما سبذان ، وقرقيسيا ، وتكريت ، والموصل ، وخلوان .
والمدائن - التى هي كرسى كسرى والشوس ، وجندى
سابور، ونهاوند ، وأشبهان ، وكرمان ، والدينور ، وقم ، وقاشان ، والرى ، وقومس ، وجرجان ، وطبرستان ، وباب الأبواب، وجبال اللان ، وتفليس ، وموقان ، وبلاد خراسان ، وهراة ، ومرو الشاجان ، ومرو الرود ، وجور
ودار أبجرد ، ويجستان ، ومكران ، وغزوة الترك ، وغزوة الأكراد ، ومن بلاد المغرب : برهه ، وزويلة وكانت الدنيا آمنة عامرة بأهلها ، إلى أن قتل عمر رضى الله عنه وهو قائم يصلى فى المحراب صلاة الصبح من يوم] الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلات وعشرين ، ضربه أبو لولوة المجوسى الأصل ، الرومى الدار ، بخنجر ذات طرفين ، فضربه ثلات ضربات ، وقيل ست ضربات إحداهن تحت الصفاق ، ومات بعد ثلات ، ودفن يوم الأحد مستهل المحرم سنة أربع وعشرين ثم وقع الاتقاق والإجماع على عثمان بن عفان رضى الله عنه ، ومشى الحال في أيامه ، وفتحت الفتوحات ، وغزوا في أيامه أفريقية والأندلس، وفتحت قبرص على يد معاوية بن أبى سيفان ، وفي أيامه [هلك ] ملك الفرس يزدجرد آخر ملوكهم ، وانفرضت دولة الأكاسرة ، وفى
أيامه فتحت : الطالقان ، وبلخ ، ومرو الرود ، وغير ذلك ثم قتل عثمان رضى الله عنه بعد قصة طويلة ، يوم الجمعة فى آخر ساعة منها ، لئمانى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ، وقيل قتل يوم النحر منها كم تولى على رضى الله عنه بعد أمور كثيرة ، وأول من بايعه طلحة بن عبد الله بيده اليمى ، وكانت شلاء من يوم أحد ، وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعض القوم : والله لايتم هذا الأمر ، وكان كذلك ، وهرب خلق كثير من المدينة ، ولم يبايعوا عليا رضى الله عنه ، ولم يبايعه غالب أهل الأمصار ، حتى معاوية فى الشام ، ثم وقعت فى أيامه وقعة الجمل ، وكانت فى سنة ست وثلائين ، قتل فيها خلق كثير ، ثم وقعت وقعة صفين ، وكانت وقعة عظيمة مشهورة في الإسلام ، وكان مع على رضى الله عنه مائة وخمسون ألفا من أهل العراق ، وكان مع معاوية مائة وثلائون ألفا من أهل الشام ، وكان القتال بينهم سبعة أشهر ، وقيل تسعة أشهر ، وقتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا ، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفا ، وكانوا يدفنون في القبر الواحد خمسين نفسا ، وكان مع كل من الفريقين جماعة من الصحابة رضى الله عنهم ، ثم افترقوا برفع أهل الشام المصاجف ،
ثم حكموا حكمين وهما ، عمرو بن العاص ، وأبو موسى الأشعرى ، ثم وقع الأمر لمعاوية ، وخالف أهل العراق عليا ، ولم يزل فى اضطراب أمر [ إلى ] أن قتل يوم الجمعة سخر لسيع عشرة خلت من رمضان سنة أربعين ، ودفن بالكوفة ، وغبى قبره رضى الله عنه ، ثم بايع أهل العراق ، الحسن ابن على رضى الله عنهما ، ولم يتم له الأمر حتى سلم الأمر لمعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما ، وإنما ذكرنا هذا شاهدا لما ذكرنا .
وأما بيان أحوال سلاطين الترك ، فأول من ملك منهم السلطان الملك المعز أيبك التركمانىي ، فإنه لم يتول إلا بعد قتل الملك المعظم تورانشاه ابن الملك الصالح ، وبعد عزل شجر الدر حظية الملك الصالح من السلطنة ، وكانت قد تولت السلطنة مدة ثلائة أشهر ، فلما تولى الملك المعز فى أيام الفتنة ، وتحرك التتر لم ينتعش بالسلطنة وكذلك المظفر قطز ماتولاها إلا في أيام الفتنة ، وتوجه هلاون إلى الشام ، وبعد عزل الملك المنصور نور الدين على ابن المعز أيبك ، وكذلك الملك الظاهر بيبرس البندقذارى ماتولاها إلا بعد قتل المظفر ووقوع الهرج ، وكذلك الملك المنصور قلاون ماتولاها إلا في أيام الفتنة : أعنى فتنة التتر ،
وبعد عزل الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر ، وفتنة سنقر الأشقر الذى تولى السلطنة بدمشق وتلقت بالملك الكامل ، وكذلك الملك العادل زين الدين كتبغا ما تولى السلطنة إلا بعد خلع الناصر محمد بن قلاون ، وبعد وقوع فتنة كبيرة من مماليك الأشرف خليل ، وكذلك المنصور لاجين ماتولى السلطنة إلا بعد فتتة كبيرة من جهة عزل العادل ، وكذلك الملك المظفر بيبرس الجاشنكير ماتولأها إلا بعد خلع الناصر نفسه عن السلطنة لما سافر إلى كرك في سنة تمان وسبعمائة لأجل الفتن ، وعدم تمشية أمره مع العسكر ، وكذلك الملك الظاهر برقوق ماتولى السلطنة إلا بعد عزل الصالح أمير حاج ابن الأشرف ، وبعد وقوع فتن كثيرة من جهة مملوكه إيتمش الخاصكى ، وكان قد اتفق مع مماليك الأسياد وبكا الأشرف على قتل الظاهر فأعلمه الله تعالى ذلك ، وحبسهم فى خزانة الشمايل ، وهم خرسة وستون نفسا ، منهم كزل الخططى ويلبغا الخازندار ، ثم مسك الأبغا الدوادار العثماني أحد المقدمين بالديار المصرية وسجنه ، ثم بعد هذه
الفتن تولى السلطنة يوم الأربعاء التاسع عشر من رمضان سنة أربع وتمانين وسبعمانة ومنها أن مولانا السلطان الملك المويد - خلد الله ملكه أصيل بالنسبة إليهم ، بيان ذلك : أن المعز أصله من التركمان ولم يعرف له غير ذلك ، وأن الملك المظفر قطز أصله من الترك غير معروف حتى قال بعضهم إنه من أولاد الناس ، واسمه محمود بن مودود بن خوارزام شاه ، فإن كان هذا صحيحا فلا يكون داخلا فيما نحن فيه ، وأما الظاهر بيبرس فإن أصله قفجاق ، وقيل من برج أعلى وليس مشهورا بالآصالة ، وقيل إنه من الأرمن ، فانظر إلى هذا الاختلاف .
وأما المنصور قلاون فإن أصله من خالصة القبجاق ، وقيل من تركمان قزعلى ، وأما العادل كتبغا فإن أصله من التتر غير معروف ، وأما المنصور لاجين فإن أصله من الجركس ، وليست قبيلته بمشهورة ، وقيل من التتر، وأما المظقر بيبرس فإن أصله من التتر ، وقيل من الجركس ، وقيل غير ذلك ، وهو أيضا ليس بمشهور على الصحيح ، وأما الظاهر برقوق فإن أصله من جركس كشا ، ولا يقارب جنس مولانا السلطان الملك المويد - خلد الله ملكه - ولا غيره من هؤلاء السلاطين يقارب جنس السلطان المويد - خلد الله ملكه - لأنا قد ذكرنا
أن جنسه من كرموك ، وهو أشرف بطون الجراكسة ولا سيما هو من ذرية الملوك ، وممن اختلط في نسبهم غرب غسان ومنها أن كل واحد من هؤلاء السلاطين تولى السلطنة من غير أن يسبق له حكم ، وقبل أن يعرف أحوال بلاده وأحوال رعيته ، بخلاف مولانا السلطان المويد - خلد الله ملكه - فإنه قد تولى النيابات في البلاد الشامية ، وظهرت له حكومات.
وتقدمت له [الأوامر] والنواهي ، فأول ما حكم في مدينة طرابلس ، ثم تولى ذمشق وبلادها ، ثم تولى حلب وبلادها ، وكذلك حكم فى مدينة صفد ، ومدينة كرك ، ثم حكم فى الديار المصرية أميرا كبيرا ، ثم تولى السلطنة ، وعرف أحوال الناس والرعية من سائر الأصناف ، ولا تجق السلطنة إلا لمثل هذا ومنها أن مولانا السلطان - خلد الله ملكه - شارك هولاء السلاطين في أوصافهم الحسنة وفاق عليهم ، بيان ذلك ، أن المعز كان مشهورا بالجلم مع قلة التيقظ ، ومولانا السلطان الملك المويد مشهور بالجلم مع اليقظة والحزم . وأن المظفر قطز كان مشهورا بمحبة العلماء والسنة ، ومولانا السلطان كذلك مشهور ، بل أعظم منه ، فإن إحسانه إلى العلماء ، ولا سيما القادمين منهم من البلاد شىء لأيوصف ، ولا سبقه إليه أحد ، ومن جملة ماشاهدنا من ذلك ، أن الشيخ
شمس الدين الشهير بالعدوى كان قد قدم إلى الديار المصرية في أواخر ربيع الأول من سنة تمانى عشرة وثمانمائة لزيارة مولانا السلطان - خلد الله ملكه - ، فوجد قبولا عظيما وإحسانا جسيما ، والتعظيم الذى فعله مولانا السلطان في حقه لم يوجد من ملك قبلة لعالم قدم إليه ، وكذلك المرتبات التي رتبها له لم يرتبها أحد مثله لمثله وأما الظاهر بيبرس فإنه كان مشهورا بالعزوات مع الفرنج ، ووطىء أرض الروم حتى قيسارية ، فكذلك مولانا السلطان المويد - خلد الله ملكه - اشتهرت له غزوات مع الفرنج بالسواحل الشامية ، وأنه وطىء بلاد الروم أميرا وسلطانا ، ووطىء الأراضى الفرائية أيضا . ولم يصل إلى بلاد الروم من السلاطين غير الظاهر بيبرس ومولانا السلطان المويد وأما السلطان المنصور قلاون فإنه كان مشهورا بالصورة الحسنة ، والبهاء والجمال ، وعلو الهمة ، استدلالا بالمارستان الذى بناه بين القصرين ، فكذلك مولانا السلطان المويد - خلد الله ملكه - صاحب صورة جميلة ومنظر حسن بهيج وبهاء ، وبسطة جسم ، وحسن قامة ، وعلو همة ، والدليل على ذلك ، شروعه فى بناء مدرسة إذا تمت - إن شاء الله تعالى - تفوق سائر المدارس
وأما العادل كتبغا فإنه كان مشهورا بالخير ، وبسط العدل ، والحكم بين الناس ، فكذلك مولانا المويد- خلد الله ملكه - مشهور بالخير والصدقات إلى أهل العلو والفقراء ، وتفرقة الأموال الكثيرة على قراء الحديث والمصاحف ، والدليل عليه : أنه أعطى لقارى الطحاوى وسامعيه من الذهب المصرى مائة وخمسين ، ما قيمته من القلوس الجدد خمسة وثلاثون ألف درهم ، وكان الملك الذى قبله يصرف لهم من الفلوس الجدد مبلغ أربعة آلاف درهم وأما المنصور لاجين فإنه كان مشهورا بقلة الأذى للناس فكذلك مولانا السلطان المويد- خلد الله ملكه - مشهور بذلك ، فإن الناس أمنوا في أيامه على أنفسهم وأموالهم وأما المظفر بيبرس فإنه مشهور بعلو الهمة استدلالا بالخانقاه التي أنشأها داخل باب النصر ، فكذلك مولانا السلطان الملك المويد كما ذكرنا .
وأما الظاهر برقوق فإنه كان مشهورا بأنواع الفروسية من الرمح والنشاب ونحوها ، فكذلك مولانا السلطان المؤيد مشهور بلا خلاف بالفروسية وأنواع الحروب ، بل فاق عليه بقوة الجنان ، فإنه قد ثبت بالتواتر أن مولانا السلطان في الحروب
كالجبل الراسى لا يتحرك يمينا وشمالا ، ويحرض من يرى فيه عجزا وكلالا ، ويجتهد في ذلك بالعزم ، ولا ينزعج من حركات الخصم ، ولقد شاهدت العامة والخاصة ذلك منه في مواطن كثيرة ، وقد أخبرتى بذلك جماعة كثيرة من الأمراء والأجناد وغيرهم ثم أعلم أن من جملة أسرار حروف اسم السلطان أنبا مشتملة على الحروف النارية ، وهى الشين ، والهوائية وهى الياء ، والترابية وهى الخاء . وقد علم في أسرار الحروف أنها نارية ، وهوائية ، وترابية . وماثية . ثم الشين تدل على أن كل من عاداه ، أو عضصى عليه ، أو خرج من طاعته ، أو أضمر له سوءا ، أو نوى له مكرا وخديعة ، فإنه يحترق بناره ، ويتلاشى أمره ، ويتفرق شمله ، ويندرس حاله ، ولا يبقى له ولا لحاشيته أثر ولا خبر ، كالنار إذا وقعت فى أرض تأكل ما فيها كله .
والياء تدل على أن من نصح له وأخلص فى طاعته ظاهرا وباطنا تنصب عليه نفحات نسيمه الوسيم ، ونهب عليه نسمات بره وخيره العظيم ، كالهواء فإنه حياة كل ذى روح ، وبقاء كل حيوان . والخاء تدل على عمارته بلاد رعيته ، ويدل على ذلك عدله ، وذلك لأن التراب تخرج منه أرزاق جميع العباد والحيوانات ، ويستر به من كان من الأموات ، . والشين في الجمل الكبير تلائمائة ، وفى الصغير ثمانية ، والياء فى الكبير والصغير عشرة . والاء فى الكبير ستمائة ، وفي الصغير ساقطة ، فالباقي بعد الإسقاط ستة ، فإذا أضيف إليها ما بقى من اسم
أمه الحواء يكون تسعة ، فيكون نجمه تاسع البرج وهو القوس وهو تاسع السلاطين ، وطالعه المشترى وهو برج ذكر نهارى نارى ملوكى ، ذو جسدين ، قوته من أول النهار إلى نصفه ، يمتزج فيه الخريف بالشتاء ، حارة يابسة ، طبيعتها مرة صفراء ، مدبرها بالنهار الشمس ، وبالليل المشترى ، وشريكهما بالليل والنهار زحل ، وإذا نزلت الشمس إلى هذا البرج يكون الليل أربع عشرة ساعة والنهار عشر ساعات ، وله من منازل القمرثلاثة : السولة والنعائم والبلدة ، وله ثلائة وجوه ، الأول لعطارد ، والثاني لقمر ، والثالت لزحل ، وهو أخر القوس ، وقد كان ميلاد مولانا السلطان الملك المؤيد- والله أعليم - فى الوجه الثالث ، لأن العلامات التى فيه تدل على ذلك ، وهى تمام القامة ، وبسطة الجسم ، وحسن الصورة ، وعلو الهمة والإقبال والسلطنة ، والرتاسة التامة الكاملة ، ودل هذا أيضا على أمور الأول : بيت الحياة يعمر طويلا ، ويعيش حميدا سعيدا الثاني : بيت المرض يعتل علة صعبة شديدة فى ثلاث سنين من عمره وأخرى فى اثنى عشرة وأخرى فى ثلات وثلاثين ، فإذا عدى ذلك عاش طويلا ، وأكثر أمراضه فى أفخاذه وصلبه ، بسبب استيلاء البلغم . الثالث بيت الآقارب والإخوة : يكون هو المقدم عليهم ، والمحبوب عند والذنهم ، ويتأخر بعدهم بزمان ، ويفارقهم من مكان : الرابع بيت الأولاد ، ويفرح
بالأولاد وربما يرزق ستة من الذكور غير الإناث [ اللاتي ] تتزوج فى حياته ، وربما يأتى له توأمان . الخامس بيت النساء : يتزوج كثيرا ، ويفرح باثنتين ، ويرى منهما البركة والصلاح . والسادس بيت المال ، يرزق مالا عظيما ، وينفق أكثره فى سبيل الله ، وتوافقه التجارة ، وعمارة الأرضين والبساتين : السابع بيت الأسفار : لايحاف عليه في السفر ، بل يرى فيه أرباحا ومكاسب . الثامن بيت الحساد والأعداء ، كل من يعاديه ملك أو يناله مكروه لا ينجو منه ، ولا يعمل فيه كيدهم ، ولو سحروه لا يعمل فيه السخر ، لعلو نجمه وقوته : التاسع بيت علاماته الظاهرة ، دل نجمه على أن بفخذه علامة ، وعلى صدره علامة أو شامة ، وعلى كتفه كذلك ، وربما يكون في جسده عقر الحديد . العاشر بيت علاماته الباطنة .
شديد البأس ، جرىء فى أموره ، يتكلم بكل ما يجرى على لسانه ، ثم يندم من ساعته، يغضب ويزجع سريعا ، وهو كريم المشهد ، صدوق اللهجة ، سليم الناحية ، كثير الحلم والصفح والعفو ، قابل للحق ولو فى وجه من يجبه الحادى عشر ، ما يوافقه ومالا يوافقه من المشروبات ، المنقوع المحلى ، والتمر هندى المحلى ، ومن الفصوص ، الياقوت الأزرق ، ومن الذواب : الشقر ، ومن الثياب : الأصفر والأخضر ، ومن الندماء والجلساء : من كان نجمه القوس والحمل
والأسد ، ولا يوافقه من كان نجمه العقرب والحوت والسرطان ، ويوافقه من الشهور العربية :، رمضان ، ومن شهور الفرس : أذرماه ومن شهور الروم : كانون الأول ، ومن الأيام : الخميس ، ومن الزمان : الشتاء ، ويتوفى يوم الأربعاء. الثاني عشر بيت ما ينبغى أن يفعله : ينبغى له إذا أراد أن يباشر النساء أن أن يتقلل الطعام والشراب . وإذا نام يجعل رأسه مما يلى المشرق فإنه أصح لأحلامه ، وإذا أراد أن ينظر إلى الهلال ينظر على وجه ذكر - والله أعليم - فهذا الذى ذكرنا عند بعضهم إنما يمشى قبل السلطنة ، لأن عندهم لا يحسب للسلاطين والملوك ، ومن الطوالع إلا برج الأسد ، وطالع الشمس ، وهذه قاعدة عندهم واصطلاح ، ولا منازعة فيه ، ومن خواص هذا الاسم : أنه ليس [ فيه ] حرف من الحروف التى ينغلق بها الفم ، ففيه إشارة أن صاحبه دائما فى الفتوح والبركات ومن النكات فيه أن حروفه موجودة في حروف بعض أسماء الأنبياء عليهم السلام ، فالشين موجودة في اسم شعيب النبى عليه السلام ، وشعيا النتي عليه السلام ، وشمويل عليه السلام ، وشيت النيى عليه السلام ، وشمشون الننى عليه السلام والياء موجودة فى اسم يونس النبى عليه السلام ، ويحبى النبى عليه
السلام ، ويوشع النبى عليه السلام ، ويوسف النيى عليه السلام ، ويعقوب النني عليه السلام ، ، والخاء موجودة في الخليل عليه السلام ، وخضر النيى عليه السلام ، وكذلك حروف اسم مولانا السلطان موجودة في اسم نبينا محمد عليه السلام ، وذلك لأن العلماء عدوا له سبعين أسما - ذكرها الفارق في كتاب البستان - منها : الشاهد والشكور وياسين ، فالشين والياء موجودتان في هذه الأسماء الثلاثة . وأما حرف الخاء فلا توجد إلا في اسمه المذكور في الإنجيل خير طا ه ، واسمه المذكور فى التوراة خبذاخيد ] واختلف فى معتى هذين الاسمين ، فقيل معى الأول الشيد ، وقيل المختار . ومعى الثاني نبى كريم ، وقيل نبىء الرحمة ، ثم السر فى هذا أنه روى فى بعض الإسرائيليات : أنه إذا كان يوم القيامة يؤفى برجل فيحاسب فتغلب سيئاته حسنائه فيؤمر به إلى النار ، ثم ينادى أوقفوه وأنطروا هل تعلم فى الدنيا في عمر شيئا من العلم؟ فينظرون فلا يجدون شيئا ، ثم يقال انظروا هل جالس العلماء فإن العلماء لا يشقى جليسهم ؟ فينظرون فلا يجدون شيئا ، ثم يقال : انظروا هل أحب العلماء فإن من أحب قوما فهو منهم فينظرون فلا يجدون شيئا ، ثم يقال ، انظروا أرافق العلماء في عمره مرة فينظرون فلا يجدون شيئا ، ثم يقال : انظروا هل سكن فى مخلة فيها عالم من العلماء ، فينظرون فلايجدون شيئا ، ثم يقال : انظروا هل يوافق اسمه اسم أحد من العلماء فينظرون فلايجدون شيئا من ذلك ، ثم
يقال : انظروا هل في اسمه حرف من حروف اسم أحد من العلماء ؟ فينظرون فيجدون في اسمه حرفا من حروف اسم أحد من العلماء فيغفر له ببركة ذلك ، ويساق إلى الجنة . فإذا كان من يستحق النار يغفر له ببركة وجود حرف فى اسمه من حروف اسم أحد من العلماء ، فأولى وأجدر وأحق أن يغفر[ له] ويستوجب الكرامة من كان في اسمه حروف من حروف اسم نبى من الأنبياء عليهم السلام ، ولاسيما حروف اسم مولانا السلطان - خلد الله ملكه - كلها موجودة في أسماء الأنبياء المذكورين عليهم السلام ، فإن قال قائل ، فكذا يوجد فى أسماء غيره من السلاطين الترك حرف من حروف اسم نبى من الأنبياء عليهم السلام فيتساوى كلهم في هذه الفضيلة ، قلنا : لا نسل ذلك ، لأن كلامنا فى اللفظ العربى ، فاسم مولانا لفظ عربى من المشتقات ، واسم غيره من السلاطين المذكورين لفظ أعجمى ، فإن أسماءهم أيبك وقطز ، وبيبرس ، وقلاون ، وكتبغا ، ولاجين ، وبيبرس الثانى وبرقوق ، فإنها ألفاظ عجمية فلا تدخل فى المأخذ الذى ذكرنا ، فإذا كان كذلك فقد فاق مولانا السلطان على هؤلاء بما تضمنه اسمه الشريف مما ذكرنا . ومن أسرار هذا الاسم أن صاحبه إذا أراد أن يدعو الله تعالى عند طلب حاجة من جلب منفعة أو دفع مضره ينبغى له أن يذكر الله تعالى بأسمائه التى أول حروفها حروف اسمه نحو أن يقول : يا شكور ، ياشهيد ، ياخالق ، يا خبير . وأما حرف الياء فإنا تذكر فى أول كل اسم عند الدعاءنحو: يا أالله ، يارحمن ، يارحيم وشير ذلك ،
الباب الثالث في كنيته وما تدل عليه ومن تكنى بها من الملوك
اعلم أن كنية مولانا السلطان أبو النصر ، وهى كل اسم يصدر بام أو أب ، ويستعملها العرب للتعظيم والتوقير وربما يصير كالعلم بالغلية ، أما العرب فإن الكنية عندهم باسم أول ولد يولذ له ، أو باسم أشهر أولاده سواء كان ذكرا أو أنثى وأما الملوك والسلاطين فإن الكنية عندهم ليست كذلك بل بلفظة يختاروما تفاولا بمعناها ، كما اختير لفظ ا النصر ه في كنية مولانا السلطان ، وكما اختير لفظ الشعيد ، في كنية الملك الظاهر برقوق ، وكما اختير لفظ والفتح « فى كنية الملك الظاهر بيبرس ثم لاشك أن وضع الكنى أيضا إلهام من الله تعالى كالأسماء الأعلام ، يظهر سرها في صاحبها ، ألا ترى أن الظاهر بيبرس لما تكنى ابأبى الفتح حصلت في أيامه فتوحات كثيرة ، ومنها قيسارية الشام ، وارسوف ويافا ، والشقيف ، وأنطاكية ، وبغراس، وطبرية ، والقصير ، وحصن
الأكراد ، وحصن عكار ، والقرين ، وصافيت وصفد ، والقليعات ، وحلبا ، وجعرقا . وقال التويرى . أول فتوحاته فيسارية الشام بالسواحل ، وأخر فتوحاته قيسارية الروم . وأماعدة فتوحاته فكانت تزيد على أربعين جصنا ، وأخذ جميع قلاع الإسماعيلية ، وناصف الفرنج على المرقب وبانياس
وبلاد أنطر سوس ، ومن جملة فتوحاته أنه كسر المغول على أبلستين ، وقتل توقو ويداون ، واستعاد من صاحب سيس بلاذاكثيرة واسترد من أيدى المتغلبين من المسلمين بعلبك وصرخذ ، وعجلون وجمض ، والصلت وتدمر والرحبة وتل باشر والكرك والشوبك
وفتح بلاد النوبة بكمالها ، جرد إليها جيشا مع الأمير شمس الدين آ قسنقر الفارقانى ، والأمير عز الدين أيبك الأفرم فى مستهل شعبان من سنة أربع وستين وستمانة ، فوصلوا إلى دنقلة ، ولقيهم جمع السودان واقتتلوا ، فانزم السودان ، وقتل منهم جماعة كثيرة ، وأسر منهم ما لا يقع عليه الحصر حتى بيع كل أس بثلاثة دراهم ، وكان ملكهم داود فهرب إلى الأبواب ، وهى فوق بلاده ، فالتقاه صاحبها ، واسمه أدر وقاتله وقتل ولذه وأكثر من كان معه ، ومسكه وأرسله إلى السلطان أسيرا ، فاعتقل فىي القلعة إلى أن مات فى السجن ، وكانت مملكته لشكندة بن عمه فأخذ داود منه الملك ظلما ، فهرب منه وجاء إلى السلطان متظلما ، فكشر جيش الظاهر داود وملكوا عوضه شكنده ورجعوا . وقال النويرى : أول من غزا النوبة في الإسلام عبد الله بن أبى السرح سنة إحدى وثلاثين فى خلافة عثمان رضى الله عنه ، ثم فى زمن هشام بن عبد الملك ابن مروان ، ثم غزاها أبو منصور هى وبرقة في عام واحد ، ثم غزاها كافور الإخشيدى ، ثم غزاها ناصر الدولة [ ابن ] حمدان سنة تسع وخمسين وأربعمائة ، ثم غزاها شاهنشاه بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين يوسف فى سنة
ثمان وستين وخمسمائة ، قلت ثم غزاها الملك الظاهر بيبرس كما ذكرنا وهو تامنهم ، وسيغزوها الملك المؤيد إن شاء الله تعالى وكذلك الظاهر برقوق لماتكنى بأبى سعيد لم يزل سعيدا في حركاته إلى أن مات ، ومن جملة سعادته أنه مات على فراشه بين أولاده وعياله وحاشيته ومماليكه بعزة ، وحرمة وافرة ، وأمر ناقذ ، ووصية حسنة بأمور كثيرة ، وكانت وفاته ليلة الجمعة منتصف شوال سنة إحدى وتمانمائة ، فأخرجوه مهار الجمعة قبل صلاة الجمعة فى ملا من الناس ومن أمراته ومماليكه ، ودفنوه في الحوش الذى كان أرصده لمماليكه ، والمؤدنون يؤدنون لصلاة الجمعة ، وهذه سعادة عظيمة لم تتفق لمن قبله من السلاطين ، ومن جملة سعادته أن مملوكه الخاص الذى كان رباه مثل ولده قد قصد قتله فلم يحصل له حتى قتله هو ، وقضيته مشهورة لاتخفى ، ومن جملة سعادته أن السلطنة عادت إليه بعد أن خرجت منه على يد يلبغا الناصرى ، ومن جملة سعادته أنه نجا من الموت والقتل لما كان محبوسا فى قلعة الكرك ، وكان منطاش المتغلب قد أرسل إليه من يقتله فأنجاه الله تعالى لأمور تكون له فى أيامه ، ومن جملة سعادته رجوع تمرلنك عن بلاده بعد وصوله إلى الأراضى الفراتية ، إما خوفا منه ، وإما لغلبة
سعده على سعد تمرلنك ، ومن جملة سعادته صيرورة السلطنة بعده إلى ولديه وهما فرج وعبد العزيز ، ثم إلى أعز خواصه من مماليكه الملك المؤيد ، ولم تخرج السلطنة من ذائرته ، وغير ذلك من الأمور الغريبة التى اتفقت له [ و] التى فيها دلالة على سعادته العظيمة على مالا يخفى وكذلك كنية مولانا السلطان المؤيد تدل على أنه منصور فى كل حركاته ، وكل أموره ، وأن النصر لا يفارقه ، لأنه صار أبا له فصار النصر كالابن ، والابن جزة من الأب ، فكذلك النصر جزء لمولانا السلطان المؤيد ، وهذه الكنية أعظم من كنية الظاهر بيبرس ، وكنية الظاهر برقوق ، لأن الله تعالى ذكر لفظ النصر في كتابه الكريم فى مائة موضع وستة عشر موضعا ، فى سورة البقرة ولا يؤخذ منها عدل ولاهم ينصرون . وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير، مالك من الله من ولى ولا نصير ، ولا تنفعها شفعة ولا هم ينصرون متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ، « وما للظلمين من أنصار . فانصرنا على القوم الكفرين
وفى سورة أل عمران :. » والله يؤيد بنصره ، من يشاء أولئك الذين حبطن أغملهم في الدنيا والآخرة ومالهم من نصرين . « فأعدبهم عذابا شديدا في الدنيا والأخرة وما لهم من نصرين لتؤمنن بو ولتنصرنه .
أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من نصرين يولوكم الأذبار ثم لا ينصرون . ولقذ تصركم الله ببدر وانتم أدلة وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم . وثبت أقدامتا وأنصرنا على القوم الكفرين إن ينصرهم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده .وماللظلمين ين أنصار ففى سورة النساء : وكفى بالله نصيرا . « ومن يلعن الله فلن تجد لة نصيرا . وأجعل لنا من لدنك
نصيرا ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا . ولن تجد لهم نصيرا . ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا وفى سورة المائدة : وما للظلمين من أنصار وفى سورة الأنعام : فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا وفى سورة الأغراف ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ففي سورة الأنقال : وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم « فئاونكم وأيدكم بنصره .
هو الذى أيدلة ينصره وبالمؤمنين والذين
ءاووا ونصرا وإن اشتنصروكم فى الدين فعليكم النصر. . والذين عاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا وفى سورة التوبة : يخزهم وينصركم عليهم لقد نصركم الله في مواطن كثيرة إلا تنصروه فقد نصره الله . ومالهم في الأرض من ولى ولا نصير ومالكم من دون الله من ولى ولا تصير وفى سورة هود . ويقوم من ينصربى من الله فمن ينصرنى من الله إن عصيته . ثم لا تنصرون .
وفى بنى إسرائيل ، إنه كان منصورا ثم لا تجذ لك عليئا نصيرا . وأجعل لى من لدنك سلطنا نصيرا
وفى سورة الكهف : ولم تكن له فتة ينصرونه من دون الله وماكان منتصرا .
وفى سورة الأنبياء : وأنصروا م الهتكم .
وفى سورة الحج : ولينصرن الله من ينصره . ثم بغى عليه لينصرنه الله وما للظلمين من نصير وفى سورة المؤمنين : قال رب أنصريى بما كليون .
إنكم منا لا تنصرون وفى سورة الفرقان . فما تستطيعون صرفا ولا نضرا وكفى بربك هاديا ونصيرا .
وفى الشعراء : هل ينصرونكم أو ينتصرون وذكروا الله كثيرا وأنتصروا وفى القصص . فإذا الذى استنصره بالأمس
ويوم القيامة لا ينصرون وما كان من المنتصرين .
وفى العنكبوت : ولكن جاء نصر من ربك . ومالكم من دون ألله من ولى ولا نصير . وما لكم من نصرين .
وفى سورة الروم : بنصر ألله ينصر من يشاء وما لهم من نصرين وكان حقا عليئا نصر المؤمنين وفى سورة الأخزاب : ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا . « لا يجدون وليا ولا نصيرا .
وفى فاطر : » فذوقوا فما للظلمين من نصير .
وفي يس : لعلهم ينصرون . لا يستطيعون نصرهم .
وفى الصافات : مالكم لا تناصرون . و ونصرنهم فكانوا هم الغليين . إنهم لهم المنصورون وفى الزمر : « ثم لا تنصرون .
وفى سورة غافر : إنا لننصر رسلنا وفي فصلت وهم لاينصرون وفى الشورى : والظلمون مالهم من ولى ولا نصير .
وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير . ولمن أنتصر بعد ظلمه وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله وفي الجاثية . وما لكم من نصرين وفي الأحقاف : فلولا نصرهم الذين اتخذوا .
وفى سورة محمد : لانتصر منهم إن تنصروا
الله ينصركم فلا ناصر لهم وفى الفتح : وينصرك الله نصرا عزيزا لأيجدون وليا ولا نصيرا وفى الطور . ولا هم ينصرون وفى القمر ، فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر نحن جميع منتصر وفى الرحمن : فلا تنتصران .
وفى الحديد . وليعلم الله من ينصره .
وفى الحشر ، وإن قوتلتم لننصرنكم . ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولكن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا تنصرون .
وفي الصف : كونوا أنضار الله من أنصارى .
إلى الله ونحن أنصار الله
وفى الطارق . فما له من قوة ولا ناصر .
وفى الفتح : إذا جاء نصر الله والقتع وأخر أالفاظ النصر معقب بالفتح حيث قال الله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح . ولا هك أن المنصور يظفر بالفتح والسعد ، فالنصر هو أبلع فى المعى ، لأن الفتح والسعد لايفارقانه ، والنكتة فيه أن مولانا السلطان - خلد الله ملكه - كنى بأبى النصر بالإلهام الرباني والوضع الألهى وفيه إشارة له أن الفتح والسعد لايفارقانه ، فإن شاء الله تعالى يفتح له البلاد التى ليست فى ملكه ، ويطيع له العباد الذين ليسوا تحت أمره ، ولا يزال سعيدا في حركاته وسكناته ، منصورا في جميع مايتفق له من أموره ، والله على ذلك قدير وبالإجابة للادعية جدير وكل من تكنى بأبى النصر من الخلفاء أو الملوك والسلاطين أو الوزراء وجدناهم بالاستقراء قد تقضت أيامهم بالخير والشرور ، والنصر التام وبلوع الآمال ، وهلاك من عاداهم :.
فمن الخلفاء أمير الموؤمنين الظاهر بأمر الله محمد بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله أحمد بن المستضء بأمر الله أبى المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله أبى عبد الله محمد بن المستظهر بالله.
أبى العباس أحمد بن المقتدى بأمر الله أبى القاسم عبد الله بن ذخيرة الدين بن القائم بأمر الله أبى جعفر عبد الله بن القادر بالله أبى العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر بالله أبى الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبى العباس أحمد بن الموفق بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله أبى إسحاق محمد بن هارون الرشيد أبن المهدى محمد بن عبد الله أبى جعفر المنصور محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمى العباسى ، وهو الخامس والثلائون من خلفاء بني العباس ، يكنى أبا النصر قال المؤرخون : وليس فى الخلفاء من يكنى بأبى النصر غيره بويع له يوم الأحد سلخ شهر رمضان من سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، وتوفى يوم الجمعة تابى عشر رجب من سنة ثلاث وعشرين وستمائة ، وكان متواضعا ، عادلا ، محسنا إلى الرعية وقال ابن كثير .: وكان من أجود بني العباس سيرة ، وأحسنهم سريرة ، وأكثره عطاء ، وأحسنهم منظرا ورداء ، وكان قد رد المظالم ، وأسقط المكوس ، وخفف الخراج عن الناس ، وأدى ديون العاجزين عن أدائها ، وأحسن إلى العلماء والفقراء ، وما كان يولى إلا أصحاب الديانات والأمانات ، وكان قد كتب كتابا إلى ولاة الرعية حين تولى الخلافة وفيه .
بسم الله الرحمن الرحيم : أعلم أنة ليس إمهالنا إهمالا ، ولا إغضاؤنا احتمالا ، ولكن لنبلوكم أيكم أحسن
عملا ، وقد غفرنا لكم ماسلف من تخريب البلاد ، وتشريد الرعايا ، وإظهار الباطل الجلبى في صورة الحق الخفى - جيلة ومكيدة - وتسمية الاستتصال والاجتياح استيفاء واستدراكا ، لأغراض انتهزتم فرصها مختلسة من برائين ليث باسل وأسد مهيب ، تتفقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد ، وأنتم أمناؤه وثقاته فتميلون رأيه إلى هواكم ، وتمزجون باطله بحقه ، فيطيعكم وأنتم له عاصون ، ويوافقكم وأنم له مخالفون ، والأن فقد بدل الله بخوفكم أمنا ، وبفقركم غنى ، وبباطلكم حقا ، ورزقكم سلطانا يقيل العثرة ولا يؤاخذ إلا من أصر ، ولا ينتقم إلا ممن أشتمر ، يأمركم بالعدل وهو يريده ، وينهاكم عن الجور وهو يكرهه ، فك يخاف الله ويخوفكا مكره ، ويزجو الله ويرغبكم فى طاعته، فإن سلكم مسالك خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه وإلا هلكم والسلام ومن الخلفاء الفاطميين ، أبو المنصور ، وقيل أبو النصر نزار الملقب العزيز بالله بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدى العبيدى ، صاحب مصر وبلاد مغرب ، ولى العهد بمصر يوم الخميس الرابع عشر من ربيع الأخر سنة خمس وستين وثلاثمائة ، وتوفى يوم الثلائاء الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة في مسلح الحمام فى
بلبيس ، وكان كريما شجاعا ، حسن العفو عند المقدرة ، وهو الذى اختط أساس الجامع بالقاهرة مما يلى باب الفتوح ، وفي أيامه بني قصر البحر بالقاهرة لم يبن مثله فى شرق ولا غرب ، وقصر الذهب ، وجامع القرافة ، والقصور بعين شمس ومن السلاطين الذين تكثوا بأبى النصر ، بهاء الدولة فيروز ابن عضد الدولة فناخسرو ابن ركن الدولة أبى على الحسن بن بويه بن فناخسرو بن تمام بن كوهى بن شيرزيل الأصغر بن شيركده بن شيرزيل الأكبر ابن شيراز شاه بن شيرفنه بن ششان شاه بن سسن قرو بن شير وزيل بن سسناذ ابن بهرام جور الملك بن يزجرد بن هرمز كرمانشاه بن سابور الملك بن سابور ذى الاكتاف ، وكانت سلطنته أربعا وعشرين سنة ، وكان شجاعا باسلا .
ومنهم أبو النصر السلطان مسعود بن السلطان محمود ابن سبكتكين . كان ملكا جليلا ، كثير الصدقة ، تصدق مرة فى شهر رمضان بألف ألف درهم ، وكان كثير الإحسان ،
إلى العلماء وصنفوا له التصانيف الكثيرة ، وكان ملكه عظيما ، ملك أصبهان والرى وطبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وكرمان ، ويجستان والسند وغزنة وغير ذلك ، وأطاعه أهل البر والبحر وكذلك مولانا السلطان الملك المؤيد ، كثير الإحسان إلى العلماء خصوصا إلى القادمين منهم ، ولقد أصرف إلى العلماء والسامعين الحديث النبوى في شهر رمضان ما لن يصرفه أحد قبله من السلاطين ومنهم أبو النصر نصر الدولة أحمد بن مروان الكردى صاحب ديار بكر وميافارقين . وكان ملكا عظيما ، ملك هذه البلاد تنتين وخمسين سنة ، وتنعم تنعما لم يقع لأحد من أهل زمانه ، ولا أذركه فيه أحد من أقرانه ، كان عنده خمسمائة سرية سوى من يخذمهن ، وعنده خمسمائة خادم ، وعنده من المغنيات شىء كثير ، كل واحدة مشتراها خمسة آلاف دينار وأكثر ، وكان يحضر فى مجلسه من الآلات والأوانى ما تساوى مائتى ألف دينار ، وتزوج بعدة بنات من بنات الملوك ، وكانت بلاده آمن البلاد وأطيبها وأكثرها عدلا ، وقد بلغه أن الطيور تتوجه فى الشتاء من الجبال إلى القرى فيضطادها الناس ، فأمر بفتح الأهراء وألقى
ما يكفيها من الغلات مدة الشتاء فكانت تكون فى ضيافته طول عمره وقال ابن خلكان : قال ابن الأزرق فى تاريخه : إنه لم يصادر وأحدا من رعيته سوى رجل واحد ، ولم تفته صلاة مع كثرة مباشرته اللذات ، وكانت له ثلاثمائة وستون حظية ، يبيت عند كل واحدة ليلة من السنة ، ولم [ يزل ] كذلك إلى أن توفى فى التاسع والعشرين من شوال من سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ، وعاش سبعا وسبعين سنة .
ومن الوزراء ، أبو النصر عميد الملك منصور بن محمد وزير السلطان طغرليك ، كان ذكيا فصيحا شاعرا ، لديه فضائل جمة ، حاضر الجواب سريعه ومنهم أبو النصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة أبى النصر [ابن ] عضد الدولة ، كان من أكابر الوزراء ، وأماثل الروساء ، جمعت فيه الكفاية والدراية ، ومدحه الشعراء لكرمه وفضله ومنهم أبو النصر محمد بن محمد بن جهير الملقب بعميد الملك أحد مشاهير الوزراء وزير القائم ثم [ وزر] لولده
المقتدى ، وكان ذا رأى وعقل وحزم ، وتدبير وإحسان إلى العلماء والفقراء وممن تكنى بأبى النصر من العلماء الكبار أبو النصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ الفاراتى التركى أكبر فلاسفة المسلمين - والرئيس أبو على بن سينا ، تخرج بكتبه وانتفع بكلامه . وكان إماما عظيما فى فنون شتى ، خصوصا المنطق والحكمة والموسيقة . وقال ابن خلكان : ويحك بأن الألة المسماة بالقانون من وضعه ، وهو أول من ركبها هذا التركيب . وقدم دمشق وكان بها إذ ذاك سيف الدولة ابن حمدان فأحسن إليه وكان نديمه . فانظر إلى هذا الملك الذى كان نديمه الفاراتى ، وشاعره المتنبي وخطيبه ابن نباتة وقال ابن خلكان . ورأيت فى بعض المجاميع : أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة بن حمدان ، وكان مجلسه مجلس العظماء في جميع المعارف ، فدخل عليه وهو بزى الأتراك ، فوقف وقال له . سيف الدولة أقعد حيث أنا أو حيث أنت فقال حيث أنت . فتخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى سند سيف الدولة وزاحمه فيه حتى أخرجه عنه ، وكان على رأس سيف الدولة مماليكة وله معهم لسان خاص يساررهم به قل أن يعرفه أحد، فقال لهم بذلك اللسان إن هذا الشيخ قد أساء الأدب ، وإنى مسائله عن أشياء إن لم ريوف بها فأخرقوا به ، فقال لهم بذلك اللسان : أيها الأمير اصير فإن الأمور بعواقبها ، فعجب سيف الدولة منه ، وقال له ،
نعم . أتحسن هذا اللسان فقال : نعم أحسن أكثر من سبعين لسانا ، فعظم عنده ، ثم أخذ يتكلم مع العلماء الحاضرين في المجلس في كل فن ، فلم يزل كلامه يعلو ، وكلامهم يسفل حتى صمت الكل وبقى يتكلم وحده ، ثم أخذوا يكتبون مايقول : فصرفهم سيف الدولة وخلا به ، فقال له : هل لك فى أن تأكل فقال : لا ، فقال . فهل تشرب فقال :لا ، فقال : هل تسمع « فقال :نعم . فأمر سيف الدولة بإحضار القيان - وكان له عشر جوق ، كل جوقة عشر قينات - فأحضرهن ، وأحضر كل ماهو فى هذه الصناعة بأنواع الملاهى ، فلم يحرك أحد منهم آلته إلا وغلبه الشيخ ، وقال أخطات . فقال له سيف الدولة : هل تحسن فى هذه الصنعة شيئا ؟ قال : نعم : ثم أخرج من وسطه خريطة ففتحها ، وأخرج منها عيدانا فركبها ، ثم لعب بها فضحك كل من فى المجلس ، ثم فكها وركبها تركيبا آخر فضرب بها ، فيكي كل من فى المجلس ، ثم فكها وغير تركيبها وحركها فنام كل من فى المجلس حتى البواب ، فتركهم نياما وخرج . وكان أزهد الناس في الدنيا ، لا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن ، وأجرى عليه سيف الدولة كل يوم من بيت المال أربعة دراهم ، وهو الذى اقتصر عليها لقناعته ، ولم يزل على ذلك إلى أن توفى سنة تسع وثلائين وثلاثمائة بدمشق ، وصلى عليه سيف الدولة في أربعة من خواصه
وقد ناهز ثمانين سنة ، ودفن خارج الباب الصغير ومن العلماء المحدثين الكبار الأمير أبوالنصر سعد الملك على بن هبق الله ، المعروف بابن ماكولا صاحب المصنفات النافعة منها كتاب الإكمال وعليه اعتماد المحدثين ومن العلماء الخنفية اكبار أبو نصر الألوسي الإمام الكبير من أئمة الشروط ، ومنهم أبو النصر الصفار أحمد بن محمد ، ومنهم أبو النصر الدامعانى من البيت المشهور ، ومنهم أبوالنصر الأقطع شارح القدورى ومن الشعراء المشهوزين المجيدين أبو النصر عبد العزيز ابن عمر بن محمد التميمى السعدى ، طاف البلاد ، ومدح الملوك والوزراء ، والرؤساء ومن أسرار هذه الكنية أن صاحبها إذا أراد أن يدعو الله تعالى عند طلب حاجة من جلب منفعة أو دفع مضرة ، ينبغي
له أن يكبر من قوله ، فانصرنا على القوم الكنفرين وثبت أقدامنا ، وأنصرنا على القوم الكفرين وكفى باللو نصيرا ، واجعل لنا من لذنك نصيرا يعم المولى ونعم النصير ، واجعل لى من لدنك سلطنا نصيرا
الباب الرابع في لقبه وما يدل عليه ومن تلقب به من الملوك
أعلم أن لقب مولانا السلطان الموؤيد ، وهو من الالقاب الحسنة التى تشعر برفعة المسمى ، كما تلقب أبو بكر رضى الله عنه بالصديق والعتيق ، وهو أول من تلقب في الإسلام ، وسمى صديقا لتصديقه خبر الإسراء ، وقيل لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم فى أول الأمر ، وهو أول الناس إيمانا ، وسمى عتيقا لأن النتي صلى الله عليه وسلم قال : من أراد أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبى بكر وقيل سمى به لجمال وجهه ، وقيل إنه اشم سمتة أمه ، وأبو بكر كنيته ، واسمه عبد الله بن أبى قحاقة عثمان بن عامر ابن صخر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى ، يلقى أبا النبي صلى الله عليه وسلم فى مرة بن كعب .
وامه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب ابن سعد . وكانت خلافته سنتين وثلائة أشهر وعشر ليال وقال ابن الأثير : سنتين وأربعة . مات ليلة الثلائاء لثمان بقين من جمادى الأخرة سنة ثلاث عشرة بين المغرب والعشاء ، وله ثلاث وستون سنة وتلقب عمر رضى اللة عنه بالفاروق . روى الزهرى .أن
الذى لقبه به أهل الكتاب لفرقه بين الحق والباطل ، وقال الواقدى بإسناده إلى عائشة . أنها سئلت من سمى عمر الفاروق قالت : النتي صلى الله عليه وسلم . وهو أول من سمى بأمير المؤمنين ، وأول من حياه بها المغيرة بن شعبه ، وقيل غيره وهو عمر بن الخطاب عن تقيل بن عبد العزى ابن [قرط بن ] رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح ابن عدى بن كعب بن إلوى بن غالب ] بن فهر بن مالك يلقى أبا النبى صلى الله عليه وسلم فى كعب بن لوى ، وأمهحنتمه ابنة هاشم ابن المغيرة . وقد ذكرنا وفاته وتلقب عثمان رضى الله عنه بذى النوزين لمكانة ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحته وهما رقية وام كلثوم تزوج أولا رقية ثم لما توفيت تزوج بأم كلثوم ثم توفيت ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فى الجنة شجرة ما عليها ورقة إلا مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أبو بكر الصديق عمر الفاروق ، عئمان ذوالنوزين . رواه الطبرانى بإسنادفيه ضعف .
وهو عثمان بن عفان بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قضى بن كلاب بن مرة . وامه
أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس . وقد ذكرنا وفاته ويلقب على رضى الله عنه بالمرتضى ، ويكنى بأنى تراب وأبو طالب اسمه عبد مناف بن عبد المطلب . واسمه شيبة ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وقد ذكرنا وفاته .
ولم تزل الخلفاء من بنى أمية يلقيون بأمير المؤمنين ولا يذكرون غير ذلك إلى أن انتهت الخلافة إلى بني العباس رضى الله عنه فاولهم أبوالعباس الشفاح بن محمد بن على بن عبد الله ابن العباس بن عبد المطلب . فشرع بنو العباس يلقبون بألقاب مختلفة كالمنصور ، والمهدى ، والهادى ، والرشيد ، والمأمون ، والأمين ، والمعتصم ، والواثق ، والمتوكل ، والمستنصر ، والمستعين بالله ، والمعتز ، والمهتدى ، والمعتمد ، والمعتضد ، والمستكفي والمقتدر . والقاهر ، والراضى ، والمقتفى ، والمستكفى ، والمطيع والطائع ، والقادر ، والقائم ، والمقتدى ، والمستظهر ، والمسترشد والراشد ، والمتنجد ، والمستضىء ، والناصر ، والظاهر ، والمستنصر والمستعصم، وهو أخر الخلفاء العباسيين بالعراق ، فبدات الخلافة العباسية بالعراق بعبد الله السفاح ، وختمت بمها بعبد الله المستعصم وكانت عذيهم ستة وثلاثين خليفة ، فجملة أيامهم خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة ، ولم تكن أيديهم
حاكمة على جميع البلاد كما كانت بنو أمية قاهرة لجميع البلاد والأقطار والأمصار ، وخرج عن ملكهم بلاد الغري بكمالها وقارن دولتهم دولة الفاطميين ببلاد مصر ، وبلاد الشام في بعض الأحيان ، والحرمين في بعض الزمان ، واستمرت دولتهم قريبا من ثلاثمائة سنة ، وكان أولهم المهدى ، وأخرهم العاضد ، وكان مقامهم بمصر ماتتى سنة وتمالى سنين . وهؤلاء أيضا تلقبوا بألقاب وهم ،: المهدى ، والقائم ، والمنصور ، والمعز والعزيز ، والحاكم والظاهر والمستنصر ، والمستعلى ، والأمر ، والحافظ والظافر ، والفائز ، والعاضد .
وكذلك تلقب بيوبويه بألقاب مختلفة وهم ، معز الدولة وعماد الدولة ، وركن الدولة ، وكانوا إخوة ، عماد الدولة أكبرهم ثم ركن الدولة ، ثم معز الدولة ، واستولوا على البلاد وملكوا العراقين، والأهواز ، وفارس : ثم كل من ملك من أولادهم ، وذراريهم يلقب بلقب نخو عضد الدولة ، وصمصام الدولة وجلال الدولة ، وسيف الدولة ، وحسام الدولة ، وغياث الدولة ، ومؤيد الدولة ، وناصر الدولة ، وعز الدولة ، وشرف الدولة ، وبهاء الدولة ، وسلطان الدولة ، ومهيب الدولة ، وأسد الدولة ، وقوام الدولة ، وشبل الدولة وكذلك تلقب بنو أيوب بألقاب مختلفة وهم ، الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام ، وأولاده
السبعة عشر ، الأفضل نور الدين على ، والعزيز عماد الدين عثمان ، والظافر مظفر الدين خضر ، والظاهر أبو منصور غياث الدين غازى صاحب حلب ، والمعز فتح الدين إسحاق، ، والمؤيد نجم الذين أبو الفتح مسعود ، والأعز شرف الدين يعقوب ، والزاهر مجير الدين أبو سليمان داود ، والمفضل قطب الذين موسى ، والأشرف عز الدين محمد ، والمحسن ظهير الدين أحمد ، والمعظم فخر الدين تورانشاه ، والجوادركن الدين أيوب ، والغالب نصير الدين أبو الفتح ملكشاه ، والمنصور أبو بكر ، وعماد الدين شادى ، ونصرة الدين مروان. ولم يملك منهم بعده الذيار المصرية والشامية غير الأفضل والعزيز والظاهر ، ثم ملك أخوه أبو بكر وتلقب بالعادل ، ثم ابنه الكامل ، ثم ابنه الصالح نجم الدين أيوب ، وهو الذي جلب المماليك الترك في الديار المصرية وكذلك تلقب سلاطين الترك وأولادهم بألقات مختلفة ، وأولهم الملك المعز أيبك التركمانى ، تولى السلطنة يوم السبت أخر ربيع الأول من سنة تمان وأربعين وستمائة ، ثم الملك المنصور نور الدين على ابن المعز ، تولاها في السادس والعشرين من ربيع الأول من سنة خمس وخمسين وستمائة ، ثم خلع فى أوائل ذي الحجة من سنة سبع وخمسين وستمائة ، وتولى عوضه الملك المظفر ، ثم تولى الظاهر بيبرس ، تم ابنه السعيد بركة قان ، ثم أخوه الملك العادل سلامش ، تم الملك المنصور قلاون ،
ثم الملك الأشرف خليل ابنه ، ثم أخوه الملك الناصر محمد ، ثم الملك العادل كتبغا ، ثم الملك المنصور لاجين ، ثم الملك الناصر [محمد] ،ثم الملك المظفرييبرس الجاشتكير ،ثم الملك الناصر [ محمد]، ثمابنه الملك المنصور سيف الدين أبو بكر ، ثم أخوه الملك الأشرف كجك ، ثم الملك الناصر أحمد ، ثم الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ، ثم الملك الكامل شعبان ، ثم الملك المظفر حاجى ، تم الملك الناصر حسن ، تم الملك المنصور محمد ، ثم الملك الأشرف [شعبان بن حسين ]، ئم الملك المنصور على ابنه ، ثم أخوه الملك الصالح أمير حاج ، تم الملك الظاهر برقوق ثم الملك المنصور حاجى ، تم الملك الظاهر برقوق ، ثم الملك الناصر فرج ، ثم أخوه الملك المنصور عبد العريز ، ثم الملك الناصر [ فرج ] ثم المؤيد أيده الله بملائكته الكرام ، ولقبه احسن الالقاب ، وكنيته احسن الكنى ، ويهما خاطب الله نبيه الكريم حيث يقول فى كلامه القديم [ هو الذى أيدك بنصره .
وقد ذكر الله اشتقاق هذا اللقب في القرأن فى مواضع فى سورة البقرة ، « وءاتينا عيسى ابن مريم البينت وأيدنه بروح القدس . ذكره في موضعين ، في أل عمران ، والله يؤيد ينصره من يشاء وفي سورة المائدة إذ أيدتك .
سءة من بروح القدس . وفى سورة الصف ، فأيدنا الذين آمنوا ، وفى سورة الأنفال { فأواكم وايد كم ينصره هو الذي أيد ك ينصره .
وذكروا أن من جملة أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ، المؤيد ، أخذوا ذلك من قوله تعالى ، و هو الذى أيدك ، فلاشك أنه مؤيد منصور ، وكفى مولانا السلطان شرقا أن يكون لقبه من أسماء النبي وصفاته التي وصفه الله تعالى بها ، ولم تلقب أحد من السلاطين الدين ملكوا مصر بهذا اللقب ، وهو لقب عزيز قد اذخره الله تعالى لمولانا السلطان وممن تلقب بهمن ملوك الآفاق ، الملك المؤيد نجم الدين مسعود بن السلطان صلاح الدين يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شادى مروان صاحب رأس العين ، تولاها وغيرها فى حياة أبيه ومنهم الملك المويد هزير الدين داود ابن الملك المظفر شمس الدين يوسف ابن المنصور نور الدين عمر بن على بن رسول صاحب اليمن ، وكان رسول جدهم من التركمان ، وكان ابن ابنه عمر مقدم عساكر أقبيس بن الملك الكامل بن الملك العادل بن أيوب
ابن شادى بن مروان ، واسم أقسيس يوسف ، ولقبه الملك مسعود ، وكان قد تولى اليمن أربع عشرة سنة ، وكان قد مرض باليمن ، فكره المقام بها ، وسار إلى مكة - ومكة له أيضا - فتوفى فيها فى سنة ست وعشرين وستمائة ، ودفن بالمعلي وعمره ست وعشرون سنة ، وكان لما سار من اليمن استخلف عليها على بن رسول التر كمانى المذكور ، فلما سمع على بذلك استولى على اليمن ، وحكم بها إلى سنة تسع وعشرين وستمائة ، ثم توفى ، واستقر مكانه عمر بن على ، وتلقب بالمنصور ، واستمر ما إلى سنة ثمان وأربعين وستمائة ، ثم توفى واستقر مكانه ابنه يوسف ابن عمر وتلقب بالملك المظفر . وصفت له اليمن وطالت أيامه ، وتوفى سنة أربع وتسعين وستمائة ، أقام فى الملك سبعا وأربعين سنة ، وعمره قد جاوز تمانين سنة . واستقر مكانه ولده الأكبر الملك الأشرف نجم الدين عمر ، فلم يلبت سنة حتى مات ، وقام أخوه الملك المؤيد هزير الدين داود بن المظفر ، وأقام فى الملك إلى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ثم مات ، ثم تولى بعده ولده الملك المجاهد سيف الدين على ، ولا حج يلبعا روس نائب السلطنة بمصر وسيف الدين طاز سنة إحدى وخمسين وسبعمانة وقع فى تلك السنة بين طاز وبين المجاهد هذا - وكان قد حج في هذه السنة - وكانت الواقعة على جبل عرقات ، فانتصر طاز ومسك المجاهد وأحضره إلى الديار المصرية ، واعتقل بقلعة الجبل سنة ، ثم أفرج عنه ، وتوجه إلى بلاده وأقام فيها إلى
أن توفى فى سنة سبع وستين وسبعمائة ، وتولى بعده ابنه الملك الأفضل عباس ، واستمر فيها إلى أن توفى فى سنة تسع وسبعين وسبعمائة ، وتولى بعده ولذه الملك الأشرف إسماعيل ، واستمر ما إلى أن توفى فى سنة ثلات وثمانمائة ، وتولى عوضه ولذه أحمد وتلقت بالملك الناصر ، والأن هو الحاكم ومنهم الملك المؤيد إسماعيل بن الملك الأفضل على بن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر عمر ابن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة ، توفى فى السابع والعشرين من محرم سنة ابسين وثلائين وسبعمائة ، وكان ملكا جلبلا عارفا عازما ، وكانت له مشاركة فى عدة من العلوم ، وألف تاريخا كثير الفوائد ، ويظم الخاوى نظما مشحونا بالفوائد ، وله مصنفات معروفة ، بأشر السلطنة بحماة مدة طويلة ولابن نباته على التاريخ .
لله تاريح له روبق كرونق الخبات في عقدها كادت تواريخالورى عنده تموت للخجلة في جلدها وكان هارون الرشيد قد تلقت أيضا بالمؤيد والموقق والمظفر
فنرجو من الله تعالى أن يؤيد مولانا السلطان ، كما أيد هارون الرشيد إنه على ذلك قدير . وبالإجابة جدير ثم المؤيد اسم مفعول من أيد على وزن فعل من الأيد وهو القوة ، ومنه قوله تعالى . داود ذا الأيد. قال قتادة ، أعطى فضل القوة ، ويقال : رجل يذ أى قوى ، وقد وصف الله تعالى في كتابه العزيز ثلائة من الأنبياء الكبار عليهم السلام ، أولهم داود عليه السلام حيث قال ذا الأيد .
والثاني عيسى بن مريم عليهما السلام حيث قال : إذ ايدتك بروح القدس وأيدنه بروح القدس. والثالث محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : هو الذى أيدك بنصره .
وكذا وصف المؤمنين حيث قال : فايدنا الذين آمنوا .
ولم يذكر لقب من القاب السلاطين مثل ما ذكر هذا اللقب ، ففيه إشارة عظيمة لمولانا السلطان المؤيد - خلد الله ملكه - حيث خصه الله بذا اللقب الشريف ، وقد ذكرنا أن وضع الالقاب إلهام من الله تعالى ، كما قيل الآلفاب تنزل من السماء ، وفيه دلالة
على [ أنه ] مقوى على أعدائه، ، فإذا كان هو مؤيدا - بفتح الياء - ، فكذا هو مؤيد - بكسر الياء - يعى يؤيد شرائع النبي صلى الله عليه وسلم ويقوى أحكام الدين . وقد اجتمعت فيه هذه المحاسن ، وهى : اسمه الشريف شيخ الذى يدل على ما ذكرنا [من ] أنه شيخ الملوك والسلاطين ، وكنيته الشريفة أبوالنصر التى تدل على ما ذكرنا [ من ] أن النصر صار جزءا منه وأنه لا يفارقه ، ولقبه الشريف المؤيد الذى يدل على أنه مؤيد من عند الله ، ومؤيد لدينه وشرائعه ، .
ومن القابه الحسنة السلطان ، ومعناه الحجة ، يعنى هو حجة فى الأرض . قال تعالى : ملطانا مبينا ، أى حجة ظاهرة ، وقال ابن دريد. سلطان كل شىء جدته وسطوته ، ومنه اشتقاق السلطان ، وسلطان الدم تبيغه، وسلطان النار إلهابها . قال . والسلطان فى التنزيل مواضع ، وقال غيره : يقال للخليفة سلطان لأنه ذو السلطان : أى ذو الحجة ، وقيل لأنه به تقام الحجج والحقوق ، وكل سلطان فى القرأن ، معناه الحجة النيرة ، وقيل اشتقاقه من السليط ، وهو دهن الزيت
لإضاءته ، وقيل من سلط بالضم ، وسلط سلاطة وسلوطة إذا علب وقهر . ومنه سلطته على فلان تسليطا ، أى جعلت له عليه قوة وقهرا . ويقال : رجل سليط :أى فصيح حديد اللسان ، وامرأة سليطة : أى صخابة . وقال ابن دريد : السليطة للذكر مدح ، وللأنثي ذم . ويجمع السلطان على سلاطين كبرهان يجمع على براهين ، وقيل لا يجمع إذا كان بمعى الحجة والبرهان ، لأن مجراه مجرى المصدر ، وقد ذكره الله تعالى في اثنين وثلاثين موضعا في سورة النساء : جعلنا لكم عليهم مسلطنا مبينا واتينا موسى سلطنا مبينا وفى الأغراف : مالم ينزل به سلطنا . ما نزل الله بها من سلطن ، وفى يونس : إن عندكم من سلطن بهدا وفى هود : ولقد أرسلنا موسى بايتنا وسلطن مبين وفى يوسف : ما أنزل الله بيها من سلطن
وفى إبراهيم : فأتونا بسلطن مبين ما كان لنا أن نأتيكم بسلطن ه وما كاة لى عليكم من سلطان ففي النحل : إنه ليس له سلطان ، إنما سلطنه على الذين يتولونه وفى بني إسرائيل : فقد جعلنا لوليه سلطئا إن عبادى ليس لك عليهم سلطن . سلطنا نصيرا وفى الكهف : بسلطن بين .
وفى المؤمنون : بايتنا وسلطن مبين فى النفل : و أو ليأتيني بسلطن مبين فى الذاريات : إلى فرعون يسلطن مبين
وفى القصص : ونجعل لكما سلطئا ففي الروم : أم أنزلئا عليوم ملطنا وفى سبا : وما كان له عليهم من ملطن وفي الصاقات : وما كان لنا عليكم من سلطن أم لكم سلطن مبين وفى غافر : » بايتئا وسلطن مبين. إن الذين يجدلون في عايمت الله يغير سلطن ففى الدخان : إنى باتيكم بسلطن وفى الذاريات : إلى فرعون يسلطن مبين وفى الطور : قليامت مستبعهم بسلطن مبين وفى النجم : ما أنزل الله بها يمن سلطن وفى الرحمن : لا تنفذون إلا يسلطن
وكل من ملك مصر فى دولة الإسلام يسمى سلطانا ، ولكن إنما ظهر ذلك في دولة بى أيوب ، لأن أول من ملك منهم هو السلطان صلاح الدين أبو المظقر يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب ، وكان قبل ذلك يلقب الخلفاء الفاطميون كما ذكرناهم بالقاب مختلفة . وقبلهم كانت الدولة الإخشيدية والطلونية وغيرهم كما نذكره ، ولم يلقب أحد منهم بسلطان ، وإنما يخاطب بالأمير ، أو بلقب خاص على مانبينه إن شاء الله تعالى وكل من ملك مصر قبل الإسلام ، كان يسمى فرعونا . وكل من ملك الإسكندرية كان يسمى المقوقس . وكل من ملك الروم يسمى قيصر . وكل من ملك الفرس يسمى كسرى . ومن ملك اليمن يسمى تبع . ومن ملك الحبشة يسمى النجاشى . ومن ملك اليونان يسمى بطلميوس . ومن ملك الترك يسمى خاقان ومن ملك الشام يسمى هرقل . ومن ملك اليهود يسمى قطيون .
ومن ملك الصابئة يسمى عود . ومن ملك البربر يسمى جالوت ومن ملك العرب من قبل العجم يسمى النعمان . ومن ملك نيابة ملك الروم يسمى الدمستق . ومن ملك فرغانه يسمى الإخشيد ومعناه بالعربية ملك الملوك . ومن ملك أسروشنه يسمى الأفشين ومن ملك خوارزم يسمى خوارزم شاه . ومن ملك جرجان يسمى صول . ومن ملك أذربيجان يسمى أصبهبد . ومن ملك طبر ستان
يسمى سالار . ومن ملك أفريقية يسمى جرجير. من ملك السند يسمى فورورهمن . ومن ملك الصين يسمى : فغفور ومن ملك الهند يسمى فغبور . وعلى قول ومن ملك الزنج يسمى هياج ومن ملك الخزر يسمى رتبيل ، ومن ملك النوبة يسمى كابل . ومن ملك الصقالبة يسمى ماجك ومن ملك إقليم خلاط يسمى شهرمان . ومن ملك الأرمن يسمى تقفور . وهذه شجرة فيها عمود نسب نبينا عليه السلام ، ويتفرع منها سائر الأنبياء والملوك وغيرهم ،
الباب الخامس في كونه تاسع السلاطين الترك ومافيه من البشارة له
اعلم أن مولانا السلطان الملك المؤيد ، وقع في السلطنة تاسع السلاطين الترك الذين جلبوا إلى الديار المصرية ، لأن أولهم السلطان الملك المعز أيبك ، والثاني السلطان الملك المظقر قطز ، والثالث السلطان الملك الظاهر بيبرس ، والرابع السلطان الملك المنصور قلاوون الألفى ، والخامس السلطان الملك العادل كتبغا ، والسادس السلطان الملك المنصور لاجين ، والسابع السلطان الملك المظفر بيبرس الجاشئكير ، والشامن السلطان الملك الظاهر برقوق، والتاسع السلطان الملك المؤيد شيخ [ابن عبد الله ] ، والبشارة له فيه أبى تتبعت جميع الدول التى كانت قبل الإسلام ، والدول التي كانت في الإسلام ، فوجدت فى التي قبل الإسلام تسع دول عظام ، وكذا فى التي في الإسلام تسع دول عظام ، ووجدت في كل دولة منها تسعة من الملوك الكبار ، ووجدت تاسع كل تسعة أحسنهم وأكثرهم خيرا ، وأبسطهم عدلا ، وأشدهم قوة ، وأغلاهم منزلة ، وأكثرهم أمنا فى عسكره وبلاده ورعيته ، وأبعدهم من شر الأعداء والمناففين ، وأوفرهم رزقا ودخلا ، وأخلاهم قلبا من الهم ، وما يجلب النكد والتشويش من جهة العباد ، فلما كان هؤلاء كلهم على منوال واخد ، فكذلك
يكون مولانا الساطان المؤيد ، لأن ما ذكرنا صار كالقاعدة الكلية باعتبار وقوع كل منهم تاسعا فنقول . هؤلاء موصوفون بهذه السعادات ، لأن كلا منهم تاسع ، وكل تاسع موصوف بهذه الصفات ، فمولانا السلطان المؤيد أيضا تاسع ، فهو أيضا موصوف بذه الصفات ، وهذا بالاستقراء ، وهو يفيد اليقين غالبا ، لأن الاستقراء عبارة عن إثبات حكم كلى لثبوته في أكثر الجزئيات ، وهو إما تام إن علم حضر الجزئيات ، وهو الذى يسمى القياس المقسم ، وهو يفيد اليقين على ماضرح به في موضعه ، وإما غير تام إن لم يعلم حضر الجزنيات على ماعرف في موضعه ، وقياسنا أيضا برهان لأن مقدماته يقينية ، لأن ماذكر علم بالتواثر من أهل النقل أما الدول التسع العظام التى كانت قبل الإسلام ، فأولها الأكاسرة ، والثانية القياصرة ، والثالثة التبابعة ، والرابعة الفراعنة ، والخامسة البطالسة ، والسادسة التماردة ، والسابعة القخاطنة ، والثامنة العدائنة ، والتاسعة المناذرة أما الإكاسرقفهم كانول أعظم الملوك ، ودولتهم كانت أعظم الدول ، وهم ملوك الفرس ، وهم على أربع طبقات - الأولى يقال لها القيشدادية ، يقال لكل واحد منهم قيشداذ ، ويعنون بهذه اللفظة أول سيرة العدل ، وعدتهم تسعة مع جيومرت .
وقال أبو منصور والفردوسى ، أول من ملك الأرض من الفرس جيومرت ، ويقال كيومرت ، وقد سخر الله له جميع الإنس والجن وخصه بمزيد القوة ، وكان يسكن الجبال ، وهو أول من لبس جلود الشباع ، وكانت مدة مملكته ثلاثين سنة الثاني : أوشهنج وكانت مدة مملكته أربعين سنة ، وهو أول من رتب الملك ونظم الأعمال ، ووضع الخراج ، واستخرج المعادن ، وقطع الحجر ، وأول من استخرج النار والحديد من الحجر ، وسبب إخراجه أنه رأى ذات يوم فى شق جبل حية تتوقد حدقتها فأخذ حجرا ورماها به ، فأخطأها ووقع الحجر على حجر آخر ، وخرجت منه نار ، فأعجبه ذلك فخرلله ساجدا ، فاتخذ النار قبلة ، وهذا أصل عبادة المجوس النار ، وهو الذى بني مدينى بابل والشوس ، وكان فاضلا محمود السيرة ، وهو ابن كيومرت وهو أوشهنج بن سيامك بن جيومرت الثالث طهمورك بن أوشهنج ، وهو أول من كتب
بالفارسية ، وأول من علق الشعير على الجبل ، وأول من اتخذ الفهد والكلب . وفي أيامه ظهر تعليم الجوارح للصيد ، مثل البازى والشاهين ، وكانت مدة ملكه أربعمائة سنة الرابع : جمشيد ، وهو أخو طهمورت ، ومعناه شعاع القمر لأن جم هو القمر ، وه شيد الشعاع ، سمى به لأنه كان جميل الوجه ، وهو أول من أعد آلات الحرب ، مثل الشيف والرمح والدرع ، والجوشن، وغير ذلك . وهو الذى أمر الجن بيح الأحجار ، وضرب اللين ، وبناء القصور العالية ، والقلاع الشامخة . وفى زمانه اتخذ الملبوسات من الثياب - وكانوا يلبسون جلود السباع كما ذكرنا - فاتخذها من الكتان والإبريسم ، وهو الذى استخرج علم الهندسة ، واستخرج معادن الذهب والفضة ، والياقوت ، والفيروزج ، وسائر الجواهر ، وأنواع الطيب من مستخرجاتها ، كالمسك ، والعنبر ، والكافور ، واستخرج الأمواه :. من أنواع الأزاهير كالورد ونحوه . واتخذ المراكب والسفن وألقاها على وجه الماء الخامس : بيوزاصب بن ريتكان بن ويذر شنك
ابن قار بن أقروالى بن جيومرت - وهو الذى قتل جمشيذ لما بدل سيرته ، وملك موضعه ، ويقال : الدهاك ، يعنى عشر آفات ، ثم عرب وقيل: الضحاك ، وكان شريرا ظالما فوضع العشور والمكوس ، واتخذ المغنين وأصجاب الملاهي ، وهو الذى ظهرت له حيتان على منكبيه كما ذكرنا حتى غبر عليه ألف سنة . وكان إبزاهيم عليه السلام في أواخر أيامه ، ولذلك زعم قوم أنه نمرود ، والصحيح أن نمرود كان عاملا من عماله - والله أعلم السادس : أفريدون بن أثغيان من أولاد جمشيد ، وكان إبرهيم الخليل عليه السلام في أول ملكه . وقيل إنه ذو القرنين ، وسار فى الناش أحسن سيرة ، وكانت مدة ملكه خمسمائة سنة السابع : منوجهر وهو ابن أخ أفريدون ، وكانت مدة ملكه مائة وعشرين سنة ، وهو أول من خندق الخنادق ، وأول من وضع الدهقنة ، فجعل لكل قرية ذهقانا . وفى أيامه ظهر موسى عليه السلام ، وفى أيامه ظهر زال والد رستم الذى يضرب به المثل فى الشجاعة ، وزال بن سام بن ريمان ، وأم رسيم رودابة بنت مهرات ملك الكابل ، واسم أم رودابة زوجة مهرات سين دخت
الثامن : تودر بن منوجهر ، وفى أيامه ظهر أفراسيات ملك الترك ابن بشتك فجمع جموعا من الترك ، وتلاقي مع نودر ، فأخر الأمر ظفر به وأشره ، واستولى على دار الملك ، وسرير السلطنة ، وهى الرى . ولما سمع بذلك زال جمع الجموع وولى على الفرس زو بن طهماسب ، فلما ملك زو ظهر على أفراسيات وطردة عن مملكة فارس حتى رده إلى بلاد الترك ، وسار بأحسن السيرة ، ووضع عن الناس الخراج سبع سنين حتى عمروا البلاد ، واستخرج للشواد نهرا وسماه الزاب ، وهو أول من اتخذ الطبيخ وأنواع الأطعمة ، وفي أيامه خرج بنو إسرائيل من التيه . وفتح يوشع عليه السلام مدينة أريحا ، وكانت مدة مملكته خمسين سنة ، وهو التاسع من الملوك القيشداذية [ و] مولانا السلطان المويد - إن شاء الله تعالى - يظفر على جميع أعدائه نحو زو ، وتطول أيامه بخير وسرور ، لأنه التاسع من ملوك التركمان ، كما أن زو التاسع من القيشداذية الطبقة الثانية من الفرس يقال لهم الكيايية ، ويعرفون بذلك لأن اسم كل واحد منهم يضاف إلى كى ومعناه البهاء أولهم . كيقباذ من ذرية منوجهر ، وكانت مدة ملكه
مائة سنة ، وكان قد تزوج امراة من بنات ملوك الترك ، فولدت له خمسة أولاد وهم زكى دافيا ، وكى كاوس ، وكى أراس ، وكى كبنه ، وكى قاشين ، وهولاء هم الجبابرة ، وآباء الجبابرة ، وكان كى قباد فى زمن سليمان عليه السلام الثاني : كي كاوس بن كيقباذ ملك مائة وخمسين سنة الثالث : كيخسرو بن بياوخش بن كيكاوس ملك ستين سنة الرابع : لهراشب ابن أخى كيكاوس ، وهو الذى بني مدينة بلخ لقتال الترك ، وكان فى زمنه بخت نصر ، وقيل كان بخت نصر أضبهيذا للهرائب على العراق ، وقيل إن لهراسب لما مات استقل بخت نصر بالملك بعده .
الخامس : كيستاشب بن لهراسب .
السادس : بهمن بن أسقيديار بن كيستاسب بن لهراسب وكانت مدة ملكه ستين سنة ، وكان متواضعا يخرج كتبه : من أزدشير بهمن بن عبد الله وخادم الله السائس لأموركم ، ويقال إنه غزا الرومية الداخلة في ألف ألف مقاتل ، وكان أعظم ملوك الفرس شأنا وأفضلهم تدبيرا .
السابع : هماى جهراراد بنت بهمن ، أقامت فى الملك ثلاثين سنة ثم وضعت ابئا فى أحسن صورة ، فأخفته عن الناس لأجل السلطنة ، ولما أتت عليه تمانية أشهر وضعته في صندوق مبطن بالديباج والحرير ، وأمرت بأن يلقى فى الفرات ، فصادفه رجل قصار ، فأخذه وفتحه فإذا فيه صبني كالقمر ، نائم بين الذهب والفضة والحرير ، فأخذه وأنى به إلى أمراته ، فلما رأته بهتت به ، وسماه القصار دارات ، وله قصة طويلة ، فأخر الأمر لما دنت وفاة هماى أعلمت الناس بأمر دارات ، وقالت : لم يبق من تسل بهمن غيره وهو وارث الملك والسلطنة فاتبعوا أمره ، فقبلوا ذلك منه ، وتولى عليهم بعدها ، وهو التامن منهم ، وهو الذى بني مدينة داربجرد ، وهو الذى رتب دواب البريد ، ثم قصد بلاد الروم ، وكان ملكهم يسمى فيلقوس ، فنهض إليه من عمورية ، وهى التى تسمى اليوم أنكورية، فتلاقوا ، وقام بينهم
حرب شديدة ثلاثة أيام ، فانكسر فيلقوس ، ودخل عمورية وتحصن بها ، وبعث يطلب الصلح من داراتب ، فقال : لا أصطلح حتى يلتزم لى بالخراج ، ويزوجى بابنته ناهيذ ، فرضى بذلك فيلقوس ، واستقر الأمر على أن يودى له كل سنة ألف بيضة ، وزن كل بيضة أربعون مثقالا من الذهب الأحمر ، وبعث ابنته إلى دارات مع عشرة أحمال من الديباج الرومى المنسوج بالذهب والفضة ، وثلاثمائة حمل من الملابس والمفارش ، فلما وصلت دخل عليها ذارات وحملت منه ، واتفق أنه ذات ليلة كان نائما معها في الفراش فتنفست فشم من نكهتها رائحة كريهة فنفرت نفسه منها ، وطلب الحكماء فعالجوا ذلك الداء بدواء يسمى الإسكندر فى بلاد الروم ، فطابت نكهتها ، غير أن تلك النفرة استمرت فى قلب دارات ، وكان لايقرب إليها ، وأخر الأمر ردها إلى أبيها ، فلما تم لها تسعة أشهر عند أبيها ولدت ولذا قسمته اسكندر - تيمنا باسم الدواء الذى وجدت عليه الشفاء - ولم يظهر ملك الروم أنة ابتها من ذاراب ، وأظهر أنه ابنه هو ، وأحبه حبا شديدا ، وجعله ولى عهده ثم إن داراتب لما كان قد أرسل بنت فيلقوس تزوج ورزق ولدا ، وسماه دارا ، وجعله ولى عهده ، وصار الأمر له من بعده ، ولكن اسكندر غلب عليه بعد أمور كثيرة ، وأخذ ملك أبيه دارات ، وهو التاسع ، وإنما جعلنا هذا تاسعا ولم
نجعل دارا لأنه كريم الطرفين لأن أباه دارات ملك الفرس ، وأمه بنت ملك الروم ، فعلا قدره بين الفرس ، وبى بأصبهان مدينة يقال لها جى . وهذا الإسكندر هو صاحب أرسططاليس - وكان وزيره - وكان ملكا عظيما ، قد أخذ البلاد وقهر العباد ، وكل من قصده بسوء ملك . . فكذلك إن شاء الله تعالى مولانا السلطان الملك المويد يكون كذلك ، لأنه تاسع السلاطين كما أن الإسكندر تاسع ملوك الفرس الكيايية الطبقة الثالثة من ملوك الفرس الأشغانيون ويقال الأشغانية ، ويقال الأشكانية ، وهم ملوك الطوائف وأولهم الذى هو أكبره : أشك بن أشك من نشل كيقباذ .
الثاني : سابور الثالثك : جوذرز الرابع . بيرن الخامس : هرمز السادس : خسرو والشابع : أردوان الثامن : بهرام التاسع أردوان الأصغر ، وكان ذا عقل وحزم ،
واجتمع له جميع ملوك الطوائف . . فإن شاء الله تعالى يجتمع لمولانا السلطان جميع أهل البلاد ويهلك أعداوه .
الطبقة الرابعة الساسانية وهم الأكاسرة أولهم أردشير بابك بن ساسان بن ساسان الأكبر بن بهمن ابن أسفنديار بن كستاشب بن لهراشب ، وهو الذى ضبط ملك فارس ، وجمع شمله بعد تفرقة ، وأقام أربع عشرة سنة وعشرة أشهر الثانى سابور بن أردشير ، أقام فى الملك إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر ، وقيل : إنه فى زمانه استخرج العود آلة اللهو وقيل : أول من ضرب بالعود والطنبور والصنج بنو إسرائيل أيام داود عليه السلام ، وقيل : أول من ضرب بها إبليس عليه اللعنة ، وهو أول من تغنى وناح ، وقيل : إن أول من ضرب بالعود وتغنى بالوزن والإيقاع أهل فارس ، وأهل خراسان أول من ضرب بالصنج ، وأهل الرى أول من ضرب بالطنبور وقيل أهل طبرستان وقيل الديلم . وأهل اليمن أول من ضرب باليعزف ، وأول من ضرب بالرباب اليونان وأول من ضرب بالدف والطبل النبط وقيل إنما عمل العود صاحب كتاب الخيل من الفرس ، وهو معمول على صورة الفخذ ، وجعلوا الملاوي على صورة الأصابع ، والأوتار على صورة العروق ، وجعلوه ليرد الصوت يسرعة ، وجعلوا
فى وسطه تقبنين ليدور الصوت إذا دخل فى عمقه ، ويخرج من حيث دخل ، ورثبوا الأوتار على طبائع الإنسان ، قلت طبائع الإنسان أربعة حار رطب ، وحار يابس ، وبارد رطب ، وبارد يابس ، فكذلك أوتار العود ، زير ، وقريب من الزير ، وبم ، وقريب من البم . فالزير كالبارد اليابس والقريب منه كالبارد الرطب ، والبم كالحار اليابس ، والقريب منه كالحار الرطب . فكذلك ترى طبائع الإنسان ، في السماع مختلفة فمنهم ، [ من ] يميل إلى الزير ، ومنهم من يميل إلى البم الثالث . هرمز . بن سابور ، ملك سنة ونصفا . وقال الفردوسي أربعة أشهر الرابع ، بهرام ابن - هر مز بن سابور ، ملك ثلاث سنين وثلاثة أشهر الخامس : بهرام بن بهرام المذكور أولا ، أقبل على اللهو واللعب ، فخربت البلاد ، ونقصت بيوت الأموال ، ثم رجع وترك اللهو وأمر بالعدل ، حتى كانت أيامه تسمى الأعياد ، ملك سبع عشرة
السادس : كرمان شاه بن بهرام ، فسلك مسلك أبيه في العدل والسياسة ، ملك أربع سنين وأربعة أشهر .
السابع ، نرسى أخو بهرام ، ملك تسع سنين الثامن . هرمز بن ترسى ، ملك تسع سنين أيضا .
ولما مات كان بعض نسائه حاملا فعقدوا له بالسلطنة ، فولدت بعد أربعين يوما ، قسموه سابور ، وهو التاسع ، ملك ثمانين سنة ، وكان شجاعا ، قتل من العرب كثيرا ، وأباد الروم قتلا وأسرا ، وهو الذى بني مدينة نيسابور ، وكان ملوك البلاد كلهم قد أطاعوه وهادوا له من خوفهم منه . .
فإن شاء الله تعالى كذلك يكون مولانا السلطان المؤيد تاسع السلاطين وأما الملوك العظام من القياصرة .
فأولهم طوخاس ملك اثنتين وعشرين سنة .
الثاني : غاليوس الثالث : بونيوس الرابع : أعسطس ولقبه قيصر ، معناه شق عنه ، لأن أمه ماتت قبل أن تلده ، فشق بطنها وأخرجوه ، فلقب قيصر ، وصار لقبا لملوك الروم بعد كما ذكرناه .
الخامس : طبياريوس ، ملك اثنتين وعشرين سنة ، وهو الذى بنى طبرية بالشام ، واشتق اسمها منه السادس ، غانيوس . ملك أربع سنين ، ولمضى السنة الأولى من ملكه رفع المسيح عليه السلام السابع :قلوذيوس ، ملك أربع عشرة سنة الثامن : قارون ، ملك ثلات عشرة سنة التاسع : ططيوس ، ملك سنين كثيرة ، وهو الذى غزا اليهود وأسرهم وباعهم ، ويقال : إن الذين أسرهم من بنى إسرائيل ثلاثمائة ألف . وكان ملكا عظيما ، كل من قضده بسوء هلك . . فإن شاء الله تعالى كل من قصد مولانا السلطان بسوء هلك ، لأنه هو التاسع كما ذكرنا وأما الملوك العظام من التبابعة فأولهم ، الخارت الرائش ، ملك مائة وخمسا وعشرين سنة ، سمى بالرائش لأنه لما دخل بالغنائم بلاد اليمن راش الناس ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم فى شعره ،.
ويملك بعده رجل عظيم نبى لا يرخص فى الحرام يسمى أحمدا ياليت [أبى] أعمر بعد مخرجه بعام الثانى : ذو القرنين الصعب بن الرائش .
الثالث : ابنه ذو المنار أبرهة ، سمى به لأنه أوغل فى
بلاد المغرب والسودان ، وأقام المنار ليهتدى به . ملك مائة وتمانين سنة الرابع : ابنه أفريقيش ، وهو الذى بني أفريقية ، ملك مائة وستين سنة الخامس ، أخوه ذو الإذعار عمرو بن ذي المنار ، سمى بذلك لأنه أذعر الناس ، ملك خمسا وعشرين سنة ، وكان على عهد سليمان عليه السلام السادس ، شرحبيل بن عمرو السابع : أبنه هدهاد الثامن : ناشر النعم التاسع : شمريرعش ، وكان فى زمن بستاسف ، ودخل يستاسف فى طاعته ، وسار وافتتح سمرقند وقتل خلقا كثيرا ، ودخل أرض الصغد ، وسار نحو الصين ،
وكان ملكا عظيما . . فمولانا السلطان أيضا إن شاء الله تعالى يفتح البلاد ويدخل فى طاعته أهلها وأما الملوك العظام من الفراعنة ، وهم ملوك القبط بالديار المصرية فأولهم نقراوش ، وهو الذى بنيي مدينة أمسوس وعمل لها عجائب ، منها أنه عمل صنمين من حجر أسود فى وسط المدينة ، إذا قدم سارق لم يقدر أن يزول عنها حتى يسلك بينهما ، فإذا دخل بينهما أطبقا عليه فيؤخذ ، وملك مائة وثمانين سنة الثانى : ابنه نفراش ، وبني خلف الواحاث ثلاث مدن على أساطين ، كل ذلك أخربه الطوفان .
الثالث : ابنه مصرام وكان قد ذلل الأسد وركبه ، ويقال إنه ركب على عرش وحملته الشياطين حتى انتهى إلى وسط البحر المحبط . فجعل له فيه قلعة بيضاء ، وجعل له عليها [ صنما ] للشمس ، و كتب عليها أنا مصرام الجبار ، كاشف الأسرار ، الغالب القهار - ويقال إن إدريس عليه السلام رفع فى أيامه - وكان قد رأى فى علمه وقوع الطوفان ، فأمر الشياطين الذين يطيعونه أن يبنوا له مكانا خلف خط الاستواء بحيث لأيمكن لحوق الماء إليه ، قبنوا القصر الذى في سفح الجبل الذى يسمى جبل القمر ، وهو قصر النحاس الذى فيه تمائيل النحاس وهى خمسة وثلاثون
تمثالا يخرج ماء النيل من حلوقها ، وينصب إلى بطحاء مصر الرابع : ابنه غرياق ، وإليه تعزى مصاحف القبط التي فيه تواريخهم وجميع ما يجرى إلى آخر الذهر ، وعمل أعمالا عظيمة ، منها عمل شجرة صفر لها أغصان من حديد بخطاطيف إذا تقرب إليها الظالم من المذعيين اختطفته تلك الخطاطيف وتعلقه فلا تفارقه حتى يقر بالحق الخامس : لوخيم بن نقراش السادس : خصليم ، وهو أول من عمل المقياس لزيادة النيل السابع ، هو صال ، ويقال كان نوح عليه السلام في في زمنه الثامن : أخوه شمرود بن هوصال .
التاسع : ابنه سوريد ، وكان حكيما فاضلا ، وهو أول من جبى الخراج بمصر ، وأول من أمر بالإنفاق على المرضى والزمني من خزائنه ، وعمل أعمالا عجيبة ، منها : أنه عمل مرآة من أخلاط ينظر فيها إلى الأقاليم السبعة ، وما يحدث فيها من أمور ، وهو الذى بى الهرمين لدفع الطوفان ، وكان قد علم ذلك ، وكان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة ، ولما فرع وضع فيها جميع خزائنه وأمواله ، ووضع فيها من الأشياء الغريبة
من السلاح الذى لأيضدا ، والزجا ج الذى ينطوى ولا ينكسر ومن الذهب والفضة واللأل واليواقيت مالا يوصف ولا يحد وكتب عليها بالقبطية [ما ] تفسيره بالعربية ،أنا سوريد الملك ، بنيت هذه الأهرام في وقت كذا وكذا ، وأتممت بناءها في ست سنين ، فمن أبى بعدى ، وزعم أنه مثلى فليهدمها في ستمائة سنة ، وقد علم أن الهدم أيسر من البناء ، وإنى كسوتها عند الفراغ بالديباج فليكسها بالحصر ، وكان ملكا عظيما ، بلغ ما أراده من العظمة ، وزينة الدنيا وغير ذلك . فكذلك إن شاء الله تعالى مولانا السلطان ، لأنه تاسع السلاطين ، كما أن سوريد هو تاسع ملوك القبط وأما الملوك العظام من البطالسة ، وهم ملوك اليونان ، عدهم ثلاثة عشر ملكا ، يسمى كل منهم بطلميوس ومعناه أسد الحرب ، وأولهم بطلميوس شيوس بن لأغوس ، وكان يلقب بالمنطقى ، ملك عشرين سنة ، وكان يقال هو أول من لعب بالبزاة ، الثاني :. بطلميوس فيلود فوس ، ومعناه محب أخيه ، ملك ثمانيا وثلاثين سنة ، وهو الذى نقلت له التوراة من العبرانية إلى اليونانية
الثالث. بطلميوس أوراخيطيس ، ملك خمسا وعشرين سنة ، وفي أيامه أدى له ملك الشام إتاوة الرابع : بطلميوس أقنقيوس ، ملك أربعا وعشرين سنة الخامس ، بطلميوس فليوبطور ، ومعناه محب أبيه ، ملك سبع عشرة سنة السادس : بطليموس أوراخيطيس [ الثاني ]، ملك تسعا وعشرين سنة السابع : بطلميوس سديريطش ، ملك تسع سنين الثامن : بطلميوس اسكندروس ، ملك ثلاث سنين التاسع : بطلميوس قيلدفوس ، ملك تسعا وعشرين سنة ، وكان ملكا عظيما لم يقهر قط ، ولم ينكسر عسكره . . فإن شاء الله تعالى يكون مولانا السلطان المؤيد كذلك .
وأما الملوك العظام من التماردة ، وهم ملوك أرض بابل ، وهم الجبابرة ، ويقال وإنيم ملوك العالم الذين مهدوا الأرض بالعمارة ، وأن الفرس أخذوا الملك منهم ، كما أخذت الروم من اليونان .
وأولهم ، نمرود الجبار الذى أرمى الخليل فى النار ، ملك ستين سنة الثاني : أبوليس الجبار ، ملك نحوا من سبعين سنة الثالث ، كوروس الجبار ، ملك خمسين سنة
الرابع : قوسيس الجبار ، ملك نحوا من أربعين سنة الخامس : فيرميوس الجبار ، ملك نحوا من مائة سنة السادس : سوسوس الجبار ، ملك نحوا من تسعين سنة السابع : لوروس الجبار ، ملك نحوا من خمسين سنة الثامن : أنيوس الجبار ملك نحوا من ثلاثين سنة التاسع ، تارليوس الجبار ، ملك نحوا من خمسين سنة ، وكان أعظم الجبابرة ، قهر ملوكا كثيرة ، وفتح بلادا عظيمة . .
فإن شاء الله تعالى مولانا السلطان الملك المؤيد يقهر ملوكا ويفتح بلادا وأما الملولك العظام من القخاطبة ، فهم ملوك العرب قبل الإسلام ، وأولهم : الذى ملك أرض اليمن ، ولبس التاج وملك مائتى سنة قخطان بن عابر بن شالخ بن أرقخشد بن سام بن نوح عليه السلام الثاني . يشجب ابنه ، الثالث ، عبد شمس ، ولقبه سبا ، لقب به لأنه أكثر الغزو في أقطار الأرض الرابع : ابنه جمير ، وكان شجاعا ، ولا ملك أخرج ثمود من اليمن إلى الحجاز ، وسمى جمير لكثرة لباسه للثياب الحمر الخامس : أخوه كهلان بن سبا .
السادس : وائل بن حمير السابع : ابنه السكسك الثامن : ابنه يعفر التاسع : شداد بن عاد بن المطاط بن سبا ، قيل إنه ملك الدنيا ، وولد له أربعة آلاف ولد ذكر لصلبه ، وتزوج ألف امراة ، وعاش ألف سنة ومائتى سنة ، وهو الذى بني مدينة إرم فى صحارى عذن ، وشدها بصخور الذهب ، وأساطين الزبرجد والياقوت ، يحاكى با الجنة لما سمع من وصفها - طغيانا منه وعتوا . : فإن شاء الله تعالى يعيش مولانا السلطان طويلا ، ويرزق أولادا كثيرة ، ويحتوى على أملاك كثيرة لأنه تاسع كما أن ذلك تاسع وأمل الملوك العظام من العدانئة ، فهم أصل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أشرف الناس أصلا وأكرمهم نسبا ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إن الله أصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، وأصطفى قريشا من كنانة ، وأصطفى هاشما من قريش ، واصطفاني من بنى هاشم . رواه مسلم من حديث واثلة بن الاسقع رضى الله عنه وأولهم ، عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع
ابن سلامان بن نبت بن جمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام الثاني معد الثالث : نزار الرابع : مضر الخامس : إلياس السادس : مدركه السابع : خزيمة الثامن : كنانة التاسع : النضر . قال ابن هشام ، هو قريش ، فمن كان من ولده فهو قرشى . ومن ل يكن فليس بقرشى ، سمى قريشا لأنه كان يقرش عن خلق الناس وحاجتهم فقيسدها بماله ، من التقريش وهو التفتيش ، وكان بنوه يقرشون أهل الموييم من الحاجة فيردوهم بما يبلغهم بلاذهم ، قيل هو من التقرش ، وهو التجمع بعد التفرقة ، وذلك في زمن قصى بن كلاب ، فإنيم كانوا متفرقين فجمعهم بالحرم . وقيل هو من التقرش ، وهو التكسب والتجارة . حكاه ابن هشام . وسئل ابن عباس ، لم سميت قريش قريشا ؟ فقال : لدابة تكون فى البحر تكون أعظم دوابه ، يقال لها القرش ، لا تمر بشى ء من الغث
والسمين إلا أكلته ، رواه البيهقى . فالنبي صلى الله عليه وسلم من ذريته ، لأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى ابن غالب بن قهر بن مالك بن النضر ، وهو قريش كما ذكرنا وأما الملوك العظام من المناذرة فهم على صنفين ، الأول : هم ملوك العرب بأرض الجيرة ، وكانوا عمالا للأكاسرة وأولهم : مالك بن فهم الثاني . عمرو بن فهم الثالث : جليمة بن مالك ويقال له الأبرش الرابع ، عمرو بن عدى بن النضر بن ربيعة الخامس . أبنه امرو القيس بن عمرو السادس : النعمان الأعور ، وهو الذى بني الخورنق والسدير ، وهما قصران عظيمان السابع : ابنه المنذر بن النعمان ، كان ملكه فى زمن قنبير وزير بن يزدجر الثامن : الأسود بن المنزر ، وهو الذى انتصر على عرب الشام - غسان - وكان ملكه فى زمن فيردون الثاني
التاسع : المنذر بن المنذر بن النعمان ، وكان ذا شجاعة وبأس ، وكان نبابه الملوك وتعظمه الأكاسرة . : فإن شاءالله يكون مولانا الملك المؤيد كذلك مابه الملوك والسلاطين وأما الدول التسع العظام الذين كانو ف الإسلامي فأولها : دولة بنى أمية والثانية : دولة بنى العباس والثالثة : دولة الفاطميين والرابعة ، دولة بنى بويه والخامسة . دولة السلاجقة والسادسة : دولة الجنكزية والسابعة : دولة الأغالية والثامنة . دولة بني أيوب .
والتاسعة : دولة الترك بالديار المصرية .
وأما دولة بنى أمية فأول خلفاتمم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه ، وقد ذكرنا تاريخ أيامه والثاني : أمير المؤمنين معاوية بن أبى سقيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قضى القرشى الأموى أبو عبد الرحمن خال المؤمنين ، وكاتب وحى رسول رب العالمين ، وأمه هند بنت عنبة بن ربيعة بن عبد شمس : أسلم
معاوية يوم الفتح ، وكانت له مواقف شريفة يوم اليرموك ، وكان أبوه قائد قريش يوم أحد ويوم الأحزاب ، وهو أول خليفة بايع ولده ، وأول من وضع البريد ، وأول خليفة اتخذ الحرس ، وأول من عمل المقصورة فى المسجد ، وحج فى خلافته مرتين - وكانت عشرين سنة إلا شهرا- ، وكانت إمارته أيضا عشرين سنة ، وكان يأكل فى اليوم سبع مرات بحساء بقصعة فيها لحم كثير وبصل ، وكان يأكل أيضا من الحلاوة والفاكهة شيئا كثيرا . ويقول : والله ما أشبع : توفى سنة ستين ، ويوم توفى كان عمره خمسا وثمانين سنة ، وصلى عليه الضحاك بن قيس ، وكان يزيد غائبا ، ودفن بين باب الجابية وباب الصغير والثالث : ولده يزيد الظالم ، وفي أيامه جرت مصائب كثيرة ، ومن أعظمها قتل سيد أهل الجنة أمير المؤمنين الحسين .
بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما ، وتوفى فى ربيع الأول سنة
أربع وستين بحوارين ، وحمل إلى ذمشق ، ودفن فى مقبرة الباب الصغير ، ويوم مات كان سنه تمانيا وثلاثين سنة والرابع : ولده معاوية بن يزيد بن معاوية ، ومكث فى الملك أربعين يوما ، وقيل عشرين يوما ، وقيل شهرين ، وكان فى مدة ولايته مريضا لم يخرج إلى الناس ، وكان الضحاك ابن قيس هو الذى يسد الأمور ، وكان عمره يوم مات عشرين سنة ، وقيل تسع عشرة ، وقيل خمس عشرة ، وتوفى فى ربيع الأخر سنة أربع وستين ، ودفن بمقابر الباب الصغير ، وقيل مات بأردن ، وقيل أنه سقى ، وقيل طعن والله أعل والخامس : مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى ، صحابى عند جماعة ، وكان عمره تماى سنين يوم توفى النيى عليه السلام ، وقالت جماعة ، إنه من التابعين ، ولم ير النيى عليه السلام ، توفى .
فى تالث شهر رمضان سنة خمس وستين بدمشق ، وله ثلاث وستون سنة ، وكانت إمارته تسعة أشهر ، وقيل عشرة أشهر إلا ثلاثة أباء والسادس : ابنه عبد الملك بن مروان ، وكان قبل الخلافة
من الزهاد والعباد الفقهاء الملازمين للمسجد ، التالين للقران ، قسمع من جماعة من الصحابة ، منهم عئمان ، وابن عمر ، وأبو سعيد الخذرى ، وأبو هريرة وأخرون ، وهو أول من شتا بالناس في بلاد الروم سنة تنتين وأربعين ، وكان أميرا : المدينة وله ست عشرة سنة - ولاه معاوية - وهو أول من سمى في الإسلام بعبد الملك ، قاله ابن أبى خيثمة ، بويع له بالخلافة في سنة ست وثمانين ، وتوف بدمشق يوم الجمعة ، وقيل الخميس ، وقيل الأربعاء النصف من شوال من سنة ست وثمانين ، وصلى عليه ابنه الوليد ولى عهده من بعده ، وكان عمره يوم مات ستين سنة ، ودفن بباب الجابية ، وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة عشر يوما ، وكانت أسنانه مشبكة بالذهب أفوه مفتوح الفم ، وربما غفل فانفتح فمه ويدخل فيه الذباب ، فلهذا يقال له أبو الذباب ، وفي عيون المعارف ، كان يكنى بالذباب لبخره ، ولقبه رسح الحجر لبخله .
والسابع : ابنه الوليد بن عبد الملك ، وهو الذى بنى جامع دمشق في سنة ثمان وثمانين ، وتكامل فى عشر سنين ، وكان
أصل موضعه معبدا بنته اليونان والكلدانيون الذين كانوا يعمرون دمشق ، وكانوا يعبدون الكواكب السبعة ، وكانت أبوابه سبعة - قصدا لذلك - وقيل أول من بني جدران هذا الجامع الأربعة هود عليه السلام ، وكان [قبل] إبراهيم عليه السلام بمدة طويلة ، وقد ورد إبراهيم دمشق عند برزة وقائل هناك قرما من أعدائه فظفر بهم ، وكان مقامه ببرزة . ولما عزم الوليد عل بنائه بعث إليه ملك الروم مائتي صانع ، وأصرف عليه أموالا عظيمة وعن رحيم عن الوليد بن مسلم عن عمرو بن مهاجر الأنصارى أنهم حيبوا ما أنفق على الكرمة التى قبلة المسجد فإذا هو سبعون ألف دينار ، وحسبوا ما أنفق على الجامع - فكأنه أربعمائة صندوق في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار . قال ابن كثير ، وذلك خمسة ألاف ألف دينار وستمائة ألف دينار . وفى رواية في كل صندوق تمانية وعشرون ألف دينار . وقال ابن كثير ، فعلى هذا يكون المصروب في عمارة الجامع الأموى أحد عشر ألف ألف دينار وماثتي ألف دينار ، وقال رحيم عن الوليد عن عمرو بن مهاجر الأنصارى عن مروان ابن صلاح عن أبيه قال : كان فى مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم ، وقيل أراد الوليد أن يجعل بيضة القبة من ذهب خالص ليعظم بذلك شأن الجامع ، فقال له المعمار : إنك لا تقدر على ذلك ، فضربه خمسين سوطا ، وقال : ويلك أنا أعجز عن
ذلك قال : نعم ، قال : فبين ذلك ، فأحضر من الذهب ما سبك منه لينة فإذا هى قد دخلها ألوف من الذهب ، فقال ،: يا أمير المؤمنين إنا نريد من هذا كذا كذا ألف لينة ، فإذا كان عندك ما يكفى ذلك عملناه ، فلما تحقق الوليد صحة قوله تركه ، وأطلق له خمسين دينارا . وكان فى محراب الصحابة حجر بللور ، ويقال حجر من جوهر ، وكان إذا أطفئت القناديل يضىء لمن هناك بنورها ، وكان الوليد اشترى العمودين الأخضرين اللذين تحت النسر من حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار ، قال محمد بن عائد ، سمعت المشايخ يقولون : ما تم مسجد دمشق إلا بأداء الأمانة . لقد كان يفضل عند الرجل من الفعلة الفلس ورأس المسمار فيجىة حتى يضعه فى الخزانة ، وكانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر ، توفى يوم السبت النصف من جمادى الأخرة من سنة ست وتسعين ، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ، وكانت وفاته بدير مروان ، فحمل على أعناق الرجال حتى دفن بمقابر الباب الصغير ، وقيل بباب الفراديس ، حكاه بن عساكر
والثامن :سليمان [بن ] عبد الملك ، بويع له بالخلافة يوم مات أخوه ، وفي أيامه جهز الجيوش إلى قسطنطينية ، وكانت خلافته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وخمسة أيام ، توفى يوم الجمعة لعشر بقين من صفر من سنة تسع وتسعين ، عن خمس وأربعين سنة ، وكانت وفاته بدابق من أرض قنسرين بين حلب وعينتاب التاسع : عمر بن عبد العزيز بويع له بالخلافة يوم مات سليمان عن عهد منه إليه ، من غير عل منه بذلك ، وكان عالما ورعا دينا خاشعا . وقال سفيان الثورى ، الخلفاء خمسة ، أبو بكر ، وعمر ، وعتمان ، وعلى ، وعمر بن عبد العزيز ، وأجمع العلماء قاطبة على أنه من أئمة العدل ، وأحد الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، وقال الإمام أحمد بن عبد الرزاق عن أبيه عن وهب بن منبه أنه قال : إن كان في هذه الأمة مهدى فهو عمر بن عبد العزيز ، وقال أحمد بن مروان . ثنا أبو بكر أخو خطاب بن خالد بن خراش . ثتنا حماد بن زيد عن موسى
ابن أيمن الراعى ، وكان يرعى لمحمد بن عيينة ، قال : كانت الغنم، والأسد والوحش ترعى فى خلافة عمر بن عبد العزيز في موضع واحد ، فعرض لشاة منها ذتب ، فقالت إنا لله ، ما أرى الرجل الصالح إلا قد هلك ، فحسبنا فوجدناه قد مات فى تلك اللية ، وكانت وفاته بذير سمعان من أرض حمض يوم الخميس لخمس بقين من رجب سنة إحدى [ ومائة ] ، وقيل اثنتين ومائة ، وكان عمره يوم مات تسعا وثلاثين سنة وأشهرا ، ومن زهده أنه كان يبكى حتى كان يبكي دما ولم يكن يجالس إلا أهل العلم والزهد والصلاح ، وكانوا يتذاكرون الموت والأخرة فيبكون حتى كأن بين أيديم الحناءة. قال أحمد بن حنبل ، لما تولى رد جميع المظالم حتى أنه رد فص خاتم كان في يده وقال : أعطانيه الوليد من غير حق ، وخرج من جميع ما كان فيه من النعيم والملبس والملكل والمتاع حتى أنه ترك التمتع بزوجته ، وكانت من أحسن الناس ، ويقال إنه رد جهازها ، وما كان من أموالها إلى بيت المال ، وكانت بنت عمه الوليدبن مروان ، وكان دخله في كل سنة أربعين ألف دينار ، فترك ذلك كله حتى لم يبق له سوى أربعمائة دينار ، وكان خاصله حين ولى الخلافة ثلاثمائة درهم ، وكان يلبس الخين ، والعدوة
الغليظة ، والقميض المقع . وقال أبوسليمان الداراني كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس القربى ، لأنه ملك الدنيا وزهد فيها ، ولا نذرى لو ملكها أويس ماذا كان يصنع ، وليس من جرب كمن لم يجرب . . ولولانا السلطان بشارة عظيمة ، ومسرة عظيمة ، حيت وفعت سلطنته فى ذرجة سلطنة عمر بن عبد العزيزة لأن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز هو التاسع من خلفاء بنى أمية . فكذلك مولانا السلطان هوالتاسع من سلاطين الترك ، ونرجو من الله تعالى أن يرزق من حظوظ الدنيا والأخرة ما رزق عمر بن عبد العزيز وأما دولة بنى العباس فأول خلفاتهم أبو العباس السفاح ، واسمه عبد الله ، وكان عمره يوم تولى ستا وعشرين سنة ، وكان أول من سلم عليه بالخلافة أبا سلمة الخلال، وذلك ليلة الجمعة لثنتى عشرة خلت من ربيع الأخر من سنة ثنتين وثلاثين ومائة
بالكوفة ، وذلك بقيام أبى مسلم الخراسابى ، واسمه عبد الرحمن ابن مسلم بن سنقرلون بن أسفنديار المروزى ، وحكايته طويلة ، وملخصها : أن ابرهيم بن عبد الله بن العباس بعث إلى أبى مسلم - وكان فى خراسان ، وكان إبرهيم في حميمة - وقيل بالكوفة - فبعث إليه يطلبه ، فسار إليه أبو مسلم - لا يمرون ببلد إلا سالوهم إلى أين تذهبون ؟ فيقول : إلى الحج ، ولكنه يدعو الناس خفية إلى إبراهيم بن محمد . فلما كان ببعض الطريق أتاه كتاب أخر بأن ترجع إلى خراسان وتدعو الناس ، فرجع بمن معه ، فلم يزل يدعو واحدا بعد واحد حتى صار معه [ جمع ] عظيم ، وكان إبراهيم قد أرسل إليه لواء يدعى الظل على رمح طوله أربعة عشر ذراعا ، وراية تدعى السخاب على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعا ،وهما سوداوان ، وهم أيضا لبسوا السواد ، فصار ذلك شعار بنى العباس ، ويقال : لما سار أبو مسلم إلى خراسان ، كان ابن تسع عشرة سنة ،راكبا على حمار بإكاف . ثم صار له ألوف من الجيوش ، فسمع بذلك مروان الجعدى
أخر خلفاء بى أمية ، فأرسل إليه جيشا بعد جيش ، فكل من أتى عليه انكسر بإذن الله ، ثم أرشل ورء إبراهيم بن محمد فحبسه فى حران ، فما زال فيه حتى مات، ، قيل هذم عليه جدار وقيل سم فى مشروب . وقيل غير ذلك ، فلما سمعوا بذلك ، عقدوا الخلافة للسفاح ، وكان مروان يومتد على الزاب وكان معه مائة ألف وخمسون ألفا ، فأرسل إليه السفاح عبد الله ابن على [عل] عشرين ألقا فكسرهم ، وغرق أكثرهم ، فتفرق عسكر مروان فى النهر ، فأخرالأمر لوتزل عساكر السفاح وراءه إلى أن طردوه من الشام إلى عريش ، ومن عريش إلى مصر ، ومن مصر إلى الصعيد ، فأثوا إليه فوجدوه في كنيسة بوصير فأخذوه وقتلوه ، وانقضت به دولة بني أمية ، ومدة ولايتهم إحدى وتسعون سنة وتسعة أشهر وعشرة أيام ثم إن أبا مسلم عظم أمره جدا ، وولاه السفاح على خراسان ، وأعمالها ، وقتله المنصور لأنه صرفه عن خراسان فلم يجب إليه أبومسلم ، ثم طالت بينهما المراشلات ، وأخر الأمر قدم أبو مسلم على المنصور بالمدائن فى ثلاثة آلاف رجل ، وخلف باق عسكره بخلوان ، فدخل عليه وقبل يده وأنصرف ،
فلما كان من الغد ترك المنصور بعض حرسه وقال لهم ، إذا صفقت بيديى فاخرجوا واقتلوا أبا مسلم ، ودعاه فلما حضر [ جعل ] المنصور يعدد ذنوبه وأبو مسلم يعتدر عنها ويقول ، فعلت لكم كذا وكذا ، فقال المنصور . يا ابن الخبيثة ، إنما فعلت هذا بحظئا ولو كانت مكانك أمة سوداء لفعلت ما عملت ، ألشت الكاتب إلى تبدا بنفسك قبلى الشت الكاتب إلى تخطب عمى آيسية ، وتزعم أنك من ولد سليط بن عبد الله بن العباس أتذكر تسليمك على أخى وأنا جالس فى مجلس فلا ترابى أهلا للسلام فذكر أشياء كثيرة ، ثم صفق بيده فخرجوا وقتلوه . وكان فى شعبان من سنة سبع وثلاثين وماثة ، وكان قال له : أبقنى با أمير المؤمنين لأعدائك ، فقال : ياكلب أى عدو أعدى منك ولفوه فى عباءة وألقوه في دجلة . وكان أبو مسلم قد قتل فى مدة دولته ستمائة ألف نفس صبرا ، وكان ينظر فى الملاحم ويجد خبره فيها ، وأنه مميت دولة ومحبى دولة ، وأنه يقتل ببلاد رومية ، و كان المنصور يومئد برومية المدائن التى بناها كسرى ، ول يخطر بقلب أبى مسلم أنها موضع قتله ، بل راح وهمة إلى بلاد الروم ، فلذلك حضر عند المنصور . وكان أبو مسلم ممن يشتغل بالحديث ، روى عن جماعة منهم ثابت البناني وعكرمة مولى ابن عباس :
وروى عنه جماعة منهم عبد الله بن المبارك، وعبد الله أبن شبرمة ، وقال ابن خلكان : وقد اختلف في نسبه ، فقيل إنه من العرب وقيل إنه من العجم ، وقيل إنه من الكرد ، ومولده بمدينة أصبهان ، ومنشأه الكوفة الثاني : المنصور تولى الخلافة بعد موت أخيه السفاح بالجدرى بالأنبار [ فى ] الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة ، ودفن بالأنبار . ولما تولى المنصور شرع في بناء بغداد - وكان في سنة خمس وأربعين ومائة - فجمع المهندسين والصناع والفعلاء ، وكان هو أول من وضع لينة بيده ، وقال : بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، ثم قال : أبنوا على بركة الله . وجعل لها تمانية أبواب في السور البراني ، ومثلها في الجوانى ، وليس كل واحد تجاه الأخر ولكن ازور عن الذى يقابله ، ولهدا سميت بغداد الزوراء . وكان المهندسون
رسموها بالرماد ، فمشى قى طرقها ومسالكها ، ثم سلم كل ربع منها لأمير يقوم على بنائه ، وذكر أحمد بن أبى طاهر في كتاب بغداد :، إن ذرع بغداد ثلائة وخمسون ألف جريب وسبعمائة وخمسون جريبا ، وإن عدد حماماتها ستون ألف حمام ، وأقل ما فى كل حمام خمسة أنفس ، حمامى ، وقيم ، وزبال ، ووقاد ، وسقاء . وإن بازاء كل حمام خمسة مساجد ، وذلك ثلاثمائة ألف مسجد ، وأقل ما يكون فى كل مسجد خمسة أنفس : إمام وموذن ، وقيم ومأمومان ، فتناقص ذلك كله شيئا فشيئا إلى يومنا هذا ، ولا سيما في أيام هلاون بن طولى بن جتكزخان الذى أخربها ، وقتل منها مايقرب من ألفى ألف نفس . ثم توفى أبو جعفر المنصور ، واسمه عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس ليلة السبت لست مضين من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومانة ، وكانت خلافته ثنتين وعشرين سنة إلا أياما ، وكانت وفاته بمكة ، ودفن عند ثنية المعلي ، وكان عمره خمسا وستين سنة الثالث : المهدى بن المنصور ، بويع له يوم مات أبوه
واسمه محمد[ و] لقب بالمهدى طمعا أن يكون الموعود به في الأحاديث ، وتوفى بماشبدان فى المحرم سنة تسع وستين ومائة ، وصلى عليه الرشيد ولده ، وكانت خلافته عشر سنين وشهرا ونصفا ، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة ونصف سنة الرابع : الهادى واسمه موسى بن محمد المهدى ، وكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة وعشرين يوما ، وتوفى بعيساباد ليلة الجمعة النصف من ربيع الأول سنة سبعين ومانة الخامس : الرشيد هارون بن محمد بن عبد الله بن العباس رضى الله عنهم ، بويع له بالخلافة يوم مات أخوه ، وكان عمره اثنتين وعشرين سنة ، وكان الهادى قد عزم على قتل الرشيد ، وعلى قتل يحبى بن خالد بن برمك ، وكان قد سجنه ، فأخرجه الرشيد من السجن ، وكان ابنه من الرضاع وولاه حينئذ الوزارة ، وفوض إليه جميع الأعمال والأمور ، ثم دارت الزوائر إلى أن قثل جعفر بن يحيى وأوقع بالبرامكة وأخذ أموالهم ، وخرب دورهم على ماهو المشهور بين أهل التواريخ ، وجعفر هو ابن يحتى بن خالد
ابن برمك بن بشتاشف ، وكان برمك مجوسيا ، قدم على هشام بن عبد الملك فأسلم على يده وتسمى بعبد العزيز ، وكان عارفا بالحكمة وأنواعها من الحساب والنجوم والطب وغير ذلك ، وكان متقدما عند الحكماء ، وأبوه ملكا من ملوك الفرس وتوفى القاضى أبو يوسف ، والإمام محمد الشيبافى والكسائي فى دولة الرشيد وتوفى الرشيد ليلة السبت مستهل جمادى الأخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة عن سبع وأربعين سنة ، فكانت مدة خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرا ونصفا ، ودفن بطوس ، وكان يقال له الموفق ، والمظفر ، والمويد السادس : الأمين محمد بن الرشيد ، بويع له بالخلافة ببغداد ، وفي عسكر الرشيد صبيحة اليوم الذى توفى فيه الرشيد ، ثم وقع بينه وبين أخيه المأمون حسد وعداوة ، وأخر الأمر خلع الأمين من الخلافة ، واستقر المأمون ، ولكن لم يستوثق له الأمر حتى قتل الأمين في بغداد فى رابع صفر من سنة ثمان وتسعين ومائة
السابع : المأمون ، استوثقت له الخلافة يوم قتل الأمين واستمر فى الخلافة إلى أن توفى بطرسوس يوم الخميس لثلات عشرة ليلة خلت من رمضان سنة تمانى عشرة ومائتين ، وكانت خلافته عشرين سنة وخمسة أشهر ، واأسمه عبد الله المأمون بن هارون الرشيد . وفى تاريخ العسقلاتى مات بالبذندون من أرض الروم ، وحمل ودفن قى طرسوس ، وكان يغزو هناك ، وذلك لأن ملك الروم توفيل بن [ ميخائيل ]قد عدى من البحر ، وقتل جماعة من المسلمين في أرض طرسوس نحوا من ألف وستمائة إنسان ، فركب المأمون في الجيوش إليه وكسره وفرق عسكره ، وفتح من بلاد الروم تلائين حصنا ، ودخل مصر ووضع أساس اليقياس ، وفرق أموالا على فقرائها ، وكذا فعل فى الشام . وفى أيامه توفى الإمام الشافعى في سنة أربع ومانتين ، وكذلك السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم في سنة ثمان ومائتين الثامن : المعتصم محمد بن الرشيد ، بويع له بالخلافة
يوم مات أخوه بطرشوس ، وهو الذى فتح عمورية التى يقال لها انكورية ، وله فيها أمور عجيبة ، وتوفى يسر من رأى يوم الخميس لسبع عشرة ليلة [خلت ] من ربيع الأول من سنة سبع وعشرين ومائتين ، وعمره تمان وأربعون سنة ، وصلى عليه ابنه هارون الواثق ، وكانت خلافته تمالى سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام ، وكان يلقب بالسباع ، والبيطار والمثمن . أما السباع فلانه كان يصيد السباع بيده . وأما البيطار فلانه كان يصيد حمر الوحش وينعلها . وأما المشمن فمن وجوه : الأول لأنه التامن من خلفاء بنى العباس ، والثاني لأنه كان تامن ولد العباس، والثالث لأنه فتح تمانية فتوحات : بلاد بابل ، وعمورية ، قتل منها ثلاثين ألفا وستى مثلهم وكان فى سبيه ستون بطريقا ،
والزط ، وبخر البصرة ، وقلعة الإحراق ، وديار ربيعة ، والسادر ، وقتح مصر بعد عصيانها ، والرابع لأنه قتل ثمانية أعداء : بابك ، ومازيار وناطش صاحب عمورية ، والأفشين ، ورئيس الزنادقة وعجيف ، وقادن ، وقائد الرافضة والخامس فلانه أقام فى الخلافة تمانى سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام . والسادس فلانه خلف ثمانية ألف ألف
دينار ، ومثلها ذراهم . والسابع فلأنه خلف تمانية آلاف غلام . والثامن فلانه خلف ثمانية [آلاف ] دابة .
التاسع : الواثق هارون بن المعتصم ، بويع له بالخلافة فى اليوم الذى مات أبوه ، وتوفى بسر من رأى يوم الثلاثاء لست بقين من ذي الحجة من سنة تنتين وثلائين ومائتين ، وصلى عليه أخوه المتوكل ، ودفن بالهارونى ، وكان عمره ستا وثلاثين سنة وشهورا ، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام ، وكان يبالغ في الإكرام للعلويين والإحسان إليهم ، ولما حج فرق في الحرمين أموالا عظيمة ، حتى إنه لم يبق في الحرمين أيام الواثق سائل ، ولما بلغ أهل المدينة موته كانت نساوهم تخرج إلى البقيع في كل ليلة ويندبنه لفرط إحسانه إليهم ، وقال القاضى يحيى بن أكثم : ما أحسن أحد من خلفاء ببى العباس إلى آل المطلب ما أحسن إليهم الواثق ، ما مات وفيهم فقير ، وكان محبوبا عند الناس ، جميل الصورة حسن الجسم ، ولم ير فى أيامه نكدا ، وكان يجالس العلماء والصلحاء ويحسن إليهم ويعظمهم فهذا هو التاسع من خلفاء بي العباس ، فمولانا السلطان
المؤيد كذلك هو التاسع من سلاطين الترك ، فنرجو من الله تعالى أن يعطى ما أعطى له من السرور وعدم النكد في أيامه - إن شاء الله تعالى وأما دولة الفاطميين : فأولهم المهدى أبو محمد عبيد الله بن الحسن بن محمد ابن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب - على زعيهم - وقال ابن خلكان : والمحققون ينكرون دعواه فى النسب . وقال ابن كثير ، قد كتب غير واحد من الأئمة منهم الشيخ أبو حامد الإسفراييني والقاضى الباقلانى ، وأبو الحسين القدورى ،.
أن هولاء الأدعياء ليس لهم نسب فيما يزعمونه ، وإن والد عبيد الله هذا كان يهوديا صباغا بسلمية وكان ظهور المهدى بقيروان فى سنة ست وتسعين وماتتين ،
وزالت دولة بني العباس بتلك الناحية من هذا الحين إلى أن هلك العاضد فى سنة سبع وستين وخمسمائة ، وتوفى المهدى بالمهدية التى بناها في أيامه - ليلة الثلاثاء النصف من ربيع الأول سنة ابسنين وعشرين وثلاثمائة الثاني : القائم بأمر الله أبو القاسم . ولما توفى [ والده ] كتم أمره سنة حتى دبر ما أراده من الأمور ، ثم أظهر ذلك ، وعزاه الناس فيه ، وكان شهما كأبيه ، فتح البلاد ، وأرسل الشرايا إلى بلاد الروم ، وطلب أخذ الديار المصرية ، فلم يتفق له ذلك ، وإنما جرى ذلك على يد ابن أبنه المعز الفاطمى الذى بنى القاهرة المعزية ، وتوفى يوم الأحد الثالث عشر من شوال سنة أربع وثلاثين وثلثمائة بالمهدية ، وله تمان وخمسون سنة ، وكانت أيامه اثنتى عشرة سنة وتسعة أشهر وستة أيام الثالث : المنصور إسماعيل بن القائم ، ويكنى أبا الظاهر ، وهو الذى بني المنصورية بالمغرب ، وتوفى فى آخر شوال من سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة ، وله أربعون سنة ، وكانت أيامه سبع سنين وستة عشر يوما الرابع ، المعز واسمه معد بن المنصور ، وبويع له وعمره أربع وعشرون سنة ، وهو الذى بني القاهرة المعزية ، وكان
قد سار جوهر غلام والده المنصور إلى مصر ، فسار في جيش فوصل إلى الديار المصرية يوم الثلاثاء سابع عشر رمضان من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، وطبولة تضرب ، وأعلامه تخفق ، وحمول المال بين يديه ، وهو ألف وخمسمائة صندوق ، فنزل موضع القاهرة ، واستولى [ عليها ] بغير قتال ولا ضرب ولا ممانعة ، وذلك لأنه لما مات كافور الإخشيدى فى سنة ست وخمسين وثلاثمائة اختلفت الأراء بمصر فبلغ ذلك المعز وجهز هذا الجيش ، وهربت العساكر الإخشيدية قبل وصول جوهر ، فلما استولى عليها أقام الدعوة للمعز فى الجامع العتيق فى شوال منها ، وقال ابن كثير : أمر جوهر المودنين بالجامع العتيق وبجامع ابن طولون أن يؤذنوا بحى على خير العمل، وأن يجهر الأئمة بالبسملة ، ثم قال : وفي هذه السنة - أعنى سنة تمان وخمسين وثلاثمائة- شرع جوهر القائد فى بناء القاهرة المعزية ، وبى القصري
وكتبت لعنة الشيخين على أبواب الجوامع والمساجد ، ولم يزل ذلك كذلك حتى أزالت ذلك دولة بى أيوب ، ثم سير جوهر جيشا كثيرا مع جعفر بن فلاح إلى الشام فاستولى على الشام ، وخطبوا فيها للمعز ، فمسكوا جماعة من الأمراء الشامية والمصرية ، وأرسلوهم إلى جوهر في مصر ، فحملهم جوهر إلى المعز بأفريقية . ثم فى سنة تمان وستين وثلاثمائة دخل المعز إلى الديار المصرية ، وصحبته توابيت آبائه في الخامس من رمضان من هذه السنة ، فنزل بالقصرين ، وأول حكومة انتهت إليه أن امراة كافور الإخشيدى تقدمت إليه ، فذكرت أنها كانت أودعت عند يهودى صواع قباء من لؤلؤ منسوج بالذهب ، وأنه أنكره ، فاستحضره وقرره فجحد اليهودى ذلك ، فأمر المعز أن يحفر داره فحفروها قوجدوا القباء قد جعلها في جرة قدفنها ، فسلمه المعز إليها فقدمته إليه وعرضته عليه ، فأبى أن يقبله منها ورده عليها ، فاستحسن ذلك منه الناس
ثم توفى المعز فى اليوم السابع والعشرين من ربيع الأخرة من سنة خمس وستين وثلاثمائة ، وعمره خمس وأربعون سنة ، وكانت مدة أيامه فى الملك ثلائا وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام ، منها بمصر سنتان وتسعة أشهر ، وكان منجما يعتمد ما يرصد من حركات النجوم الخامس ] العزيز ، واسمه نزار أبو المنصور ، ولى العهد بمصر يوم الخميس رابع عشر ربيع الأخر سنة خمس وستين وثلاثمائة ، وهو الذى اختط أساس الجامع بالقاهرة مما يلى باب الفتوح ، وخفر وبدى بعمارته سنة ثمانين وثلاثمائة فى شهر رمضان . وفى أيامه بني القصر بالبخر بالقاهرة . لم يبن مثله فى شرق ولا غرب ، وقصر الذهب ، وجامع القرافة ، والقصور بعين شمس ، وكان أسمر أصهب الشعر ، أعين أشهل ، عريض المنكبين حسن الخلق لا يوثر سفك الذماء ، كريما شجاعا ، حسن العفو عند المقدرة ، بصيرا بالخيل ، والجارح من الطير ، مجبا للصيد ، مغرى به وبصيد الشباع ، ويعرف الجوهر والبز ، وكان أديبا فاضلا ، قال ابن خلكان : فتحت له حمص وحماة وحلب ، وشيزر ، وخطب له بالموصل وأعمالها فى المحرم سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة ، وخطب له باليمن ، ولم يزل
فى سلطانه وعظم شانه ، إلى أن خرج إلى بلبيس متوجها إلى الشام، فابتدأت به العلة فى العشر الأخير من رجب سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، ولم يزل مرضه يزيد وينقص حتى ركب - يوم الأحد لخمس بقين من رمضان من السنة المذكورة - إلى الحمام بمدينة بلبيس ، وخرج منها إلى منزل الاستاذ أبى الفتوح برجوان، وكان صاحب خزائنه بالقصر ، فأقام عنده ، وأصبح يوم الاثنين فاشتذ به الوجع يومه ذلك ، وصبيحة نهار الثلائاء ، وكان مرضه من حصاة وقولنج ، واستدعى ولذه الحاكم وخاطبه بالعهد والولاية .
ولم يزل العزيز في الحمام والأمر يشتد به إلى بين الصلاتين من ذلك النهار وهو يوم الثلائاء الثامن والعشرون من رمضان من السنة المذكورة ، فتوق فى مسلح الحمام ، ثم ترتب موضعه ولذه الحاكم أبو على المنصور . وكانت ولادته يوم الخميس رابع عشر المحرم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة بالمهدية من أرض أفريقية . وقال ابن كثير : توفى عن ثنتين وأربعين سنة ، منها ولايته بعدابيه إحدى وعشرين سنة وخمسة
أشهر وعشرة أيام ، وكان جمع من الأموال شيئا عظيما ، وكان الوزيز أبوالفتوح يعقوب بن إبرهيم بن هارون بن داود ابن كلس مات فى أيامه ، وحصل له منه شىء كثير . قال ابن زولاق فى تاريخه . وهو أول من وزر للفاطميين بالديار المصرية ، وكانت داره بالقاهرة في موضع مدرسة الوزير صفى الدين أبى محمد عبد الله بن على المعروف بابن شكر المختصة بالطائفة المالكية ، وإن الحارة المعروفة بالوزيزية التى بالقاهرة داخل باب سعادة منسوبة إلى أصحابه لأنهم كانوا يسكنونها ، ولما مرض عاده العزيز، ووصاه الوزير فيما يتعلق بمملكته . ولما مات أمر العزيز أن يدفن ف داره ، وهى المعروفة بدار الوزارة بالقاهرة داخل باب النصر ، فى قبة كان بناها ، وصلى عليه ، وأأحذة بيده في قبره ، وأنصرف حزينا لفقده ، وأمر بعلق الدواوين أياما من بعده وكان إقطاعه من العزيز في كل سنة مائة ألف دينار ووجد له من العبيد والمماليك أربعة آلاف غلام ، ووجد له جوهرا بأربعمائة ألف دينار ، وبزا من كل صنف بخمسمائة ألف دينار ، وفى تاريخ النويرى . وجد له أوانى من كل صنف بخمسمائة ألف دينار ، وثمانمائة حظية خارجا عن
جوارى الخدمة ، ويقال : إنه كفن وحنط بما مبلغه عشرة آلاف دينار . وقال ابن عساكر فى تاريخه : كان يهوديا من أهل بغداد ، خبيئا ذا مكر ، وله جيل ودهاء ، وفطنة وذكاء . وكان فى قديم أمره خرج إلى الشام ، ونزل إلى الرملة ، وصار بها وكيلا ، فكسر أموال التجار ، وهرب إلى مصر ، فخذم كافور الإخشيد ، فرأى منه فطنة وسياسة ، ومعرفة بأمر الضياع ، فقال : لو كان مسلما لصلح أن يكون وزيرا ، فطمع فى الوزارة ، فأسلم يوم جمعة فى جامع مصر، فلما عرف الوزيز أبو الفضل جعفر بن الفرات قصده فهرت إلى المغرب ، واتصل بيهود كانوا مع المعز ، وخرج معه إلى مصر ، فلما مات المعز وقام ولده العزيز استوزر ابن كلس هذا فى سنة خمس وستين وثلاثمائة ، فلم يزل يدبر أمره إلى أن هلك في ذى القعدة من سنة تمانين وثلاثمائة ، وكفن فى خمسين ثوبا ، ويقال إنه رثاه مائة شاعر ، ويقال إنه مات على دينه وكان يظهر الإسلام ، والصحيح أنه أسلم وحسن إسلامه ، وكلس بكسر الكاف واللام المشددة ، وفى آخره سين مهملة وكان العزيز استوزر بعده رجلا تضرانيا يقال له عيسى ابن نسطورس ، وأخر بوديا اسمه ميشا ، فعز بسببهما أها
هاتين الملتين في ذلك الزمان على المسلمين ، حتى كتبت إليه اأمراة في قصة فى حاجة لها تقول : بالذى أعز النصارى بعيسي ابن نسطورس ، واليهود بميشا ، وأدل المسلمين بك لما كشفت عن ظلامى . فعند ذلك أمر بالقبض على هذين الرجلين ، وأخذ من النصرانى ثلاثمائة ألف دينار السادس : الحاكم بأمر الله أبوعلى المنصور بن العزيز بن المعز ، فذكرنا أنه تولى يوم وفاة أبيه ، وكان من أكبر الزنادقة قال بن خلكان : كان جوادا بالمال ، سفاكا للذماء ، قتل عددا كثيرا من أمائل أهل دولته ، وغيرهم وغيرهم ، وكانت سيرته من أقبح السير ، يخترع كل وقت أحكاما يحمل الناس على العمل بها ، منها أنه أمر الناس في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة بكتب سب الصحابة رضى الله عنهم فى حيطان المساجد ، والمقابر ، والشوارع ، و كتب إلى سائر أعمال الديار المصرية يأمرهم بالسب ، ثم أمر بقلع ذلك ، ونهى عنه في سنة سبع وتسعين ، تم تقدم بعد ذلك بمدة يسيرة بضرب من يسب الصحابة وتأديبه . ومنها أنه أمر بقتل الكلاب في سنة خمس وتسعين وبلائمائة ، فلم ير كلب في الأسواق والشوار ع والأزقة إلا قتل ، ومنها أنه أنى عن بيع الفقاع ، والملوخيا ،
والسمك الذى لا قشر له ، وأمر بالتشديد في ذلك والمبالغة وظهر على جماعة أنهم باعوا شيئا منه ، فضريم بالسياط ، وطيف بهم ، ثم ضرب أعناقهم ومنها أنه في سنة اثنتين وستين وأربعمائة مى عن بيع الزبيب قليله وكثيره على اختلاف أنواعه ، وسى التجار عن حمله إلى مصر ، ثم جمع منه [جملة ] كثيرة وأحرق جميعها . ويقال : إن مقدار النفقة التي غرموها على إحراقه كان خمسمائة دينار ، وفي هذه السنة أيضا منع من بيع العنب وأنفذ الشهود إلى الجيزة حتى قطعوا كرهمها ، قيل إنه قطع كروما قيمتها أربعون ألد دينار وكان فى مخازن الجيزة خمسة آلاف جرة عسل ، قاموا بكسرها وسكبها في النيل . وفي هذه السنة أمر النصارى واليهود - إلا الحبابرة - بلبس العمائم السوداء ، وأن يحمل النصاري في أعناقهم الصلبان ما يكون طوله ذراعا ووززه خمسة أرطال ، وأن يحمل اليهود في أعناقهم قرامى خشب على وزن صلبان النصارى ، ولا يركبون شيئا من المراكب المحلاة ، وأن يكون ركوبهم من الخشب ، ولا يستخذمون أحدا من المسلمين ، ولا يركبون حمارا مكاريه [من ] المسلمين ، ولا سفينة نوتيها مسلم ، وأن يكون فى أعناق النصاري إذا دخلوا [الحمام ]
الصلبان ، وفى أعناق اليهود الجلاجل ، ليتميزوا ما عن المسلمين تم أفرد حمامات لليهود والنصارى ، وحط على حمامات النصارى الصلبان ، وعلى حمامات اليهود صور القرامى وذلك في سنة تمان وأربعمائة ، وفيها أمر بدم الكنيسة المعروفة بقمامة وجميع الكنائس بالديار المصرية ، ووهب جميع ما فيها من الآلات وجميع مالها من الأرياع والأحباس لجماعة من المسلمين : ثم رسم يتكلم أحد في النجوم ، وأن ينفى المنجمون من البلاد ، ثم عقد عليهم توبة ، وأعفاهم عن النفى ، وكذلك أصحاب الغناء والملاهي وفى شعبان من السنة المذكورة منع النساء من الخروج إلى الطرقات ليلا قببارا ، ومنع الأساكفة من عمل الخفاف لهن ، ومنعهن عن الحمامات ، ولم تزل النساء ممنوعة عن الحمام إلى أيام ولذه الظاهر ، وكانت مدة المنع سبع سنين وسبعة أشهر ، ثم أمر ببناء ما هدم من الكنائس ، ورد ما كان أخذ من أحباسها وقال ابن الجوزى فى تاريخه المنتظم ثم زاد ظلم الحاكم
وعن له أن يدعى الربوبية ، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون ،: يا وأحدنا يا أحدنا يامحتى يامميت وقال ابن كثير فى تاريخه : والحاكم هو الذى ينسب إليه الفرقة الضالة المضلة الزنادقة الحاكمية ، وإليه نسب أهل وادى التيم من الدرزية أتباع ختكين غلام الحاكم الذى بعثه إليهم يدعوهم إلى الكفر المحض فأجابوه ، وكان قد أمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوم الناس على أقدامهم صفوفا ، إعظاما لذكره واحتراما لاسمه ، وكان يفعل هذا فى سائر ممالكه حتى فى الحرمين الشريفين ، وكان أها مصر على الخصوص إذا قاموا خروا سجدا حتى إنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم وأمر فى وقت أهل الكنائس بالدخول في دين الإسلام كرها ، ثم أذن لهم فى العود إلى أديانهم ، وابني المدارس وجعل فيها الفقهاء والمشايخ ، ثم قتلهم وخربا ، وألزم الناس بإغلاق الأسواق نارا وفتحها ليلا ، فامتثلوا ذلك ذهرا طويلا حتى اجتاز مرة بشيخ يعمل [ فى ] التجارة فى أثناء النهار وعنده مسرجة يسرج عليها ، فوقف عليه فقال : ألم أنيكم عن هذا فقال : ياسيدى أما كان الناس يسهرون لما كانوا يتعيشون بالنهار ، فهذا من جملة السهر ، فتبسم وتركه . وقد كان يعمل
الحسبة بنفسه ، يدور في الأسواق على حمار له - وكان لا يركب إلا حمارا - فمن وجده قد غش فى معيشة أمر عبدا أسود معه ، فقال له : مسعود أن تفعل فيه الفاحشة العظمى ، وهذا أمر منكر ملعون لم يسبق إليه أحد وقال ابن خلكان ، وهو الذى بني الجامع الكبير بالقاهرة بعد أن كان شرع فيه والده العزيز بالله ، فأكمله ولده ، وبنى جامع راشدة بظاهر مصر ، وأنشا عدة مساجد بالقرافة وغيرها ، وحمل إلى الجوامع من المصاحف والآلات الفضية والستور والحصر ماله قيمة طائلة ، وكان يحب الانفراد ، والركوب على بيمة وحده ، فاتفق أن خرج ليلة الإثنين السابع والعشرين من شهر شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة إلى ظاهر مصر ، وطاف ليلته كلها ، وأصبح عند قبر الفقاعى ، ثم توجه إلى حلوان ومعه ركابيان ، فأعاد أحدهما مع تسعة
من العرب السويديين ثم أعاد الركابى الأخر ، وذكر هذا أنه خلفه عند القبر والمقصبة ، وبقى الناس على رسمهم يخرجون يلتمسون رجوعه على عادم ومعهم دواب الموكب إلى يوم الخميس سلخ الشهر المذكور ، ثم خرج يوم الأحد ثاني ذى القعدة مظفر صاحب المظلة ، وخطى الصقلبى ، ونسيم متولى الستر وابن أتشتكين التركى صاحب الرمح ، وجماعة من الكتاميين والأتراك ، فبلغوا دير القصير والموضع المعروف بحلوان، ثم أمعنوا فى الدخول في الجبل ، فبينا هم كذلك إذ أبصروا حماره الأشهب الذى كان راكبا عليه المدعو بالقمر ، وهو على قرن الجبل وقد ضربت يداه بسيف
فأثر فيهما وعليه سرجه ولجامه ، فتبعوا الأثر ، فإذا أثر الحمار في الأرض ، وأثر راجلة خلفه وراجلة قدامه ، فلم يزالوا يقصون هذا الأثر حتى انتهوا إلى البركة التى فى شرق حلوان ، فنزل إليها بعض الرجالة ، فوجد فيها تيابه وهى سبع جباب ، ووجدت مزررة لم تحل أزرارها ، وفيها آثار السكاكين ، فأخذت وحملت إلى القاهرة ولم يشك في قتله ، مع أن جماعة من المغالين فى حبه ، السخيفى العقول يظنون حياته ، وأنه لابذ أن سيظهر ويحلفون بغيبة الحاكم وتلك خيالات فاسدة . ويقال إن أخته ست الملك دست عليه من يقتله ، وكان عمره سبعا وثلاثين سنة ، ومدة ولايته خمسا وعشرين سنة - والله أعلم - السابع : الظاهر لإعزاز دين الله أبو هاشم على ، كانت ولايته بعد فقد أبيه الحاكم ، وكانت خلافته خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وأياما .
قال ابن خلكان ، سمعت أنه توفى بيستان الذكة بالمقس وكان . له مصر والشام ، والخطبة بأفريقية ، وكان جميل الصورة منصفا للرعية وكانت وفاته فى شعبان من سنة سبع وعشرين وأربعمائة الثامن : المستنصر بالله أبو تميم معد ولد الظاهر ، واستمرت أيامه ستين سنة ، ولم يتفق هذا لخليفة قبلة ولا بعده ، وتوفى
ليلة الثلاثاء الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، وكان عمره سبعا وستين سنة التاسع : ولده أبوالقاسم أحمد ، الملقب بالمستعلى ، وكان جوادا ، كريما حليما ، لم يسلك في دينه وأحوال رعيته كما سلك أباوه ، وكان الناس في أيامه -وإن كانت قليلة - في أمن .
فهذا هو التاسع من خلفاء العبيديين ، الملقب بالمستعلى المشتق من العلو : فكذلك مولانا السلطان المؤيد تاسع الملوك الترك ، فنرجو من الله تعالى أن يزداد استعلاؤه وعلوه في الدنيا والأخرة .
وللتفاؤل بالأسماء أثر مأثور غير منكور . وكان أبو القاسم شاهنشاه الملقب الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالى وزير المستعلى ، وقبله وزير أبيه المستنصر ، وكان وزير السيف والقلم ، وإليه قضاء القضاة ، والتقدم على الذعاة . ولما توفى مقتولا في في سلخ رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة ، خلف من الأموال مالم يسمع قبلها . قال صاحب الدول المنقطعة. خلف ستمائة ، ألف ألف دينار عينا ، وماتتين وخمسين إردبا دراهم ، [من ] نقد مصر ، وخمسة وسبعين ألف توب ديباج أطلس ، وثلاثين راحلة أحقاق ذهب عراق ، ودواة ذهب فيها جوهر قيمته اثنا عشر ألف دينار ، ومائة مسمار من ذهب ، وزن كل مسمار
مائة مثقال ، فى عشرة مجالس في كل مجلس عشرة مسامير ، على كل مسمار منديل مشدود مذهب ملون من الأموال - أيما أحب منها لبسه - وخمسائة صندوق كسوة لخاصة نفسه من دييق ودمياط ، وخلف من الرقيق والخيل والبغال والمراكب والتجمل والحلى مالم يعلم قدره إلا الله ، وخلف خارجا من ذلك من البقر والجواميس والغيم ما يستحى من ذكر عدده ، وبلغ ضمان ألبانا في سنة وفاته ثلائين ألف دينار ، ووجد فى تركته صندوقان كبيران فيهما إبر من ذهب برسم النساء والجوارى ، وكان يسكن بمصر فى دار الملك التى على بحر النيل ، وهى اليوم دار الوكالة . وقال النويرى : لما قتل نقل ما خلفه الخليفة الفاطمى إلى خواصله وخزائنه ، وهو ابن أمير الجيوش الذى تسميه العامة مرجوش ، وإليه تنسب قيسارية أمير الجيوش بالقاهرة ، وسوق المرجوشى ، وكان أرمنى الجنس اشتراه جمال الدولة ابن عمار ، وتربى عنده وتقدم لسنة
وأما دولة بنى بويه ، فأول الملوك منهم عماد الدولة أبو الحسن على بن بويه ابن فناخسرو الديلمى وبقية النسب قد مر [ فى ] صاحب بلاد فارس ، وكان أبوه صيادا وليست له معيشة إلا من صيد السمك ، وكانوا ثلاثة إخوة ، عماد الدولة أكبرهم ، ثم ركن الدولة الحسن ، ثم معز الدولة ، والجميع ملكوا ، وكان عماد الدولة سبب سعادم ، وانتشار صيتهم ، واستولى على البلاد ، وملكوا العراقين والأهواز وفارس ، ويقال اتفقت لعماد الدولة أسباب عجيبة كانت سببا لثبات ملكه ، منها أنه ملك شيراز ، فى أول ملكه اجتمع أصحابه وطالبوه بالأموال ، ولم يكن معه ما يرضيهم به ، وأشرف أمره على الانجلال فاغتم لذلك فبينما هو متفكر قد استلقى على ظهره في مجلس قد خلا فيه للفكرة إذ رأى حية قد خرجت من موضع من سقف ذلك المجلس ودخلت موضعا أخر ، فخاف أن تسقط عليه ، فدعا الفراشين وأمرهم بإحضار سلم ، وأن تخرج الحية ، فلما ضعدوا وبحثوا عن الحية وجدوا ذلك السقف يقضى إلى غرفة بين سقفين ، فعرفوه ذلك ، فأمرهم بفتحها ففتحت ، فوجد عدة صناديق من المال والمصاغات قدر خمسمائة ألف دينار ، فحمل المال بين يديه ، فسر به وأنفقه فى رجاله ، وثبت أمره بعد أن كان قد أشفى على الانخرام ، ثم إنه قطع ثيابا ، وسأل عن خياط
حاذق ، قوصف له خياط كان لصاحب البلد قبله ، فأمر بإحضاره ، وكان أطروبا ، فوقع له أنه قد سعى به في وديعة كانت عنده لصاحبه ، وأنه طلب لهذا السبب فلما خاطبه خلف أنه ليس عنده إلا اثنا عشر صندوقا لا يدرى ما فيها ، فعجب عماد الدولة من ذلك ، ووجه معه من يحملها ، فوجد فيها أموالا وثيابا بجملة عظيمة فكانت هذه الأسباب من أقوى دلائل السعادة له ، ثم تمكنت حاله ، واستقرت قواعده ، ولم يزل مسرورا إلى أن توفى يوم الأحد لأربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثمان وثلائين ، وقيل تسع وثلاثين وثلاثمائة بشيراز . وأقام فى فى الملك ست عشرة سنة الثاني : ركن الدولة أبو على الحسن بن بويه ، كان صاحب أصبهان والرى وهمذان ، وجميع عراق العجم ، وكان ملكا جليل القدر ، عالى الهمة ، وتوفى ليلة السبت لائنى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة ست وستين وثلاثمائة بالرى ، وملك أربعا وأربعين سنة وشهرا وتسعة أيام الثالث : معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه ، كان صاحب العراق والأهواز . وقال ابن الجوزى . كان في أول
أمره يحمل الخطب على رأيه ، ثم ملك هو وإخوته البلاد ، وأل أمرهم إلى ما أل ، وتوفى يوم الاثنين سابع عشر ربيع الأخر سنة ست وخمسين وثلاثمائة ببغداد ، ودفن فى داره ، ثم نقل إلى مشهد بنىي له فى مقابر قريش الرابع : عز الدولة أبو المنصور بختيار ، تولى مملكة أبيه معز الدولة يوم موته ، وتزوج الإمام الطائع لله ابنته شاه دنان على صداق مبلغه مائة ألف دينار ، وكان ملكا قويا شديد القوى ، يميك الثور العظيم بقرنيه فيصرعه ، وكان متوسعا في الإخراجات والكلف . ذكر بشر الشمعى أنه كانت وظيفة وزيره أبى الطاهر محمد بن بقية فى كل شهر ألف من من الشمع . وكان بينه وبين أبن عمه عضد الدولة منافسات فى الملك أدت إلى الجراب ، فالتقيا يوم الأربعاء تامن عشر شوال سنة سبع وستين وثلاثمائة ، فقتل عز الدولة فى المصاف ، وكان عمره ستا وثلاثين سنة ، وحمل رأسه فى طست ، ووضع بين يدى عضد الدولة ، فلما رأه وضع منديله على عينيه وبكى .
وملك بغداد بعد قتله . .
الخامس : عضد الدولة فناخشرو بن ركن الدولة أبى على الحسن بن بويه . ولا ملك حصل له مالم يحصل لأحد من أهل بيته من سعة الملك ، والاستيلاء على الملوك ، وهو أول من خوطب بالملك في الإسلام ، وأول من خطب له على المنبر ببغداد بعد الخليفة . وكان من جملة ألقابه ، تاج الولة ، وكان فاضلا محبا للفضلاء مشاركا بعدة فنون . وصنف له الشيخ أبو على الفارسى كتاب الإيضاح ، والتكملة في النخو . وقصده فخول شعراء عصره ، فمدحوه بأحسن المدائح ، فمنهم أبو الطيب المتبنى ورد عليه بشيراز ، وفيه يقول من قصيدة مشهورة بالهائية ، وقد رأيت الملوك قاطبة وسرت حتى رأيت مولاها ومن منأياهم براحيه يأمرها فيهم وينهاها أبا شجاع بفارس عضد الدوله فناخسرو شهنشاها أساميا لم تزده معرفة وإنما لذة ذكرناها وكانت لعضد الدولة أشعار ، فمن ذلك أبيات من قصيدته التى فيها البيت الذى لم يقلح بعده ، وهى : ليس شرب الراح إلا فى المطر وغناء من جوار فى السحر غانيات سالبات للنهى ناغمات فى تضاعيف الوتر مبرزات الكأس فى مطلعها ساقيات الراح من فاق البشر عضد الدولة وابن ركبه ملك الأملاك غلاب القدر فيحكى أنه لما احتضر لم ينطق لسانه إلا بتلاوة ،
ما أغنى عنى مالية هلك عنى سلطانية. ويقال إنه ما عاش بعد هذه الأبيات إلا قليلا ، وتوفى بعلة الصرع فى يوم الإثنين تامن شوال سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة ببغداد ، ودفن بدار الملك بما ، ثم نقل إلى الكوفة ، ودفن بمشهد أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه ، وعمره سبع وأربعون سنة وأحد عشر شهرا وثلائة أيام ، وقال ابن كثير ، وعضد الدولة أول من تسمى بشاهنشاه ، ومعناه ملك الملوك . وقد ثبت في صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال .
أوضع اسم . وفى رواية أخنع اسم عند الله عز وجل رجل يسمى ملك الأملاك ، لا ملك إلا الله عز وجل السادس : صمصام الدولة بن عضد الدولة ، تولى المملكة بعد أبيه ، وركب إلى دار الخلافة ، فخلع عليه الخليفة سبع خلع ، وطوقه وسوره وألبسه التاج ، ولقبه شمس الدولة ، وولاه ماكان أبوه يتولاه ، واسمه كاليجار المرزبان ، قتل في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ، قتله ابن عمه أبونصر بن بختيار ، وكان عمره يوم مات خمسا وثلاثين سنة . ومدة ملكهتسع سنين وأشهرا
السابع . بهاء الدولة أبو نصر فيروز بن عضد الدولة بن بويه ، وهو الذى قبض على الطائع الخليفة . وجمع من من الأموال مالم يجمعه أحد من بى بويه . وكان يبخل بالدرهم الواحد ، ويؤثر المصادرات ، وتوفى بأرجان في جمادى الأخرة سنة ثلاث وأربعمائة ، وكانت إمارته أربعا وعشرين سنة وثلائة أيام ، وعمره اثنتين وأربعين سنة ، ملك بعده أبنه أبو شجاع الثامن : أبو شجاع فناخسرو ، الملقب سلطان الدولة ، توفى فى المحرم من سنة خمس عشرة وأربعمائة بشيراز ، وعمره اتنتان وعشرون سنة التاسع : منهم جلال الدولة أبو ظاهر بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه ، صاحب بغداد وغيرها من البلاد ، وكانت فيه محبة عظيمة للعماء والعباد ، يزورهم ويلتمس الدعاء منهم وقد نكب مرارا عديدة ثم ينتصر ، وكان ملكا ذكيا صيتا عفيفا ، توفى ليلة الجمعة الخامس من شعبان من سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ، وله من العمر إحدى وعشرون سنة ، وكانت ولايته بغداد وغيرها ست عشرة سنة ، فهذا هو التاسع منهم فكذلك مولانا السلطان الملك المؤيد تاسع الملوك الترك ، فنرجو
من الله أن يرزق من السعادات أكثر مما رزق جلال الدولة ، وألا يفارقه الجلال ، وينصره ذو الجلال - بحرمة محمد وأله وأما دولة السلاجقة .
فأول ملوكهم . طعرلبك ، واسمه محمد بن ميكائيل ابن سلجوق بن دقاق ، قال الخطيب : أول ملوك السلاجقة ببلاد العراق طغرلبك . وقال ابن خلكان : وكانت السلاجقة قبل استيلائهم على الممالك يسكنون فيما وراء النهر بموضع بينه وبين بخارى مسافة عشرين فرسخا، وهم أتراك ، وكانوا عددا يجل عن الحصر والإحضاء ، وكانوا لأيدخلون تحت طاعة سلطان ، فإذا قصده جمع لأطاقة لهم بهم دخلوا المفاوز ، وتحصنوا بالرمال ، فلا يصل إليهم أحد ، وكان السلطان محمود صاحب غزنة كل وقت يوقع بهم ، وكان مسك كبيرهم وحبسه عنده ، وآخر الأمر لما توفى السلطان محمود ضعف حال بمسكره ، وقويت شوكة السلاجقة ، فتفرقوا في البلاد وملكوها ، وكان طغرليك حليما كريما ،
محافظا على الصلوات الخمس بجماعة ، وكان يصوم الإثنين والخميس ، ويكثر الصدقات ويبني المساجد ، ويقول .
استحى من الله أن أبنى لى دارا ، ولا أبني بحذائها مسجدا ولما تمهدت له البلاد ، وملك العراق وبغداد سير إلى الإمام القائم ، وخطب ابنته ، فشق ذلك على القائم واستعفى منه ، وترددت الرسل بينهما ، وكان ذلك في سنة ثلات وخمسين وأربعمائة ، فلم يجد من ذلك بدا وزوجه بها ، وعقد العقد بظاهر مدينة تبريز. ثم لما دخل بغداد فى سنة خمس وخمسين سير وطلب الزفاف ، وحمل مائة ألف دينار برسم كلفة القماش والمهم ، ثم زفت إليه ليلة الإثنين خامس عشر صفر بدار المملكة ، وأجلست على سرير ملبس بالذهب ، ودخل السلطان إليها فقبل الأرض بين يديها ولم يكشف البرقع عن وجهها في ذلك الوقت حتى قدم لها تحفا لاتوصف ، ولم تقم بنت الخليفة صحبته إلا ستة أشهر حتى توقى طعرليك بالرى يوم الجمعة تامن رمضان سنة خمس وخمسين وأربعمائة ، وعمره سبعون سنة ، ونقل إلى مرو ودفن عند أخيه داود . وقال ابن كثير : طغرلبك هو السلطان الملك الكبير . ولما خلع عليه الخليفة ، خلع سبع خلع ، ولقب بملك المشرق والمغرب .
الثاني . جعرى بك داود ، توفى في سنة خمسين وأربعمائة ، وكان مقيما ببلخ بإزاء أولاد السلطان محمود بن سبكتكين الثالث : السلطان الملك العادل عضد الدولة أبو شجاع ألب أرسلان ، واسمه محمد بن جغرى بك داود بن ميكائيل ابن سلجوق بن دفاق صاحب المملكة المتسعة[و] كان ملكا عادلا ، يسير فى الناس سيرة حسنة ، كريما رحيما ، شفوقا على الرعية رقيقا على الفقراء ، بارا بأهله ، كثير الصدقات ، يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار ، ولا يعرف في زمانه جباية ولا مصادرة ، بل كان يقنع من الرعايا بالخراج فى قسطين رفقا بهم ، وكان شديد الجرص على حفظ مال الرعايا ، بلغه أن غلاما من غلمانه أخذ إزارا لبعض التجار فصلبه ، فارتعد به سائر المماليك خوفا من سطوته ، وقال ابن خلكان : قصد بلاد الشام ، فانتهى إلى مدينة حلب وصاحبها يومثذ محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الكلابى ، فخاصره مدة ، ثم نزل إليه محمود ليلا ومعه أمه فتلقاهما بالجميل ، وخلع عليهما وأعادهما إلى البلد ، ورحل عنهما . قال المأموني فى تاريخه : قيل إنه لم يعبر
الفرات في قديم الزمان ولا حديثه في الإسلام ملك تركى قبل ألبة أرسلان ، فإنه أول من غبره من ملوك الترك . ولما عاد عزم على قصد بلاد التزك ، وقد كمل عسكره مائتى ألف فارس أو يزيدون ، فمد على جيحون جسرا ، وأقام العسكر يعبر عليه شهرا ، ومد السماط فى يليدة يقال لها فربر وأحضروا إليه صاحب جضنها مقيدا [و]كان قدارتكب جريمة [و] يقال له يوسف الخوارزمى . فلما قرب منه أمر أن تضرب أربعة أوتاد لتشذ أطرافه الأربعة إليها ، ويعذبه ثم يقتله ، فقال له يوسف ، يامخنت مثلى يفعل به هذه الفعلة فغضب ألب أرشلان ، وأخذ قوسه ، وجعل فيه سهما ، وأمر بحله من قيده ، ورماه فأخطأه ، و كان لايخطى في زرمية ، وكان جالسا على سريره ، فنزل عنه مغضبا ، فعتر ووقع على وجهه ، فبادر يوسف المذكور وضربه بسكين كانت معه في خاصرته ، فوثب عليه فراش أرمنى فضربه بمرزبة في راسه فقتله ، وانتقل ألب أرسلان إلى جهة أخرى مجروحا ، ثم توفى يوم السبت عاشر ربيع الأول سنة خمس وستين وأربعمائة ، وكانت مدة مملكته تسع سنين وأشهرا ، ونقل إلى مرو ، ودفن عند قبر أبيه داود ، وعمه طغرليك . وهو الذى بنى
على الإمام أبى حنيفة قبة ومشهدا ، وبى ببغداد مدرسة أنفق عليها أموالا كثيرة الرابع : السلطان ملك شاه جلال الدولة ابن السلطان ألب أربيلان . كان ملكا عظيما امتدت مملكته من أقصى بلاد الترك إلى أقضى بلاد اليمن ، وراسله الملوك من سائر البلاد والأقطار ، حتى ملك الروم والخزر واللان ، وكانت دولته صارمة ، والطرقات في أيامه آمنة . ومع عظمته يقف للمراة والمسكين والضعيف ، وعمر العمارات الهائلة ، وبنى القناطر ، وأسقط المكوس والضرائب ، وحفر الأنهار الكبار الخراب ، وبني منارة القرون من صيوده بالكوفة ، ومثلها فيما وراء النهر ، وضبط ما ضاده بنفسه فى جنوده ، فكان نحوا من عشرة آلاف صيد ، فتصدق بعشرة آلاف دينار وقال : إلى خائف من الله أبى أكون أهرقت نفس حيوان لغير ماكلة . وقد كانت له أفعال حسنة ، وسيرة صالحة ، من ذلك أن فلاحا أنهى إليه أن غلمانا أخذوا له جمل بطيح هو رأس ماله ، فقال : اليوم أرد عليك جملك ، ثم قال لأصحابه : أريد أن تأتوفى اليوم ببطيخ ، ففتشوا فوجدوا في خيمة الحاجب بطيخا فحملوه إليه ، فاستدعى الحاجب ، فقال : من أين لك هذا فقال جاء به الغلمان ، قال .
أحضرهم ، فذهب قهربهم ، فأرسل إليه فأحضره فسلمه إلى الفلاح ، وقال خذ بيده فإنه مملوكى ومملوك أبى فإياك أن
تفارقه ، ورد حمل البطيخ، فخرج الفلاح بحمله ، وفى يده الحاجب ، فاستفك نفسه منه بثلاثمائة دينار . وأسقط مرة بعض المكوس ، فقال رجل من المستوفين . ياسلطان العالم إن هذا يعدل ستمائة ألف دينار وأكثر ، فقال : ويحك إن المال مال الله ، والعباد عبيده ، والبلاد بلاده وإنما يبقى هذا إلى ، ومن نازعى في هذا ضربت عنقه وكانت وفاته ليلة الجمعة النصف من شوال سنة خمسر وثمانين وأربعمائة عن سبع وثلاثين سنة وخمسة أشهر وكانت مدة مملكته من ذلك تسع عشرة سنة وأشهرا الخامس : بركياروق أبو المظفر بن السلطان ملك شاه ، وكان ملكا عالى الهمة ، مسعودا في حركاته ، وكان مع ذلك ملازما للشراب والإذمان عليه ، توفى سنة أربع وسبعين وأربعمائة ، وأقام في السلطنة اثنبى عشرة سنة وأشهرا .
السادس : تاج الدولة أبو سعيد تتش بن ألبى أرسلان ابن داود بن سلجوق بن دفاق ، صاحب البلاد الشرقية والحلبية ، وكان قد جرى بينه وبين ابن أخيه بركياروق مشاجرات أدت إلى المحاربة ، فتوجه إليه وتصاقا بالقرب من مدينة
الرى يوم الأحد سابع عشر صفر سنة تمان وثمانين ، فانكسر تتش ، وقتل فى المعركة ذلك النهار السابع . فخر الملك رضوان بن تتش صاحب حلب ، توفى فى سلخ جمادى الأولى سنة سبع وخمسمائة الثامن : دقاق شمس الملوك أبو نصر بن تتش تاج الدولة صاحب الشام ، توفى فى رمضان سنة سبع وتسعين وأربعمائة التاسع : السلطان ينجر بن ملك شاه ، سلطان خراسان وغزنة ، وما وراء النهر ، وخطب له بالعراقين ، وأذربيجان، وأران ، وأرمنية ، والشام ، والموصل ، وديار بكر وربيعة ، والحرمين ، ويلقب بالسلطان الأعظم معز الدين ، كان من أعظم الملوك همة وأكثرهم عطاء . وذكر عنه أنه اصطبح خمسة أيام متوالية ، ذهب في الجود بها كل مذهب ، فبلغ ما وهبه من العين سبعمائة ألف دينار ، غير ما أنعم به من الخيل والخلع والآثاث وغير ذلك واجتمع فىي خزائنه من المال ما لم يجتمع في خزائن أحد من
الملوك الأكاسرة . وقال له خازنه يوما ، حصل في خزانتك ألف توب ديباج أطلس ، وأحب أن تبصرها ، فسكت وظننت أنه رضى بذلك ، فأبرزت جميعها ، وقلت أما تنظر إلى مالك فتحمد الله تعالى على ما أعطاك؟ فحمد الله ثم قال ، يقبح لمثل أن يقال : مال إلى المال ، وأمر للأمراء أن يدخلو عليه فدخلوا ، ففرق عليهم تلك الثياب .
واجتمع عنده من الجوهر ألف وتلائون رطلا ، ولم يسمع عند أحد من الملوك بمثل هذا ولا بما يقاربه ، ولم يزل أمره في أزدياد وسعادة وافرة إلى أن ظهرت عليه الأغز فى ثمان وأربعين وخمسمائة ، فوقعت بينهم وقعة عظيمة ، ثم كسروه وفرقوا شمله ، وقتلوا منهم خلقا لأيحصون ، وأسروا السلطان سنجر ، وأقام فى أسرهم مقدار خمس سنين ، ثم أفلت من الأسر وعاد إلى خراسان . وتوفى يوم الإننين رابع عشر ربيع الأول من سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة بمرو ودفن فيها .
وانقطع بموته استبداد الملوك السلجوقية بحراسان على أكثر مملكة خوارزم شاه بن محمد بن أتوشتكين ، وقطعت الخطبة ببغداد للسلجوقية عند وصول خبر موته فى أيام المقتفي لأمر الله قال ابن الجوزى . وكانت البلاد آمنة فى زمانه ، فجلس
على سرير الملك إحدى وأربعين سنة ، وقبله فى النيابة عن أخيه نحوا من عشرين سنة ، ولم يكن أحد من الخلفاء والسلاطين أقام هذه المدة ، فإنها تناهز ستين سنة فكما أن السلطان سنجر هو التاسع من سلاطين بنى سلجوق ، والمسعود منهم بالمال الكثير ، والدولة الطويلة ، وكذلك مولانا السلطان المؤيد تاسع سلاطين الترك ، فنرجو من الله تعالى أن تكون أيامه طويلة محفوفة بالسعادات ، وبكثرة الخيرات . إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير .
وأما دولة الجنكزية فأول ملوكهم جنكزخان اللعين ، وكان ظهوره وعبوره نهر جيحون فى سنة ست عشرة وستمائة ، وهم طائفة كانوا يسكنون جبال طغاج من أرض الصين ، ولغتهم مخالفة للفة سائر التتر ، وهم من أشجعهم وأصبرهم على القتال ، وكان في أبتداء أمره خصيصا عند الملك أونك خان ، وكان إذ ذاك شابا حسنا ، وكان اسمه أولا تمرجى
ثم لما عظم سمى نفسه جنكزخان ، وقد كانت أمه تزعم أنها حملت به من شعاع الشمس . فلهدا لا يعرف له أب ، والظاهر أنه مجهول النسب، وكان سبب اتضاله بالملك أن أونك خان قد غضب بسبب وشى وشاة عنده ، فأخرجة من عنده ولم يقتله ، لأنه لم يجد له طريقا على قتله ، وكان الملك قد غضب على مملوكين من خواصه قهربا منه ، ولجأ إلى جنكزخان فأكرمها وأحسن إليهما ، فأخبراه من أن نية الملك أن يقتله ، فأخذ جنكزخان جذره ، وجمع خلقا كثيرا من طائفته ، ثم صار ناس يفرون من أونك خان ويذهبون إليه ، حتى اجتمع عنده جمع كثير ، فقويت شوكته ، وكثرت جنوده ، ثم حارب مع أونك خان ، فظفر به وقتله ، وغلب على مملكته ، وانضاف إليه عدده وعدده ، وعظم أمره ، وبعد صيته ، وخضعت له قبائل الترك ببلاد طمغاج كلها ، حتى صار يركب في تمانمائة ألف مقاتل ، وأكبر القبائل قبيلة التى هو من أصلهم يقال لها : قنات، ثم شرع يحارب مع السلطان علاء الدين خوارزم شاه ، صاحب بلاد خراسان
والعراق وأذربيجان ، فأخر الأمر كسره وغلبه ، واستحوذ على سائر بلاده ، وعظم أمره جدا . وقال الجوينى كان يصطاد من السنة ثلائة أشهر ، والباق للحرب والحكم ، وكان يضرب الخلقة يكون مابين طرفيها ثلائة أشهر ، ثم تتضايق فيجتمع فيها من أنواع الحيوانات شىء كثير لا يحد كثرة . وتوفى اللعين في سنة أربع وعشرين وستمائة ، ولما توفي جعلوه فى تابوت من حديد ، وربطوه بسلاسل وعلقوه بين جبلين هنالك . وخلف أولادا كثيرة . ولكن خمسة منهم عظماؤهم ، توشى ، وهرتوك ، وباطو ، وبركة ، وبركجان ، ملك كل منهم إقليما .
ولكن كان أكبر الكل دوشى خان ، وهو الثاني من الجنكزية الثالث : صرطق ، أقام فى المملكة سنة وشهورا ، ثم توفى في سنة اثنتين وخمسين وستمائة الرابع منهم . هلاون بن باطو بن جنكزخان ، فلما تولى بعد وفاة صردق ، عظم شأنه جدا ، وكثرت
جنوده ، واستولى على البلاد ، وأخذ بغداد وأخربها ، وقتل الخليفة المستعصم وأهل بيته فى سنة ست وخمسين وستمائة ثم توفى اللعين فى تاسع عشر ربيع الأول من سنة ثلات وستين وستمائة بالقرب من كورة مراغه ، وخلف خمسة عشر ولذا ذكرا وهم : جما غار وهو أكبرهم سنا ، وأباقا ، وهو أبغا ، ويضمت ، وتيشين ، وتكشى ، وتكدار ، وأجاى ، والاجو ، وسيوجى ، ويشودان ، ومنكتمر ، وقنغرطاى ، وطرغاى ، وطغاى ، وتمر واستولى موضعه أبغه بن هلاون ، وهو الخامس من الجنكزية ، واستقرت له البلاد التي كانت بيد والده حال وفاته ، وهى إقليم خراسان ، وكر يسيه نيسابور ، وإقليم عراق العجم ، وكرسيه أصبهان ، وإقليم عراق العرب ، وكرسيه بغداد ، وإقليم أذربيجان ، وكرسيه تبريز ، وإقليم خوزستان ، وكرسيه ششتر ، وإقليم فارس ، وكر سيه شيراز ، وإقليم ديار بكر ، وكرسيه الموصل ، وإقليم الروم ، وكر سيه قونية ، وكانت له شوكة عظيمة وعسكر عظيم ، وتوفى فى سنة إحدى وتمانين وستمائة مسموما ، وكانت مدة مملكة نحو سبع عشرة سنة وكسور
السادس منهم المشهور بالصيت ، منكيتمر صاحب بلاد دشت وصراى وهو منكتمر بن طعان بن باطو بن جنكزخان ، وهو أيضا توفى فى سنة إحدى وتمانين وستمائة السابع منهم : تدان منكو بن طعان بن باطو خان ين جنكزخان ، تولى مملكة الدشت بعد وفاة أخيه منكوتمر الثامن منهم من المشهورين : أزبك خان بن طغرلجا ابن منكوتمر ابن طغان بن باطو بن دوشى خان بن جنكزخان ، وتولى المملكة فى سنة ثلات عشرة وسبعمائة ، وتوفى فى سنة اثننين وأربعين وسبعمائة ، وكان ذا بأس وإقدام ، وديانة وعبادة يؤئر الفقراء ، ويحب العلماء ، ويسمع منهم ، ويرجع إليهم ويعطف عليهم ، ويتردد إلى المشايخ ويحسن إليهم التاسع منهم ، جانى بك خان بن أزبك خان المذكور ، كان ملكا عظيما ذا همة عالية ، وبأس شديد ، بلغت عدة عسكره إلى سبعمائة ألف فارس ، وكان أكثر معاشرته مع
العلماء والصالحين ، وكان يحسن إليهم غاية الإحسان ويتواضع إليهم غاية التواضع ، ويجلس معهم كأحاد الناس ، وكان إذا جاء إليه عالم أو صالح نهض إليه ونزل من تخته واستقبله استقبالا حسنا ، وعانقه وقبل يذه ، وأخذ بيده ومشى معه إلى أن أجلسه معه على تخته ، وليم يزل يحادثه ويلاطفه ، ويطلب منه الدعاء إلى أن يشيعه بأحسن حالة ، وذلك بعد إنعام جليل وعطايا وافرة ، ويأمر لاكابر جنده أن يمشوا في خذمته منزلة ، ثم لم يزل يواصله بالتحية والسلام والهدايا الغريبة ، والتحف السنية ، وربما ينزل عنده بعسكره العظيم بعد سيره من موكبه ولقد أخبرفى أحد مشايخى الشيخ الإمام العلامة نظام الدين الاسبيجابي قال ، كنت فى مدينة صراى فى سنة سبع وخمسين وسبعمائة ، وبلغ الملك المذكور قدوم الشيخ قطب الدين التحتانى ، فركب بنفسه لملاقاته وصحبته جميع عساكره ، واستقبله من مقدار بريد وأكثر . فلما قرب منه الشيخ ترجل الملك ، فلما رآه الشيخ وأراد أن ينزل أرسل إليه أميرا من الأمراء الكبار وأقسم عليه ألا ينزل ، فامتثل الشيخ كلامه ، ولكنه حصل له خجل وحياء عظيم ، ثم دنا منه الملك ومشى في خذمته وهو ماسك بلجام فرس
الشيخ ، وجميع العسكر مشاة بين يديه ، ويقول ، الحمد لله الذى بعث إلى إقليمى عالما مثلك وأنا أفتخر بما أنا فيه من خذمتك ، ولم يزل يحلف على الملك حتى ركب ، ولم يزل سائرا معه إلى أن بلغ المدينة ، ثم أنزله فى مكان يليق به . ثم لم تزل الضيافات والهدايا والتحف متتابعة إليه من الملك والأمراء وأكابر المدينة وأعيانها ، حتى خواتين الملك والأمراء ، حتى [صار] الشيخ ومن معه فى نعمة عظيمة ، ثم لم يزل الملك كل حين يعمل وقتا عظيما ، يجمع فيه علماء المدينة وصلحاءها ، وطلبة العلم منهم ، فيقع بينهم مباحثات عظيمة ، يسمع الملك ويفرح بهم . ثم يأمر بالإنعام عليهم كل واحد بحسب حاله قال الشيخ رحمه الله : ولقد حضرت يوما فى مجلسهم ، وكان غاصا بالعلماء - فسالوا الشيخ فى ذلك اليوم عن المواضع المشكلة فى الكشاف والمفتاح ونحوهما -
فأجاب عن الكل بأحسن الجواب ، فتعجب الحاضرون من ذلك ، حتى أن الملك لما رآى ذلك أزدادت محبته ، وقوى إعظامه . فهذا هو الملك السعيد ، فكما أنه هو الملك التاسع من ملوك ذرية جنكزخان ، فكذلك مولانا السلطان المؤيد تاسع ملوك الترك ، فإن شاء الله تعالى يعطى له ما أعطى هذا الملك من الخير الكثير والعسكر العظيم والسعادة الوافرة وأما دولة الأغالبة بإفريقية وما والاها .
فأول ملوكهم : إبراهيم بن الأغلب الثاني . ولده أبو العباس عبد الله بن إبراهيم الثالث : أخوه زيادة الله بن إبراهيم ، توفى فى سنة ثلاث وعشرين وماتتين ، وكان يقول : ما أبالى - إن شاء الله - بأهوال يوم القيامة ، فقد قذمت أربعة أشياء .، بنابى الجامع بالفيروان ، وقد أنفقت عليه ستة وثمانين ألف دينار . وبنائى القنطرة بباب الربيع . وبناتيى حصن الرباط بسوسه. وتوليتى أحمد ابن أبى محرز القضاء
الرابع : أخوه أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب ، توفى سنة ست وعشرين ومائتين الخامس : أخوه أبوالعباس محمد بن إبراهيم بن الأغلب .
السادس : أخوه أحمد السابع : أخوه عبد الله أبو إبراهيم الثامن : أبو عبد الله محمد بن أحمد التاسع : زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد ابن محمد بن الأغلب أبو مضر، وكان ملكا عظيما ، وكان له مماليك كثيرة ، حتى كان له ألف مملوك من الصياقلة، في أوساطهم مناطق الذهب . وكان قد بعث مرة إلى الخليفة المقتفى بيدايا عظيمة : من خدم وخيل وثياب
ودنانير ودراهم ، في كل دينار عشرة دنانير ، وفي كل درهم عشرة دراهم ، وكتب على الدينار والدرهم من الجانب الواحد يا سائرا نحو الخليفة قل له أن قد كفاك الله أمرك كله بزيادة الله بن عبد الله سيف الله ومن دون الخليفق سله وعلى الجانب الأخر .
لا ينبرى لك بالشقاق منافق إلا أباح حريمه وأدله من لا يرى لك طاعة فالله قد أغماة عن شبل الهدى وأضله وذكر فى كنز الدرر : أن ملكهم كان مائة سنة واثنتى عشرة سنة وخمسة أشهر وأربعة عشر يوما ، وكانوا إثنى عشر ملكا والتاسع منهم هو زيادة الله ، وكان ملكا عظيما كما قد ذكرناه . فكذلك مولانا السلطان المؤيد تاسع ملوك الترك ، فإن شاء الله تعالى ، يعطى ما أعطى زيادة الله من زيادة هم الإنعام والقوة والخير
أما دولة بنى أيوب .
فاولهم . هو أصلهم وكبيرهم الملك نجم الدين أبو الشكر أيوب بن شادى بن مروان بن يعقوب ، وكان من أكابر الملوك عند السلطان الملك العادل نور الدين الشهيد محمود [ ابن زنكى ] وكان رجلا مباركا كثير الضلاح ، مائلا إلى الخير ، حسن النية ، جميل الطوية ، وكان مولده ببلدة سجستان، وتوفى فى القاهرة أيام ولده السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف . يوم الابيين تامن عشر ذى الحجة من سنة تمان وستين وخمسمائة ، ونقل إلى المدينة النبوية ودفن هناك الثاني : السلطان الأكبر الملك المعظم توزان شاه بن أيوب ، الذى افتتح بلاد اليمن عن أمر أخيه السلطان الناصر صلاح الدين يوسف ، وكان صاحب البلاد اليمنية ، وجمع فيها أموالا عظيمة ، وقدم إلى أخيه صلاح الدين ، وحضر معه غزوات كثيرة ومواقف حسنة ، ثم أرسله أخوه إلى الإسكندرية ، وتوفى ما سنة ست وسبعين وخمسمائة ، ثم نقلته أخته ست الشام بنت أيوب إلى دمشق فدفنته بتربتها التى بالشامية البرانية
الثالث : السلطان الأعظم أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن نجم الذين أيوب ، صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية والفرائية ، وكان مثل أبيه من الأمراء الكبار عند السلطان نور الدين الشهيد ، ثم ملكة الله تعالى الديار المصرية وغيرها ، وذلك أن الفرنج لما أقبلت فى جحافل كثيرة إلى الديار المصرية ليأخذوها مع مساعدة المصريين على ذلك - وذلك في سنة اثنتين وستين وخمسمائة - بلغ ذلك أسد الدين شيركوه عم السلطان صاحب البلاد الجمصية ، فاستأذن السلطان العادل ، نور الدين أن يذهب إلى مصر ليستقذ المسلمين من الكفرة المتمردين ، وكان كثير الحنق على الوزير شاور وزير مصر لما كان يبلغه من مساعدته الفرنج - لعنهم الله -- فأذن له فسار إليها في ربيع الأخر من السنة المذكورة ، ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بعسكر عدهم ألفا فارس ، وقد وقع فى النفوس أن صلاح الدين سيملك الديار المصرية ، وفي ذلك يقول الشاعر حسان ، رب كما ملكتها يوسف الصديق من أولاد يعقوب فملكها في عصرئا يوسف الصادة من أولاد أيوب فلما بلغ الوزير شاور قدوم أسد الدين بمن معه من الجيش بعث إلى الفرنج فجاءوا من كل فج عميق . وبلغ أسد الدين ذلك ، واستشار من معه من الأمراء ، فكلهم أشار عليه بارجوع إلى الملك نور الدين لكثرة الفرنج ، إلا أميرا واحدا يقال له
شرف الدين برعش ، فإنه قال : من خاف الأسر والقتل فليقعد في بيته عند زوجته ، ومن أكل أموال المسلمين فلا يسلم بلادهم إلى العدو ، وقال مثل ذلك صلاح الدين يوسف ، فعند ذلك تأكد عزمهم ، فساروا فوصلوا إلى الديار المصرية ، واستولوا على الجيزة ، واستغلها أسد الدين شيركوه واستغل بلادها ، ثم توجه إلى الصعيد ، وسار شاور مع الفرنج فى طلبهم ، والتقوا على بلد يقال له أبوان فانزم الفرنج والمصريون ، وقتل منهم خلق كثير لا يعلمهم إلا الله عز وجل ، واستولى شيركوه على تلك البلاد ، ثم سار إلى الإسكندرية ، وملكها وجبى أموالها ، واستناب عليها ابن أخيه صلاح الدين يوسف ، وعاد إلى الصعيد فملكه ، وجمع منه أموالا جزيلة جدا ، ثم اجتمع عشكر مصر والفرنج ، وحاصروا صلاح الدين بالإسكندرية ثلاثة أشهر ، وذلك فى غيبة عمه بالصعيد ، وامتنع بها صلاح الدين ومن معة أشد الامتناع ، وضاقت عليهم الأقوات فسار إليهم شيركوه فصالحه الوزير شاور على الإسكندرية بخمسين ألف دينار ، يدفعها لشيركوه ، فأجابه إلى
ذلك ، وخرج صلاح الدين منها ، وسلمها إلى المصريين في منتصف شوال من هذه السنة ، وسار شيركوه بمن معه إلى الشام .
واستقر الصلح بين الإفرنج والمصريين على أن يكون للفرنج بالقاهرة شحنة ، وتكون أبوابها بيد فرسانهم ، ويكون لهم من دخل مصر فى كل سنة مائة ألف دينار ولما كان كذلك طغت الفرنج بالديار المصرية . وسار إليها إمداد الفرنج ، وسار أيضا مرى ملك عسقلان فى جحافل كثيرة ، فأول ما أخذوا مدينة بلبيس ، فقتلوا منها خلقا وأسروا أخرين ، ونزلوا مها وتركوا فيها أتقالهم ، وساروا منها ونزلوا على القاهرة من ناحية باب البرقية عاشر صفر من سنة أربع وستين وخمسمائة ، فأمر الوزيز شاور للناس أن يحرقوا مصر ، وأن ينتقل الناس إلى القاهرة ، فنهب البلد ، وبقيت النار تعمل في مصر أربعة وخمسين يوما ، فأرسل العاضد الخليفة الفاطمى إلى الملك العادل نور الدين يستغيث به ،
أرسل في الكتب شعور نسائه [ و] يقول أدركنى استنقذ نسائى من أيدى الفرنج ، والتزم له بثلت خراج مصر ، على أن يكون أسد الدين مقيما عنده . فشرع نور الدين في تجهيز الجيوش إلى الذيار المصرية ، فعين أسذ الدين و طلبه من حمص إلى حلب ، فسار إليه من حمض إلى حلب فى يوم واحد فرحب به ، وأنعم عليه بمائتى ألف دينار ، وأضاف إليه من الأمراء جماعة ، كل منهم يبتغى رضاء الرحمن . وكان فيهم أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وأضاف إليه ستة آلاف من التركمان ، فساروا ، ولما وصلوا إلى الذيار المصرية وجدوا الفرنج قد انشمروا عنها خائفين . وكأن هذا الفتح فتح جديد بمصر ، فدخل شيركوه على العاضد فى ذلك اليوم ، وخلع عليه خلعة سنية ، وحملت إليه التحف والكرامات ، وخرج إليه وجوه الناس ، وكان فيمن خرج الخليفة العاضد متنكرا فأسر إليه أمورا مهمة ، منها : قتل الوزير شاور ثم إن شاور عزم على أن يعمل وليمة لشيركوه أمرائه ويقبض عليهم ، وكان من عادة شيركوه أن يصلى الصبح عند الإمام الشافعى رضى الله عنه ، فاتفق أن شاور أنى إلى مخيم شيركوه يطلبه للدعوة فلم يجده ، فقال له صلاح الدين ، هو ذهب إلى الشافعى ، فراح إليه ، فعندما راح أبى لصلاح الدين
رجل من الناصحين فأخبره بما اتفق عليه شاور من الغدر بشيركوه ، فعند ذلك نض صلاح الدين وركب مسرعا ومعه عز الدين جرديك فاحقا شاور والقوه عن فرسه ومسكوه ، قهرب أصحابه عنه ، وبلغ الخبر العاضد ، فأرسل إلى شيركوه يطلب منه إنفاذ أس شاور ، فقتله وأرسل إليه رأسه ، ثم دخل عليه في القصر فخلع العاضد عليه خلعة سنية ، وولاه الوزارة ، ولقبه بالملك المنصور أمير الجيوش ، وسار بالخلعة إلى دار الوزارة - وهى دار شاور - وبهب ما فيها . تمشرع في بعث العمال إلى الأعمال ، وأقطع الإقطاعات ، وولى الويلات ، وفرح بنفسه أياما معدودات حتى أدركه الممات . وكازت ولايته شهرين وخمسة أيام ، ثم ولى صلاح الدين الوزارة بعد عمه ، فخلع عليه العاضد ، ولقبه الملك الناصر ، وذكر أبو شامة صفة الخلعة التى لبسها وهى .: عمامة بيضاء تنثنى بطرف ذهب ، وثوب دبيقى بطراز ذهب ، وجبة بطراز ذهب ، وطيلسان
مطرز بذهب ، وعقد جوهر بعشرة ألاف دينار ، وسيف محلى بخمسة آلاف دينار ، وحجرة 1 بثمانية ألاف دينار ، عليها سرج ذهب ، وسرفسار ذهب مجوهر ، وففي رأسها مائتا حبة جوهر ، وفى قوائمها أربعة عقود جوهر ، وفي رأسها قصبة بذهب ، ومع الخلعة عدة بقج ، وخيل وأشياء أخر . ومنشور الوزارة مكتوب في توب أطلس أبيض ، وكان ذلك يوم الإثنين الخامس والعشرين من جمادى الأخرة من سنة أربع وستين وخمسمائة ، وسار الجيش بكماله في خذمته ، وأقام صفة نائب للملك نور الدين الشهيد ، يخطب له على المنابر بالديار المصرية ، ويكاتبه نور الدين بالأمير اشفهسلار ، و كتب إليه ] نور الدين يعنفه على قبول الوزارة بدون مرسومه ، وأمره أن يقيم حساب الديار المصرية ، فلم يلتفت صلاح الدين إلى ذلك ، وجعل نور الدين يقول : ملك ابن أيوب :. ثم أرسل صلاح الدين إلى نور الدين يطلب أباه أيوب وإخوته وأقاربه ، فأرسلهم إليه مكرمين . ولما وصلوا إلى الديار المصرية
خرج العاضد لملاقاتهم بنفسه ، وصحبته صلاح الدين ، وقال أدخلوا مصر إن شاء الله أمنين . ولما اجتمعا قرا بعض الفرأان من قوله [ تعالى ] ورفع ابويه] إلى قوله [ تعالى ] توفنى مسلما والحقنى بالصالجين ثم بعد ذلك أخذت دولة اليصريين في الضعف والدولة الأيوبية فى القوة ، وكان في قصر العاضد خصى يسمى مؤتمن الخلافة ، وكان حاكما على القصر ، فلما تمكن صلاح الدين ثقلت عليه وظيفته ، وكاتب الفرنج ، فعلم به صلاح الدين ودس عليه من قتله ، فلما علم به السودان عبيد القصر تاوار- وكانوا يزيدون على خمسين ألفا - فنهض إليهم صلاح الدين ، فقامت الحرب بينهم يومين ، وصار السودان كلما التجئوا إلى مخلة أحرقها صلاح الدين عليهم ، وكانت لهم مخلة عظيمة على باب رويلة تعرف بامنصورة ، فأرسل صلاح الدين إليه من أطلق الحريق فيها على أموالهم وأولادهم فاحترقوا جميعا ، فلما أتاهم الخبر بذلك أنزموا ، وركبتهم السيوف وأبادهم الجميع : ثم ولى صلاح الدين على القصر ماء الدين قراقوش
الأسدى وكان خصيا أبيض ، ثم عزل صلاح الدين قضاة مصر لأنهم كانوا شيعة ، وقطع الأذان بحى على خير العمل ، ثم شرع في تمهيد الخطبة لبنى العباس ، وكانت انقطعت منذ مائتى سنة وثمانى سنين وانقطعت دولة الفاطميين بموت أخرهم فى سنة سبع وستين وخمسمائة ، ثم استحود صلاح الدين على القصر بما فيه ، واستعرض خواصل القصرين ، قوجد فيهما أشياء لا توصف ، فمنها :، سبعمائة يتيمة من الجوهر ، وقضيب زمرد طولة أكثر من شبر ، وسمكة نحو الإمام ، وحبل من الياقوت ، وإبريق عظيم من الحجر المانع ، وطبل للقولنج إذا ضرب عليه أحد خرج من ذبره ريح وزال ما به من القولنج ، فاتفق أن بعض أمراء الأكراد أخذه فى يده ولم يدر ما شانه ، فلما ضرب عليه خبق فألقاه من يده فانكشر ، فيطل عمله ومن جملة ما وجد فيهما خزانة كتب تشتمل على ألفى ألف مجلد ، ومن عجائب ذلك أنه كان ببا ألف وماثتان وعشرون من تاريخ الطبرى . قال ابن الأثير : كان فيها من الكتب بالخطوط المنسوبة ماثة ألف مجلد ، ووجد أيضا فيها ذهبا كثيرا ، وأرسل من ذلك تحفا كثيرة إلى الملك نور الدين الشهيد
ثم قوى أمره جدا لا سيما بموت العادل نور الدين الشهيد في سنة تسيع وستين وخمسمائنة قال النويرى : وفى سنة اتثنتين وسبعين وخمسمائة أمرالسلطان صلاح الدين ببناء السور الدائر على مضر والقاهرة والقلعة على جبل المقطم ، ودوره تسعة وعشرون ألف ذراع بالهاشمى وتولى بناء السور الأمير باء الدين فراقوش الأسدى ، ولم يزل العمل فى السور إلى أن مات السلطان صلاح الدين يوسف فى سنة تسع وتمانين وخمسمائة ، وكان سلطانا عظيما خيرا دينا صالحا ، صاحب فتوحات وغزوات ، وجميع ما فتحه من القلاع والحصون سبعة وستون . منها عكة وطبرية ونابلس وبيت المقدس والداروم وغزة وعسقلان والرملة وصفدوكرك وشوبك وينرمين وجبلة واللادقية وصهيون ودربساك ويغعراس وشغر وبكاس وغير ذلك وخلف من الأولاد سبعة عشر ولذا ذكرا وبنتا واحدة تسمى مؤنسة خاتون ، تسلطن من أولاده ثلاثة الملك العزيز عماد الدين عنمان فى الديار المصرية والملك الأفضل نور الدين على فى البلاد الشامية والملك الظاهر غيات الذين غازى فى المملكة الحلبية ، وهو سادس بنى أيوب
وأما السابع ،فهو الملك العادل أبو بكر بن أيوب ، ملك مصر تسع عشرة سنة ، كان حازما متيقظا ، غزيز العقل ، سديد الأراء ، ذا مكر وخديعة ، صبورا حليما ، دينا عاقلا وقورا ، أبطل المحرمات والخمور والمعازف من ممالكه كلها ، وقد كانت ممالكه ممهدة من أقضى بلاد مصر واليمن والشام والجزيزة وإلى همذان ، أخذها كلها بعد أخيه السلطان صلاح الدين سوى حلب ، فإنه أقرها بيد ابن أخيه الظاهر غازى بن صلاح الدين لأنه كان زوج ابنته الست صفية خاتون ، وكان ماسك اليد ، لكنه أنفق في أيام الغلاء بمصر أموالا عظيمة جدا ، وتصدق على أهل الحاجة بشىء كثير ، ثم فى العام [ الذى ] بعده في الفناء كفن ثلاثمائة ألف إنسان من الغرباء ، وكان كثير الصدقة في أيام مرضه ، يخلع جميع ما عليه ويتصدق به وبمركوبه ، وما يحبه من أمواله ، وكان كثير الأكل مع كثرة صيامه ، وكان يأكل في اليوم الواحد أكلات جيدة ، ثم بعد كل حال يأكل وقت النوم من الحلوى السكرية اليابسة رطلا بالدمشقى ، توفى فى جمادى الأخرة من سنة خمس عشرة وستمائة الثامن : الملك الكامل أبو المعالي ناصر الدين محمد بن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب ، كان ملكا ذكيا مهيبا
ذا بأس شديد ، عادلا منصفا . قال ابن خلكان : كان سلطانا عظيم القدر ، جميل الذكر ، محب العلماء والفقراء ، متمسكا بالسنة النبوية ، معاشرا لأرباب الفضائل ، يبيت عنده كل ليلة جمعة جماعة من العلماء ، ويشاركهم فى مباحتهم، ويسالهم عن الماضع المشكلة من كل فن ، وقد بنى [ قبة ] على ضريح الإمام الشافعي رضى الله عنه ، ودفن أمه عنده ، وأجرى إليها ماء من النيل ، وغرم على ذلك جملة عظيمة . قال ابن واصل : كان الملك الكامل كثير الحلم والإغضاء حتى إن بعض الشعراء هجاة مرارا كثيرة فلم يلتفت إليه حتى تجرا ذلك الشاعر وقال : وما تركهم للقتل جلما وإنما يرون بقاء المره في عصرهم أشقى وبلغ ذلك الملك الكامل فلم يعاقبه وعفا عنه ، وكان من عدله ألا يتجاسر أحد أن يظلم أحدا . شنق جماعة من الأجناد أخذوا شعيرا لبعض الفلاحين بأرض أمد ، واشتكى إليه بعض الركبدارية أن أستاده استعمله ستة أشهر بلا أجرة ،
فأحضر الجندى وألبسه ثياب الركبدار ، وألبس الركبدار ثياب الجندى ، وأمر الجندى أن يخدم الركبدار ستة أشهر على هذه الهيئة ، ويحضر الركبدار الموكب والخدمة حتى ينقضي الأجل ، فتأدب الناس بذلك غاية الأدب . وكانت له اليد البيضاء فىي رد ثغر دمياط إلى المسلمين بعد أن استحوذ عليه الفرنج ، وبني مدينة عند مفترق البحرين وسماها المنصورة ، ونزل ما بعساكره ، ورابط الفرنج أربع سنين حتى استنقذ دمياط منهم ومن شعره يستحت أخاه الأشرف من بلاد الجزيرة .
يا مسعفى إن كنت حقا مسعفى فارحل بغير تقند وتوقف واطو المنازل والديار ولا تنخ إلا على باب المليك الأشرف قبل يديه لا عدمت وقل له عنى بحسن تعطف وتلطف إن مات صنوك عن قريب تلقه ما بين حد مهند ومثقف أو تبط عن إنجاده فلقاؤه يوم القيامة في عراض الموقف
وهو الذى بنيي بالقاهرة دار الحديث بين القصرين يقال لها الكاملية ، [ و ] كانت مدة ملكه لمصر - نائبا عن أبيه ومستقلا بعده - نحوا من أربعين سنة ، وعمره حين توفى نحو ستين سنة ، وكانت وفاته بدمشق فى شهر رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة التاسع : السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الكامل محمد بن السلطان الملك العادل أبى بكر ابن أيوب بن مر وان، ، كان ملكا مهابا ، عالى الهمة ، عفيفا طاهر اللسان والديل ، شديد الوقار ، كثير الصمت ، جمع من المماليك الترك مالم يجمع غيره من أهل بيته ، [و] كان أكثر أمراء العسكر مماليكه ، وتسلطن من مماليكه جماعة منهم الملك المعز أيبك التركماني ، والسلطان الملك المظفر قطز والسلطان الملك الظاهر بيبرس ، والسلطان الملك المنصور قلاون ورتب جماعة من المماليك خول ذهليزه وسماهم البحرية ، وكان لا يجسر أحد أن يخاطبه إلاجوابا ، ولا يتكلم أحد بحضرته
ابتداء ، وكانت القصص توضع بين يديه مع الخدام . فيكتب عليها بيده وتخرج للموقعين ، وكان لا يستقل أحد من أهل دولته بأمر من الأمور إلا بعد مشاوربه بالقصص ، وكان غاويا بالعمارة ، وبني الصالحية وهى بليدة بالسانح وبني له با قصورا للتصيد ، وبني قصرا عظيما بين مصر والقاهرة وسماه بالكبش ، وبني المدرسة الصالحيه بين القصرين ، ورتب فيها المذاهب الأربعة ، والأن فيها القضاة زالأربعة من أربعة مذاهب ، وبنى بحذاثما التربة له ، وكانت أم الملك الصالح جارية سوداء تسمى ورد المنى ، غشيها السلطان الملك الكامل فحملت بالملك الصالح ، وكانت مملكته للديار المصرية تسع سنين وتمانية أشهر وعشرين يوما ، توفى على المنصورة في منتصف شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة ، وكان مرابطا با لأجل الفرنج
فكما أن السلطان الملك الصالح تاسع السلاطين من بنى أيوب فكذلك مولأنا السلطان الملك المؤيد تاسع سلاطين الترك فنرجو من الله تعالى أن تكون أيامه سعيدة كما كازت أيام السلطان الملك الصالح ، ويعطى من الخيرات وبسط الملك ما أعطى ذاك ، إنه على ما يشاء قدير ، وبالإجابة جدير
الباب السادس في استحقاقه السلطنة وهو يشتمل على عشرة فصول
الفصل الأول في استحقاقه من حيث السن وإنما قلنا : إن مولانا الساطان الملك المؤيد استحق السلطنة من حيث السن لأنه لما تولاها كان عمره أربعا وأربعين سنة بالتقريب ، وسن الأربعين ، دو سن كمال العقل ووفور الرأى ، ووقت الإنابة ، والرجوع إلى الله تعالى ، والإقبال إلى الخيرات ، والتوجه إلى الله تعالى . ولهذا كان يوحى إلى أكثر الأنبياء على رأس الأربعين : وقال ابن إسحاق ، نزل القرآن على نبينا عليه السلام وله من العمر أربعون سنة . وحكى ابن جرير الطبرى .
عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رضى الله عنهم ، أنه كان عمره إذ ذاك ثلائا وأربعين سنة ، وعن عامر الشعى. أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة ، فقرن بنبوته إسرافيل عليه السلام ثلات سنين ، فكان يعلمه الكلمة والثنتين ولم ينزل الفرأن . فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه السلام ، فنزل الفرأن على لسانه عشرين سنة ، عشزا بمكة ، وعشرا بالمدينة ، فمات وهو ابن ثلاث وستين سنة - رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ومن الدليل على ما ذكرنا ما نص الله تعالى [ عليه ] كتابه العزيز بقوله حتى إذا بلغ أشده وبلغ اربعين سنة واختلف العلماء في الأشذ ، فقال الشعبى ، وزيد ابن أسلم .
إذا كتبت عليه السيئات وله الحسنات . وقال ابن إسحاق ، ثمانية عشر عاما ، وقيل ، عشرون عاما . وقال ابن عباس وقتاده .
ثلاثة وثلاثون عاما . وقال هلال بن يسار وغيره :، أربعون عاما : قال ابن عطية : من قال بالأربعين قال في الأية : إنه
أكد وفسر الأشد بقوله وبلغ أربعين سنة ، وإنما ذكر الله أربعين لأنه حذ الإنسان في فلاجه ونجاجه . وفي الحديث إن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على أربعين ولم يتب فيقول ، بأى وجه لا تفلح : وفيما دون الأربعين أيام الشباب ، والميل إلى ملاذ الدنيا وشهوانها ، ومن يكون بذه المثابة يكون في عقله قصور ، ويكون أكثر رأيه على سج الفساد ، ولا سيما إذا تولى أمرا من أمور المسلمين ، ألاترى أن جماعة من أولاد السلاطين تولوا السلطنة وحصلت منهم مفاسد كثيرة منهم ، ابن الملك المعز أيبك التركماني أول مملوك ولوه السلطنة بعد أن قتلت شجر الدر أباه الملك المعز المذكور قال بيبرس فى تاريخه ، ولوه السلطنة وعمره حول عشرين سنة ، ولقبوه بالملك المنصور نور الدين على فى ربيع الأول من سنة خمس وخمسين وستمائة ، وجعلوا سيف الدين قطز مدبر المملكة ، لدينه وشهامته ، ولصغر السلطان وميله إلى اللعب .
ولما تحرك هلاون في سنة سبع وخمسين وستمائة ، وقصد أرض الشام بعد تخريبه بغداد ، وقتله الخليفة المستعصم وألفى ألف نفس من أهل بغداد ، عقد سيف الدين قطز المجلس . وقال: لابد من سلطان قاهر يقاتل التتر ، وهدا صبى صغير لا يعرف تدبير المملكة - وكان كذلك فإنه كان يركب الحمير الفره
ويلعب بالحمام مع الخدام ، فعند ذلك اتفقوا وولوا قطر سلطانا ، ولقبوه بالملك المظفر ومنهم ابن الملك الظاهر بيبرس ناصر الدين محمد بركه خان ، تولى السلطنة وله تسع عشرة سنة ، وكانت توليته سنة وفاة أبيه الملك الظاهر سنة ست وسبعين وستمائة ، ولما تولى غلبت عليه الخاصكية، فجعل يلعب معهم فى الميدان لعب أول هوا فربما جاءت النوبة عليه ، فأنكرت الأمراء عليه وأنفوا أن يكون ملكهم يلعب مع الغلمان ، فراسلوه ليرجع عن ذلك فلم يقبل ، فخلعوه في سنة تمان وسبعين وستمائة . ثم ولوا بدر الدين سلامش أخاه ، ولقبوه الملك العادل ، وله من العمر سبع سنين ، ثم بعد مائة يوم عزلوه لعدم فائدة بقاء الصبى الصغير ، لانتشار السمعة في البلاد ، وامتهان الحرمة في أنفس الحواضر والبواد ، واتفقوا على تولية سيف الدين قلاون الألفى ، وسموه الملك المنصور ، وذلك لدينه وشهامته وشجاعته وجلالة قدره فى العسكر ، .
ومنهم الملك الناصر [محمد] بن قلاون ، تولى السلطنة وعمره ثمانى سنين ، وذلك في سنة ثلاث وتسعين وستمائة ،
ولصغره جرت عليه أمور عظيمة ، وهى أنه خلع ثلات مرات ، الأولى فى سنة أربع وتسعين وستمائة ، وكانت مدة سلطنته سنة واحدة . وتولى زين الدين كتبغا ، وتلقب بالملك العادل ، وأقام سنتين ثم خلع ، وتولى حسام الدين لاجين ، وتلقب بالملك المنصور ، وأقام سنتين ثم قتل ، وعادت السلطنة إلى الملك الناصر [محمد بن قلاون ] فى سنة تمان وتسعين ، واستمر سلطانا إلى أن سافر إلى الكرك في سنة تمان وسبعمائة ، وخلع نفسه من السلطنة ، والسبب في ذلك أنه طلب يوما خروفا رميسا فمنع منه ، وقيل له حتى يجىء كاتب بيبرس، وكان الناصر محجورا عليه من جهة بيبرس وسلار ، فلذلك غضب وخلع نفسه ، وتولى السلطنة ركن الدين بيبرس الجاشنكير فى سنة ثمان وسبعمائة ، وأقام في السلطنة أحد عشر شهرا ثم قتل ، ثم عادت السلطنة إلى الملك الناصر [محمدين قلاون ] بعد أن خرج من الكرك إلى دمشق ، ومن ذمشق إلى الديار المصرية ، واستمر سلطانا إلى أن مات فى سنة إحدي وأربعين وسبعمائة ، والذي اتفق له لم يتفق لغيره ، أبطل مكوسا كثيرة ومظالكبيرة ، وحج ثلاث مرات ، وزار القدس الشريف ، وأجرى إليه الماء ، وبني الجوامع والمساجد والمدارس والخوانق ، وجدد قلعة جعبر وأخذ ملطية ، وفتحت
في أيامه دانده وإياس وطرشوس ، وعدة من القلاع الشامية ، وباشر السلطنة أكثر من ثلات وأربعين سنة ، وتوفى وعمره تمان وخمسون سنة ، وخلف جملة أولاد ، تولى المملكة منهم تمانية وهم : أبو بكر ، وكجك ، وأحمد ، وشعبان ، وإسماعيل ، وحاجى ، وحسن ، وصالح أما أبو بكر فإنه تولى بعد أبيه وعمره عشرون سنة ولقبوه بالملك المنصور ، ثم خلعوه وجهزوه إلى الصعيد ، وكان إخر العهد به . وكانت مدة ولايته شهرين ، وكان السبب في ذلك أن الأمير قوصون جمع الأمراء وقال لهم : هذا السلطان يريد أن يقتلكم ولا يحلى أحدا منكم ، ومع هذا هو يفسق ، وينزل كل ليلة في نصف الليل على الحمار القاره هو وجماعة من خواصه إلى بيت ولى الدولة ، ويجتمعون على المغاني والمنكر ، ويتفقون هناك على من يمسكونه ، فعند ذلك اتفقوا
وخلعوه . وولوا كجك ولقبوه الملك الأشرف ، وعمره يومئذ عشر سنين . ثم قالت الأمراء : السلطان صغير لأيفهم الخطاب ، ولا يعطى الجواب ، واختاروا أن يكون قوصون نائبا عنه عوضا عن طقزتمر ، فاستمر نائبا ، ولكن سيف الخلاف مشهور ، وأرباب الدولة ما بين محزون ومسرور ، وفيه قال الشاعر ، سلطاننا اليم طفل والاكابر فى خلف وبينهما الشيطان قد نزغا فكيف يطمع من مسته مظلمة أن يبلغ السؤل والسلطان ما بلغا تم خلعوه وولوا عوضه أحمد بن الملك الناصر محمد ، ولقبوه الملك الناصر أيضا ، ثم خلعوه ، وكانت مدة ولايته ثلاثة أشهر وأربعة وعشرين يوما .
ثم ولوا أخاه عماد الدين إسماعيل ، ولقبوه الملك الصالح ، ولما تولى أرسل من يقتل أخاه الناصر أحمد ، وكان في مدينة كرك ، وأنى برأسه إلى القاهرة . ثم توفى الملك الصالح في ربيع الأخر من سنة ست وأربعين وسبعمائة ، وكان له من العمر تسع عشرة سنة ، وأقام فى الملك ئلاتسنين وشهرين واثنى عشر يوما
ثم ولوا أخاه شهاب الدين شعبان ولقبوه الملك الكامل ، ثم إنه أساء السيرة ، وتعاطى الخمر ، وعزم على مسك الأمراء الكبار ، فعند ذلك اتفقوا على قتله ، فخنقوه ودفنوه بالقرافة ، وكانت مدة سلطنته سنة وشهرا وسبعة وعشرين يوما ثم ولوا أخاه حاجى ولقبوه الملك المظفر ، ثم تارت فتنة بينه وبين الأمراء بسبب لعبه الحمام إلى أن أدت إلى ركوبهم وخروجهم إلى قبة النصر، فلما تلاقوا طعن أحد مماليك بيبغاروس فرس السلطان فوقع على ركبنيه ، ووقع السلطان ، فمسكوه وخنقوه وعمره عشرون سنة ، وكان ذلك ثانى عشر رمضان من سنة تمان وأربعين وسبعمائة ثم ولوا أخاه حسن ابن الناصر محمد ، ولقبوه الملك الناصر مثل لقب والده ، وعمره حينئذ أربع عشرة ، واستقر بيبغاروس نائبا عنه ، وشيخون لالاه ، ومنشك وزيرا له ، ثم وقعت فتنة بين طاز
وبين السلطان حسن أدت إلى أن أمسكوه وسجنوه في قاعة صغيرة ، وكانت مدة سلطنته هذه ثلات سنين وتسعة شهور واثنى عشر يوما ثم ولوا أخاه صالحا ، ولقبوه الملك الصالح ، واستقر شيخون أتابك العساكر . ثم بعد ذلك اتفق جمهور الأمراء مع شيخون - وكان الأمير طاز مسافرا يتصيد فى البحيرة - على خلع السلطان الملك الصالح ، وإعادة أخيه حسن إلى السلطنة أولا ، فخلعوه والزموة بيته ، فتكون مدة سلطنته ثلات سنين وثلاثة أشهر وأربعة أيام ثم ولوا السلطان الملك الناصر حسن ، وأعادوه إلى سلطنته أولا - يوم الإثنين الثاني من شوال من سنة خمس وخمسين .
[ وسبعمائة ]، واستمر سلطائا إلى سنة انبنين وستين ثم وقع بينه وبين يلبغ الخاصكى ، وكان السلطان بكوم برا ، فركب على يلبغا في نفر قليل ، وكان يلبغا مستعدا
للقتال ، فولى السلطان ومن معه ، وعدوا النيل بالليل ، وطلع القلعة .
فلما سبح المسبح ركب السلطان ومعه أيدمر الدوادارح ، ولبسا لبس العرب ليتوجها إلى الشام ، فلقيهما بعض المماليك فأنكروا عليهما ، وأحضروهما إلى بيت الأمير شرف الدين بن الازكشى استادار العالية - كان - ، فمسكهما وأحضرهما إلى يلبغا الخاصكى ، فكان أخر العهد بالسلطان ، فلم يعلم له خبر ولاعين ولا أثر ، فكانت مدة سلطنته الثانية ست سنين وسبعة أشهر وعمره يوم قثل بضع وعشرون سنة ، وكان أشقر أنمش ثم ولوا محمد بن الملك المظقر حاجى بن الملك الناصر محمد بن قلاون ، ولقبوه الملك المنصور ، وكان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة ، واستبد بالأمر يلبغا الخاصكى هو وطيبغا الطويل ، ثم إنه بلغ يلبغا عن هذا السلطان أنه يدخل بين نساء الأمراء ، ويبيع كعكا فى زنبيل ، ويأخذ تمنه منهن ، ويعمل مكاريا للجوار ، ويفسق بالحريم ، ويترك الصلاة ويجلس على كرسي الملك وهو جنب ، فخلعه يلبغا لأجل ذلك ، وسجنه داخل الدور السلطانية ثم ولوا شعبان ارن حسين [بن] الناصر محمد ، ولقبوه بالملك الأشرف ، وعمره عشرسنين ف سنة أربع وستين وسبعمائة ، واستمرت
الحال إلى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ، ثم إن الأشرف توجه إلى الحجاز الشريف ، وجرى عليه ما جرى إلى أن قتل في هذه السنة .
ثم ولوا على بن الأشرف ، ولقبوه الملك المنصور واستقر طشتمر اللفاف أتابك العساكر ، وقرطاى الطازى رأس نوبة كبيرا، واستمر الحال إلى سنة ثلات وثمانين ، وتوفى الملك المنصور فى هذه السنة وعمره اثنتا عشرة سنة وكانت مدة مملكته خمس سنين وثلائة أشهر وعشرين يوما ثم ولوا أمير حاجى بن الأشرف ، ولقبوه الملك الصالح . وكان سيف الدين برقوق أتابك العساكر ثم فى سنة أربع وتمانين وسبعمائة خلعوا الملك الصالح ، وعقد بالسلطنة لسيف الدين برقوق ، ولقبوه الملك الظاهر وهؤلاء الذين ذكرناهم ممن تسلان وهو صغير جرى فى أيامه أمور عظيمة وحروب كثيرة ، وقتل أمراء كبار ، منهم الأمير قوصون ، قتل فى سجن اسكندرية في أيام الملك الناصر أحمد ابن الملك الناصر محمد ، في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ، وكذلك طشتمر الناصرى الملقب بالحمص الأخضر ، قتل فى الكرك في سنة ثلاث وأربعين ، وقتل أقسنقر الناصرى ، وبكتمر الحجازى ، ويلبغا اليحياوى ، وطغيتمر الدويدار ، وبيدمر البدرى ، قتلهم الملك المظفر فى سنة تمان وأربعين [وسبعمائة]
وضرب الأمير شيخون بالإيوان بقلعة الجبل ، ضربه مملوك يسمى قطلوحجا تلات ضربات فأصابت وجهه ورأسه وذراعه ، فمات بعد مدة فى سنة تمان وخمسين وسبعمائة ، والأمير صرغتمش توفى بسجن إسكندرية في سنة تسع وخمسين وعصى بيدمر بالشام ، ومعه أسندمر ومنشك في سنة اثنتين وستين . والأمير طاز سجن بثغر إسكندرية وسيل ، ثم أطلق ، ومات بدمشق وهو بطال في سنة ثلات وستين . وكان أخذ الفرنج مدينة إسكندرية ، ومخاصرة الجرجى قلعة خرت برت ووقعة طيبغا الطويل في سنة سبع وستين وسبعمائة . وكانت وقعة يلبفا الخاصكى ومقتله . ووقعة أسندمر الناصرى في سنة ثمان وستين وسبعمائة . وكانت وقعة الجبه . وغرقه
بالنيل في سنة خمس وسبعين . وكان ركوب أينبك البدرى على قرطاى الشهابي . واستقرار سيف الدين برقوق أمير أخور ثم استقر أتابك العساكر فى سنة تسع وسبعين وسبعمائة . وكان ركوب إينال اليوسفى في سنة إحدى وتمانين . وكانت وقعة زين الدين بركة وموته فى سجن إسكندرية ، وحضور الأمير أنس والد الملك الظاهر [برقوق] فى سنة اتبنين وثمانين وسبعمائة
الفصل الثاني في استحقاقه من حيث الشجاعة والقوة واعلم أن العلماء ذكروا أن الإمام الأعظم أو السلطان ينبغى بل يجب أن يكون من أهل الشجاعة والشهامة والصرامة ، وذلك لإنه] إذا كان السلطان شجاعا تخافه الملوك ويمابه الجبابرة ، ولا يأمن منه الظلمة والمفسدون ، وينتظم به نظام الناس ، وتستقيم أحوالهم ، ويأمنون على أنفسهم وأموالهم ، وتكون البلاد آمنة والعباد مطمئنة ، ألا ترى أن الله تعالى لم يبعث رسولا إلا وهو أشجع أهل زمانه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ، نصرت بالرعب مبيرة شهر ، وذلك لأن الله تعالى ألقى هيبته في قلوب الكفار ، فحيثما بلغ خبره ووصلت كتبه أذعنوا له وذلوا ، ونزل عليهم الصغار والهوان : إلا أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث كتبه ورسله إلى الملوك - وهم ثلائة عشر تدعوهم إلى الإسلام ، بعث ستة نفر فى يوم واحد وهم ، عبد الله ابن حذافة إلى كسرى برويز بن هرمز ، ودخية بن خليفة الكلبى إلى قيصر ملك الروم ، وحاطب بن أبى بلتعة إلى صاحب مصر وهو المقوقس جريج بن متى ، وعمرو بن أمية الضمرى
إلى النجاشى ملك الحبشة واسمه أضحمه ، وشجاع بن وهب الأسدى إلى الحارث بن أبى شمر الغسانى ملك البلقاء من أرض الشام ، وسليط بن عمرو العامرى إلى هوذة بن على ملك اليمامة ، والعلاء بن الحضرمى إلى المندز بن ساوى العبدى ملك البحرين من قبل الفرس ، والمهاجر بن أبى أمية المخزومى إلى الحارث بن عبد كلال الجميرى ملك اليمن ، ومعاذ بن جبلة إلى اليمن ، والحارث بن عمير إلى ملك بصرى ، وجرير بن عبد الله البجلى إلى ذى الكلاع وذى عمرو ، والسائب بن العوام أخو الزبيز إلى قروة بن عمرو الجذامى ، وكان عاملا لقيصر بمعان ، وعياش بن أبى ربيعة المخزومى إلى الحارث وفروح ونعيم بني عبد كلال من حمير أما كسرى فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: يكاتبى بهدا وهو عبدى؟ ولا بلغه عليه السلام ذلك قال : مزق الله ملكه وكان كذلك وأسلب الملك منهم فى خلافة عثمان من يد أخر ملوكهم يزدجرد بن شهريار ، وكان لأسلافه في الملك ثلاث آلاف سنة ومائة وأربع وستون سنة ، وكان أول ملوكهم جيومرت بن أميم من لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام وأما قيصر فإنه أكرم دحية ، ووضع كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذه ، وسأله عن النني عليه السلام ،
وثبت عنده صحة نبوته ، فهم بالإسلام ، فلم يوافقه الروم ، فخافهم على ملكه ، فأمسك ورد دحية رذا جميلا وأما مقوقس فإنه قبل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرم خاطبا وأحسن نزله ، وأهدى إلى النبى عليه السلام معه أربع جوار ، إحداهن مارية أم سيدى إبراهيم ، والأخرى شيرين التي وهبها لحسان بن تابت ، فولدت له عبد الرحمن ابن حسان ، وفرسا يقال له اللراز وحمارا يقال له يعفور ، وبغلة بيضاء تدعى دلدل ، وقباء ، وألف متقال ذهبا ، وعشرين ثوبا من قباطى مصر ، وقدحا من زجاج ، وربعة إسكندرانية فيها مراة تسمى المدلة، ومشط عاج وقيل ذبل، وقيل من ظهر السلحفاة البحرية ، ومقراضا يسمى الجامع ، وعسلا من عسل بنها - فأعجب النبى عليه السلام ، ودعا فيه بالبركة ، وخفين أسودين ساذجين ، وخصيا يدعى مابور ، وقال صلى الله عليه وسلم : ظن الخبيث أن يدوم له ملكه ولا بقاء لملكه وأما النجاشى فإنه أخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووضعه على عينيه ، ونزل عن سريره وجلس على الأرض ، وأسلم على يد جعفر بن أبى طالب ، وحسن إسلامه ، ولما مات صلى عليه النبى عليه السلام وأما الحارث الغسابي فإنه لما قرا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى به وقال :ها أنا سائر إليه . فلما بلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : باد ملكه وأما هوذة بن على فإنه كتب إلى النبى عليه السلام ، ما أحسن ما تدعو إليه ، ولكن إن جعلت لى بعض الأمر ، وإلا قصدت حربك . فقال النيى عليه السلام ،: لا ولا كرامة .
وقال : اللهم اكفنيه ، فمات وأما المنذر بن ساوى فإنه أسلم وصدق ، وأسلم جميع العرب بالبخرين ، وكذلك عامة أهل اليمن أسلموا .
وأما ملك بصرى فإنه سلط على رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم من قتله ، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسليم - رسول غيره وأما قروة بن عمرو فإنه أسلم ، و كتب إلى النبى عليه السلام بإسلامه ، وبعث إليه هدية مع مسعود بن سعد ، وهى بغلة شهباء يقال لها : فضة ، وفرس يقال له : الطرب
وقباء سندسى مخوص بالذهب ، فقبل عليه السلام هديته وأجاز مسعودا رضى الله عنه اثننى عشرة أوقية وكذلك الخلفاء الأربعة كانوا شجعانا وفرسانا مشهورين ، لا يشك في ذلك . ألا ترى أن أبا بكر رضى الله عنه أظهر الشجاعة يوم تصديه لقتال أهل الردة من الأغراب حتى إنه ركب في الجيوش الإسلامية شاهرا سيفه مسلولا من المدينة ، وعلى رضى الله عنه يقود براحلته ، وأمر فى ذلك اليوم أحد عشر من الشجعان الأبطال ، وعقد لهم الألوية ، وهم . سيف الله خالد بن الوليد ، وعكرمة بن أبى جهل ، وشرحبيل بن حسنة ، ومهاجر بن أبى أمية ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وعمرو ابن العاص ، وخليفة بن محصن ، وطريفة بن حاجز ، وسويد بن مقرن، والعلاء بن الحضرمى ، وكان سيد الأمراء ورأس الشجعان الصناديد أبا سليمان خالد بن الوليد ، الذى لم يقهر فى جاهلية ولا إسلام .
وروى الإمام أحمد بن [حنبل ] من طريق وحشى [ين حرب ] أن أبا بكر الصديق - رضى الله عنه - لما عهد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد ، وسيف من سيوف الله ، سله الله
على الكفار والمنافقين ، وكيف لا وله مواقف مشهورة ، وحروب عظيمة ببلاد العراق والشام ، ولا سيما فى وقائع يرموك ومرج الديباج، ووقعة قنسرين ، وأنطاكية وغيرها . وقد روى الواقدى عن عبد الرحمن بن أبى الزياد عن أبيه قال : لما حضرت خالدا الوفاة ، بكى ثم قال : لقد حضرت كذا وكذا زحقا ، وما فى جسدى شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح ، وها أنا أموت على فراشى حتف أنفى كما يموت البعير ، فلا تامت أغين الجبناء .
وقد ظهر هذا الدين الحق على سائر الأديان الباطلة ، وعلت راية الإسلام على راية الكفر والضلال بالخلفاء الشجعان، والسلاطين الأبطال : منهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذى أعز الله الإسلام به ، وفتحت بلاد الشام والعراق ومصر فى أيامه ، ومن شجاعته كان الشيطان يقر منه . وفى الحديث قال له النتي صلى الله عليه وسلم : والله ما سلكت فجا قط إلا سلك الشيطان فجا خلاف فجك ومنهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن هشام ، وقف النبي صلى الله
عليه وسلم على حمزة وهو مقتول يوم أحد قال : لن أصاب بمثلك أبدا ، ثم قال : جاءبى جبريل عليه السلام فأخبرنى أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع حمزة ابن عبد المطلب أسد الله ، وأسد رسوله .
ومنهم على بن أبى طالب الذى له اليذ البيضاء يوم بدر ، بارز الأبطال فقهر وغلب وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : دفع النيى عليه السلام الراية إلى على يوم بدر وهو ابن عشرين سنة . وعن أبى جعفر محمد بن على قال : نادى مناد في السماء يوم بدر ،: لاسيف إلا ذو العقاد ، ولافتى إلا على . وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية غدا رجلا يجب الله ورسوله ، يفتح الله عليه فدعا عليا فبعثه ففتح عليه . رواه مسلم ، وكان ذلك يوم خيبر . ومن غاية شجاعته ذكر جماعة من القصاص : أنه قائل الجن فى بثر ذات العلم - قريبة من الجحفة ومن الخلفاء الشجعان الوليد بن عبد الملك ، فإنه غزا غزوات فى بلاد ملطية وغيرها ، وفتح فتوحات عظيمة ، فتحت الأندلس والهند والسند في أيامه ، وهو أول من اتخذ المارستان ، ودار الضيافة ، ووسع مسجد النيى عليه السلام ، وبنى الأميال في الطرقات ، وصفح باب الكعبة والميزاب
بثلاثين ألف مثقال من الذهب ، وهو الذى عقد القبة على صخرة بيت المقدس ، وبني جامع دمشق ، وأنفق عليه أربعمائة صندوق ، في كل صندوق تمانية وعشرون ألف دينار . قال ابن كثير : فعلى هذا يكون المصروف في عمارة الجامع الأموى ألف ألف دينار وماثنى ألف دينار ومنهم أبو جعفر المنصور ، قعد في الخلافة تنتين وعشرين سنة ، وكان شجاعا حازم الرأى قد عركته الأيام ، كان يخطب بالسواد كله لأجل الحروب ، ويقال إنه كان تعهد بيته بألف مثقال مسك فى الشهر ، وهو الذى قتل أبا مسلم الحراسابى ، واسمه عبد الرحمن بن مسلم صاحب الدولة العباية ، كان من الشجعان الفائكين . ذكر ابن جرير أنه قتل فى حروبه ، وما كان يتعاطاه ستمائة ألف صبرا ، وكان مقتله فى سنة سبع وثلاثين ومائة .
ومن الشجعان المشهورين من السلاطين الملك صلاح الدين يوسف [ بن أيوب ] صاحب الفتوحات الكثيرة ، منها القدس المطهرة . والسلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب الغزوات مع الفرنج . ومن سلاطين الترك السلطان الملك المظفر قطز الذى كسر عسكر هلاون على عين جالوت
وهم يزيدون على مائة وعشرين ألفا ، ومعه مقدار أربعة آلاف نفس ومنهم السلطان الملك الظاهر بيبرس صاحب الفتوحات والغزوات ، الذى قتل ألوفا من الفرنج وكسر التتر فى صحراء أبلستين ومنهم سيدنا ومولانا السلطان المؤيد ، صاحب الشجاعة المشهورة ، التي اعترف بها كل قريب وقاص ، وكل مطيع وعاص ، وله مواقف مشهورة مع الترك والتركمان والكرد والعربان ، والإفرنج وعبدة الصلبان ، وله غزوتان مشهورتان ، إخداهما وهو أمير لطرابلس ، والأخرى على ضيدا وبيروت وهو نائب بالشام ، ولقد أخبرتى - أيده الله-- أنه كان على مدينة بعلبك ، وبلغه الخبر بذلك ، فركب في الساعة الراهنة ، فوصل إلى ضيدا وبيروت فى ليلة ، وقاتل الفرنج بعد أن دخلوا في بلاد صيدا وبيروت ، وعائوا فيها بالفساد ، فكسرهم كسرا شنيعا ، وقتل منهم سبعين نفسا ، ولقد أخبرنى جماعة من الأمراء والأجناد الثقات : أنهم شاهدوا مولانا السلطان الملك المويد في الحروب وهو كالطود الثابت ، والجبل الراسخ ، لايتحرك من موضع الحرب ولا ينزعج لذلك ، وربما شاهدوه والسهام تنزل عليه وعلى جوانبه مثل المطر وهو لا يلتفت لذلك ، بل يحرض الناس على القتال ويغريهم فلذلك كان منصورا فى حركاته ، سعيدا في سكناته .
الفصل الثالث في استحقاقه من حيث الفروسية ومعرفة انداب الحرف ونحوها اعلم أن الفروسية أمر عظيم فى الشجعان والأبطال ولا سيما فى الملوك والسلاطين ، فالسلطان إذا كان فارسا عالما بأنداب الحرب بصيرا بخيلها ، لايزال أمره غالبا ، وصيته بعيدا في البلاد ، ويكون أميرا لجنده وعساكره ، فارقا بين فارسه وغير فارسه ، فيقدم من يستحق التقديم من الفرسان ، ويوخر من يستحق التأخير من غيره ، وبه ينتظ حال عسكره ، ويستقيم أمر جنده ، ولا سيما عند الحروب ، وتسوية الصفوف . وإذا كان السلطان غير فارس ، فلا يعرف الفارس من غيره ، فيختل به نظام عسكره ، ويكون فساده أكثر من صلاحه . فمولانا السلطان فارس مشهور لا يدافع ، وصنديد مذكور لا يمانع ، عالم بأنداب الحرب وحيلها ، بصير بأنواع رجلها وخيلها ، فلا جرم كان سعيه مشكورا وأمره مشهورا .
ثم الفروسية على أنواع كثيرة ، وأعظمها وأقواها شيئان : أحدهما معرفة اللعب بالرمح ، والأخر معرفة الرمى بالسهام ، وهما تابتان بالحديث ، قال صلى الله عليه وسليم : عليكم بالقناة والقسى : فإن الله يمكنكم بهما فى البلاد والعباد أو كلاما هذا معناه وقد ذكر الله تعالى الرماح في كتابه العزيز بقوله «يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشى من الصيد تناله ايديكم ورماحكم .
وأنداب اللعب بالرمح كثيرة ، ومن جملتها ندب يشتمل على اثنى عشرة منزلة ، وهى : أول المنازل والترتيب ، والفتح ، والكشف ، والمقص ، والكلات البرابي ، والكلاب الجواني ، والكلاب الميمنة ، والكلاب الميسرة والسلسلة ، والسيسرة الطويلة ، وحفظ الفارس : وأصل اللعب بالرمح من العرب . وقيل أول من أخرج الرمح ومسكه إسماعيل عليه السلام . وقيل إنما تعلم من جرهم حين تزوج منهم أمراة ، ثم تداولته الناس إلى يومنا هذا . ولكن أندابه حدثت فى زمن الترك لاسيما فى دولة الملك الناصر حسن إلى دولة الظاهر برقوق وأما أصل الرمى بالسهام فقد أنزل الله تعالى على أدم قوسا من شجر الجنة ، ثم تداولته أولاده ، وقيل أول من
رمى به إسماعيل عليه السلام ، ثم اختلفوا فقيل نزل به جبريل عليه السلام وعلمه الرمى ، وقيل ألهم بذلك فأخذ غصنا من دوحة وجعله قوسا ، ثم أخذ غصنا آخر واتخذه نبلا ، ثم تداولته أولاده ، وقيل هذا أصل القوس العربى وأما القوس العجمى فقد ظهر فى أيام طهمورت بن أوشهنج وأما أول من رمى فى سبيل الله في الإسلام فهو سعد بن أبى وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة - رضى الله عنهم وأما أصول الرمى قسبعة أشياءوهيى : الانتصاب ، والتفويق والقفل، والقبضة ، والاعتماد ، والإفلات ، والفتحة ، بالشمال .
ونهايته ثلائة أشياء : السرعة بالسداد، والاستيفاء بالاستواء والاستتار بالدرقة . ثم بعد ذلك يحتاج إلى معرفة الإيتار ، وهو على عشرة أوجه ، ومعرفة الوقوف ، وهو على ثلاثة أوجه : الأنحراف الشديد وهو مذهب بهرام جور ، وبين التحريف والتربيع وهو مذهب إسحاق الرفا ، والتربيع وهو مذهب ظاهر البلخى ، ويحتاج إلى معرفة الجلوس أيضا ، وإلى معرفة أخذ الشهام ، والقبض، والعقود ،
والمد :، والإطلاق ، وتحريك السهم ، والعيوب المحدثة من ذلك ، ومعرفة أوزان القببى والشهام ، فالقوس العربى بحيث أن يكون طولها ستة أشبار ونصف شبر بشير الرامي لها ، وأقواها ما بلغ جره ماثة وعشرين رطلا . وأما زنة السهم ، فإن كان جر القوس مائة رطل فيكون السهم عشرة دراهم بغير نصل ، وعلى هذا فقس ، وأما زنة النصل فيجب أن تكون عشر زنة السهم . وأما وزن القدد فيجب أن يكون وزن تلك النصل . وأما الوتر فيجب أن يكون نصف وزن السهم ، وها هنا أمور كثيرة ليس هذا الكتاب موضعها ومن أنواع آلات الحرب السيف ، وأول من قائل بالسيف إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه .
لكن أفضل آلات الحروب الرمى بالسهام . وعن عقبة بن عامر رضى الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر . ووأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمى - قالها ثلائا - وعن سعد بن أبى وقاص عن النتي صلى الله عليه وسلم أنه قال : عليكم بالرمى فإنه من خير لعيكم . وعن أبى هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يرمون فقال : ارموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان راميا . وعن عقبة ابن عامر
الجهنى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يدخل بالسهم الواجد الجنة ثلاثة نفر ، صانعه - يحتيب في صنعته الخير - ، والرامى به ، ومنبله ، وازموا واركبوا ، وإن ترموا أخب إلى من أن تركبوا . وعن أبى رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم : حق الولد على الوالد أن يعلمه كتاب الله ، والسباحة والرمى . وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ترك الرمى بعد أن علمه فهى نعمة جحد بها . وعن عقبة بن عامر عن النبي عليه السلام أنه قال : من تعلم الرمى تم تركه فقد عصاني فمولانا السلطان الملك المويد إن ذكرت الرماة فهو أحسنهم ، وإن ذكرت الرماحين فهو أجملهم ، وإن ذكرت السيافين فهو أقواهم وأعدلهم ، وكيف لا وهو أبو عذرها ، وقد أذاق الناس من حلوها ومرها ، وبرهان ذلك ما صدر عنه في وقائعه المشهورة ، وما ظهر منه في حروبه المذكورة ، فلا جرم كانت صفته هذه إحدي الأسباب لاستحقاقه الشلطنة ، مذ الله سلطنته وأدام نعمته .
الفصل الرابع في استحقاقه من حيث حسن الصورة والقامة والبسطة في الجسم أعلم أن صاحب الوجه الجميل مقبول بين الناس ، محبوب فى القلوب ، يميل إليه كل أحد ، ويقصد إليه في كل حاجة ، ولهدا ورد الحديث . أطلبوا الخير عند الوجوه الحسان . والمرة إذا كان قبيحا كريه المنظر يكون مزدرى بين الناس ، ولا تشتهى العيون تنظر إليه [ لا] سيما الملك الذى يريد كل أحد أن ينظر إليه ، فإذا كان رضى الوجه أحبه كل من يراه . ألا ترى أن يوسف - عليه السلام أحبة أهل مصر حين شاهدوا جماله ، وكان يوسف عليه السلام لم يزل ملئما حتى لايفتتن به من ينظر إليه . ويحكى أنه لما وقع الغلاء بأرض مصر باعت الناس أموالهم ، وأولادهم وأنفسهم من يوسف - عليه السلام - حتى ضاروا عبيدا ، وكان يخرج فى كل ثلائة أيام إلى مجامع الناس ، ويكشف اللثام عن وجهه ، فكل من كان يراه يشبع ويميك عن الطعام ثلاثة أيام ، وكان إذا مشى فى أزقة مصر يرى تلالو وجهه على الجدران ، كما يرى نور الشمس عليها ، وكان إذا ابتسم
رأيت النور فى ضواحكه . وإذا تكلم رأيت فى كلامه شعاع النور ينبهر عن تناياه ، وقيل إنه ورث الحسن من جده إسحق وكان من أحسن الناس ، وإسحق هو الضاجك بالعبرانية ، وإسحاق ورث الحسن من أمه سارة ، فإن الله صورها على صورة الحور العين ، ولكن لم يعطها صفاءهن ، وأعطى الله يوسف من الحسن ، وصفاء الذون ، ونقاء البشرة ما لم يعطها أحدا ، إن كان ليأكل البقول والفواكة الخضر فترى حين يزدردها فى حلقه وصدره حتى تصل إلى صدره ، وقال وهب .
الحسن عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء ليوسف وواحد بين الناس ولما سبعت زليخا بحديث النساء في حقها اتخذت مأدبة فدعت أربعين أمراة منهن ، وأعدت لهن ترنجا وبطيخا وموزا ، وأعطت كل واحدة منهن سكينا ، وقالت ليوسف ، أخرج عليهن - وكان في مجلس آخر - فخرج عليهن ، فلما رأينه أكبرنه وهالهن أمره وقطعن أيديهن بالسكاكين التى معهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج . قال قتادة .
أبن أيديهن حتى القينها ، وقال وهب :. وبلغتى أن تسعا من الأربعين متن فى ذلك المجلس وجدا بيوسف ، وقلن حاشى لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم وكذلك الملك ينبغى أن يكون له بسطة في الجسم ،
لأنه إذا كان جسيما وصاحب قامة يملا العين جهاده ، لأنه أعظم فى النفوس وأهيب فى القلوب . ألا ترى أن الله تعالى كيف مدح طالوت في كتابه الكريم بقوله : « إن الله اصطفاة عليكم وزاده بسطة في العلى [ بالحرب ] والجسم ] يعنى بالطول والقوة ، وكان يفوق الناس براسه ومنكبه ، ولذلك سمى طالوت لطوله ، وكان أجمل بني إسرائيل وأعلمهم ومولانا السلطان الملك المويد قد حاز هائين الصفتين وهما حسن الصورة وبسطة الجسم ، والشاهد لذلك أنك لاترى أحدا فى الدولة أضوا صورة منه ، وصدق الشاعر فى قوله ، رأيت الهلال على وجهه فلم أذر أيهما أنور سوى أن هذا قريب المزا ر وهدا بعيد لمن ينظر وذاك يغيب وذا حاضر وما من يغيب كمق يحضر وقال الأخر ، وقد صدق فى قوله ، أقسم باللو وآيائه ما تظرت عينى إلى مثله ولا بدا لى وجهه طالعا إلا سالت اللة من فضله وقد قال آخر وأحسن فيه ، نظرت إلى من زين الله وجهه فيانظرةكادت على عاشق تقضى فكبرت عشرا ئم قلت لصاحبى متى نزل البدر المنير إلى الأرض
وكذلك لانرى فى الملوك أحسن قامة منه ، ولا أملا للعيون منه ، وهو ظاهر لأيدفع وجلى لايقنع . ولقد قال الشاعر فيه وأحسن - معتدل من كل أعطافو : مستحسن القامة والملتفت لو قيست الدنيا ولذاتها بساعة من وصله ما وفت
الفصل الخامس في استحقاقه من حيث المعرفة بأحوال الرعية من العرب والعجم والترك والتركمان وأهل البلاد والأديان ولاشك أن السلطان إذا كان عالما بأحوال رعيته ، خبيرا بأمورهم ، يحصل لهم رفق عظيم وخير جسيم ، وذلك لأن الملوك قلما يسلمون من البطائن السوء والسعاة والوشاة ، فإذا كان الملك خبيرا بأحوال رعيته ، لايوثر كلام هؤلاء فيهم عنده ، ولا يمشى حالهم . فيحصل بذلك سلامة الملك عن الوقوع في المحذور ، وسلامة الرعية من الوقوع في المكروه . وإذا كان الملك جاهلا بأحوال رعيته ، غير خبير بأمورهم ، يتمكن منه حينئذ سعاة ووشاة ، يدلسون عليه أمورا يحصل منها فساد كبير فى الرعية فمولانا السلطان الملك المؤيد عارف بأحوال رعيته ، خبير بأمورهم ، لا يحق عليه من حالهم شىء ، فلذلك انقطعت آمال السعاة والوشاة ، وأمنت الناس في أوطانهم على أنفسهم وأموالهم ، والشاهد على معرفته بأحوال الرعية من الطوائف المذكورة كثرة ترداده في البلاد المصرية والشامية
والحلبية ، ومعاشرته لأهلها ، واختلاطه بهم ، ووقوفه على أحوالهم ظاهرا وباطنا أما معرفته بأحوال بلاد مصر ، فإنه سافر إلى جهة الصعيد وغيرها في أيام أستاده الملك الظاهر برقوق [و] فى أول دولة الناصر أيضا ، فلذلك لم يحضر وقعة الأمير أيتمش ، وكانت يوم الأحد التاسع من ربيع الأول من سنة اثنيتين وثمانمائة ، وكان أيتمش قد انكسر وهرب إلى الشام ، ومعه خمسة من المقدمين الألوف وهم : تغرى بردى البشبعاوى أمير سلاح ، وأرغن شاه البيذمرى أمير مجلس و[ سيف الدين ] فارس حاجب الحجاب ، ويعقوب شاه الحاجب الثاني . ومن الطبلخانات تسعة ، ومن العشرينات ستة ومن العشرات خمسة عشر ، وكان النائب بدمشق إذ ذاك تنم الحسنى وبحلب أقبعا الجمالى ، وبحماة دمرداش
[المحمدى] ، وبطرابلس يونس بلطا ، وبصفد ألطنبغا العثمانى ، وبغزة قرقماس وأما معرفته ببلاد الشام فإنا كانت وطنه لكثرة أحكامه فيها ، ومعرفته بسهلها وحزمها ، وقراها ومدنا ، وخاصتها وعامتها ، وتركها وتركمانا وكردها ، وعربا وعجمها وأما معرفته بالبلاد الحلبية فإنها كانت دار حكمه ، يعرف مدبا وقراها ، والتراكمين المقيمين با طائفة طائفة ، وبيتا بيتا ، وغير ذلك من البلاد حتى بلاد أطراف الروم ، والبلاد الفرائية ، وبلاد الحجاز أيضا ، لأنه سافر إلى مكة المشرفة وهو أمير للحجاج في أيام أستاده الملك الظاهر برقوق ، في السنة التى توفى فيها برقوق ، وهى سنة إحدى وثمانمائة ، وكانت وفاته ليلة الجمعة الخامس عشر من شوال من السنة المذكورة ، وكان السلطان الظاهر قد عينه للسفر بالحجيج ، وخلع عليه بذلك قبل موته ، واستمر عليه إلى أن سافر - وهو إذ ذاك أمير طبلخانه ، ورأس نوبة - وكان أمير الركب الأول بهادر الطواشى مقدم المماليك السلطانية
الفصل السادس في استحقاقه من حيث المعرفة والذوق من أمور الشرع والسياسة وتقدم الحكم له أما معرفته فإن أحدا لا يشك أن معرفته تامة ، وأنه عارف بالأمور الدينية والدنيوية ، وأن عنده دوقا من أمور الشرع والانقياد إليه ، حتى إنه إذا تقدمت عنده دعوى وطلب أحد المتخاصمين الشرع أمره بالذهاب إليه وهو منشرح لذلك ، وذلك لمحبته فى الشرع ودوقه منه ، وكثير من الملوك والحكام إذا طلب منهم الشرع ينحرف ، لذلك عدم دوقه من أمور الشرع ، ومولانا السلطان المؤيد ناصر للشرع ومحب له ، وهذا كله من آثار العدل .
وأما تقدم الحكم له فإنه قد حكم في البلاد الشامية والطرابلسية والحلبية ، وأول توليته مدينة طرابلس فى سنة اثنتين وثمانمائة ، وذلك لما دخل السلطان الملك الناصر دمشق بعساكره بعد كسرهم تنم والعساكر الشامية على بيدراس بين عزة والرملة ولى نوابا عا القلاع الشامية ،
فولى سيدي سودون نائبا بالشام [عوضا ] عن تنم الحسنى ، وولى مولانا السلطان نائبا بطرابلس ، وكان إذ ذاك أحد المقدمين بالديار المصرية - عوضا عن يونس بلطا ، وولى الأمير دقماق [ المحمدى ] الذي كان حاجب الميسرة بمصر نائب بحماة - عوضا عن دمرداش [ المحمدى ] وولى دمرداش [ المحمدى ] نائبا بحلب عوضا عن أقبغا الجمالى ، واستمر با لطنبغا العثمانى نائبا بضفد على عادته ، وولى جركس ، والد تنم نائبا بكرك عوضا عن سودون الظريف ، وولى ماء الدين عمر بن الطحان نائبا بغزة عوضا عن أقبغا اللكاش ، وخلع على الأمير يشبك [ الشعبانى الظاهرى ] الخازندار اللالا ، واستقر دويدارا كبيرا عوضا عن سيدى سودون بحكم انتقاله إلى نيابة الشام وأما مولانا السلطان فإنه استمر على نيابة طرابلس إلى أن جاء تمرلنك على حلب وأخذها يوم السبت الثالث عشر من ربيع الأول من سنة ثلات وثمانمائة ، وجرى ما لا يخفي
على الناس ، فمسك فيها جماعة من الأمراء ، وهم مولانا السلطان نائب طرابلس إذ ذاك ، ودمرداش نائب حلب ، وسيدى سودون نائب الشام ، والأمير دقماق [المحمدى] ] نائب حماة، والأميرالطنبغا [ العثمانى ] نائب صفد والأمير باء الدين عمر[ بن الطحان] نائب غزة ، والأمير صريتمر أتابك عسكر ذمشق ، والأمير بتخاص ، والأمير بيغوت ، والأمير فارس ، والأميرآقبلاط ، والأمير يونس الحافظى ، والأمير أقمول ، والأمير شهاب الدين بن الهذبانى ، والأمير سودون الظريف آتابك حلب ، والأمير أسنبغا التاجى الحاجب - وكان قد حرض لإخراج العساكر الشامية وغيرهم من الأمراء والطبلخانات والعشروات ، وسائر الأكابر من الأعيان - ثم أطلق تمرلنئك منهم أسنبغا التاجى ومعه بطخاص البريدى ، وقال لهما : أذهبا إلى مصر ، وأخبرا بما رأيتما .
وأما مولانا السلطان فإنه استمر فى أسر تمرلئك مدة طويلة ، ولقد حررت تلك المدة فوجدتها مقدار أربعة أشهر ، وذلك لأنه أير مع من أير فى منتصف ربيع الأول من سنة
ثلات وثمانمائة ، وقدم إلى الذيار المصرية بعد هروبه من الأشر يوم الأربعاء السابع من شعبان من هذه السنة ، فجميع المدة من حين أبر إلى حين قدم إلى مصر أربعة أشهر واثنان وعشرون يوما ، فإذا صرفنا الإثنين والعشرين يوما إلى المسافة من أسره إلى قدومه تبق أربعة أشهر مذة أشره ، ولقد أخبرنى - نصره الله - أن هروبه كان في أرض الشام ، وأنه قاسى شدائد عظيمة من مشى وجوع وعطش وخوف ودوران في جبال بعلبك وطرابلس ، وأوديتها وصحراواثها إلى أن وصل إلى طرابلس - بعون الله تعالى . بخير وعافية - ثم ركب البحر الملخ إلى أن وصل إلى ساحل دمياط ، ثم خرج منه - بفضل الله تعالى ولطفه - وقدم الديار المصرية فى التاريخ المذكور ، واستمر مقيما في الديار المصرية إلى أن خلع عليه يوم الإثنين التامن عشر من رمضان من سنة ثلاث ، واستمر نائبا بطرابلس على عادته ، ثم سافر إليها بعد مذة ، واستمر فيها نائبا إلى شهر ربيع الأول من سنة خمس وثمانمائة ،
الأمير أقبغا الجمالى الأطروش يحكم عزله وإقامته بالقدس بطالا ، وتولى طرابلس الأمير دمرداس ، واستمر مولانا السلطان بدمشق حاكما إلى مدة تذكر آخرها إن شاء الله تعالى ثم فى أثناء هذه المدة ركب الأمير يشبك الشعبانى ،
ومعه جماعة من الأمراء على الملك الناصر ، ليلة الأحد الرابع من جمادى الأخرى من سنة سبع وثمانمائة ، فأخر الأمر انكسروا وهربوا إلى الشام ، وتلقاهم مولانا السلطان [المؤيد] وأنزلهم عنده ، وأحسن إليهم إحسانا جزيلا ، وكان مولانا السلطان قد أخرج الأمير توروز من حبس الصبيبة ، وكان الملك الناصر قد حبسه فيها ومعه قانباى العلائي ، وكان قد هرت من الحبس ، وآخر الأمر اتفقوا كلهم على المشى إلى القاهرة المحروسة ، وبعثوا وراء الأمير جكم ليتفق معهم، وكان متغلبا على حلب وطرابلس وحماة ، وكان هو أيضا في الحبس في قلعة وأطلقه فجاء إليهم ، وفى آثناء ذلك هرب نور وز من عند مولانا السلطان بعد أن عقد معهم وحلف ، وكان مولانا السلطان قد أنعم عليه بالدورة فى بلاد الشام ، فخرج وحصل جملة من الأموال والخيول ثم هرب . ثم إن الأمراء خرجوا من الشام في صحبة مولانا السلطان ومعه الأميرجكم والأمير قرا يوسف التركماني ، وتوجهوا إلى القاهرة المحروسة ، ووصلوا إلى الصالحية يوم
الأحد التاسع من ذي الحجة من سنة سبع وتمانمائة ، وخرج الملك الناصر يوم السبت الثامن من ذي الحجة . [و] فى ليلة الخميس الثالث عشر من ذي الحجة كبست العساكر الشامية على العساكر المصرية بأرض السعيدية قريبا من بلبيس ، فانكسرت المصرية ، وتفرقوا شغر بغر فقتل منهم خلق كثير وميكت القضاة الأربعة ، والخليفة ، وقريب من ثلاثمائة مملوك ، فأصبحت العساكر الشامية متوجهة إلى القاهرة ، فوصلوا قريبا من تربة قلمطاى يوم الأحد السادس عشر من ذي الحجة ، ثم فى أول النهار كان الظهور للشاميين ، ولكن خامر جماعة منهم وطلبوا الأمان من الناصر ، وهم جمق نائب كرك ، والأمير آسنباى [المعروف بالتركمانى ] وسودون الحمزاوى ، وإينال حظب ، ويلبغا الناصرى ، فكلهم دخلوا المدينة واجتمعوا بالناصر ، وهرب الأمير يشبك ، لالشعباني ] وتمراز [الناصرى] وجركس [القاسمى المصارع] )
واختفوا فى المدينة ، ولم يبق في العساكر الشامية إلا مولانا السلطان والأمير جكم والأمير قرا يوسف التركمانى ، فعند ذلك ردوا وساقوا إلى أن وصلوا إلى ذمشق ، واستقر مولانا السلطان بالشام على عادته ، وذهب الأمير جكم إلى حلب ، واستمر عليها على عادته ثم فى شهر ذى الحجة يوم الإثنين الخامس منها من سنة ثمان وثمانمائة كانت وقعة عظيمة بين مولانا السلطان وبين الأمير جكم على أرض رستن بين حماة وحمص ، فظهر جكم ، ورجع مولانا السلطان ، قيل كان ذلك من شؤم دمرداش - وكان مع مولانا السلطان - فجاء مولانا السلطان إلى القاهرة ومعه ذمرداش المحمدى ، والأمير خير بك نائب غزة ، وألطنبغا العثمانى حاجب الحجاب بالشام ، والأمير يونس الحافظى ، وسودون الظريف وغيرهم . وكان قدومه يوم الإثنين الثالت من صفر من سنة تسع [ وثمانمائة ] وفى يوم الخميس السادس من صفر خلع الملك الناصر على مولانا السلطان ، واستقر فى نيابة الشام على عادته ، وخلع أيضا على ذمرداش أيضا ، واستقر فى نيابة حلب على عادته وفى يوم الإثنين مستهل ربيع الأول من سنة تسع خرج مولانا السلطان ومعه ذمرداش ومعهما من أمراء مصر سودون
الطيار أمير سلاح ، وسودون الحمزاوى الدوادار الكبير ثم فى يوم الإثنين الشامن من ربيع الأول خرج الناصر بعساكره ورحلوا ، فوصلوا ذمشق يوم الإثنين سابع ربيع الأخر - ومولانا السلطان حاكم بالشام على عادته - ثم خرج مع السلطان إلى حلب ، وهرب الأمير جكم ومن معه إلى أن عذوا الفرات ، وأقام السلطان هناك مدة، ثم رجع إلى القاهرة واستمر مولانا السلطان على الشام على عادته ، ثم عاد الأمير جكم بمن معه إلى حلب ، قبل وصول الناصر إلى دمشق ، فلما خرج الناصر من ذمشق متوجها إلى القاهرة ، هرب منه الأمير سودون الحمزاوى ، وتحصن بقلعة صفد ، ثم إن مولانا السلطان الملك المؤيد لما رأى أن جكم جمع جموعا ، وجهز عساكر كثيرة ، واجتمع عنده جماعة من المفسدين وحرضوه على تولية السلطنة فأجامم إلى ذلك ، وعقدوا له ، وخطبوا له ، ولقبوه بالعادل ، تحيل إلى أن أخذ قلعة صفد ، وانتقل من الشام إليها ، وهرب [ سودون ] الحمزاوى إلى غزة ، وكان فيها جماعة من الأمراء ، منهم الأمير إينال بأي [ بن قجماس ] وكان قد هرت من القاهرة ،
والأمير يشبك بن أزدمر ، وتغلب نوروز على الشام من جهة جكم ، وخطبوا باسمه من غزة إلى أقضى بلاد حلب ما خلا صفد ، لوجود مولانا السلطان فيها . وكأن القدر يقول ، ياجكم لاتغتر بهذا الأمر الذى أنت فيه ، فإن هذا لايتم لك ، وإنما السلطان عند الله وعند الناس هو الملك الذى في صفد واستمر السلطان المؤيد فيها ، إلى أوائل سنة عشر - على ما نذكره إن شاء الله تعالى وأما ما كان من أمر جك فإنه جمع جموعه ، وتوجه نحو قرا يلك التركمانى ، وهم نازلون في السوق على مدينة آمد فأخر الأمر قتل جك هناك وقتل معه الملك الظاهر مجد الدين عيسي صاحب ماردين ، وحاجبة فياض ، والأمير ناصر الدين [ محمد ] بن شهرى حاجب الحجاب بحلب - كان - والأمير أقمول نائب عينتاب وغيرهم . وكانت الوقعة يوم السابع والعشرين من ذى القعدة من سنة تسع وثمانمائة وأما الأمراء الذين كانوا بغزة فإن مولانا السلطان المؤيد
ركب إليهم من ضقد ، وكبس عليهم على أرض جديدة ، وأشبك بينهم قتال إلى أن قتل إينال باى [بن قجماس] ، ويونس الحافظى نائب حماة - كان - وسودون قرناص ، ومسك الأمير سودون الحمزاوى ، وهرب يشبك بن أزدمر ، وكانت الوقعة يوم الخميس الرابع من ذي الحجة سنة تسع [ وثمانمائة ] ثم إن السلطان الناصر خرج إلى الشام يوم الجمعة الثاني من صفر من سنة عشر ، ونزل إليه مولانا السلطان [المؤيد ] من صفد ، وذهب معه إلى دمشق ثم إن الشيطان قد نزع بالناصر ووسوس له ، مع تحريك من المفسدين له ، إلى أن قبض على أتابك العساكر ومعه مولانا السلطان المويد واعتقلهما الناصر بقلعة دمشق ، ثم إن الله تعالى من على يشبك بالخلاص ببركة مولانا السلطان ، وذلك أن السلطان لما اعتقلهما وأراد بهما السوء ، قال له لسان الحال : مهلا أيها الناصر هذا الذى تريده بالسوء هو الذى سماه الله تعالى مؤيدا ، وجعله سلطانا عوضك فلا تقدر عليه ، فلا تتعب قلبك بقلبك، فإن هذا أمر قدتم ، وقضاء قد سبق ، وسعادة مولانا السلطان
التى حرسته ، وسلطنتة التي قدرت له قد أنجته ، ولقد أحسن الشاعر فى قوله ، وإذا السعادة أحرستكعيونها نم فالمخاوف كلهن أمان وأصطد بها العنقاء فهى حبالة واقتد ما الجوزاء فهى عنان ومن آثار تلك السعادة سخر الله له نائب القلعة ، وهو الأمير منتوق ، حتى أنزلهما من القلعة فى ظلمة الليل ، ونزل معهما ، وقذى نفسه لهما ، ثم علم الناصر بذلك ، فأرسل وراءهم جماعة فأدركوا منتوقا وقتلوه ، وصاحب السعادة قد فات بسعادته ، لأمر قدره الله له ثم خرج الناصر من ذمشق متوجها إلى القاهرة ، بعد أن أرسل خلعة نيابة الشام إلى نوروز ، وهو مقيم بحلب عند تمربغا المشطوب المتغلب عليها ، ثم بعد ذلك عاد مولانا السلطان [المؤيد] إلى ذمشق ، وطرد نائب الغيبة مما من جهة نوروز ، وهو بكتمر شلق ، ثم خرج منها إلى ناحية شيزر ، ثم عاد إلى إلى الشام وظهر عليها .
ثم فى محرم سنة آثنى عشرة وثمانمائة عاد الناصر
إلى دمشق ، وقبل دخوله هرب منه جماعة ، منهم تمراز الناصرى وإينال الجلالى ، وسودون بقجه ، وفرايشبك ، وسودون الحمصى وغيرهم . وأما مولانا السلطان المؤيد فإنه ذهب إلى قلعة صلخد بمن معه وتحصن فيها ، وأتاه الناصر - فإنه قد خرج وراءهم - وأقام على صلحذ مدة ، ولم يفز بشىء ، ثم عاد إلى ذمشق بعد الاتفاق على أن يروح مولانا المؤيد إلى طرابلس ، ثم خرج الناصر من دمشق بعد أن قرر بكتمر شلق نائبا عليها .
ولما وصل الناصر إلى بلبيس مسشك جمال الدين الاستادار ، وآخر الأمر أخذ ماله وقتله ، وأما مولانا السلطان المؤيد فإنه كسر بكتمر شلق نائب الشام على خان ذى النون، ودخل الشام على عادته ، وأما بكتمر فإنه هرب بمن معه وجاء إلى القاهرة ثم فى ربيع الأول من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة خرج الناصر إلى جهة الشام ، وكان مولانا السلطان إذ ذاك على حماة يخاصر نوروز من مدة شبهر ، وكان قد أشرف على أخذه ، فلما سمع نوروز بمجىء الناصر أطاع لمولانا الملك
المؤيد وأدعن له بالانقياد ، ثم مشى في خدمته إلى حلب ومعه جماعة من الأمراء ، منهم تمراز الناصرى وتمربغا المشطوب الذي كان نائب حلب بعد جكم ، وإينال المنقار ، ويشبك ابن أزدمر ، وسودون بقجة ، ولما وصلوا إلى حلب هرب نائبها دمرداش ، ثم لما سمعوا بتوجه الناصر إلى حلب خرجوا منها إلى عين تاب، ثم إلى مرعش، ثم إلى صوب قيسارية الروم وأما الناصر فإنه مشى وراءهم إلى أن وصل إلى أبلستين ، وأقام فيها ما يقارب خمسين يوما ، ثم عاد ولم يظفر بشىء ، وعاد مولانا المؤيد وراءه ، فلما وصل الناصر إلى حلب ولى قرقماس نائبا عليها عوضا عن دمرداش ولقد بلغنى من الثقات أن الملك المؤيد سبق الناصر فى عوده ، وأخذ ناحية البرية حتى أبى بمن معه إلى غزة ، ثم وصلوا إلى القاهرة فى يوم الأحد ثامن رمضان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، واحتاطوا عليها حتى وصلوا إلى سويقة منعم .
ثم نزل المؤيد ومعه نوروز في بيته الذي في الرميلة ،
وتحاربوا مع أهل القلعة ذلك اليوم إلى أن ملكوا مدرسة [ السلطان ] حسن في أخر ذلك اليوم ، ثم أخذوا مدرسة الأشرف ليلة الثلائاء عاشر رمضان . فلما رأى أمير أرغون ذلك - وكان نائب الغيبة مقيما بباب السلسلة - هرب وطلع إلى القلعة عند الأمراء هناك وهم :كتبغا الجمالى نائب القلعة ، والأمير شرباش الكباشى ، والأمير كافور الزمام ، ولما رأى هؤلاء أن مولانا المؤيد ملك باب السلسلة والمدرستين ضعفت قلوبهم ، ومالوا إلى الصلح والتسليم ، فبيما هم فى المراسلة إذ أبى الخبز إلى من فى القلعة بأن الناصر قد وصل بعساكره ، فعند ذلك تأخروا عن التسليم ، وشرعوا في
رمى السهام ، وأقاموا الحرب ، فبينما هم فى ذلك فإذا بأول عسكر الناصر قد وصل ، فلما تحقق ذلك المؤيد نزل هو وتوروز إلى الرميلة ليفرقا عسكرهما في المدينة ، لا للخوف و [ إنما ] لا عتقادهما أن الناصر فى العسكر - ولم يكن فيهم إلا بكتمر شلق . وطوعان الحسني ، ويشبك الموساوى ، وألطنبغا العثمان ، وأسنبغا الزردكاس . وغيرهم - ثم إن مولانا المؤيد ومن معه توجهوا إلى باب القرافة وخرجوا منها ، ولسان القدر يقول مخبرا عن المسطور ، يا أبا النصر اذهب وأنت مسرور ، فلا يد من عودك سلطانا وأنت مجبور وإنما أخرت هذا الوقت لأمر مقدور ، وكل من عاداك يصير ما بين مقتول ومأسور ولقد جرت حكمة الله تعالى إذا أراد أن يكرم أحدا من عبيده يحمله مشاق كثيرة ، ويتعب قلبه وقالبه ، ويوقعه في مكاره ، ويورده في شدائد ، وكأان الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون هذا لتدريبه وتمرينه ، وأيضا فإن النعمة إذا جاءت من غير شدة لا يعرف صاحبها قدرها ولا يقوم بشكرها ، فتنقلب النعمة عليه وبالا ، وإذا جاءت بشدة وتعب عرف قدرها وقام بشكرها فيزداد بباء وجمالا ، ألا ترى أن الله
سبحانه وتعالى لما أراد أن يوحى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه جبريل بالقرأن فقال له : اقرا ، فقال : ما أنا بقارىء قال : فأخذى وغطبى ثلات مرات ، وروى فسابني ويروى وقد عطنى ، والكل بمعى واحد وهو الخنق والغمر ، وكل هذا كان للتمرين والتدريب . وكذلك موسى عليه الصلاة والسلام رعى لشعيب أغنامه عشر سنين ، ثم تزوج بصفراء ، وعاد ما إلى أرض مصر . ولما كان فى أثناء الطريق أخذها الطلق فى ليلة شاتية باردة مظلمة ممطرة ، وكانت معه غيم شردت وحمارة األقت ما عليها ، وكلما ضرب الزند على الزند لم تور نارا ، وهو تائه في وسط المفازة ، فتخير موسى - عليه السلام - فالتفت يمينا وشمالا كالمستغيك ، فنظر فإذا بنور يلوح من بعد فقصده ، فلما قرب منها نودى من شطى الواد الأيمن في البقعة المبركة من الشجرو أنا يا موسى إنى أنا الله رب العلمين ، وكل هذا كان من الله تعالى ابتلاء وإختبارا وامتحانا وتمرينا .
ثم إن مولانا المؤيد لما انفصل من باب القرافة وتوجه نحو مدينة كرك على طريق البرية ، وأخذ نور وز طريقا أخر ، وقاسوا
فى الطريق شدائد من قلة الظهر والزاد والعليق . فلما وصلوا إلى كرك ما سلم أهلها المدينة إلا لمولانا المؤيد ومن أغرب ما اتفق أن مولانا المؤيد دخل الحمام يوما ، واتفق حاجب كرك مع جماعة من المفسدين من أهل المدينة وهجموا على الحمام ، فنصر الله تعالى مولانا المؤيد لأمر قد خبىء له فى الغيب ، ولكن بعذ أن جرج بالسهام جرحا شديدا ، ولقد أخبرفى مولانا المؤيد - ثبت الله قواعد دولته - فقال لى .
لما جرحيت أقمت ثلائة أيام لا أعرف نفسى ، ولا أعرف الداخل عندى من الخارج ، والدم يسيل حتى أيشوا منى ، وبكت حاشيتى على ، ولكن لسان القدر يقول ، كفوا عن الخوب والبكاء ، ولا تبالوا مما أصابه من ذلك، فإن هذا يصير ملكا له شان ، ويقهر كل من يعاديه ببرهان ، وإنما مثله كمثل أستاذه الظاهر [ برقوق ] حيث أرسل إليه تمربغا الأفضلي من يقتله وهو محبوس فى قلعة الكرك ، فخيث الله آماله ورد عليه أعماله ، وجعل كتابه الذى سبب لهلاكه سببا لخلاصه . وأعاده إلى سلطنته على رغم أعدائه وأما الناصر فإنه لما بلغه هذه الأمور ، وأن مولانا المؤيد توجه إلى الكرك - وهو مقيم بدمشق - توجه إلى كرك ، ونزل
عليها واستعد للقتال ، فبعذ أمر طويل أوقع الله بينهم الصلح ، ونزلوا إلى الناصر فخلع عليهم خلعا سنية ، فولى مؤلانا المؤيد نيابة حلب عوضا عن قرقماس ابن أخى ذمرداش ، وولى قرقماس نيابة صفد عوضا عن سودون بن عبد الرحمن ، وولى نوروز نيابة طرابلس عوضا عن جانم ، وكذلك خلع على الأمير تغرى بردي أتابك العساكر بالديار المصرية ، وتولى نيابة دمشق ثم ذهب كل منهم إلى مخل ولايته ، رعاد السلطان الناصر فرج إلى القاهرة ، واستمر مولانا المؤيد حاكما بمدينة حلب إلى سنة خمس عشرة وتمانمائة ، ففي هدم السنة كانت الوقعة التي كانت سببا لقتل الناصر وذلك أن الناصر خرج يوم الاثنين الثامن من ذي الحجة من سنة أربع عشرة وثمانمائة ، وما وصل إلى مدينة غزة بلغه أن جاليش عساكره هربوا وعضوا عليه ، وهم بكتمرشلق أتابك وزوج بنت الناصر ، وطوغان الحسني الذوادار الكبير .
وشاهين الأقرم أمير سلاح ، فظهرت هناك مخايل الكسر والخذلان من شؤم الظلم والطغيان ، فلما دخل ذمشق بلغه أن مولانا المؤيد ونوروز ومن أنضم إليهما نازلين على حمص، فخرج
مسرعا ، ولما بلغ مدينة قار بلغه أنهم صوبوا نحو بعلبك ، فصوب هو أيضا نحوها ، ولما وصل إلى بعلبك بلغه أنم نزلوا على بقع ، ولما بلغ إلى بقع وجدهم قد ذهبوا إلى خان لجون، فأسرع فى المشي إلى أن أدركهم أخر النهار - فهو ومن معه وخيولهم في نصب شديد - واشتبك القتال بينهم من العصر إلى بعد العشاء الأخرة ، وكان فى يوم الثلاثاء الرابع عشر من المحرم سنة خمس عشرة وثمانمائة ، فانجلى الحرب عن انكسار الناصر وهروبه إلى ذمشق ، وتفرق [ عسكره ] شغر بغر ، واستولوا على تقلهم وحوائجهم ثم إن المؤيد نصره الله ومن معه ذهبوا إلى ذمشق ، وأحدقوا بها محاصرين ، فلما استقرت الحال على هذا اثبتوا مخاضر بكفر الناصر ، وصدور أمور منه تقتضى انخلاعه من السلطنة ثم قلدوا المستعين بالله بن المتوكل على الله ، قلدوه وبايعوه ، فعند ذلك انحمذ أمر الناصر وتفرق أكثر من معه .
وجاء مذا الخبر كزل الأجرود العجمى . أخر الأمر بعد حروب شديدة ، وأمور كثيرة نزل الناصر من قلعة دمشق مستامنا مولانا المؤيد ، ووقع في قبضتهم ، وجاء الخبر إلى القاهرة بذاك مع خسرو الخاصكى فى الثاني والعشرين من صفر ، ثم فى يوم الاثنين الثاني من ربيع الأول جاء قرابغا البريدى ، وأخبر يقتل السلطان الناصر ، وكان قتله ليلة السبت السابع عشر من صفر ثم فقع الاتفاق بين مولانا السلطان المؤيد أن يكون نوروز حاكما بالديار الشامية ، وأن يكون مولانا المؤيد حاكما بالديار المصرية ، ثم توجه مولانا المؤيد إلى الذيار المصرية ، فدخلها يوم الثلاثاء الثاني من ربيع الأخر من سنة خمس عشرة وثمانمائة
الفصل السابع في استحقاقه من حيث الباعث عنده إلى نشر العدل والحلم والعفو والصفح إعلم أن هذه الصفات لابذ للملك أن يتصف با ، لأن نظام العالم وانتظام أحوال المسلمين ذه الأشياء ، وذلك كما قيل لا ملك إلا بالجند ، ولا جند إلا بالمال ، ولا مال إلا بالرعية ، ولا رعية إلا بالعدل . فعلمنا أن رأس الأمور هو العدل ، وبه ينتصر الملك ، وينخذل عدوه ، وتعمر بلاده ، ويكون الملك به منصورا في الدنيا ، محظوطا فى العقبى ، وقد روينا عن البخارى يروى بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال . سبعه يظلهم الله يوم القيامة يوم لأظل إلا ظله ، إمام عادل ، وشاب نشا فى عبادة الله ، ورجل يكون قلبه معلقا بالمساجد ، ورجلان تحاببا في الله أجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناة ، ورجل دعته أمراة ذات منصب وجمال فقال : إنى أخاف الله ، ورجل تصدق بيمينه وأخفاها عن شماله. وقد قال بعض الحكماء ، إن الدين بالملك ، والملك بالجند ، والجند بالمال ، والمال بعمارة البلاد ، وعمارة البلاد بالعدل فى العباد] ، لأن الرعية لاتثبت على
الجور ، والبلاد تخرب إذا استولى عليها الظالمون ، ويتفرق أهل الويلات ، ويقع النقص فى الملك ، ويقل الدخل فى البلاد ، وتخلو الخزائن من الأموال ، ويتكدر عيش الرعايا لأنهم لايحبون جائرا ، ولا يزال دعاؤهم عليه متواترا ، فلا يتمتع الملك بمملكته ، وتسرع إليه دواعى هلكته . قال سقراط الحكيم : العالم مركب من العدل ، فإذا جاء الجور فلا يثبت ، ولا يستقر ، وتحدث الحوادث الرديئة ، التى لأيكون معها صلاح ولا نجاح . وستل بزرجمهر : بأى اشىء يظهر عز الملك فقال . بثلائة أشياء : حفظ الأطراف مع دفع العدو عن الجور ، وإكرام العلماء وإعزازهم ، ومحبة أهل الفضل ، لأنه كلما جار السلطان خاف أهل الأطراف ، وإن كانت نعمهم كثيرة غزيرة فإنا مع الخوف لاتنساع ولا تصفو فإذا كانت النعم قليلة أنسات مع الأمن ومولانا السلطان المؤيد فإنه حين ولى أثاز العدل للعباد والبلاد ، وأمنت الناش في أوطانهم على أنفسهم وأولادهم ، وكانوا قبله فى ولاية الناصر [ فرج ] فى وجل عظيم ، ومصادرة وغرامات ، وما كان أحد منهم يستجرىء يلبش ثوبا حسنا خوفا على نفسه من المصادرة ، حتى إمهم صودروا مرارا عديدة ، وأخذت أموالهم ، وفتحت خواصلهم وهم غيب ،
فزاد الظلم فيهم حتى أخذت أموال الأيتام والتجار والغرباء وحصل عليهم مالا يوصف ولايحد ، ولم يزالوا كذلك حتى من الله عليهم بفضله ولطفه ، وأرسل إليهم ملكا اصطفاه واختاره لرفع هذه المظالم ، وإزاحة هذه المفاسد ، ولقب مؤيدا لتأبيد دينه ونصرة شريعته وأما جلمه فإنه أجل من أن يحد ويوصف ، وقد ظهرت آثاره بين الخلق حيث عقا عن جم عفير من الناس قد لعبوا بألسنتهم وبلغه ذلك فحلم بهم ورقق ، عملا بقوله عليه الصلاة والسلام [ كل وال لا يرفق برعيته لا يرفق الله به يوم القيامة وكان من دعاء النتي صلى الله عليه وسلم : اللهم الطف بكل وال يلطف برعيته وأما عفوه عن أصحاب الجرائم وصفحه عن ذوى الجرائر فظاهر لأيخفى ، ولقد ثبت عندنا بأخبار الثقات وبمشاهدة منا وعيان : أنه قد صفح عن كثير ممن ظهرت منه جناية كبيرة ، حتى إن منهم من استحق لها القتل ، وأبلغ من ذلك أنه قد أعطى لبعضهم إقطاعات ، ولبعضهم ويلات من الإمرة والقضاء وغير ذلك ، ولقد هداة الله تعالى حتى دخل في زمرة من دخل في قوله تعالى والكظمين العيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ، ومما حكى أن هارون الرشيد قدم إليه طعام قذما فرع منه استدعى بماء ليغسل يديه فجاءت جارية
بطشت وإبريق فسكبت على يديه ، وكان الماء حارا فأحرق يديه ، فامتلا الرشيد غضبا ، وأراد إيقاء الفعل با ، ففطنت الجارية لذلك فقالت . يا أمير المؤمنين أما سيعت قوله تعالى والكاظمين الغيظ ؟ فقال : كظمت غيهى ، فقالت يا أمير المؤمنين ، وبعده [ والعافين عن الناس » ، قال : عفوت عنك، فقالت : بعده يأ أمير المؤمنين » والله يحب المحسنين، قال : فأنت حرة لوجه الله تعالى ، ولك ألف دينار وحكى أن أبا جعفر المنصور أمر بقتل رجل ، والمبارك بن المفضل حاضر فقال : يا أمير المؤمنين اسمع منى خبرا من قبل أن تقتله : روى الحسن البصرى عن الني - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا كان يوم القيامة واجتمع الناس في صعيد وأحد نادى مناد ، من كان له عند الله حق أو يد فليقم ، فلا يقوم يومتد إلا من عقا عن الناس فقال : أطلقوه فقد عفوت عنه .
الفصل الثامن في استحقاقه السلطنة من حيث الفضل والكرم والاحسان الى أهل العلم والغرباء وافتقاده المنقطعين اعلم أن الدين والملك توأمان فينبغى أن يكون الملك دينا يحب الدين ، لأنهما كالأخوين ، ولدا فى بطن واحد ، فيجب أن يهتم الملك بأمور الدين ، ويؤدى الفرائض فى أوقانا ، ويجتنب البدع والهوى والمنكر ، وذلك لا يحصل له إلا بمجالسة العلماء ، وبالحرص على استماع نصحهم ، وإعزازهم وإكرامهم والإحسان إليهم ، وهذه الصفات الحميدة موجودة فى مولانا السلطان المؤيد .
أما فضله وكرمه وإحسانه إلى أهل العلم والفضل فأظهر من الشمس . ومن جملة الدليل على ذلك : أنه من حين قدم الديار المصرية فى التاريخ الذى ذكرناه لم يزل يحسن إلى أهل العلم والفضل ، من ذهب وفضة وقماش وخيل وغير ذلك ، وفرق مرارا عديدة جملة مستكثرة من الذهب والفضة على أهل المدارس والخوانق وأصحاب الزوايا ، حتى لم يبق منهم أحدا إلا وقد شمله
شىء من ذهب وفضة مما يكفيه إلى مدة طويلة ، بل ربما كان يبقى عنده شىء من ذلك إلى حين إخراج صدقة أخرى ، وكان يرسل أباسا أمناء ثقات ومعهم جملة من الذهب والفضة فينزاون إلى المدينة ، ويجولون في أزقتها وخفاياها ، ويسأون عن المحتاجين والمنقطعين ، فيفرقون عليهم ما يكفيهم ، ويغنيهم عن السعى والترداد إلى الناس ، وهذا شىء لم يفعله ملك قبله .
ومن جملة محاسن مولانا السلطان أنه يذكر بنفسه المنقطعين من العلماء ، ويرسل إليهم جملة من الذهب ، ولقد شاهدنا ذلك في جماعة كثيرين ، منهم الشيخ الإمام العلامة عز الدين ابن جماعة ، وكان يرسل إليه في كل مرة من الذهب الأحمر خمسين دينارا ، ومصارفتها اثنا عشر ألف درهم . ومنهم الشيخ شمس الدين الصوفى والشيخ السالك نصر الله العجمى وغيرهم من العلماء والقادمين إلى الديار المصرية ، .
ولما وقع الغلاء المقرط فى أول سنة تسع عشرة وثمانمائة - بحيث قد عدم الخبز من الذكاكين ، والدقيق من الطواحين والأفران ، بحيت حصل للناس من ذلك أمر عظيم ، حتى إن الإردب من القمح كان يقف على مشتريه مطحونا بألف درهم - أرسل مولانا السلطان المؤيد إلى كل واحد من المدرسين فى المدارس
والمشايخ في الخوانق والزوايا مبلغ عشرة دنانير وإردبا من القمح الطيب ، ورتب فى كل يوم عشرين ألف رعيف من الدقيق الأبيض ، يفرق على كل واحد من الفقراء والمساكين والغرباء القادمين القاطنين في الجوامع والمدارس والخوانق والزوايا رغيفين رغيفين ، وكان إذ ذاك كثير من الناس يأكل خبز الشعير وخبز الجمص والقول ، ومنهم من كان لا يجد الخبز أصلا عشرة أيام وأكثر ، حتى الأغنياء منهم ومعهم المال يدورون فى المدينة وسواحل البحر ، ولأيجدون شيئا ، فإن وجدوا وجدوا بعض شىء بمشقة . وقد وقع للملك الظاهر قبله أنه وقع فى أيامه غلاء ، ففرق فى كل يوم عشرين ألف رغيف على فقراء مصر والقاهرة ، وذلك في سنة تمان وتسعين وسبعمائة ، ولكن أين هذا من ذاك فإن القمح بيع في أيام الظاهر في ذلك الغلاء كل أردبر بمائة وستين درهما ، وفى أيام مولانا المؤيد حين كان يفرق الخبز بلغ الإردب مطحونا إلى ألف كما ذكرنا ، والفرق بين القصتين مثل ما بين الثريا والثرى ، ومع هذا كانت شون الملك الظاهر مملوءة بالقمح وغيره ، وكذلك شون الأمراء والأغيان ، ولم يكن فى شونة مولانا الملك المؤيد قدح من القمح ، ولا فى شون الأمراء إلا نزر يسير ، حتى إن مولانا السلطان المؤيد أرسل مع زين الدين مرجان عشرة آلاف
دينار إلى الوجه القبل ، ليشترى ما قمحا لأجل مصالح المسلمين فحصل لهم بذلك خير كثير ورفق عظيم ومن جملة محاسن مولانا السلطان وإحسانه إلى أهل العلم ، أنه لما قدم الشيخ شمس الدين الهروى من القدس الشريف إلى القاهرة تلقاه بالقبول والتعظيم ، ثم أنزله فى بيت عظيم ، ورتب له كل يوم مائتى درهم ، وثلاثين رطلا من اللحم - الضان ، وأنعم عليه ببدلتين من القماش المختلف ما بين صوف وسنجاب وأبيض وغير ذلك ، وأركبه فرسا خاصا بسرج مغرق كامل العدة وهذا شىء لم يفعله أحد من ملوك الترك قبله .
ومن ذلك أنه أنعم على شخص من أهل العلم قدم من البلاد يدعى قطب الدين بمائة دينار بعد أن اجتمع به مرة أو مرتين ومن ذلك أنه لما قدم القاضى علاء الدين بن المغلىي الحنبلي الحموى تلقاه بالقبول ، وأحسن إليه غاية الإحسان ، ورتب له مرتبات ، ثم ولاة فضاء القضاة الحنابلة بالديار المصرية يوم الإثنين الثابنى عشر من صفر من سنة تمالى عشرة وثمانمائة
ومن ذلك أنه لما قدم الشيخ تفى الدين ابن الحبني الحموى الحنفي أنعم عليه إنعاما عظيما ، وقرره قاضى العساكر ، ومفتى دار العدل ، وكل ذلك لتعظيم العلم وأهله ومن ذلك أنه لما شغر منضب قاضى القضاة الحنفية بالديار المصرية بموت ناصر الدين ابن العديم ، وسعى بعض الناس بالذقب الجزيل لم يلتفت مولانا السلطان إلى ذلك جفظا لحرمة الشرع ، وأرسل إلى الشيخ شمس الدين ابن الديرى الحنفى المفى بالقدس الشريف ، فلما قدم تلقاه بالقبول ، ثم ولاه قضاء قضاة الحنفية يوم الإثنين السابع عشر من جمادى الأولى من سنة تسع عشرة وثمانمائة ومن جملة تعظيمه للعل وأهله ومحبته لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه صرف جملة من الذهب والفضة لقراء البخارى وسامعيه فى القصر السلطاني ، ولم يصرف من الملوك قبله مثل، ذلك ، وكذلك صرف لقراء الطحاوى مائة وخمسين دينار
مصارفتها أربعون ألقا فلوسا جددا ، وكان الناصر قبله يصرف أربعة آلاف فلوسا ، فلننظر الفرق بين العطاءين ، وكان ذلك في كل سنة فى شهر رمضان .
ومن ذلك أن الشيخ محبى الدين يحيى ابن الشيخ سيف الدين السيرامى شيخ الظاهرية الجديدة كان قد ضاقت به الأحوال ، واشتدت به الفاقة إلى أن أراد أن ينتقل من الديار المصرية ، وبلغ السلطان ذلك فمنعه من ذلك ، وأحسن إليه غاية الإحسان ، ورتب له من الجوالى شيئا يبلغ مائة درهم زيادة على مابيده من الوظائف ، وذلك كله لمحبة العلم وأهله .
ومن ذلك أنه أحسن إلى الشيخ شرف الدين ابن الشيخ جلال الدين التباني غاية الإحسان ، وأنعم عليه بوظائف منها النظر على الكسوة ، ووكالة بيت المال ، مشيخة
الشيخونية ، والمرتب على الديوان المفرد بجملته ، والمرتب على الجوالى بجملته زيادة على ما بيده من الوظائف الدينية القديمة وكان السلطان الملك الناصر حسن قد أنعم على الشيخ الإمام العلامة الإتقاني قوام الدين بالتدريس في الجامع الماردينى ومرتبه يناهز ثلاثمائة درهم ، وكان الناس يضربون به المثل ، وأن الأمير شيخون قد فوض مشيخة خانقاته إلى الشيخ أكمل الدين البابرتى ، وكان هذا أمرا عظيما عند الناس ، وكذلك الأمير صرعتمش فوض مشيخة مدرسته، إلى الشيخ
الإمام العلامة قوام الدين الإتقاني ، وكان في ألسنة الناس أمرا عظيما . فاطلب الفرق بين هذا وبين ما فعله مولانا المؤيد بواحد من العلماء المذكورين تجدة كما بين السماء والأرض ومن جملة تعظيمه للعلم والعلماء شرع فى بناء مدرسة وجامع بحذاء باب الزويلة ، وكان شروعهم في هدم خزانة الحبس والأملاك المجاورة لها فى العشر الأول من ربيع الأخر من سنة تمانى عشرة وثمانمائة ، وكان الشروع في حفر أساسها يوم الخميس الرابع من جمادى الأخرى من السنة المذكورة ، ورتب فيها صناعا وبنائين ومهندسين وعتالين وفعلة وغيرهم من أناس كثيرين ، ورتب ذواب كثيرة من الحمير والجمال برسم نقل الأتربة والحجارة والطين وغير ذلك ، ولقد سمعت مولانا السلطان المؤيد نصره الله يقول ،: يصرف فى كل يوم برسم علائق دواب العمارة خمسمائة عليقة ، والمستول من الله تعالى إتمامها بفضله وكرمه - وهذا كله من غاية محبته للعل والعلماء ، واجتهاده فى إقامة منار الشريعة ، ورفع أهلها الأجلاء ، فالله تعالى يديم نعمه عليه ، ويسوق سحب فضله إليه
الفصل التاسع في استحقاقه السلطنة من حيث قربه من الناس وتواضعه واختلاطه بالعلماء والفقراء اعلم أن التواضع أمر ممدوح ، فإذا كان من الملك يكون أوقع فى المدح ، وقال صلى الله عليه وسلم من تواضع لله ألبسه الله حلل الكرامة يوم القيامة أما تواضع مولانا السلطان فأجل من أن يخفى على أحد ، قد علم بذلك جميع الناس ، وذلك لأنه يصل إليه كل من يقصده ولا يمنع من بابه ، ولذلك ازدحمت على بابه أهل العل والفقه والحديث ، وأصحاب الفضائل والنوادر ، وأصحاب سائر الصناعات الدقيقة ، بخلاف من كان قبله من الملوك ، فإنهم كانوا محجوبين ، وأهل الفضائل عنهم ممنوعين ، حتى إن أحدا من ذوى الحاجات ، أو من ذوى الفضل والأدب لو أراد أن يجتمع بواحد منهم لكان يحتاج إلى زمن طويل ، وإلى وسائط كثيرة من الناس ، ولذلك كانت أماكنهم خالية من العلماء ومجالسهم خاوية من الفضلاء
وأما اختلاطه بالعلماء والفقراء فظاهر . فلذلك كان يوم الأحد والأربعاء يجتمع عنده جماعة من العلماء وطائفة من الصلحاء ، يقعدون عنده - وهوفيما بينهم كأحدهم - من قبل العصر بساعة إلى قرب المغرب في القصر ، يتباحeون بالعلوم الشريفة ويتذاكرون من المسائل العويصة ، وهو يسمعهم وربما يشاركهم بلطف وأدب ، ثم إذا فرغوا يأمر بأن يسقوا من السكر المكرر المعد لنفسه فى سلطانيات كبار ، في كل سلطانية قطعة كبيرة من الثلج في أيام الصيف والهواجر ، وهذا شىء لم يفعله أحد من الملوك قبله ، وكذا يجتمع عنده في غالب ليالى الجمع جماعة من الفقهاء وطائفة من القراء والوعاظ ، فيقعد معهم إلى أنصاف الليالى ، فاقراء يتذون كتاب الله ، والعلماء يتباحتون بالعلوم ، والوعاظ ينشدون القصائد والموشحات ، ويمضى كل وقت لأيوجد له نظير ، وأعد لهم من الأطعمة المختلفة ، وامواكيل الطيبة والمشارب الرائقة ، والفواكه البديعة ، بحيث إنهم يأكلون من ذلك ويحملون ، وهذا شىء لم يفعله أحد قبله من الملوك ، ومع هذا يحين إلى كل واحد منهم بحسب ما يليق بحاله . ومن جملة من أحسن إليه مؤاف هذه السيرة المؤيدية من ذهب وفضة ، وخلعة بتقريره في الجسبة الشريفة
بالقاهرة المحروسة ، ثم بخلعة أخرى بتقريره في نظر الأحباس بالديار المصرية ، وكل ذلك كان منه على المؤلف أنعاما ، فنرجو من الله تعالى دوام سعادته ، وطول أيامه ، إنه على ذلك قدير
الفصل العاشر في استحقاقة السلطنة من حيث تعينه لها لانفراده في زمنه لعدم يدانية أو يقاربه أعلم أن الشخص إذا انفرد بأوصاف وتعين بها لاستحقاق وظيفة من الوظائف يجبا عليه أن يقبل تلك الوظيفة لتعينه لذلك ، حتى إذا لم يقبل وتولى من لم يتعين لذلك أثم كلاهما ، أما المتعين فلتركه الواجب عليه ، وأما الأخر فلإقدامه على أمر غيره أولى بتعيينه فيه ، مع عدم قدرته على أداء حقوق ذلك الأمر ، وسواء كانت تلك الوظيفة وظيفة قضاء ، أو ولاية على موضع ، أو سلطنة على إقليم ، أو وظيفة تدريس أو مشيخة ، وغير ذلك من الأسباب فإذا تولى وظيفة من هو غير أهل لها أو عاجز عن أداء حقوقها يظهر منه فساد عظيم ، ويختل نظام أمور المسلمين ، وقد فسدت بلاد كثيرة بتولية من لأيصلح المولاية ، يقف على ذلك من ينظر فى تواريخ الملوك والحكام ، ولا ينكر ذلك إلا معاند فمن ذلك عرفت أن مولانا الملك المؤيد قد كان معينا
للسلطنة ، والسلطنة كانت متعينة له ، لوجود شروط السلطنة فيه . وقد ذكرناها فيما مضى ، وإنما قلنا إن السلطنة قد تعينت له وهو قد تعين لها لانفراده في زمنه في المملكة الإسلامية وأهل مملكتها من الترك والجركس والروم أما من الترك فظاهر ، ومن الروم كذلك ، فإنه لم يكن فى هاتين الطائفتين أحد يمائل مولانا المؤيد ولا يدانيه ولا يقرب منه ، لوجود الصفات المذكورة في مولانا المؤيد وعدمها فيهم ، مع شهرته العظيمة ، وبعد صيته فى البلاد ، وعند ملوك الأطراف ، وتقدم الويلات له فى القلاع الإسلامية والبلاد الشامية والحلبية والصفدية والطرابلسية والكركية وغير ذلك كما ذكرناه .
وأما من الجركس فكذلك لم يكن فيهم من يشامه ولا يقاربه وأما ما كان من نوروز فإنه لم يكن أهلا لأن يكون حاكما ، لأنه كان عسوفا جبارا متكبرا غضوبا سريع الغضب بطىء الرجوع . والغضب هو عدو العقل وآفته ، ولم يكن في غضبه مائلا إلى جانب العفو ، بل كان مصرا على الانتقام ومولانا الملك المؤيد بخلاف ذلك لأنه حليم رحيم متواضع بطىء الغضب ، سريع الرجوع ، مائل في غضبه إلى جانب العفو ، غير مويد للانتقام ، فلذلك قدمه الله عليه وعلى غيره
على رغم آنافهم ، وكساه حلة السلطنة ، وزين به مملكة الإسلام ، وأقام به منار الشرع والعدل ومن جملة تواضعه أنه كان عنده جمع من العلماء ، وزمرة من الفضلاء يوم الأحد مستهل جمادى الأولى من سنة تسع [ عشرة] وثمانمائة ، وكانوا يتذاكرون في المسائل الفقهية والعلوم الشريفة إلى أن انتهى كلامهم إلى ذكر الخطبة وحال الخطباء ، فعند ذلك أمر مولانا السلطان المؤيد لخطيبين كانا هناك من أكابر الخطباء وهما الشيخ زين الدين أبو هريرة بن النقاش خطيب جامع أحمد بن طولون ، والشيخ شهاب الدين بن حجر ، أبهما إذا كانا يخطبان وهما قائمان على ذرجة من ذرجات المنبر ينزلان إلى ذرجة أسفل من تلك الدرجة عند وصولها إلى ذكر اسمه تعظيما لاسم الله سبحانه وتعالى ، وتوقيرا لاسم النتي صلى الله عليه وسلم ، حتى لا يتساوى اسمه مع اسم الله واسم رسوله عند الذكر فى
مكان واحد ، فهذا يدل على غاية حسن الاعتقاد ، وغاية تواضعه ، فمن يكون هذا اعتقاده ، وهذه الصفات الحميدة صفاته كيف لايستحق السلطنة » وهذا الذى أمر به للخطباء شىء لم يفعله أحد من الملوك لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ، فإن أردت صدق ذلك فانظر فى توازيخهم وسيرهم ، فلهذه الأمور اختاره الله تعالى لهذا المنصب العظيم ، وجعله نائب رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسلكه في زمرة من سلكهم في ظله حيث قال نبيه الكريم ، عليه أفضل الصلاة وأشرف التسليم .
السلطان ظل الله في الأرض يأوى إليه كل مظلوم ومن ذلك أنه أخبر بتوليته الشريفة قبل وقوعها جماعة من الصلحاء ، وأهل الخير ، وبعض أهل الملاحم فى بعض مؤلقامهم ، ورأيت فى شرح ملحمة ابن عربى يذكر صفات مولانا السلطان ، وتوليته السلطنة بالديار المصرية ، ومن جملة ما ذكر ابن عربى أنه يتولى بعد الباء والفاء والعين شين ، وقد ظن بعض الناس أنه من شعبان أو نحوه ، قال الله
تعالى : إن بعض الظن إثم ولم يدروا أن هذا هو الشين الذى ذكر الله تعالى نظيره في الفرآن على مارمزنا إليه فيما تقدم ، ورثيت له مناسبات صالحة منها ما ذلت على وقوع سلطنته ، ومنها مادل على حسن حاله وطول أيامه ، ومنها ما رآه الفقير إلى الله تعالى حسن الأحمدى ، وذكر أنه كان نائما فى ليلة الجمعة السابع عشر من ربيع الأول من سنة تسع وتمانمائة ، ورأى نفسه أنه كان مارا تحت قلعة الجبل ، وكان تختها ناس كثير ، يقول بعضهم لبعض انظروا ، فنظروا فإذا بطائرين عظيمين على سور القلعة ، كل واحد قدر الجمل العظيم ، ثم رأيتهما تخولا شابين من أحسن مايكون ، وفى ظنى أنبما ملكان من الملاثكة ، وتحول سور القلعة جديدا ، ثم بسطا أيديهما وسألا الله تعالى لمولانا السلطان يقولان : يارب خلعة للسلطان ، وإذا فى يد أحدهما سيف فناوله لمولانا السلطان ، فهزه السلطان بيده فخرج منه نور حتى بانت أرض الشام وما فوقها ، وقائل يقول .
انظروا إلى هذا النور كيف دخل إلى بلاد لم يملكها ملك أبدا ، فالتفت ذلك الملك إلى الناس وقال : إن الله أعطاه وعلى العباد ولاه ، وبلعه مناه ، والمخذول من عاداه ، ثم
إنهما اختفيا عن أعين الناس ، ثم إنى رأيت مولانا السلطان والسيف بيده راكبا على فرس أخضر وعليه قباء أحمر .
والناس ينظرون إليه وقد خرج من مكان ضيق إلى مكان واسع خضر نضر ، وقد حصل له بسطة في جسمه وعلا علوا حتى مسك الشمس بيده ، فخطر للفقير أن يسكت عن هذا الأمر ، وإذا بقائل يقول : لاتخفه ، فانتبهت فرحا مسرورا وبلغنى عن شخص من أهل العلم أنه حكى عن شخص من أهل الصلاح أنه رأى مولانا المؤيد قبل تسلطنه وهو واقف على سطح الكعبة المشرفة ، وبيده مكنسة يكنس بها سطح الكعبة ، فقصها على شخص من أهل العلم فقال : إن صدق منامك يتولى هذا الرجل السلطنة ، لأن كنس سطح الكعبة خدمة لها ، والسلطان يدعى خادم الحرمين - وهكدا وقع ، والله ولى التوفيق
الباب السابع فيما ينبغي له أن يفعل وما لا يفعل
اعلم أنه من جملة الواجبات أن يعرف الملك قدر الولاية ، ويعلم خطرها ، فإن الولاية نعمة عظيمة من نالها نال من السعادة ما لا نهاية له ، والدليل على عظم شانا وجلالة قدرها ما روى عن النتي صلى الله عليه وسلم أنه قال عدل السلطان يوما وأحدا أفضل من عبادة سبعين سنة وقال صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده إنه ليرفع للسلطان العادل ، إلى السماء من العمل الصالح مثل جملة عمل رعيته ، وكل صلاة يصليها تعدل سبعين ألف صلاة » فإذا كان كذلك فلا نعمة أجل من أن يعطى العبد ذرجة السلطنة ، وتجعل ساعة من عمره بجميع عمر غيره ويحكى أن ملك الروم أرسل إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه لينظر إلى أفعاله ، فلما دخل المدينة قال : يا أهل المدينة أين ملككم ؟ قالوا : مالنا ملك بل لنا أمير قد خرج إلى المدينة ، فخرج الرسول فى طلبه ، فرآه نائما فى الشمس فوق التراب على الأرض ، وقد وضع الدرة تحت رأسه كالوسادة ، فلما رآه الرسول على هذه الصفة وقع الخشوع في قلبه فقال : رجل تابه جميع الملوك في أقضى الأرض ولا يقر لهم قرار
من هيبته وتكون هذه حالته ولكنك يأعمر عذلت فأمنت فنمت ، وملكنا يجور ولا جرم أنه لايزال ساهرا خائفا ، أشهد أن دينكم هذا هو الدين الحق - فأسلم ومنها أن يشتاق أبدا إلى رؤية العلماء ، ويحرص على استماع نصحهم ، وأن يخذر من روية علماء السوء الذين يحضون على الدنيا ، فإنم يتنون عليك ويغرونك ، ويطلبون رضاك ، طمعا لما فى يدك من حطام هذه الدنيا ،: ليحصلوا منه شيئا بالمكر والخداع والحيل ومنها أنه لاينبغى للملك أن يقنع برفع يدو عن الظلم ، لكن يهدب علمانه وأصحابه وعماله ونوابه ، ولا يرضى لهم بالظلم ، فإنه يسأل عن ظلمهم كما يسأل عن ظلم نفسه وكتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى عامله أبى موسى الأشعرى : أما بعد .: فإن أسعد الولاة من سعدت به رعيته ، وإن أشقى الولاة من شقيت به رعيته ، فإياك والتبسط فإن عمالك يقتدون بك في الأمور ، وإنما مثلك مثل دابة رأت مرعى مخضرا فمالت إليه ترعى منه وسمنت ، وكان سمنها سبب هلاكها ، لأنا بذلك السمن تذبح وتؤكل ومنها أنه في كل واقعة تصل إليه وتعرض عليه فينبغى أن يقدر أنه واحد من جملة الرعية وأن الحاكم سواه ،
وكل مالا يرضاه لنفسه لأيرضاه لأحد من المسلمين ، وإن هو رضى لهم بما لأيرضاه لنفسه فقد خان رعيته ولم يعدل فى أهل ولايته . ويحكى أن النتي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا يوم بدر فى ظل شجرة فهبظ عليه جبريل عليه السلام فقال : يا محمد تقعد في الظل وأصحابك فى الشمس فعوتب في هذا القدر ومنها ألا يحقر انتظار أرباب الخوائج ووقوفهم بباب داره ، ويخدز من هذا الخطر العظيم ، ومهما كان لأحد من الخلق من حاجة فلا يشتغل عنه بنوافل العبادة . فإن قضاء حوائج المسلمين أفضل من نوافل العبادة . وكان عمر بن عبد العزيز يوما يقضى حوائج الناس فجلس إلى الظهر وتعب ، فدخل داره ليستريح من تعبه ، فقال له ولده ، وما الذى وما الذى يوشك أن يأتيك ملك الموت وعلى بابك منتظر لحاجته إليك وأنت مقصر فى حقه ، فقال : صدقت يابنى ، ثم نهض وعاد إلى مجلسه ومنها أنه لأيعود نفسه الاشتغال بالشهوات ، من لبس الثياب الفاخرة ، وأكل الأطعمة الطيبة ، لكن يستعمل القناعة في جميع الأشياء ، فلا عدل إلا بالقناعة وحكى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال يوما لبعض الصالحين : هل رأيت شيئا من أحوالى تكرهه آ قال : سمعت
أنك وضعت رغيفين في ماتئدتك، وأن لك قميصين . أحدهما لليل والأخر للنهار ، فقال له عمر رضى الله عنه : هل غير هذين شىء فقال لا فقال : والله إن هذين أيضا لا يكونان.
ومنها أن يجتهد أن ترضى عنه جميع رعيته بموافقه الشرع ، وينبغى ألا يغتر بكل من وصل إليه وأثنى عليه ، وألا يعتقد أن جميع الرعية مثله راضون عنه ، فإن الذى يثنى عليه إنما يفعل ذلك من خوفه منه أو من طمعه ، بل ينبغى أن يرتب ناسا يعتمد عليهم يسالون عن حالاته من الرعية ويتجسسون ليعلم عيبه من ألسنة الرعية ومنها ألا يطلب رضاء أحد من الناس بمخالفته الشرع ، فإنه من سخط بخلاف الشرع لأيضره سخطه ، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول : إننى أضبح كل يوم ونصف الخلق على ساخط ، ولأبد لكل من يؤخذ منه اأحق أن يسخط .
ومنها أنه ينبغى للملك أن ينظر فى أمور رعيته ، ويقف على قليلها وكثيرها ، وجليلها وحقيرها ، ولا يشارك رعيته في الأشياء المذمومة ، ويجب عليه احترام الصاحين ، والمسارعة في نصيحة العارفين ، وأن يثيب على الفعل الجميل ويعاقب المفسد على ارتكاب الفساد ، ولا يحابي من أصر على المعصية من العباد ؛ ليرغب الناس فىي الخيرات ويتجنبوا من
السيئات ، ومتى كان الملك بلا سياسة ولم ينه المفسد عن الفساد ، وتركة على المراد ، أفسد سائر الأمور فى البلاد قالت الحكماء : طباع الرعية نتيجة طباع الملك لأن للعامة يقتدون بملوكهم ، ويتعلمون منهم ، ويلزمون طباعهم قالت الحكماء : الملك كالسوق . وكل أحد يجلب إلى السوق ما يعلم أنه نافق ، وإن الناس بملوكهم أشبه منهم بزمانهم ، والله تعالى لأيخفى عليه شىء من أقعال عبيده ، وإنه ينصف المظلوم فى الدنيا ولكن نحن غافلون وحكى أن موسى - عليه الصلاة والسلام - كان يناجى ربه على الطور فقال : إلهى أرفى من بعض عذلك ، فقال : يا موسى لاتصير على ذلك . فقال : إلهى أصبر بمشيئتك فقال : أمض إلى العين الفلانية ، واقعد بإزائها مختفيا ، وانظر إلى قدرتى وعلمى بالغيوب ، فمضى موسى وصعد إلى تل بإزاء تلك العين وقعد مخفيا ، فوصل إلى العين فارس فنزل عن فرسه ، وتوضا من العين ، وشرب ، وحل من وسطه هميانا فيه ألف دينار فوصعه إلى جانبه وصلى ، ثم ركب ونسى الكيس في موضعه ، فجاء بعده صبني صغير فشرب من الماء ، وأخذ الهميان ، ومضى فجاء بعده شيخ أعمى فشرب وتوضا ووقف يصلى وذكر الفارس المهيان
فرجع إلى العين فوجد الشيخ الأعمى فلزمه وقال : إننى نسيت هميانا فيه ألف دينار فى هذا الموضع في هذه الساعة ، وما جاء إلى هذا المكان أحد سواك ، فقال : أنا رجل أعمى كيف أبصرت هميانك ؟ فغضب القارس من قوله ، وجدت سيفه فضرب به الأعمى فقتله ، وفتشه عن الهميان فلم يجده ، فتركه ومضى ، فقال موسى عند ذلك ، إلهى وسيدى . قد نفذ صبرى ، وأنت عادل ، فعرقتى كيف هذه الأحوال ، فهبط جبريل عليه السلام ، فقال : يأموسى . البارى جلت قدرته يقول لك : أنا عالم الأسرار ، أعلم مالا تعلى أما هذا الصبى الصغير الذى أخذ الهميان فأخذ حقه وملكه ، وكان أبو هذا الصبى أجيرا لذلك الفارس ، واجتمع له عليه بقدر مافى الهميان ، فالأن وصل الصنى إلى حقه ، وأما ذلك الشيخ فإنه قبل أن يعمى قتل أبا ذلك الفارس ، فقد اقتض منه ، ووصل كل ذى حق إلى حقه ، وعدلنا واأنصافنا دقيق كما ترى فلما سمع موسى ذلك تخير واستغفر ومنها أنه يجب عليه أن يسال عن أحوال نوابه وعماله كل ساعة ، فإذا تحقق عنده أن أحدا على غير طريق عزله وأبدله بغيره ممن هو أهل للولاية ، ويوصى عند توليته بالنصح للمسلمين . وكان عمر رضى الله عنه إذا أنفذ عمالا إلى بلد قال لهم : اشتروا ذوايكم وأسلحتكم من أرزاقكم ،
ولا تمدوا أيديكم إلى بيت مال المسلمين ، ولا تغلقوا أبوابكم دون أرباب الحوائج ومنها أنه يجب على الملك أن يكون صاحب سياسة ، لأن الملك الذى لا سياسة له ليس له فى أعين الناس خطر ولا محل ، بل يكون الحلق عليه ساخطين ، يذكرونه في كل وقت بالقبيح ، ويدعون عليه في الخلوات ، وفى أثناء الليالى ، فلا يدوم ملكه ومنها : ينبغى للملك أن يجعل وزيره الرأى ، ونديمه التدير فى الأمور والإكثار من قراءة الأخبار ، وحفظ سير الملوك ، والفحص عن الأحوال ، وترك الغفلة والإهمال ، والنظر إلى الأعمال التى اعتمدها الملوك وعملوا بما ، لأن هذه الدنيا بقية دول المتقدمين الدين ملكوها ، ثم مضوا وانقرضوا ، وصاروا تذكارا للناس ، : يذكر كل إنسان منهم بفعله قال أرسطاطاليس : للدنيا كنز وللأخرة كنز ، فكنز هذه الدنيا حسن الثناء ، وطيب الذكر ، وكنز الأخرة العمل الصالح ، واكتساب الأجر وسأل الإسكندر أرسطاطاليس : أيما أفضل للملوك ، الشجاعة أم العدل قال الحكيم إذا عدل السلطان لم يحتج إلى الشجاعة وكان الإسكندر فى بعض الأيام راكبا في موكب فقال له
رجل من خواصه : إن الله سبحانه وتعالى قد أعطاك ملكا عظيما فاستكثر من النساء لتكثر أولادك فتذكر ب م بعدموتك ، فقال له الإسكندر : ليس ذكر الرجال بعد موتهم بكثرة الأولاد لكن بحسن السيرة والعدل فى الرعية ورجل غلب رجال الدنيا وملوكها لايجوز له أن تغلبه النساء ومنها : ينبغى للملك أن يقسم النهار أربعة أقسام ، قسم لعبادة الله وطاعته وقسم للنظر فى أمور السلطنة ، وإنصاف المظلومين ، والجلوس مع العلماء والعقلاء ، وأربات الأراء لتدبير أمور المملكة ، وأخذ رأهم في السياسة ، وإقامة الهيبة ، وانتظام أمور الجمهور ، وعمارة الثغور ، وكتابة الكتب ، وإنفاذ الرسل وتركيب الحجة على الخليقة ليسلكوا أحسن الطريقة ، وقسم للاكل والشرب والنوم ، وأخذ الحظوظ من الفرح والسرور وقسم للصيد ولعب الكرة والصولجان وما أشبه ذالك ، ولا ينبغى أن يواظب عليها ولا على لعب الشطرنج والنرد ونحوهما ، فإن المواظبة على هذه الأشياء تشغله عن النظر فى أمور الولاية ، فيتطرق عليه الخلل في أمور المملكة ومنها : يجب عليه أن يجتنب مجالس الملاهي والمغاني والمسكرات وسائر المنكرات ، خصوصا إذا واظب عليها فإن ذلك يشغله عن السياسة والعدل ، والنظر فى مصالح الرعية فيتطرق عليه الفساد ، ويقل مال الخزانة ، ويثول أمره إلى الضعف . وقال أرسطو طاليس : أربعة أشياء على الملوك من جملة الفرائض ،
إبعاد الأشرار عن مملكتهم ، وعمارة المملكة بتقريب العقلاء ، وحفظ أراء المشايخ وأولى الحكمة والتجربة ، والزيادة في أمر المملكة بالإقلال من الأعمال الدنية ويقال لما تولى الأمر عمر بن عبد العزيز كتب إلى الحسن البصرى . أن أعنى بأصحابك ، ف كتب إليه : أما طلب الدنيا فلا ننصح لك ، وأما طلب الأخرة فلا نرغب فيك ، وتحت هذه معان كثيرة ، وما يعقلها إلا أولو الألباب .
الباب الثامن في من يوليه على خواص نفسه وعلى الرعية
إعلم أن مما يتعين على الملك إذا أراد أن يول جماعة على خواص نفسه أن يختار من حاشيته أمناء الناس وأتقياءهم وخيارهم خصوصا على من يوليه على مآكله ومشاربه ، ولايتهاون فى ذلك ، فإن كثيرا من الملوك يأنى عليهم أمور ومفاسد من جهة هؤلاء ، ولذلك ينبغى ألا يوبى عملا من أعماله من ليس أهلا لذلك ، كيلا يقع الفساد فى المملكة . ألا ترى كيف حكى الله تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام « اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم ، يعى أمين كاتب حاسب وسأل بعضهم بهرام جور : إلى كم يحتاح السلطان حتى يكون واثقا بدوام دولته ، ويرضى عنه أهل مملكته ؟ فقال : يحتاج إلى ستة أشياء : أحدها الوزيز الصالح الأمين المشفق الثاني الفرس الجواد ليوصله يوم الحاجة إلى النجاة ، والثالث السيف القاطع ، والسلاح المحكم ، والرابع المال الجزيل خصوصا ما خف حمله وكثر زمده ، كالجوهر واللؤلؤ والياقوت وغير ذلك ، والخامس الزوجة الحسناء لتكون مؤنسة لقلبه ، السادس الطباخ الخبير الذى يكون له خبرة بأنواع الأطعمة وإيصاف الأدوية وقال أردشير : يجب على الملك أن يطلب أربعة أشياء : الوزيز الصالح الأمين العاقل ، والكاتب العالم الورع ، والحاجب
الشفوق ، والنديم الناصح ، لأنه إذا كان الوزير أمينا صالحا دل على بقاء الملك وسلامته من الآفات ، وإذا كان الكائب عالما دل على عقل الملك ورزانته ، وإذا كان الحاجب شفوقا دل على أن أهل المملكة لم يغضبوا على الملك ، وإذا كان النديم صالحا دل على انتظام أهل المملكة وصلاحهم قال أهل التجارب : يجب أن يكون الوزير عالما عاقلا ناصحا شيخا لأن الشاب وإن كان عاقلا لا يكون فى التجربة كالشيح ، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم : البركة مع أكابرهم ، فإذا كان الوزير شيحا فهو زين السلطنة ، وبه تتأكد الأمور وينجح المطلوب .
قال أردشير بابك ديجب أن يكون الوزير متثبتا عالما عارفا متيفظا واسع الصدر ، شجاعا بارعا حسن المقالة ، مليح الوجه ، حسن الصورة ، كامل العقل ، كثير الصمت ، متواضعا سخيا محبوبا إلى الناس ، نظيف العرض ، محمود الطرائق ، جيد الاعتقاد ، صحيح المذهبز ، خبيرا بغوامض الأشياء ، وأن يكون ذا تجارب . فإذا كان كذلك حسن حال الملك واستقامت أمور دولته ومن أعظم الواجبات على الملك أن يكون رسلة إلى ملوك الأطراف علماء أمناء صادقين في أقوالهم تاركين الطمع .
وفيه سئل بعض الحكماء : أى الأشرارأكثرشرا ؟ فقال:
الرسل الخونة الذين يخونون في الرسالة لأجل أطماعهم فكل خراب المملكة منهم ، كما قال أردشير فى حقهم : كم سفكوا من الدماء ، وكم هزموا من الجيوش ، وكم هتكوا من أستار ذوى الحرمات الأحرار ، وكم أخذوا من الأموال بالمكر والاحتيال ، وكم من يمين كذبوها لخيانتهم ، وكم من عهود نقضوها بقلة أمانتهم وكان ملوك العجم في هذا الأمر يتحرزون ويتحفظون ، وما كانوا ينفذون رسولا حتى يجربوه ويمتجنوه ، وبعد ذلك إذا عرفوا أمانته وصدقه ونصحه أنفذوه . ويقال عن ملوك العجم إنهم كانوا إذا أرسلوا رسلهم إلى الملوك أرسلوا معهم جاسوسا ليكتب جميع ماقالوه وسمعه ، فإذا عاد الرسول قابلوا كلامه بالنسخة التي كتبها الجاسوس ، فإن صح كلامه علموا أنه صادق ، فكانوا يرسلوته بعد ذلك إلى الأعداء ويحكى أن الإسكندر أرسل رسولا إلى الملك دارا بن دارا ، فلما رجع الرسول وأعاد الجواب شك الإسكندر فى كلمة تكلم بها الرسول ، فأنكر عليه الإسكندر ، فقال . يا مولاى أنا سمعت هذه الكلمة منه بأذفى هاتين ، فأمر الإسكندر أن يكتب كتاب وتكتب تلك الكلمة بعينها فيه ، ثم أرسله إلى دارا مع رسول أخر ، فلما وصل إليه وقراه قلع تلك الكلمة من الكتاب بالسكين وأعاده إلى الإسكندر ، و كتب إليه :.
إن الاعتماد على مقالة الرسل الأمناء ، لأن الرسول لسان الملك،
يقول ما يقوله الملك من السؤال ، ويسمع ما يسمعه من الجواب، ورسولك قد خان فى التبليغ ، ولم أجد سبيلا إلى قطع لسانه فقلعت تلك الكلمة من الكتاب ، لأما لم تكن من كلامى ولاتلفظت با . فعند ذلك طلب الرسول ، فقال : ويلك ماحملك على إتلاف ملك من الملوك بتلك الكلمة التى تكلمت بها؟
فقال : إنه قصر فى حفى وأسخطنى ، فقال الإسكندر أرسلتك للإصلاح أو للفساد » وتسعى فى الناس بالغرض والكذب والفساد؟ ثم أمر به فسل لسانه من قفاه وسئل ملك من الملوك - وكان قد زال عنه الملك - فقيل له : لأى سبب زالت الدولة عنك وسلبت المملكة منك؟ فقال : لاغترارى بالدولة والقوة ، ورضابى برأبى ، وتوليتى لأصاغر العمال على أكابر الأعمال ، وتضييعى الحيلة في وقتها ، وقلة تفكرى فى العاقبة ، والتوقف فى مكان العجلة ، والعجلة في مكان التوقف ، والتهاون في قضاء حوائج الناس ، والتجاوز عن أصحاب الذنوب ، وترك الإحسان إلى مستحقيه قال برويز : ثلائة لا يجوز للملك التجاوز عن سيئاتهم : من قدح فى ملكه ، ومن أفشى [سره ]، ومن أفسد فى دولته والنصائح كثيرة ، ومولانا السلطان المؤيد ا من العارفين ، ولكنها هى ذكرى والذكرى تنفع المؤمنيين
البابه التاسع في بيان تاريخ سلطنته ومادل عليته تأريخه
قد ذكرنا أن مولانا المؤيد دخل الديار المصرية يوم الثلاثاء ثانى ربيع الأخر من سنة خمس عشرة وتمانمائة ، ومعه الخليفة المستعين بالله ، وكان دخولهم من باب النصر ، وفرشت لهما شقق من التبانه إلى باب السلسلة ، وطلع الخليفة القصر والسلطان إلى باب السلسلة .
وفى يوم الإثنين تامن ربيع الأخر اجتمعت الأمراء عند المستعين وخلع على مولانا المؤيدخلعة عظيمة ، فوض إليه سائر الأمور - والأمور بالديار المصرية - وخلع على الأمير طوغان [الحسني ] واستقر على دويداريته ، وعلى الأمير شاهين الأقرم ، واستقرأميرسلاح كما كان ، وعلى يلبغا الناصرى ، واستقر أمير مجلس ، وعلى الأمير إينال الصصلانى ، واستقر حاجب الحجاب عوضا عن الناصرى ،
وعلى الأمير سودون الأشقر ، واستقر رأس نوبة النوب عوضا عن الأمير سنقر [ الرومى ] وفى يوم الثلاثاء تاسع ربيع الأخر عرض مولانا المؤيد المماليك السلطانية وغيرهم ، وفرق عليهم الإقطاعات بحسب الحال وفى يوم السبت الثالت عشر من ربيع الأخر ، خلع على الأمير تاج واستقر والى القاهرة عوضا عن باء الدين بحكم عزله وفى يوم الجمعة الثالت والعشرين من جمادى الأولى خلع على القاضي صدر الدين بن الأذمى ، واستقر في قضاء القضاة الحنفية عوضا عن القاضى ناصر الدين بن العديم
ذكر سلطنة مولانا السلطان المؤيد خلد الله ملكه لما كان مستهل شعبان من سنة خمس عشرة وثمانمائة اتفقت الأراء من الأكابر والأصاغر ، خصوصا من العلماء والصلحاء والقضاة على تولية مولانا السلطان المؤيد ، لاضطراب الأمور ، واحتياج الزمان إلى سلطان كبير ، يفهم الخطاب ويرد الجواب، ويكون صاحب لسان وحسام ، وقهم وإقهام ، فلذلك عقدوا لمولانا الملك المؤيد لما علموا فيه من حسن سيرته ، وكمال شجاعته وفروسيته ، ووقور عقله ومروءته ، وحسن تدبيره في سيادته، وانقياده لسنن النتي عليه السلام وشريعته ، ولما فيه من المصلحة التامة للخاصة والعامة ، ولاستحقاقه السلطنة من الوجوه التى ذكرناها ، فعقدت له بحضور القضاة والعلماء ، والأمراء والأعيان من العساكر الإسلامية وغيرهم ، وألبس خلعة الخلافة المعظمة ، وهى فرجية سوداء بتركيبة زركش، وطرز زركش ، وعمامة سوداء بطرف ذهب مرقوم ، وسيف بداوى مسقط بذهب ، وتحت الفرجية حريرأخضر . وتكني
بأبى النصر - نصره الله - وتلقب بالمؤيد - أيده الله - وركب من الاسطبل السلطاني وطلع إلى القصر من باب الشر، وتباشرت الناس بذلك ، ودقت البشائر وزينت مصر والقاهرة ، وكان ركوبه في ساعة عظيمة ، فيها بشارة عظيمة لمولانا السلطان - عز نصره - من ثبات دولته وطول أيامه بالخير والهناء ، يعرف ذلك من تمعن نظرة في هذا الجدول .
من هائور من تشرين الثاني من اسفندارماه الغجر بالزبانا ، وقد ذكر بعض المحققين من أهل الملاحم في ملحمة وضع فيها جدولا ذكر فيه سلاطين الترك نصورهم ، وفيهم مولانا السلطان - نصره الله تعالى - ،
الباب العاشر في الحوادث والأمور التي وقعت في أيامه
ففى يوم السبت السادس من شعبان سادس يوم سلطنة مولانا السلطان خلع على الأمير طرباى [ الظاهرى ]، وسفر على البريد إلى ذمشق ، ومعه خلعة للأمير نوروز وفى يوم الإثنين الثامن من شعبان عملت خدمة الإيوان ، وخلع على يلبغا الناصرى ، واستقر أتابك العساكر بالديار المصرية ، وعلى طوغان [الحسني ] واستقر على وظيفة الدويدارية ، وعلى شاهين كدك [ الأفرم ] أمير سلاح ، وعلى سودون الأشقر رأس نوبة كبير - على حاله- وخلع على قانباى المحمدى ، واستقرأمير أخور كبير وعلى سائر أرباب الوظائف والمباشرين ، وهم : فتح الله كاتب السر الشريف ، وبدر الدين بن نصر الله ناظر الجيش المنصور ، والصاحب سعد الدين بن البشيرى ، وتقى الذين
ابن أبى شاكر . ناظر الخواص الشريفة ، وغيرهم وفى يوم الخميس الحادى عشر من شعبان خلع على القضاة الأربعة ، وهم القاضى جلال الدين البلقيى الشافعي والقاضي صدر الدين بن الأذمى الحنقى ، والقاضى شمس الدين المذى المالكى ، والقاضى مجد الدين سالم الخنبلى وشمس الدين محمد بن الشيخ جلال الدين ، واستقر قاضى العسكر المنصور وفى أوائل رمضان من سنة سلطنة مولانا السلطان المؤيد
قدم طرباى [ الظاهرى ] من الشام ، وأخبر أن نوروز أظهر العصيان ومسك الأمير جقمق الد وادار ، واعتقله بالقلعة وفى يوم الخميس التاسع من شوال ميئك القاضى فتح الله واحتيط عليه وفى يوم الإثنين الثالث عشر من شوال خلع على القاضى ناصر الدين بن البارزى الحموى ، واستقر كاتب السر الشريف ، عوضا عن فتح الله بحكم عزله وفى يوم الإننين الثالث من ذي الحجة خلع على الأمير قرقماس المعروف بسيدى الكبير ، وتولى نيابة الشام عوضا عن نوروز بحكم خروجه عن الطاعة وفى ذلك اليوم خلع أيضا على الشيخ شرف الدين ابن الشيخ جلال الدين التبانى ، عوضا عن ناصر الدين ابن العديم
فصل فيما وقع من الحوادث في السنة السادسة عشرة بعد الثمانمائة استهلت هذه السنة المباركة وسلطان مصر وبلادها الملك المؤيد أبو النصر شيح ، والخليفة هو المستعين بالله ، ولكنه معوق فى القلعة [ بالقاهرة ] ، وليس له نائب في مصر وأصحاب الوظائف من الأمراء والمتعممين والمباشرين على حالهم ونائب الإسكندرية الأمير خليل ، ونائب غزة ألطنبغا العثمانى ، ونائب صفد ألطنبغا القرمشى ، ونائب دمشق الأمير نوروز المتغلب ، وناثب طرابلس الأمير طوخ المتغلب، ونائب حماة قمش المتغلب ونائب حلب يشبك بن ازدمر المتغلب . ولكن لما ظلم [ يشبك ] أهل حلب ظلما فاحشا اتفقوا وغلقوا عليه أبواب المدينة حين خرج إلى السير ، فحارب معهم على بانقوسة ، وقتل منهم جماعة ، فانكسر ابن
أزذمر ، وهرب إلى الشام . وكان الأميرأ مرداش المحمدى في قلعة الروم من حين هرب من الناصر من قلعة ذمشق ، فأرسل إليه أهل حلب وطلبوه ، فجاء وملك حلب وفى محرم وصفر من هذه السنة كان فناء بالديار المصرية ، وبلغ عدد الموقى إلى مائة وعشرين [فى اليوم الواحد ] وكان صرف الإفرنتى بمائتين وثلاثين درهما ، والناصرى بمائتين وعشرة ، والدينار من الهرجة بمائتين وأربعين وأكثر وفى يوم الثلائاء سابع ربيع الأول سمو الأمير فارس المحمودى ، ثم وسط فى الرميلة ، لفتنة أرماها بين السلطان وبين طوعان وشاهين الأفرم وفى يوم الخميس التاسع من ربيع الأول توفيت بنت تسمى وعمرها ناهز تسع سنين لمولانا السلطان ، وكان قد عقد عليها للأمير طوغان الدوادار لمصلحة رأها مولانا المؤيد ،
ومات قبلها ابن لمولانا المؤيد يسمى . . . . وعمره يناهز تمالى سنين وفى يوم الإثنين الثامن عشر من ربيع الأخرخلع على شهاب الدين الأموى المالكى ، واستقر قاضى القضاة المالكية عوضا عن القاضى شمس الدين المذلى بحكم عزله .
وفى يوم الأربعاء الخامس من جمادى الأولى كان وفاء النيل ، ونزل مولانا السلطان المؤيد للكسر الذى هو جبر للمسلمين وفى يوم الخميس السادس من جمادى الأولى خلع على تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم ، واستقر وزيرا بالديار المصرية - عوضا عن الصاحب سعد الدين بن البشيرى بحكم عزله ومسكه للمصادرة وفى يوم السبت السابع من جمادى الأولى خلع على القاضى علم الدين [ داود ] بن الكويز ، واستقر ناظر الجيشر المنصور - عوضا عن القاضي بدر الدين حسن [بن ] نصر الله بحكم عزله ، وخلع على بدر الدين بن نصر الله ، واستقر ناظر الخواص الشريفة - عوضا عن القاضى تق الذين بن أبى شاكر بحكم عزله ومسكه للمصادرة وفى يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الأولى خلع على
القاضي صدر الدين بن الأذمي قاضى القضاة الحنفية بالديار المصرية محتسبا بمضر والقاهرة ، مضاقا إلى ما بيده من القضاء - عوضا عن ابن شعبان بحكم عزله ، وضربه الضرب المؤلم ، بسبب عدم نظره في مصالح المسلمين ، وأخذه أموال الناس وخلع على الأمير جانيك الصوفى ، واستقر رأس نوبة كبير عوضا عن الأمير سودون الأشقر ، وخلع على الأشقر واستقر أمير مجلس وفى يوم الثلائاء السابع عشر من جمادى الأولى أشيع بركوب الأمير طوعان [ الحسني ] الدوادار ، وكان قد انقطع من الخدمة يوم الإثنين ، وليس هو والبس مماليكه ليلة الثلاثاء ، ووقف في اسطبله إلى قرب الصبح مترقبا حضور جماعة قد اتفقوا معه ، فلم يحضر أحد ، فلما تحقق انحلال أمره نزل وفرق جمعه ، وخرج من باب اسطبله ومعه مملو كان ليس إلا ، وحصل والاختلاف في كيفية حاله ، ومع هذا لم يلتفت إليه مولانا المؤيد ، ولا ظهر منه انزعاج لذلك ، وذلك من شجاعته الظاهرة وسعادته الباهرة وفى يوم الجمعة العشرين منه ظهر طوغان فى بيت سعد الدين ابن بنت الملكي ، فميك وطلع به إلى باب السلسلة ، وسفر أخر النهار إلى الإسكندرية ، للاعتقال بما صحبة الأمير طوغان المؤيدى
وفى يوم السبت الحادى والعشرين منه ميك سودون الأشقر أمير مجلس ، وكمشبغا العيساوى أمير شكار، وسفر أخر النهار إلى الإسكندرية - صحبة الأمير برشباى [ الدقماقي] وفى يوم الأحد الثاني والعشرين منه وسط أربعة أنفس من الترك لذنوب صدرت منهم تقتضى قتلهم وفى يوم الإسنين الثالث والعشرين منه خلع على الأمير إينال الصصلاني واستقر أمير مجلس عوضا عن سودون الأشقر ، وخلع على الأمير قجق ، واستقر حاجب الحجاب بالديار المصرية عوضا عن الصصلاني وفى يوم السبت تامن والعشرين منه خلع على الأمير جانبك الدوادار الثانى ، واستقر دوادارا كبيرا عوضا عن طوغان الحسنى ، بحكم عزله ومسكه وفى يوم الإثنين سلخ جمادى الأولى خلع على الأمير فخر الدين [ عبد الغنى ] بن [ تاج الدين ، بن ] أبى الفرج كاشف الشرقية ، واستقر استادار العالية ، عوضا عن الأمير
بدر الدين حسن بن محب الدين الشامى بحكم عزله ، وخلع على بدر الدين المذكور واستقر مشير الدولة وفى يوم الثلائاء السادس من رجب قدم إلى السلطان المؤيد جراقطلي أتابك العسكر بدمشق هاربا من نوروز ، فخلع عليه خلعة سنية وفى يوم الخميس تامن رجب عملت وليمة عظيمة لسيدى إبرهيم ولد السلطان المؤيد بسبب تزوجه بنت السلطان الناصر فرج وفى يوم الإثنين الثاني عشر منه قدم الأمير ألطنبغا القرمشى نائب صفد ، بسبب طلب مولانا السلطان إياه ، وتولى عوضه فى صفد الأمير قرقماس الملقب بسيدى الكبير ، وكان قد تولى الشام فى التاريخ الذى ذكرناه ، ولكن لم يتمكن من الدخول فيها بسبب نوروز ، وكان مقيما تارة على غزة ، وتارة على الرملة ، وتولى أخوه الأمير تغرى بردى نيابة غزة عوضا عن الطنبغا العثمانى ، وكان المذكور هرت منهما ، قيل لأنه أحس منهما الموافقة مع نوروز فى الباطن ثم فى يوم الثاني والعشرين من شعبان قدم الأمير قرقماس إلى القاهرة ، وكان أخوه معه فتخلف عنه عند الصالحية .
وفى يوم السبت مستهل رمضان قدم الأمير دمرداش من البحرالملح ، ومعه جماعة من الترك هربوا من طوخ المتغلب على حلب ، وخلع عليه خلعة سنية وفى يوم الجمعة السابع من رمضان أخرج السلطان شرذمة من العسكر وفيهم الأمير سودون القاضى ، وقشقار القردمى وأقبردى [ المنقار المؤيدى ] رأس نوبة ، وأشيع بأنم خرجو لكبسة غرب ، ولم يكن إلا لمسك تغرى بردى . وفى ليلة السبت التامن منه ميك ذمرداش ، وابن أخيه قرقماس ، وفي صبيحته شفرا إلى الإسكندرية ، صحبة الأمير آقباى الخازندار وفى يوم الإثنين العاشر منه ، خلع على القاضى ناصر الدين ابن العديم ، واستقر فقاضى القضاة الحنفية عوضا عن القاضى صدر الدين بن العجمى - بحكم وفاته ليلة السبت المذكور وفى يوم الخميس الثالت عشر منه خلع على الأمير قانباى أمير آخور كبير ، واستقر نائب الشام عوضا عن نوروز ، وخلع على الطنبغا القرمشى ، واستقر أمير آخور كبير ، وعلى إينال الصصلانى ، واستقر نائب حلب عوضا عن طوخ ، وعلى سودون فراصقل ، واستقر نائب غزة عوضا عن إينال الرجى المتولي من جهة نوزوز
وفى يوم السبت السادس من شوال خلع على الأمير بدر الدين حسين بن [محب الدين مشير] الدولة ، واستقر فى نيابة إسكندرية عوضا عن الأمير [ خليل التبريزى الدشارى ] بحكم عزله ، وفى هذا اليوم عدى مولانا السلطان المؤيد إلى بر الجيزة وفى يوم الإثنين التاسع عشر من ذى القعدة علق الشاليش وفى يوم السبت الخامس والعشرين منها عرضت الأجناد والمماليك الظاهرية والناصرية والمؤيدية ، وفيه خرج الأمير إينال الصصلافى نائب حلب ، وسودون فراصقل نائب غزة .
وفى يوم الخميس السادس عشر من ذي الحجة خرج الأمير قانباى نائب الشام . وفى ذلك اليوم خلع السلطان على داود بن المتوكل على الله العباسى ، واستقر خليفة المسلمين ، وتلقب بالمعتضد ، وتكنى بأنى الفتح عوضا عن أخيه أبى الفضل المستعين بالله العباسى . وفى ذلك اليوم أنفق السلطان على المماليك كل واحد مائة ناصرى وفى يوم الإثنين العشرين من ذي الحجة خرج طلب سودون القاضى وسودون من عبد الرحمن ، وفيه رحل
، قانباى من الريدانية وفيه خلع على القاضى شمس الدين محمد بن التباني قاضى العساكر ، واستقر قاضي القضاة الحنفية بالشام المحروس وفى يوم الإبنين السابع وااعشرين منها خرجت خيام مولانا السلطان المؤيد وضربت فى الريدانية وفى يوم الثلائاء التامن والعشرين منها ضرب السلطان الوزيز تاج الدين بن الهيضم ، وأهانه إهانة بالغة ثم بعد ذلك خلع عليه خلعة الرضا والاستمرار ، وحج بالناس في هذه السنة الأمير كزل العجمى
فصل فيما وقع من الحوادث في السنة السابعة عشر بعد الثمانمائة استهلت هذه السنة المباركة ومولانا السلطان المؤيد في استعداد السفر إلى الشام بسبب عصيان نوروز ففى يوم الإثنين من المحرم خرج مولانا السلطان المؤيد من المدينة ، ونزل فى الريدانية ، ولم تزل أطلاب الأمراء تخرج ساعة فساعة وفى يوم السبت التاسع منه رحل مولانا السلطان من الريدانية بعد أن خلع على جماعة ، منهم القاضي صدر الدين ابن العجمى ، واستقر ناظر الجيش - بدمشق - المحروس ، واستقر فى مشيخة التربة الناصرية التي كانت معه زين الدين الحاجي الرومي، وقد كان مولانا السلطان أناب فى القاهرة الأمير الطنبغا العدمانى نازلا بباب السلسلة ، وخلى فى القلعة الأمير بردبك [ قصقا ]، والأمير صماى [الحسنى ] وفى المدينة الأمير قجق حاجب الحجاب نازلا فى
بيت منجك ، وسافر مع مولانا السلطان الخليفة داود ، والقضاة الأربعة وهم : القاضى جلال الدين البقيى الشافعى وناصر الدين بن العديم الحنفى ، شهاب المدين الأموى المالكى ، ومجد الدين سالم الحنبل ، والقاضى ناصر الدين بن البارزى كاتب السر الشريف ، والقاضى علم الدين [داود بن الكويز] ناظر الجيوش ، وأخوه القاضي صلاح الدين، والوزير تاج الدين بن الهيصم ، ثم بعد شهر سافر الأمير فخر امين ابن أبى الفرج الاستادار ، ومعه القاضى بدر الذين ناظر الخواص الشريفة تم لما سافر مولانا السلطان المؤيد - بخير وعافية - دخل مدينة غزة يوم الثلائاء العشرين من المحرم ، وأقام فيها يومى الأربعاء والخميس ثم فى يوم الجمعة التاسع والعشرين منه توجه إلى ناحية الشام وقلبه مسرور ، متيقن بأنه منصور ، وقصدته أهل تلك البلاد - مستبشرين به - من كل ناد ، وهو مظهر للشجاعة مع عسكره الزاهرة ، ومتيقن بنصر الله على الطائفة المارقة الجائرة ، وقد نشرت عليه أعلام النصر والظهور ، و كتبت الخمدة على أعدائه من أهل النفاق والفجور ، ولما قرب من الشام ومعه
النصر والتمكين ، ترجرج خوفا كل من فيها من المفسدين ، فشرعت العصاة من الخوف على أنفسهم يتحرشون ، ظانين بأمهم يخلصون أنفسهم فيتخذصون ، هيهات هيهات لما لما توعدون، ولم يزل مولانا السلطان تابتا على سرجه كالأسد الكاسر ، للمقبل أمان وللمدبر آسر ، والعدو ما بين الأمزام والإدبار ، متيقن بالانخذال والانكسار ، ففى أول الأمر ناوشوا من الحمية الجاهلية والضلال ، ولم يدروا أن عاقبتهم للقيد والنكال ، وكل هذا ومولانا السلطان المؤيد تابت كالطود الراسخ ، والجبل الشامخ ، واقد أحسن القائل : ضجر الحديد من الحديد وشيخنا من نصردين محمد لويضجر حلف الزمان لياتين بمثله حنئت يمينك يازمان فكفر ولما نزل مولانا السلطان على دمشق بعسكره الزهراء ، رأيت حراس أبوابها مشتتين بترا ، وقد ضعفت قلوبهم وبالهم ، وتشتت شملهم وتلاشت حالهم ، فكأنم وقد نفخت فيهم الصور ، أو حشروا إلى يوم النشور ، وعلا السيف الشريف على المدينة وأهلها المفسدين ، وتحيزت البقية إلى القلعة هاربين ، ظانين بالنجاة وهى عنهم بعيدة ، وكيف ينجون ووراءهم الزمرة السعيدة ا ، ولم يلبث إلذ والقلعة قد وقعت فى القبضة الشريفة ، واستولت عليها الرآيات المنيفة ،
وقد نزل كبيرهم الضال نوروز ، ولسان حاله ينطق بالرموز ما أغنى عنى ماليه . هلك عنى سلطانيه ، ولما وقع هو ومن معه في القبضة الشريفة ، وظهرت أراوهم السخيفة ، اقتضت شروط السلطنة بفتوى الشريعة إعدام هولاء المفسدين تطهيرا للأرض ومن عليها من أهااين ، وحسما لمادة الفساد من البلاد والعباد ، فعند ذلك قطع رأس نوروز ومن معه من المفسدين ، قصار غبرة لبقية المتمردين ، وموعظة للطائعين المتقين ، ثم حمل رأس نوروز إلى القاهرة ، غبرة للطائفة الجائرة ، وكان وصوله يوم الخميس مستهل جمادى الأولى صحبة الأمير جرباش ، فشق وعلق فى باب المدرج .
ثم بباب الزويلة أياما ، ثم ذهب به إلى الإسكندرية . فهذا أقل جزاء من خالف أمر الرحمن بإطاعة السلطان ، قال الله تعالى في كتابه الكريم [أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ، وقال صلى الله عليه وسلم : اسمعوا وأطيعوا ولو ولى عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة وقد أمر الله تعالى في كتابه الكريم بقتل المفسدين وتطهير الأرض
منهم حيث قال في كتابه العزيز [إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم .
والمراد من هذا قطاع الطريق والسعاة الخارجون عن طاعة السلطان ، وقد أوعد الله لهم بشيئين : الخزى فى الدنيا ، والعذاب في الأخرة ، أما الخزى فى الدنيا فهو القتل والقطع والصلب ، وأما العذاب في الأخرة فهو نار جهنم ولقد أخبرتى ثقة أن هذه القضية كانت فى السابع عشر من ربيع الأخر ، ومن الغريب كان انتصاره على الناصر فى ربيع الأول من سنة خمس عشرة ثم لما أزال مولانا السلطان المؤيد المفسدين من الشام نظر فى أحوال أهلها ، فولى وعزل وقطع ووصل ، ودانت له البلاد ، وذلت له العباد ، وقصدته الخلائق من كل ناد ، ولقد أحسن القائل حيث يقول ، قصد الملوك جماك والخلفاء فافخر فإن محلك الجوزاء أنت الذى أمراوه بين الورى مثل الملوك وجنده أمراء ملك تزينت الممالك باسمه وتجملت بمديجه الفصحاء يبقى كما يبقى الزمان وملكه باق له ، ولحايديه فناء
دامت له الدنيا وذام مخلدا ما أقبل الإصباح والإمساء ثم إن مولانا السلطان خرج من ذمشق يوم الثلاثاء سادس جمادى الأولى وأقام ببرزة، إلى صبيحة يوم الخميس تامن الشهر ، ثم رحل إلى حلب ثم من حلب إلى أبلستين ، ثم إلى ملطية ، وولى عليها كزل ، وأنقذ أهلها من المتغلبين من تركمان ابن كبك ، ثم رجع منها إلى حلب واستمر بنائبها إينال الصصلانى ، ثم توجه إلى دمشق واستمر بنائبها قانباى المحمدى ، وولى على حماة تنبك البجاسى وعلى طرابلس سودون من عبد الرحمن ، وعلى غزة الأمير طرباى [ الظاهرى] ثم لما خرج من ذمشق أبى إلى القدس الشريف ، ثم توجه إلى الديار المصرية . ولما نزل على الخانقاه يوم الخميس الرابع والعشرين من شعبان أقام فيها إلى غرة رمضان ، ثم دخل القاهرة يوم الخميس مستهل رمضان ، وكان يوم طلوعه يوما مشهودا .
وفى يوم الخميس الثامن من رمضان خلع على الأمير ألطنبغا العثمانى ، واستقر أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن الأمير يلبعا الناصرىي بحكم وفاته ، وكانت وفاته ليلة الجمعة الثاني من رمضان ،
وفى يوم الإثنين الثاني عشر منه مسك ثلائة من المقدمين وهم قجق [الشعبانىي ] حاجب الحجاب ، ويلبغا المظقرى وثمان تمرارق [ اليوسفي ] ، وسفروا إلى الأسكندرية صحبة الأميرصماى [ الحسنى ] . وفيه خلع على القاضى جمال الدين لأقفهسى ، واستقر قاضى القضاة المالكية بالديار المصرية ، عوضا عن القاضى شهاب الدين الأموى ، وكان مولانا السلطان قد عزله وهو فى دمشق وفى يوم الخميس الخامس عشر من رمضان خلع على سودون القاضى ، واستقر حاجب الحجاب بالديار المصرية عوضا عن قجق ، وعلى قشقار القردمى ، واستقر أمير مجلس ، وعلى جانبك الصوف رأس نوبة كبير ، واستقر أمير سلاح عوضا عن شاهين الأفزم بحكم وفاته ، وكانت وفاته فى الرملة ومولانا السلطان المؤيد في التجريدة ، وعلى الأمير كزل العجمى [ الأجرود ] ، واستقر أمير جندار
عوضا عن جرباش الكباشى بحكم نفيه إلى القدس بطالا وفى يوم الإثنين التاسع عشر من رمضان خلع على الأمير تنبك بيق واستقر رأس نوبة كبير عوضا عن جانبك الصوفى بحكم انتقاله إلى وظيفة أمير سلاح ، وعلى الأمير آقباى [المؤيدى ] الخازندار ، واستقر دوادارا كبيرا عوضا عن الأمير جانبك [ المؤيدى ] الذى جرح في وقعة الشام ، وتوفى ومولانا السلطان ذاهب إلى حلب .
وفى يوم الإثنين السادس والعشرين منه خلع على الأمير بدر الدين بن المحب الذي كان نائب الإسكندرية ، واستقر استادار العالية على عادته عوضا عن فخر الدين [ عبد الغنى ] ابن أبى الفرج ، وكان قد تسحب ومولانا السلطان فى الشام ، واستقر فى نيابة الإسكندرية صماى الحسني ، وحج بالناس في هذه السنة الأميرجقمق [ الأرغون شاوى ] الذوادار الثاني
فصل فيما وقع من الحوادث في السنة الثامنة عشر بعد الثمانمائة استهلت هذه السنة المباركة وسلطان البلاد المصرية والشامية السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ ، وأصحاب الوظائف من الأمراء والمتعممين الذين ذكرناهم على حالهم ، وكذلك نواب البلاد الشامية والحلبية وفى يوم الخميس مستهل محرم هذه السنة دخل مولانا السلطان القاهرة عائدا من سفر تروجة ، وكان يوما مشهودا ، وكان خروجه من القاهرة يوم الإثبين الثالث من ذى القعدة من العام الماضى ، وكانت مدة غيبته سبعة وخمسين يوما ما بين مدة سفره ومدة إقامته فى ذلك البر ، فى الذهاب والإياب .
وفى يوم الإثنين تالت عشر صفر خلع على القاضى علاء الدين ابن المغلىى الحموى الحنبل ، واستقر قاضى القضاة الحنابلة بالديار المصرية عوضا عن القاضي مجد الدين سالم بحكم عزله ، وعلى القاضى تفى الدين بن الحبني الحموى الحنفى ، واستقر قاضي العساكر المنصورة بالديار المصرية
وفى شهر ربيع الأول أخرج مولانا السلطان دراهم جددا من فضة خالصة كل درهم بثمانية عشر من الفلوس ، وكل نصف درهم بتسعة دراهم ، وكل وزن ربع درهم بأربعة دراهم ونصف درهم ، فحصل للناس بذلك رفق عظيم ، وفي هذا التاريخ رسم أن يخفر من عند منشية المهراق إلى جامع الخطيرى ، وجعل هناك أمراء ومشيرين وفعلة كثيرة ، وثيرانا بجراريف ، ثم قوى العمل إلى أن ألزموا سائر الحرف بالطلوع إلى هناك ، كل طائفة يوما وفى يوم الإثنين الثالث من ربيع الأخر نزل السلطان بعساكره إلى موضع العمل ، وأخذ القفة بيده ، فعند ذلك شرعت الأمراء والعسكر بجميعه ، وأربات الوظائف ، والعلماء ، وسائر الأعيان فى تحويل الأتربة من موضع الحفر إلى موضع الصب وأقام مولانا السلطان المؤيد هناك إلى قرب العصر وفى شهر ربيع الأول عزل الأمير طوغان [ أمير آخور المؤيد]
من نيابة صفد ، وتولى حاجب الحجاب بدمشق ، وتولى الأمير خليل [ التبريزى الدشارى ] نيابة صفد وفى يوم الإثنين السابع من جمادى الأولى خلع على الأمير الطنبغا العثماني أتابك العساكر ، واستقر فى نيابة دمشق عوضا عن قانباى بحكم عزله ، وخلع على الأمير أقبردى [ المؤيدى المنقار] واستقر فى نيابة الإسكندرية عوضا عن الأمير [ صماى الحسني ] بحكم عزله وفى يوم السبت التاسع والعشرين من جمادى الأولى كان وفاء النيل ، ونزل مولانا السلطان للكسر الذى هو جبر للمسلمين وفى يوم الأحد سلخ جمادى الأولى زاد النيل المبارك بإذن الله خمسة عشر إصبعا ، وهذا شىء غريب لم يعهد مثله إلا فى النادر ، وهو بسعادة مولانا السلطان المؤيد وفى يوم السبت سادس جمادى الأخرى خرج الأمير الطنبغا العثمانى متوجها إلى الشام لنيابتها ، ثم جاءت الأخبار بأن قانباى نائب الشام قد امتنع من المثول بين يدى المواقف الشريفة ، وأظهر العصيان ، وجرت فى الشام فتنة كبيرة ، ثم جاء الخبر بأن نائب غزة الأمير طرباى أظهر العصيان أيضا ، وأخلى غزة وذهب إلى نائب الشام ، فعند ذلك عين
مولانا السلطان المؤيد الأمير يشبك [ المؤيدى المشد ] وأضاف إليه جماعة من المماليك ، وأرسلهم إلى ألطنبغا العثمانى تقوية له وفى يوم الإثنين العشرين من جمادى الأخرة خلع على الأمير مشترك [ القاسمى الظاهرى ] واستقر فى نيابة غزة عوضا عن طرباى بحكم عصيانه وفى يوم الإثنين السابع والعشرين من جمادى الأخرة خلع على الأمير الطنبغا القرمشى أمير آخور كبير ، واستقر أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن ألطنبغا العثمانى بحكم انتقاله إلى نيابة الشام ، وعلى تنبك [ العلائى الظاهرى ] رأس نوبة كبير ، واستقر أمير آخور كبير عوضا عن الأمير ألطنبغا القرمشى وفى يوم الإثنين الرابع من رجب خلع على الأمير سودون قراصقل ، واستقر حاجب الحجاب عوضا عن سودون القاضى حاجب الحجاب ، بحكم استقراره رأس نوبة كبير عوضا عن الأمير تنبك [ العلائى الظاهرى ] بحكم استقراره أمير أخور كبير وفى يوم الإثنين الحادى عشر منه خرج الأمير أقباى
الدويدار الكبير ، ومعه جماعة من المماليك لمحاربة العصاة المذكورين وفى يوم الخميس الرابع عشر من رجب ميك الأمير جانبك الصوق أمير سلاح كبير ، وحبس فى البرج بالقلعة ، وفى ذلك اليوم رسم بتجهيز السفر إلى الشام وفى يوم الإثنين الثامن عشر من رجب فرق مولانا السلطان المؤيد النفقات على المماليك وفى يوم الثلائاء التاسع عشر من رجب مسك الوزير تاج الدين [ عبد الرزاق ] ابن الهيصم ، وضرب ضربا شديدا وفى يوم الجمعة الثاني والعشرين من رجب خرج مولانا السلطان من القاهرة بعد صلاة الجمعة متوجها إلى الشام ، طلبا لحسم مادة الفساد ، وتطمينا للبلاد والعباد ، وإزاحة لأهل العصيان والعناد ، وقد [عين السلطان] لنيابة القاهرة الأمير ططر ، وأمره بالإقامة فى باب السلسلة ، وجعل سودون فراصقل مقيما بمدينة القاهرة للحكم بين الناس
وقطلو بغا التنمى وأنزله فى القلعة ، ولم يسافر مع السلطان المؤيد من القضاة إلا ناصر الدين [ محمد ] ابن العديم الحنفى ، ولم ينزل مولانا السلطان المؤيد بعد خروجه إلا فى منزلة عكرشة ، وبات هناك ليلة السبت ، فلما أصبح صلى الصبح ، وأكل الشماط ، ورحل وقلبه محبور ومسرور ، ومتيقن بأنه منصور ، ودخل عزة يوم الجمعة التاسع والعشرين من رجب ، وصلى فيها الجمعة ، ثم خرج متوجها إلى ناحية الشام ، مؤيدا من عند الله بنصره التام وأما ما كان من الأمراء المخامرين فإن نائب الشام قد ركبت عليه الدلة والقتام ، وضاق عليه كل مكان ومقام ، حتى التجأ إلى الهروب والتشريد ، ما بين سائق وطريد ، فهرب ومعه نائب حماة ، وقد ضاق عليه ما بين الأرض والسماء . ومعه نائب طرابلس وغزة، وقد انسلخو من كل خير وعزة ، وتوجهوا إلى مدينة حلب ، وهم فيما بين رهب وهرب ، وإن مولانا السلطان المؤيد قد دخل الشام ، ومعه عساكره مسرورة ، ورآيات النصر عليه منشورة ، وأقبلت إليه
الخلائق ساعية ، وألسنتهم بنصره داعية ، وقد حصل للناس سرور ومج ، بزوال كل من بغى وخرج ، ولسان الحال ينطق بالمقدور : أيها الملك المجبور ، لا تكترت فأنت منصور ، وكل من عاداك فهو مقهور ، ما بين مقتول ومملوك وماسور وكان دخوله يوم ألجمعة يوم المزيد ، ولأهل الشام عيد على عيد ، وأقام فيه يومين بسرور وزين ، ثم خرج متوجها إلى حلب ، للهاربين بكل طلب ، وقد كان تقدمت شرذمة من عسكر مولانا السلطان المؤيد إلى ناحية حاب ، وفيهم ألطنبغا العثمانى ، والأمير أقباى الدوادار الكبير ، والأمير يشبك غيرهم ، فوقع بينهم وبين الخارجين وقعة عظيمة على موضع قريب من حلب ، إلى أن أنزمت الشردمة ، ومسك منهم جماعة من الأعيان ، منهم أقباى الذويدار ، ولكن هذه هزيمة بعدها غنيمة ، ومن شان من أعزه الله بالنصر التام أن ينهزم فى بعض حروبه ، لأن الحرب سجال ، وكذلك كان يجرى للأنبياء عليهم السلام ، وقد أنمزم عسكر نبينا عليه السلام في غزوة هوازن يوم حنين ، قال ابن إسحق : مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد لنا هوازن حتى انحط بم أأوادى في شمامة الصبح ، فلما انحط الناس تارت في وجهوههم الخيل فشدت عليهم وانكفا الناس منهزمين ، لا يقبل أحد على أحد ، ورسول الله
صلى الله عليه وسل تابت وهو يقول : أبما الناس هلموا إلى أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله . فعند ذاك تراجع المسلمون ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وأخذ رسول - الله صلى الله عايه وسلم حفنة من تراب فرمى مها فى وجه المشركين ، وكانت الهزيمة ونصر الله المسلمين ، وأتبعوا المشركين يقتاونم ، ويأسرونهم ، وكان ذلك ببركة النبى - صلى الله عليه وسلم - .
وكذلك هذه الشرذمة من عسكر مولانا السلطان المؤيد ، وإن كانت قد أنزمت ولكن قد تعقبت أهم الغنيمة والبشرى ببركة حضور مولانا السلطان المؤيد وسعادته التامة ، وكان الأمر فى هذا أن هؤلاء الشرذمة لما حصل عليهم ما حصل ، جاء الصريخ لمولانا السلطان وهو على أراضى سرمين، فعند ذلك نض نهوض الأسد الكاسر الجافى ، وأسرع سرعة الصحيح القوادم والخوافي ، فنزل على الخارجين المتمردين ، الطريدين المتشردين ، نزول السباع على فراتسها المفروسة . وجعلهم حصائد مدكوسة مدسوسة ، فلم يشعر إلا وهم فى قبضته الشريفة ، وسطوته المنيفة ، ولم ينفلت من أعيائهم أحد ، وسيق كل واحد في جيده خبل من مسد ، فعرضوا على مولانا الساطان ، وهم فى
أسوا حال وأقبح شان ، أولهم نانب الشام الذى أفسد النظام ، والثاني نائب حاب ، الذى أمره من أعجب العجب ؛ وذلك أن مولانا السلطان قد بلعه إلى غاية الرتب ، ونال في أيامه من الأرب ، ما لم ينل في أيام غيره ممن ذهب ، وثالثهم الحاجب الكبير الذى كان أمير جندار ، زل به القدم فصار إلى ما صار ، والرابع تمان تمر الذى خان ، فلا جرم أسر فى قبضة الخان ، فهذا أدبى جزاء من خامر على السلطان وأظهر العصيان ، ألم يعلم هؤلاء أن مخالفة السلطان هى مخالفة الرحمن ؟ ولكن سوات لهم أنفسهم فعايل الشيطان ، فلذلك قتلوا بسيف الشريعة ، وحملت رعوسهم إلى البلدان ، وعلقت على باب قلعة الجبل ، غبرة لمن عصى ونكل ، ثم على أكبر أبواب القاهرة ، وفي ذلك موعظة زاجرة وكانت الوقعة المذكورة يوم الخميس الرابع عشر من شعبان ، التى أبانت عن عظم الشان ، لسيدنا ومولانا السلطان .
ولما انجلت الحرب عن هذه الأمور ، وظهر فيها كل ما كان من المقدور ، دخل مولانا السلطان حلب وقلبه مسرور ، فشرع فى النظر فى أحوال المسلمين ، وإزاحة ما صدر من المفسدين ، وأقبل إليه كل قريب وقاص ، وذلت له رقات كل نافر وعاص
فولى وعزل ، وقطع ووصل ، وفوض نيابة حاب إلى أقباى [ المؤيدى ] الدوادار ، الذى دار معه الخير حيثما دار ، ونيابة طرابلس للأمير يشبك الذى كان شدا، ، الناصح لاستاذه نصحا مستبدا ، ثم عاد إلى مدينة حماة ، وولى فيها جرا قطلى الذى هو من جملة الحماة ، وأقام فيها مولانا السلطان مدة من الزمان ، ثم توجه إلى الشام على أحسن النظام ، وأحسن إلى الصغير والكبير ، والجليل واحقير ، والأمير والوزير وبسط بساط العدل بين العباد ، ومد سرادقات الأمان الخائفين الشاردين في البلاد ، حتى أمن على نفسه كل شاردعاص ، وأقبل إليه كل هارب قاص ، ومن جملة من أقبل إليه ، وهو يرجو العفو من لطفه العميم ، ويأمل الصفح من فضله الجسيم ، الأمير فخر الدين بن أبى الفرج الاستادار ، الذى دار فى بلاد الغربة مادار ، ولكن لما شمله النظر الشريف والإقبال ، واعفو والصفح والإفضال ، استبدل همه سرورا ، وترحه فرجا وحبورا ، فلا جرم خلعت عليه خلعة سنية ، وأعيدت إليه وظائفه البهية ، ودخل القاهرة على هيئة جلية ، يوم الخميس الرابع والعشرين من شوال ، أحد أشهر الحج المحترمة بالإجلال : ثم إن مولانا السلطان توجه إلى القاهرة ، وأعين الناس إليه شاهرة ، وزار فى
طريقه القدس ومدينة خليل ، ليحصل له من كل خير حظ جليل .
ثم فى يوم الخميس الخامس عشر من ذي الحجة الحرام ، وصل مولانا السلطان بعساكره الأجلاء العظام ، ونزل على مرج السماسم ، بقلب منشرح ووجه باسم ، وتلقته الناس من كل مكان يبتدرون ، فرحين بما كاتاهم الله من فضله ويستبشرون . وفى ليلة تلك الجمعة عمل وقتا ، وجمع جمعه من العلماء والفقهاء والوعاظ والمنشدين ، وذلك في الخانقاة الناصرية بأرض سرياقوس ، وكانت تلك الليلة أيلة مشهودة ، وأنفق على الجماعة في تلك الليلة مائة ألف درهم ، وفى صبيحة تلك الجمعة نزل مولانا السلطان على خليج الزعفران وفى صبيحة يوم السبت السادس عشر من ذي الحجة ، دخل القاهرة مولانا السلطان المؤيد بعساكره المنصورة ، وكان يوما مشهودا وفى يوم الإثنين الثامن عشر من ذي الحجة أمر بالمناداة في المدينة بالأمن والأمان ، وأنه يتولى بنفسه أمور الحسبة
الشريفة ، وكان قد عزل الأميرتاج قبله بأيام ، لأمورجرت فى المدينة بسبب الغلاء وقلة الواصل وفى يوم الإثنين الخامس والعشرين من ذي الحجة خلع على الأمير جقمق الأرغون شاوى ، واستقر دوادارا كبيرا ، عوضا عن الأمير آقباى [ المؤيدى ] الذى استقر نائب حلب وكان مولانا السلطان قد أنعم عليه بتقدمة وهو فى السفر وفى يوم السبت سلح ذي الحجة الخرام خلع على حرز نقيب الجيش ، واستقر في ولاية القاهرة عوضا عن الأمير تاج ، وخلع على الأمير تاج واستقر استادار الصحبة لمولانا السلطان المؤيد ومن جملة الحوادث في هذه السنة ، أن الأمير بردبك استقر أس نوبة النوب عوضا من سودون القاضى بحكم مسكه ، وكان مسكه ومولانا السلطان في السفر وحج بالناس في هذه السنة الأمير تنبك المشد ، وكان مقدم الركب الأول الأمير يشبك الدوادار الصغير
فصل فيما وقع من الحوادث في السنة التاسعة عشرة بعد الثمانمائة استهلت هذه السنة المباركة وسلطان الديار المصرية والشامية والحلبية والفرائية مولانا الملك المؤيد ، وخليفة الوقت المعتضد بالله ، والنائب بدمشق ألطنبغا العثمانى ، وبحاب الأمير أقباى ، وبحماة الأمير جراقطل ، وبطرابلس الأمير يشبك ، وبصفد الأمير خليل ، وبغزة الأمير مشترك وبإسكندرية الأمير أقبردى . وقاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية القاضى جلال الدين الشافعى ، وقاضى القضاة الحنفية القاضى ناصر الدين ابن العديم . وقاضى القضاة المالكية جمال الدين الاقفهسى ، وقاضى القضاة الخنابلة علاء الدين بن المغلى ، وكاتب السر الشريف القاضى ناصر الدين محمد بن البارزى الحموى وناظر الجيش القاضى علم الدين ابن الكويز ، وناظر الخاص بدر الدين حسن بن نصر الله ، ووظيفة الوزارة شاغرة ، وكان علم الدين أبوكم متكلما فيها بطريق النظر على الدولة .
وفى يوم الخميس الخامس من المحرم خلع على مؤلف هذه
السيرة بحسبة القاهرة ، وكان مولانا السلطان إذ ذاك بمنزلة الأوسيم وفى يوم الخميس التاسع عشر منه كانت خدمة الإيوان بالقلعة لأجل الرسل القادمين من البلاد ، منهم القاضى زين الدين مقلح قاصد السلطان الملك الناصر صاحب اليمن ، وفي هذا اليوم قدمت تقدمة صاحب أأيمن ما يناهز ماثنى حمال من الأشياء الطريفة ، والتحف الغريبة ، بجملة مقومة مستكثرة وفى هذا اليوم خلع على القاضى تفى الدين بن أبى شاغرة ، واستقر في وزارة الديار المصرية وكانت الوزارة شاغرة كما ذكرنا .
وفى يوم الإثنين الثامن والعشرين من صفر خلع على الأمير قطلوبغا ، واستقر فى نيابة إسكندرية عوضا عن الأمير أقبردى [ المنقار] وفى هذا الشهر وقع الفناء بالقاهرة ، وتزايد إلى أن بلغت عدة الأموات فى ربيع الأول كل يوم إلى أربعمائة وأكثر ، مع
وقوع الغلاء المفرط فى هذه الأشهر ، حتى بلغت البطة الدقيق إلى ماتتين وخمسين درهما ، ويقاس عليه سعر القمح وفى يوم الثلائاء الرابع عشر من ربيع الأول عزل صاحب هذه السيرة عن وظيفة الحسبة ، وعوض عنه من لا يصلح أن يذكر فى التواريخ ، ثم خلع على مؤلف هذه السيرة يوم الاثنين السابع والعشرين منه ، واستقر في نظر الأحباس المبرورة عوضا عن القاضى شهاب الدين بن الصفدى بحك وفاته وفى يوم الاثنين الرابع عشر من ربيع الأخر مببك الأمير بدر الدين [حسن بن محب الدين ] استادار العالية ، واستقر عوضه الأمير فخر الدين بن أبى الفرج ، وخلع عليه يوم الإثنين الخامس والعشرين منه وفى يوم الإثنين السابع عشر من جمادى الأولى خلع على القاضى شمس الدين بن الذيرى القدسى ، واستقر قاضى القضاة الحنفية بالديار المصرية ، عوضا عن القاضي ناصر الذين بن العديم بحكم وفاته .
وفى يوم الإثنين الثالث والعشرين من جمادى الأولى نفى الأمير كزل العجمى أمير جندار إلى حلب على إمرة . وفى يوم الإثنين الثامن [ من ] جمادى الأخرى كان وفاء النيل المبارك ، فنزل : إليه مولانا السلطان الملك المؤيد لأجل الكسر الذى فيه جبر للمسلمين ، وكان موافقا لعشرة أيام من مسرى والحمد لله وحده إلى هنا تم ما اعتبى بجمعه الشيخ الأمام العالم العلامة بدر الدين العينى رحمه الله ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبة وسلم
Unknown page