بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون صلى الله عليه وآله إلى يوم الدين أما بعد من سليمان بن عبد الوهاب إلى حسن بن عيدان سلام على من اتبع الهدى وبعد قال الله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (الآية) وقال النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة وأنت كتبت إلي أكثر من مرة تستدعي ما عندي حيث نصحتك على لسان ابن أخيك فها أنا أذكر لك بعض ما علمت من كلام أهل العلم فإن قبلت فهو المطلوب والحمد لله وإن أبيت فالحمد لله فإنه سبحانه لا يعصى قهرا وله في كل حركة وسكون حكمة (فنقول) اعلم أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وأنزل عليه الكتاب تبيانا لكل شئ فأنجز الله له ما وعده وأظهر دينه على جميع الأديان وجعل ذلك ثابتا إلى آخر الدهر حين انخرام أنفس جميع المؤمنين وجعل (أمته) خير الأمم كما أخبر بذلك بقوله كنتم خير أمة أخرجت للناس وجعلهم شهداء على الناس قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس واجتباهم كما قال تعالى هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج الآية وقال

Page 2

النبي صلى الله عليه وسلم أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها عند الله ودلائل ما ذكرنا لا تحصى وقال صلى الله عليه وسلم لا يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة رواه البخاري وجعل اقتفاء أثر هذه الأمة واجبا على كل أحد بقوله تعالى ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسائت مصيرا وجعل إجماعهم حجة قاطعة لا يجوز لأحد الخروج عنه ودلائل ما ذكرنا معلومة عند كل من له نوع ممارسة في العلم (اعلم) أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أن الجاهل لا يستبد برأيه بل يجب عليه أن يسأل أهل العلم كما قال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال صلى الله عليه وسلم هل لا إذا لم يعلموا سألوا فإنما دواء العي السؤال وهذا إجماع قال في غاية السؤال قال الإمام أبو بكر الهروي أجمعت العلماء قاطبة على أنه لا يجوز لأحد أن يكون إماما في الدين والمذهب المستقيم حتى يكون جامعا هذه الخصال (وهي) أن يكون حافظا للغات العرب واختلافها ومعاني أشعارها وأصنافها واختلاف العلماء والفقهاء ويكون عالما فقيها وحافظا للأعراب وأنواعه والاختلاف عالما بكتاب الله حافظا له ولاختلاف قراءته واختلاف القراء فيها عالما بتفسيره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وقصصه عالما بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مميزا بين صحيحها وسقيمها ومتصلها ومنقطعها ومراسيلها ومسانيدها ومشاهيرها وأحاديث الصحابة موقوفها ومسندها ثم يكون ورعا دينا صائنا لنفسه صدوقا ثقة يبني مذهبه ودينه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا جمع هذه الخصال فحينئذ يجوز أن يكون إماما وجاز أن يقلد ويجتهد في دينه وفتاويه وإذا لم يكن جامعا لهذه الخصال أو أخل بواحدة منها كان ناقصا ولم يجز أن يكون إماما وأن يقلده الناس قال (قلت) وإذا ثبت أن هذه شرائط لصحة الاجتهاد والإمامة فقد كل من لم يكن كذلك أن يقتدي بمن هو بهذه الخصال المذكورة (وقال) الناس في الدين على قسمين مقلد ومجتهد والمجتهدون مختصون بالعلم وعلم الدين يتعلق بالكتاب والسنة واللسان العربي الذي وردا به فمن كان فيما يعلم الكتاب والسنة وحكم ألفاظهما ومعرفة الثابت من أحكامهما والمنتقل من الثبوت بنسخ أو غيره والمتقدم والمؤخر صح اجتهاده وأن يقلده من لم يبلغ درجته وفرض من ليس بمجتهد أن يسأل ويقلد وهذا لا اختلاف فيه انتهى انظر قوله وهذا لا خلاف

Page 3

فيه وقال ابن القيم في إعلام الموقعين لا يجوز لأحد أن يأخذ من الكتاب والسنة ما لم يجتمع فيه شروط الاجتهاد ومن جميع العلوم قال أحمد بن المنادي سأل رجل أحمد بن حنبل إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث هل يكون فقيها قال لا قال فمأتي ألف حديث قال لا قال فثلاث مائة ألف حديث قال لا قال فأربع مائة قال نعم قال أبو الحسين فسألت جدي كم كان يحفظ أحمد قال أجاب عن ستمائة ألف حديث قال أبو إسحاق لما جلست في جامع المنصور للفتيا ذكرت هذه المسألة فقال لي رجل فأنت تحفظ هذا المقدار حتى تفتى الناس قلت لا إنما أفتي بقول من يحفظ هذا المقدار (انتهى) ولو ذهبنا نحكي من حكى الإجماع لطال وفي هذا لكفاية للمسترشد وإنما ذكرت هذه المقدمة لتكون قاعدة يرجع إليها فيما نذكره فإن اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنة ويستنبط من علومهما ولا يبالي من خالفه وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه ومن خالفه فهو عنده كافر هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الاجتهاد ولا والله عشر واحدة ومع هذا فراج كلامه على كثير من الجهال فإنا لله وإنا إليه راجعون (الأمة) كلها تصيح بلسان واحد ومع هذا لا يرد لهم في كلمة بل كلهم كفار أو جهال (اللهم) اهد الضال ورده إلى الحق فنقول قال الله عز وجل إن الدين عند الله الإسلام وقال تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منة وقال تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وفي الآية الأخرى فإخوانكم في الدين قال ابن عباس حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة وقال أيضا لا تكونوا كالخوارج تؤولوا آيات القرآن في أهل القبلة وإنما نزلت في أهل الكتاب والمشركين فجهلوا علمها فسفكوا بها الدماء وانتهكوا الأموال وشهدوا على أهل السنة بالضلالة فعليكم بالعلم بما نزل فيه القرآن انتهى وكان ابن عمر يرى الخوارج شرار الخلق قال إنهم عمدوا في آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين رواه البخاري عنه فحينئذ ذكر الله عز وجل أن الدين عند الله الإسلام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل في الصحيحين الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (الحديث) وفي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله (الحديث) وفي حديث وفد عبد القيس آمركم بالإيمان

Page 4

بالله وحده أتدرون ما الإيمان بالله وحده شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الحديث وهو في الصحيحين وغير ذلك من الأحاديث وصف الإسلام بالشهادتين وما معهما من الأركان وهذا إجماع من الأمة بل أجمعوا أن من نطق بالشهادتين أجريت عليه أحكام الإسلام لحديث أمرت أن أقاتل الناس ولحديث الجارية أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت رسول الله قال اعتقها فإنها مؤمنة وكل ذلك في الصحيحين ولحديث كفوا عن أهل لا إله إلا الله وغير ذلك قال ابن القيم أجمع المسلمون على أن الكافر إذا قال لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقد دخل في الإسلام انتهى وكذلك أجمع المسلمون أن المرتد إذا كانت ردته بالشرك فإن توبته بالشهادتين وأما القتال إن كان ثم إمام قاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وكل هذا مسطور مبين في كتب أهل العلم من طلبه وجده فالحمد لله على تمام الإسلام (فصل) إذا فهمتم ما تقدم فإنكم الآن تكفرون من شهد أن لا إله إلا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج البيت مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله ملتزما لجميع شعائر الإسلام وتجعلونهم كفارا وبلادهم بلاد حرب فنحن نسألكم من إمامكم في ذلك وممن أخذتم هذا المذهب عنه فإن قلتم كفرناهم لأنهم مشركون بالله والذي منهم ما أشرك بالله لم يكفر من أشرك بالله لأن سبحانه قال إن الله لا يغفر أن يشرك به (الآية) وما في معناها من الآيات وأن أهل العلم قد عدوا في المكفرات من أشرك بالله (قلنا) حق الآيات حق وكلام أهل العلم حق ولكن أهل العلم قالوا في تفسير أشرك بالله أي ادعى أن لله شريكا كقول المشركين هؤلاء شركاؤنا وقوله تعالى وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء وإذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون اجعلوا الآلهة إلها واحدا إلى غير ذلك مما ذكره الله في كتابه ورسوله وأهل العلم ولكن هذه التفاصيل التي تفصلون من عندكم أن من فعل كذا فهو مشرك وتخرجونه من الإسلام من أين لكم هذا التفصيل استنبطتم ذلك بمفاهيمكم فقد تقدم لكم من إجماع الأمة أنه لا يجوز لمثلكم الاستنباط الكم في ذلك قدوة من إجماع أو تقليد من يجوز تقليده مع أنه لا يجوز للمقلد أن يكفر إن لم تجمع الأمة على قول متبوعه فبينوا لنا من أين أخذتم مذهبكم هذا ولكم علينا عهد الله وميثاقه إن بينتم لنا حقا يجب المصير إليه لنتبع الحق إن شاء الله فإن كان المراد مفاهيمكم

Page 5

فقد تقدم أنه لا يجوز لنا ولا لكم ولا لمن يؤمن بالله واليوم الآخر الأخذ بها ولا نكفر من معه الإسلام الذي أجمعت الأمة على من أتى به فهو مسلم فأما الشرك ففيه أكبر وأصغر وفيه كبير وأكبر وفيه ما يخرج من الإسلام وفيه ما لا يخرج من الإسلام وهذا كله بإجماع وتفاصيل ما يخرج مما لا يخرج يحتاج إلى تبين أئمة أهل الإسلام الذي اجتمعت فيهم شروط الاجتهاد فإن أجمعوا على أمر لم يسع أحد الخروج عنه وإن اختلفوا فالأمر واسع فإن كان عندكم عن أهل العلم بيان واضح فبينوا لنا وسمعا وطاعة وإلا فالواجب علينا وعليكم الأخذ بالأصل المجمع عليه واتباع سبيل المؤمنين وأنتم تحتجون أيضا بقوله عز وجل لئن أشركت ليحبطن عملك وبقوله عز وجل في حق الأنبياء ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون وبقوله تعالى ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا فنقول نعم كل هذا حق يجب الإيمان به ولكن من أين لكم أن المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إذا دعى غائبا أو ميتا أو نذر له أو ذبح لغير الله أو تمسح بقبر أو أخذ من ترابه إن هذا هو الشرك الأكبر الذي من فعله حبط عمله وحل ماله ودمه وأنه الذي أراد الله سبحانه من هذه الآية وغيرها في القرآن فإن قلتم فهمنا ذلك من الكتاب والسنة قلنا لا عبرة بمفهومكم ولا يجوز لكم ولا لمسلم الأخذ بمفهومكم فإن الأمة مجمعة كما تقدم أن الاستنباط مرتبة أهل الاجتهاد المطلق ومع هذا لو اجتمعت شروط الاجتهاد في رجل لم يجب على أحد الأخذ بقوله دون نظر قال الشيخ تقي الدين من أوجب تقليد الإمام بعينه دون نظر أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل انتهى وإن قلتم أخذنا ذلك من كلام بعض أهل العلم كابن تيمية وابن القيم لأنهم سموا ذلك شركا (قلنا) هذا حق ونوافقكم على تقليد الشيخين إن هذا شرك ولكن هم لم يقولوا كما قلتم إن هذا شرك أكبر يخرج من الإسلام وتجري على كل بلد هذا فيها أحكام أهل الردة بل من لم يكفرهم عندكم فهو كافر تجري عليه أحكام أهل الردة ولكنهم رحمهم الله ذكروا إن هذا شرك وشددوا فيه ونهوا عنه ولكن ما قالوا كما قلتم ولا عشر معشاره ولكنكم أخذتم من قولهم ما جاز لكم دون غيره بل في كلامهم رحمهم الله ما يدل على أن هذه الأفاعيل شرك أصغر وعلى تقدير أن في بعض أفراده ما هو شرك أكبر على حسب حال قائله ونيته فهم

Page 6