وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون * ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين * فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون .
أتراك ترى الإعجاز الفني في هذه الآيات؟ لقد ذكرت السورة في أولها أن هناك أخا شقيقا ليوسف لم تذكره السورة بعد ذلك أبدا. حتى لتعجب ما الداعي إلى تخصيص ذكره. ولا يلبث عجبك أن يزول حين تجد يوسف يسأل إخوته عن أخيه هذا الشقيق .. أتراك تذكر هذا الأخ؟ وما لنا لا نقرأ السورة من أوائلها، ونتذكر تلك المؤامرة التي دبرها هؤلاء الإخوة؟ ألم يقولوا آنذاك:
إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين .
أذكرت الآن ذلك الأخ؟ وفي إعجاز رائع وذكاء قصصي فريد يريد يوسف أن يرى أباه وأخاه، ويريد إخوته هؤلاء المؤتمرون أن يعرفوا حقيقته. فهو لا يطالعهم بهذه الحقيقة في جملة إخبارية ساذجة .. وإنما يسألهم عن أخيهم من أبيهم، ويهددهم إن لم يأتوا به فلا كيل لهم عنده، ولا هو يسمح لهم بأن يقتربوا منه .. ويعرف الإخوة أنهم أصبحوا في مأزق؛ فإن أباهم لن يسمح لهم أن يأخذوا الأخ الثاني أيضا .. ماذا يفعلون؟
قالوا سنراود عنه أباه
15
وإنا لفاعلون * وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون * فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون * قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
انظر إلى يوسف الذي يعرف إخوته ويعرف أباه .. لقد وضع لهم كيلهم في رحالهم، وهو يعلم أنهم مع ذلك سيعودون، ويعرف أن أباه سيمنع أخاه، ولكنهم سيجدون وسيلة لإقناعه .. انظر معي:
ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير
16
Unknown page