قال: أشكرك ... لكن هذه الأمنية في يديك أنت؟
قلت كالمستغربة: في يدي أنا؟ ما علمت قبل الآن أنني رئيسة عليك، ولا أنني قادرة على نفعك وتوفير ما تتمناه!
فأحجم قليلا، وخشيت أن يعدل عن مجرى حديثه فعدت أقول: ومع هذا أسمع منك هذه الأمنية فلعلي أشير عليك بما يفيد.
وبعد جهد جهيد صرح وهو يستغفر ويتلعثم بأنه يتمنى على الله أن أسمح له بقبلة!
فسكت هنيهة لا أدري هل أضحك أم أتغاضب، وظن أنني أتجهم وأقطب وأنني أهم أن ألومه وأخاطبه بما يسوءه، فأسرع إلى الاعتذار، وأسرعت أنا إلى الكلام لئلا أضحك، قائلة: أوهذا يحسن بك يا فلان؟ لكأني بك غدا تتمادى إلى أكثر من ذاك ...
فصاح كمن مسته نار: أنا؟ أتظنين يا فلانة أنني من هؤلاء؟ معاذ الله يا فلانة! معاذ الله! •••
لم ينس صاحبنا كيف كانت تضحك وهي تحكي له هذه الحكاية، واستدل من ضحكها أكثر مما استدل من كلامها على مبلغ استخفافها بما يسمونه الصداقة بين النساء والرجال، فما الذي يمنعه أن يصدق أنها تستخف بالوفاء وتمضي مع أيسر الأهواء؟
لا، بل هي قد اعترفت له بما هو أدعى إلى الشك والريبة من جميع ما تقدم ... فقد غضب منها وغضبت منه قبل الغضبة الأخيرة مرات عديدات، بعضها يعقبه الصلح في يومها وبعضها يتجاوز الأيام وقد يتجاوز الأسابيع، ففي إحدى المرات افترقا بعد عراك عنيف بالغ في العنف والتهجم فوق ما تعودا من عراك وصدام، وسافر إلى مصيفه وسافرت إلى مصيفها، ولا مطمع لهما في لقاء، وبلغ من يقينه بالفراق الفاصل أنه عاد من سفره وهو لا يترقب منها سلاما ولو سلام المجاملة والتكليف، ولكنه بعد أيام قليلة تلقى غلافا فيه صور شمسية تمثلها إلى جانب بعض المشاهد الخارجية التي يرحل إليها المصطافون والسائحون، ومضت أيام معدودات وإذا بجرس التليفون يدق، وإذا بالمتكلم ذلك الصوت الذي لا يلتبس عليه بين ألوف الأصوات: الحمد لله على السلامة! - سلمك الله وعافاك! - هل لي أن ألقاك اليوم؟ - نعم، تفضلي! - أتفضل؟ لا، لست أتفضل، ولكني أزورك لألتمس الغفران ... هل في وسعك أن تمثل دور الكاهن في الديانة المسيحية؟
قال: أخشى أن يكون دورك إذن هو دور الخاطئة؟
قالت: هو ذاك، فإلى اللقاء ... فالتليفون لا يتسع لمثل هذا الحديث.
Unknown page